المادة    
والدكتور/سفر يبين لنا زيادة على ذلك الأفكار العامة لهذا التيار، ووجه الخطورة فيها.
قال الشيخ : سفر الحـوالي حفظه الله .
الحمد لله، في الواقع أنه من الصعب جداً استعراض هذا الاتجاه بالتفصيل، ولا سيما أنه لا يمثل منهجاً فكرياً موحداً، وهو منهج سلبي -إن صح التعبير- بمعنى: أن القاسم المشترك الذي يربطه والذي يجمعه وينتظمه هو هذا الموقف من الإسلام الحق ومن السنة وأهلها المتمسكين بها كما أنزله الله، وكما كان السلف الصالح يجمعهم مخالفة ذلك، وانتهاج مناهج شتى بعد ذلك بحسب التربية الفكرية، وبحسب التوجيه الذي يوجهون به، وبحسب التبعية، فكل منهم يتبع سيداً في الشرق أو في الغرب، فلا يجمعهم في الحقيقة إلا هذا.
فمن هنا تجدون تحفظاً من الجميع على تسميتهم المعتزلة بإطلاق، فهم ليسوا بـمعتزلة جدد بالمعنى الكامل، لكنهم أقرب ما يكونون إلى ذلك، لأنهم يدعون أو يزعمون أو ينتحلون الانتساب إلى المنهج العقلي، وبعضهم يصرح بهذا وربما سمع به أو سمعه الكثير أن هذا من منهج المعتزلة، وذلك ستار ومنفذ لما بعد ذلك إذ منهج الاعتزال هو في الحقيقة أخف مما يدعون إليه، لكنه أعم من المناهج الأخرى، التي لا يستطيعون التسلل من خلالها، ولا سيما مع هذا الإعجاب الغربي بالمنهج الاعتزالي، لأنه يستقي مصادره من الجاهلية أو الوثنية الإغريقية التي هي منبع الحضارة الغربية نفسها، ومن هنا يريدون عوداً على بدء، فتلقي الحضارة الإغريقية القديمة التي مرت خلال الاعتزال، وخلال الفلسفة التي تسمى إسلامية بالحضارة الغربية المعاصرة، وكأنهما شقان انفصلا في القرون الوسطى، والتقيا الآن بعد أن كانا ملتقيين في المنبع والأصل وهو الحضارة أو الفكر الإغريقي.
أقول : لذلك لا نستطيع التفصيل فيه ولكن يمكن أن نوجز بأن نضع أسساً عريضة أو قواعد عامة، لهذا الاتجاه ولهذا التيار.
وأول شيء يلفت النظر فيه: هو أنه يهدم العلوم المعيارية الأساسية في الفكر الإسلامي، وفي العلم الإسلامي، بمعنى: أن الجديد فيه: أن المعتزلة على سبيل المثال يتكلمون في أمور الاعتقاد، وفي أمور الغيب، ولكنهم لم يتعرضوا في الجوانب الاجتماعية والأحكام، والجوانب الأخلاقية، وما أشبه ذلك، فكان الأمر محصوراً عندهم بما يسمى الإلهيات وما يتعلق بها.
وهكذا كان بحث الحضارة الغربية القديمة الإغريقية واليونانية في مباحث الإلهيات كما دونها "أرسطو وأفلاطون" وهؤلاء زادوا على ذلك، بأنهم ضربوا المجتمع الإسلامي في صميمه بالقضاء على هذه العلوم المعيارية جميعاً حتى في أصول الفقه وأصول التفسير وأصول الحديث، كل هذه العلوم هي محط نقدهم الذي لا ينتهي عند حد، كان الفلاسفة والفلسفة الإسلامية تقول: ''ما الدين والشريعة إلا سياسة مدنية''، فهم على الأقل كانوا يرون أن الدين يصلح شريعة للعامة.
أيضاً يقولون: ''إنه لم يطرق العالم شريعة أكمل من شريعة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ'' فهي عندهم تصلح للعامة أما العقول الراقية والحكماء، فالحكمة هي التي تصلح لهم -كما يقولون ويدعون- جاء هؤلاء فأتوا بالطامة التي لم يقلها أولئك، وهي أنه حتى في واقع المجتمع وللعامة لا يصلح هذا الدين أن يطبق.
والكلمة التي قالها "كرومر" في كتابه "مصر الحديثة ": ''إن الإسلام ناجح كدين، ولكنه فاشل كنظام اجتماعي'' جاء هؤلاء المجرمون وهم ممن ينتسبون إلى الإسلام، وإلى الأمة المؤمنة فمدوا هذه العبارة وجعلوها كالنموذج أو كالمنهج لهم، ومن هنا -كما أشرنا- ضربوا أصول الفقه والأحكام الشرعية عامة بما يتفق مع الحضارة الغربية، حيث الموجهون، وحيث الأسياد.
