المادة    
وقَالَ المُصنِّفُ -رَحِمَهُ اللهُ:
[وما من أحد ادعى النبوة من الكذابين، إلا وقد ظهر عليه من الجهل والكذب والفجور واستحواذ الشياطين عليه ما ظهر لمن له أدنى تمييز، فإن الرَّسُول لا بد أن يخبر النَّاس بأمور، ويأمرهم بأمور، ولا بد أن يفعل أموراً يبين بها صدقه، والكاذب يظهر في نفس ما يأمر به، ويخبر عنه، وما يفعله، ما يبين به كذبه من وجوه كثيرة والصادق ضده. بل كل شخصين ادعيا أمراً: أحدهما صادق والآخر كاذب لا بد أن يظهر صدق هذا وكذب هذا ولو بعد مدة، إذ الصدق مستلزم للبر والكذب مستلزم للفجور.
كما في الصحيحين عن النبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ: {عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إِلَى البر، وإن البر يهدي إِلَى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إِلَى الفجور، وإن الفجور يهدي إِلَى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً}.
ولهذا قال تعالى: ((هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ * تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ * يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ * وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ)) [الشعراء:221-226].
فالكهان ونحوهم -وإن كانوا أحياناً يخبرون بشيء من المغيبات، ويكون صدقاً- فمعهم من الكذب والفجور ما يبين أن الذي يخبرون به ليس عن مَلَك، وليسوا بأنبياء، ولهذا لما قال النبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لـابن صيَّاد: {قد خبأت لك خبيئاً} فقَالَ: هو الدُّخ، قال له النبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {اخسأ فلن تعدو قدرك} يعني: إنما أنت كاهن.
وقد قال للنبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {يأتيني صادق وكاذب}.
وقَالَ: {أرى عرشاً عَلَى الماء}، وذلك هو عرش الشيطان، وبين أن الشعراء يتبعهم الغاوون، والغاوي: الذي يتبع هواه وشهوته، وإن كَانَ ذلك مضراً له في العاقبة، فمن عرف الرَّسُول وصدقه ووفاءه ومطابقة قوله لعمله، علم علماً يقيناً أنه ليس بشاعر ولا كاهن.
والنَّاس يميزون بين الصادق والكاذب بأنواع من الأدلة، حتى في المدعي للصناعات والمقالات، كمن يدعي الفلاحة والنساجة والكتابة، أو علم النحو والطب والفقه وغير ذلك.
والنبوة مشتملة عَلَى علوم وأعمال لا بد أن يتصف الرَّسُول بها، وهي أشرف العلوم وأشرف الأعمال، فكيف يشتبه الصادق فيها بالكاذب؟!
ولا ريب أن المحققين عَلَى أن خبر الواحد والاثنين والثلاثة قد يقترن به من القرائن ما يحصل معه العلم الضروري، كما يعرف الرجل رضى الرجل وحبه، وبغضه وفرحه وحزنه، وغير ذلك مما في نفسه بأمور تظهر عَلَى وجهه قد لا يمكن التعبير عنها، كما قال تعالى:((وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ)) [محمد:30]، ثُمَّ قَالَ: ((وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ))[محمد:30].
وقد قيل: ما أسرَّ أحد سريرة إلا أظهرها الله عَلَى صفحات وجهه وفلتات لسانه، فإذا كَانَ صدق المخبر وكذبه يعلم بما يقترن من القرآئن، فكيف بدعوى المدعي أنه رَسُول الله؟
كيف يخفى صدق هذا من كذبه؟
وكيف لا يتميز الصادق في ذلك من الكاذب بوجوه من الأدلة؟] إهـ

الشرح:
قد يرد سؤال وهو: لماذا كذبت قريش بالنبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟!
هل تكذيبها راجع إِلَى أنها غير مصدقة بأنه نبي ورَسُول وأنه يأتيه الوحي من السماء أم لأمر آخر؟!
  1. سبب رد قريش لما أتى النبي صلى الله عليه وسلم

  2. سبب رد اليهود لما أتى به النبي صلى الله عليه وسلم

  3. موقف أبي جهل من دعوة النبي صلى الله عليه وسلم

  4. فإنهم لا يكذبونك

  5. حادثة زيد بن الصنعة مع النبي صلى الله عليه وسلم

  6. اليهود قوم بهت