المادة    
  1. أسباب التأثر بالتيارات الهدامة

     المرفق    
    السؤال: ما هي الأسباب التي أدت ببعض الشباب إلى التأثر بهذه التيارات الهدامة، وما هو الحل العملي لهؤلاء الشباب للخروج منها؟ ونرجو أن يشفعه بالوقاية الخاصة؟
    الجواب: أولاً: نكرر اعتذارنا لعموم الموضوع، ولعدم التوسع والبسط فيه، ولكن نسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن ينفعنا جميعاً بما نقول ونسمع، وأن يجعل فيه تذكيراً أن يجتهد كل الشباب في البحث والجد في الذب عن دين الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وبالنسبة للسؤال: ما هي الأسباب التي أدت إلى التأثر بهذه التيارات؟!
    نعم، إذا غاب الحق فإن الباطل يظهر وينتشر، فمثلاً المناهج التعليمية التي تلقاها الشباب في أكثر جامعات العالم الإسلامي، هل تؤهله بأن يتأثر بهذه التيارات أم تؤهله ليقاومها ويصدها؟
    أنى له ذلك، أكثر طلبة العالم الإسلامي الذين يدرسون المواد العلمية البحتة أو يدرسون في الكليات النظرية وهي أشد في مناهجها بعداً عن حقيقة الإسلام لا يقرءون ولا يفقهون عن دينهم شيئاً وليس هنالك وعاء أوسع من الجهل بأن تفرخ فيه هذه التيارات بقديمها وحديثها، بقضها وقضيضها، أمة بعيدة عن كتاب الله وعن سنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
    وأيضاً: هل الوسائل الإعلامية تقوم بواجبها في تذكير الناس بتعويض ما نقص في المناهج، وبتذكيرهم بالله، بإرشادهم، بتعرية وفضح هذه التيارات وأشباهها أم أنها تصب في المصب نفسه وزيادة؟
    حتى المنابر التي يفترض أن تكون أداة لذلك كمنابر خطب الجمعة مثلاً، فهي كثيراً ما تغفل عن هذه الجوانب، وقد أصبحت الدعوة في نظر كثير من الناس من طلبة العلم ما هي إلا مواعظ مكررة، أو تعرض لبعض الأحكام الشرعية، ونحن لا ننكر المواعظ ولا ننكر الأحكام التي يجب أن يعلمها المسلمون وهي جزء من الحق، لكن لا بد أن يعرض الحق كله، ولا بد للمنابر الإسلامية أن تقوم بواجبها كاملاً كما كان الصحابة الكرام وكما كان علماء الإسلام الذين جاهدوا في الله حق جهاده حتى أوذوا في سبيل ذلك، ونحن نعلم ما تعرض له الإمام أحمد وما تعرض له شَيْخ الإِسْلامِ ابن تيمية، وما تعرض له الكثير ممن قاموا وجاهدوا في الله حق جهاده، وبينوا بقدر ما استطاعوا حقيقة هذه الضلالات القديم منها والجديد.
    وكانوا بذلك أهلاً لأن يجعلهم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أئمة يقتدى بهم في هذا الدين على مدار العصور، فلا بد لطلاب الدراسات، ولطلاب البحوث، وللشباب المحب للقراءة في الجامعات والمعاهد والمراكز المتخصصة، ولا بد لخطباء الجمعة كل في موقعه؛ أن يعتنى بدراسة هذه التيارات وهذه الظواهر لا على الإجمال -كما في هذه الندوة- بل على التفصيل، تأخذ جزئية جزئية، وتدرس دراسة علمية، ويوعى الناس عن أضرارها وعن أخطارها بقدر المستطاع.
    الآن العالم أصبح قرية إعلامية -كما يسمى- ورقعة واحدة، والتأثير الفكري في أي جزء من العالم يصل إلى أبعد جزء منه أو في أوقات لا تكاد تصدق في ما مضى، بل في القريب الماضي وليس الماضي البعيد.
    ولذلك يجب أن يحصن الشباب بالعلم، إن أهم ركيزة تقوم عليها عقيدة أهل السنة والجماعة هي العلم، ولهذا نقول -كمثال فقط- هل يمكن لطالب في قسم الكتاب والسنة -مثلاً- درس علم المصطلح والرجال أن يصدق دعاوى القوم في الطعن في السنة؟
    هو أبعد الناس عن ذلك، لأنه عرف عظمة هذا العلم ويستطيع أن يدافع به، ولكن إذا كان الشباب لم يدرسوا ذلك في مناهجهم -كما هو حال أكثر جامعات العالم الإسلامي- وجاء أولئك واستغلوا ذلك الجهل، وأخذوا يتكلمون ويقولون: رواة الحديث يقبلون كذا، علماء الحديث يجعلون كذا؛ صدقهم أولئك ولا سيما مع الآلات الإعلامية التي تعطى لهم.
