ولأقوالهم السابقة أهداف منها:
أنهم يتصدروا الكلام في هذه القضايا، وكأنهم هم الذين أحدثوها.
ومنها أن يقال: إن الأمة مادام لا تاريخ لها ولا كتابة لها في مجال السياسة والإمامة، فإذاً عليها أن تستورد ذلك من الغرب، ولا حرج ولا غضاضة في ذلك، ويقولون: انظروا إلى كتب الفقه، تقرأ الكتاب من أوله إلى آخره لا تجد فيه إلا الطهارة، والحيض، والنفاس، ثم الحدود، والمعاملات، فلا تجد فيه الإمامة، ولا الخلافة، ولا الفقه السياسي والبرلمان، ولا صلاحيات الملوك، أو صلاحيات المجالس النيابية، هذا دليل على ماذا؟
على أن المسلمين لم يبحثوا هذه الأمور! وأن الفقه الإسلامي عاجز وقاصر عنها، فإذن نستكمل ذلك من القوانين الوضعية، ونقبل اجتهادات هؤلاء المجددين -بزعمهم- وهكذا يلبسون على الجهال، ولا يمضي ذلك إلا على الجهال.
ومن آخر ما أحدثوه -وقد نشر ذلك في
جريدة أخبار اليوم قبل فترة من الزمن- أنهم يريدون تأسيس فلسفة إسلامية معاصرة، وقد وجدت في
أمريكا مجموعة تسمى الفلسفة الخالدة، ويقولون: نستمد من
ابن عربي ومن
ابن سينا ومن
أفلاطون ومن
ديكارت وغيرهم.
قالوا: إنه لا بد من تأسيس فلسفة إسلامية جديدة، وعلم كلام جديد، وقد أسسوا لذلك بعض الدور أو بعض المعاهد في
أمريكا ويريدون أيضاً افتتاح ما يشابه ذلك في بعض البلاد الإسلامية لإنشاء فلسفة حديثة.
حقيقة لا نستطيع أن نأتي على كل ما يمكن أو على شيء مما يهدف إليه هذا التيار، وإنما نحب أن نذكر أن هذا التيار الوافد خطر جداً، وأنه يأتي بديلاً عن التيارات أو الاتجاهات التي تساقطت أو تهالكت -والحمد لله- كـ
القومية و
الاشتراكية و
العلمانية الصريحة أيضاً في ثوبها المكشوف، كل هذه تهاوت وتهالكت، ويراد لهذا التيار عالمياً ودولياً أن يكون بديلاً للواقع الإسلامي، ليضرب به شباب الصحوة والدعوة الإسلامية، الذين يريدون العودة إلى الكتاب والسنة، وإلى منهج
السلف الصالح هذا هو الهدف العام الذي يريده هؤلاء وأتباعهم بعثرة الطريق أمام الصحوة الإسلامية، ولهذا يرددون الشعارات نفسها التي رددها أولئك في الغرب: الانفتاح، التعددية، المناخ السياسي، الحرية السياسية إلى غير ذلك، يرددون مطالب قد أكل الدهر عليها وشرب فيما مضى، ولكنها تلبس اليوم ثوباً إسلامياً فضفاضاً.
فالإسلام عندهم ليس عقيدة، وليس ديناً بالمعنى الذي نفهمه نحن، بل الإسلام عندهم هو نظرية للحياة، وفكرة اجتماعية، ومبادئ عامة وليست أحكاماً ملزمةً من عند الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ومن هنا فإن صور التدين -كما يقولون- تتعدد بحسب البيئات والأحوال والمجتمعات، والكل يلبس هذا الثوب الفضفاض الواسع، وهو ثوب الإسلام.
إذاً الإسلام عندهم مجرد رموز وشعارات قابلة للتغيير أو للتطوير كما يشاءون، المهم أن يكون في الشكل أو في الصورة التي ترضي أولئك الحاقدين من المستشرقين ومن وراءهم.
والشيء الجديد الذي لا بد أن نقوله وأن نضيفه أيضاً: هو أنه منذ أن تزعمت
الولايات المتحدة الأمريكية العالم الغربي الصليبي، وبعد أن وصل الغرب إلى ما وصل إليه من أجهزة للرصد، وللتحليل، وللدراسة المتعمقة التخصصية في مجالات محاربة الإسلام، أصبح الوضع أشد خطورة؛ لأنه لا يبدو بالشكل الذي يمكن أن يثير المسلمين، وإنما يأتي بشكل ردود فعل، أو نوع من الإشارات لرصد ردود الفعل إليها، ثم خطوة بعد خطوة.
ومما نشر واشتهر أن الاستخبارات الأمريكية عام (1983م) بعد عدة أحداث حدثت في المنطقة الإسلامية، أنها عقدت أكثر من مائة ندوة لدراسة الصحوة الإسلامية؛ أي: بمعدل كل ثلاثة أيام ندوة علمية متخصصة، وقد نشر في "
الوطن العربي" وفي
مجلة المجتمع وغيرهما بعض محاضر للجان العليا في الكونجرس، وما دار فيها من دراسات بشأن بعض ما يتعلق بالصحوة الإسلامية، والقنبلة الإسلامية التي يقولون إن "
ضياء الحق" كان يريد أن يفجرها.
وموضوع الجهاد الأفغاني، والجهاد الفلبيني، والجهاد الإرتيري والذي وقف الرئيس
كارتر بنفسه لإجهاضه.
وكذلك في كل مكان نجد هذه الخطط، ولكنها بهدوء، وبنعومة شديدة، وبدراسة متأنية، فالحرب الآن لم تعد بالشكل الذي كان من السذاجة أيام
كرومر و
دنلوب وإنما ترقى الأمر إلى أجهزة متخصصة للرصد وللتحليل بطريقة استقرائية علمية، ثم بعد ذلك تكون التجارب الواقعية.
وقد يصل الأمر -وهذا ملاحظ في الساحة الإسلامية- أحياناً إلى أن تتدخل الدول الغربية لمصلحة إحدى الطوائف التي تنادي بهذا الإسلام إما إفراجاً عنها، وإما تيسيراً لها، وإما سماحاً لها بتكوين بعض الأحزاب، وذلك لهذا الغرض نفسه، لغرض أن لا يوجد التيار الآخر الذي هو أشد خطورة، والذي بدأ يقض مضاجعهم، وهو الاتجاه الذي يدعو إلى الكتاب والسنة على منهج
السلف الصالح.
وأختم هذا بالتذكير بأنا لا نقول: هذا الكلام إلا للتذكير بخطر هذا التيار وضرورة معرفته وإلا فإن النصر لهذا الدين بإذن الله،، وما هذا إلا ابتلاء وعداوة من ضمن العداوات، وسوف ينتصر أهل الحق، وسوف تظهر
الطائفة المنصورة وتتغلب، ويبلغ هذا الدين ما بلغ الليل والنهار -بإذن الله- لكن ذلك لن يكون إلا على جسور مضنية من الدماء والجهود، والتضحيات، هذه سنة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في خلقه، والحمد لله رب العالمين.