    كذلك يجب أن نجعل الدين حقائق إيمانية وليست تقاليد اجتماعية، فالفتاة المسلمة مثلاً تتحجب لأن الله شرع ذلك ولأن الله أمر به.
    فنربط الأخلاق والأحكام، ونربط كل فروع الدين بأصله المكين المتين وهو الإيمان بالله، الإسلام الذي يعني الاستسلام لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، والدخول في الدين كافة، وتحكيم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في كل ما شجر بيننا، واتباع سنته في كل صغيرة وكبيرة.
    هذه هي وقاية لكل مرض من هذه الأمراض، بل لكل مرض يمكن أن يطرأ، وهي الخطوة التي لا يمكن أن نتجاوزها في أي عصر من العصور لمواجهة هذا التيار أو غيره من التيارات، وهذا أمر لا بد منه، وعليه يؤسس كل بناء بعد ذلك.
  2. سؤال يتعلق بالفرق القديمة المعاصرة

     المرفق    
    السؤال: ما صحة قول القائل: إن (80%) من المسلمين اليوم مرجئة باعتبار أنك إذا دعيت أحدهم إلى أمر من الإسلام قال: الإيمان في القلب؟
    الجواب: الحمد لله، تنبيهاً أقوله: إننا لم نقصد بهذه الندوة شخصاً أبداً كائناً من كان، بل نحن في الحقيقة كما قال الدكتور عبد الله أنه جاءنا العنوان هكذا، وتعبنا كثيراً في لمّ عنوان كهذا العنوان الهام، وكثيراً ما تفسر الأمور خطأ، ولكن لا بد في ذكر المسائل العلمية -ولا سيما في ما يتعلق بالأعداء، أو من ينفذ خطط الأعداء بعلم أو بغير علم- إن لم تذكر بعض الأمثلة وبعض الأسماء فالكلام يظل عاماً، وقد يخرج البعض ويظن أننا نتكلم عن أحداث تجري في داخل سور الصين العظيم، فلهذا لا بد أن نأتي ببعض الأمثلة والشواهد الواقعية، ولا نقصد أحداً بذاته كائناً من كان.
    وبالنسبة لقول الأخ (80%) أقول: إنه ينبغي لنا من حيث المنهج العلمي أن لا نقصر الحقائق العلمية هكذا، ونحن لا ندري عن (80 ولا عن 90)، ولا ينبغي أن يقال كذلك من الناحية العلمية، وإنما يقال إن هذا الشيء منتشر بين الناس، وهذه حقيقة.
    إن ما ينتشر ويروج بين العامة من أن الإيمان هو الشعور الطيب فقط أي: مشاعر نفسية في القلب، حب مجمل لله أو للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو للدين وهذا هو المطلوب هو في حقيقته قريب جداً من كلام المرجئة الغلاة الجهمية الذين يقولون: إن المعرفة تكفي، لكن لا نستطيع أن نقول أن هؤلاء العوام جهمية ولا نقول أيضاً إنهم مرجئة وإنما هذه الأفكار تتلاقى، وهذا الشيطان يدعو أناساً لتبني بدعة معينة، ويدعو آخرين إلى آثار هذه البدعة وإلى مقتضياتها وإن كانوا لم يسمعوا بهذه البدع ولم يعلموا عنها شيئاً.
    فالإشكال عندي -وهو الذي عجبت له- أن يوجد كتاب ودعاة إسلاميون يدافعون عن الإرجاء، أما ما عند العامة فلا يستغرب إذا كان الدعاة إلى التغيير والإصلاح يدافعون ويقولون: إن الإيمان قول والعمل ليس من الإيمان، فَلِمَ نستغرب أن تشيع عند العامة مثل هذه الأفكار ومثل هذه الآراء؟!
    فلا بد أن تصحيح هذا الواقع بدعوة الناس إلى حقيقة لا إله إلا الله، وإلى حقيقة الإيمان، وقد عرضها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واضحة سهلة ميسرة؛ كما في حديث الشعب: { الإيمان بضع وستون -أو بضع وسبعون- شعبة } وكما في أحاديث الإمام البخاري في كتاب الإيمان؛ ذكر في تراجمه باب كذا من الإيمان، وكذا من الإيمان وكذا من الإيمان وهي موجودة حتى في الكتب الوعظية التي تقرأ أحياناً أعقاب الصلاة كـرياض الصالحين وغيره، أمور واضحة.
    ولكن هذا الإرجاء كحقيقة أو كمنهج أو كفكرة لها وجود تاريخي معين تسربت آثاره نتيجة لعوامل أخرى غير الإرجاء نفسه؛ منها: التراخي، والتكاسل، وحب النفس للخلود للدنيا، وحب النفس ألا تُكلَّف كما يحب الإنسان أن ينام ولا يصلي الفجر إلا متأخراً، وقد لا يكون سمع عن المرجئة شيئاً، لكن هذه طبيعة نفسية حببت إلى النفوس كحب الإخلاد والدعة، ثم تلتقي هذه العوامل مع عامل التصوف مع عامل الإرجاء مع عوامل أخرى، فتشكل هذه القاعدة العريضة في الأمة الإسلامية ممن يظنون أن الإيمان هو مشاعر عامة هائمة، وليست واجبات وأموراً تكليفية قد تشق على النفوس في كثير من الأحيان، ولكن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جعل سلعته غالية وهي الجنة، ولا تنال إلا بهذا التعب وبهذا الجهد كما جاهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه لتحقيق هذا الإيمان.
  3. بشرى بالوعد المرتقب

     المرفق    
    السؤال: سمعنا من بعض الأساتذة بالجامعة بأن انتقال اليهود من الاتحاد السوفييتي إلى فلسطين تحقيق لوعد الله عز وجل، ما مدى صحة هذا القول على هذا الفعل عند اليهود، نرجو من فضيلتكم إعطاء نبذة سريعة عن هذه البشرى من الله ومن رسوله وجزاكم الله خيراً؟
    الجواب: لا شك أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أخبر وأن بعض المفسرين قد فسرها في أول سورة الإسراء بذلك، أي: بأن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى سوف يقدر ويقضي أن يجتمع اليهود وسيقاتلهم المسلمون، وسوف تكون الغلبة -كما هي دائماً في جميع المعارك- لكلمة الحق والإيمان.
    نعم هذه حقيقة؛ لكن نحن لا يجوز لنا أن نفسر آية من كتاب الله أو حديثاً من سنة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأن ننزله على الواقع إلا ببينة وبرهان من الله تعالى، وإلا كان ذلك ضرباً من القول على الله تعالى بغير علم، هذه واحدة.
    والأخرى: أننا أحياناً -وأقولها بكل صراحة- كثيراً ما نغلب جانب العاطفة المحضة، فلا نأخذ من الأمور إلا مظاهرها أو بعض ظواهرها، وننسى أعماقها وحقائقها فيكون له الأثر الكبير في مواقفنا من هذه الأمور ومن هذه القضايا.
    وقد قلت في محاضرة سابقة -وما أكثر ما سئلت هذا السؤال- قلت: لا يعقل -ولا يصدق ونحن الآن أحوج ما يكون إلى دراسة ما حدث في أوروبا الشرقية وتأثيراته، وهي أحداث سريعة متلاحقة تستدعي الدراسات الجادة العميقة المتأنية لها، والتحليل العلمي لنـتائجها وأسبابها ومؤثراتها- أن نأتي نحن فنروج وبكل بساطة أن هذا ما يحدث إلا لأجل أن يجتمع اليهود، ثم نقاتل اليهود وننتصر، وكأن هذه الأمور إنما تقع كلها لسواد عيوننا لكي نهزم اليهود.
    أقول: قد يكون ذلك نوعاً من العاطفة التي ترتاح لها العقول، ولكنها في الحقيقة مخدر عن الواجب الذي يجب أن نعمله.
    إن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد قال وهو الصادق المصدوق: { إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، والذي نفسي بيده لتنفق كنوزهما في سبيل الله عز وجل }.
    وقال في الحديث الآخر: { تغزون جزيرة العرب فيفتحها الله لكم، ثم تغزون فارس فيفتحها الله لكم، ثم تعزون الروم فيفتحها الله لكم، ثم تعزون الدجال فيفتحه الله لكم } وكل هذه سمعها الصحابة الكرام فهل قالوا: إذاً من فضل الله علينا أن كسرى يقوم ويجمع الجيوش لأننا سننتصر أو الروم؟
    كلا. وهم أكثر الناس تصديقاً لكلامه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بل عدوا الجيوش وحملوا هَمَّ ذلك، كما قالعمر رضي الله عنه: [[ وددت أن بيننا وبين فارس بحراً فلا يصلون إلينا ولا نصل إليهم ]] وهو يعلم بهذه البشارة، وهو الذي أعطى سراقة سواري كسرى وألبسهما إياه تصديقاً لهذه البشارة.
    مع ذلك ما كان يريدها لأنهم قوم يحسبون لمثل هذا الكلام عدته، ويعلمون أن ذلك يستتبع ويستدعي الواجبات، الجيش الذي سيواجه اليهود ويقاتلهم وينصره الله عليهم ما شروطه؟
    ما مواصفاته؟
    ماذا يجب أن يتحقق في كل فرد منه وفي القيادة؟
    ومن هذه الأمة، أهي نحن؟
    نحن أبعد ما يكون -وأقولها بصراحة- نحن الذين لما قامت الأحداث الأخيرة التي فوجئ بها أكثر الناس، وهي الأطفال الذين يرمون الحجارة ويقولون: الله أكبر، أخذت الساحة تموج وتضطرب: كيف يمكن أن نواجه هذا العامل الجديد في مسيرة القضية بعد أن كانت متجهة إلى السلام بإجماع المنطقة؟
    من أين جاء هذا العامل الجديد الذي بدأ يقلب اللعبة ويؤثر فيها؟
    نحن لا يمكن أن ننتصر ونحن في هذا الوضع، وليس هذا تيئيساً ولا تخذيلاً، ولكن لأن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جعل لنصره شروطاً وجعلها في كتابه (( إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ ))[محمد:7].
    فهل نحن ننصر الله بوضعنا وبواقعنا هذا؟!
    لا.
    نحن -والحمد لله- مهيئون لأن نستكمل شروط النصر، نعم؛ لكن ما يزال بيننا وبينه مسافة.
    فلو فرض أن اليهود المجتمعين في هذه الأرض هم الذين سوف يقاتلهم المسلمون؛ فإن ذلك يكون بعد أن يقضوا على وجودنا نحن جيل الهزيمة إلا من ثبته الله ووفقه، ثم يأتي جيل آخر -كما حدث في الحروب الصليبية، وكما حدث في التتار وغير ذلك.
    فالجيل الأول جيل الهزيمة وجيل التبعية وجيل الإخلاد إلى الدنيا؛ فهذا لا ينتصر عليهم، وإنما يأتي الجيل الثاني أو الثالث أو الجيل الذي هيأه الله تعالى وأُهِّل بصفات المؤمنين المنتصرين.
    فنعم نحن نستبشر، والمستقبل بلا ريب لهذا الدين ولا شك، مهما كثرت التيارات ومهما كثر الهدامون، لكن يجب أن لا ينسينا ذلك واجبنا، بل نتخذ من هذه البشارات معالم على طريق السير والثقة، ونعلم أننا سنخسر ونضحي بتضحيات كبيرة، وقد خسر الصحابة الكرام.
    ولا نقول: لم تكن خسارة ولكن من حيث الفقد، فإن سبعين من القراء قتلوا في غداة واحدة، وقتل كذلك سبعون من الصحابة في يوم أحد، وقتل من قتل قبل أن يفتح الله تبارك وتعالى البيت الأبيض - بيت كسرى - وقتل أيضاً الألوف المؤلفة قبل أن تفتح الروم.
    وكذلك سوف تقتل ألوف الله تعالى عليم بها في الملحمة مع الروم، وفي الملحمة مع اليهود، هذه البشارات لا تنال إلا بتضحيات بجهود لا يحملها إلا رجال العقيدة، رجال الإيمان الذين يخرجون مجاهدين في سبيل الله ويريدون إعلاء كلمة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ولا يطمعون في عرض من أعراض الدنيا الفانية، ولا يريدون بذلك إلا أن ينصروا هذا الدين.
    نسأل الله أن يجعلنا أهلاً لنصره، وأن يجعلنا من يسن سنة حسنة في الدعوة إليه، والجهاد في سبيله، وأن يقر أعيننا بانتصار الحق وظهور السنة إنه سميع مجيب والحمد لله رب العالمين.