الحجاب -مثلاً- ماذا قالوا عنه، وهو مما لم تتعرض له الفرق القديمة، أو عرض له كتطبيقات بناءً على أصول عند الباطنية ثم انتهت، قال هؤلاء : إن حجاب المرأة المسلمة تقليد وعادة موروثة، ومهما تعاقبت عليه القرون فهو عادة من عادات الفرس أو الترك.
أما الإسلام الذي يريدونه، وفي هذا العصر بالذات فهو أن يكون المجتمع -لا يقولون: مختلط- لكن يقولون: ليس منفصلاً كما كان في القرون الأولى، وليس مختلطاً كما قد يفهم البعض منا، ولكن نريد المجتمع المحتشم تعمل المرأة مع الرجل، فيتلاقيان في الدوائر الحكومية وفي المدارس وفي كل مكان ولكن كما يقولون محتشمة.
  1. تمييعهم للأحكام الفقهية

    لقد جاءوا إلى الشذوذات الفقهية، ونذكر واحداً منهم وهو مصطفى المراغي فعندما اجتمعت لجنة التقنين في مصر قال "للسنهوري" ومن معه: ''ضعوا أي شيء ترونه مناسباً للمصلحة وللواقع وللعصر ضعوه كما تشاءون، وأنا مستعد أن أخرِّجه على أي قول من أقوال الفقهاء في أحد المذاهب الأربعة أو في بعضها إما قول ضعيف أو راجح أو مرجوح''
    وتنسب عبارة مثل تلك إلى الشيخ "الشرقاوي" بالنسبة إلى ما يتعلق بقانون "نابليون" عندما عرضه عليه "الخديوي" المهم أن الواقع هو الذي يوجه الشرع، من أين نأخذ الدين؟
    نأخذه من الواقع، وأي واقع؟!
    هو الواقع المساير لركب الحياة، والحضارة الغربية.
    وجد من علماء المسلمين من أفتى بأن سماع الغناء والموسيقى لا بأس به، وهذا شذوذ، ومن تتبع رخص العلماء تزندق كما قال الفقهاء، جاء هؤلاء وجمعوا شذوذات أخرى، وإذا بنا نجدها في كتاب متداول اسمه "آراء تقدمية في الفكر الإسلامي" للدكتور/ محمد حسني عثمان جمعها، وسماها بهذا الاسم، ويقول في كتابه "الإسلام وتطوره": ''إنه قد نشرت الصحافة الغربية أن أحد الكاردينات الكبار -مقرب جداً من البابا- قد سار في شوارع روما، وفي صدره صورة "صوفيا لوريل" الممثلة الإيطالية، قال: فمتى يأتي اليوم الذي نرى فيه أحد شيوخ الأزهر وهو يمشي وعلى صدره صورة إحدى الممثلات؟!''
    إذاً هم يريدون أن يهدموا هذا المجتمع.. الحجاب، الحياء، العفة، الفضيلة، أحدهم ينشر مذكرات هي الآن تنشر تقريباً في جرائد، وفي مجلات يذكر قصته مع الحب، ويذكر فيها قصته مع الغناء، ويتحدث بكل صراحة ووضوح وأن هذا رأيه، وأن الحب يجب أن يكون كذلك، وأن هذا هو حقيقة الإسلام، والجديد الذي عملوه أن ما كان ينادى به قبل أربعين أو خمسين سنة على أنه إباحية وينادى به هكذا بوضوح: اتبعوا الغرب فيه، الآن يقال: اتبعوا هذا فهو حقيقة الإسلام.
    في مجال العقيدة -أيضاً- أصبحنا نعجب والله، فهناك مجلات وملاحق لجرائد يومية مشهورة لا تخفى على أحد تتحدث عن الأضرحة، وعن المزارات، والقبور، والمشاهد -سبحان الله!- ما هذا الدين الجديد؟
    هذا الذي كان رجعية وتأخر، فالآن هناك اتجاه مرذول ومرفوض ومحارَبٌ بكل قسوة وهذا الاتجاه هم الأصوليون، وهناك اتجاه يوسع له المجال، وتفتح له الأبواب لينشر، وهو الذي يصور أدنى وأحط مرحلة وصلت إليها الأمة الإسلامية، بل أحط ما يمكن أن يصل إليه الإنسان -أي إنسان- وهو أسفل سافلين، وهو الوقوع في الشرك بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وعبادة الموتى والقبور من دون الله، ملاحق للأهرام ولغير الأهرام، وحتى المجلات الإباحية وبعض المجلات الخليجية، والجرائد الخليجية الإباحية تأتي وتتحدث عن الأضرحة والمزارات في كثير من الدول، وعن الأولياء والموالد والكرامات، حتى في مجال العقيدة البحتة تدخّلوا ليفرضوا هذا الدين الجديد الذي يريدون أن يشتتوا به ما كانت عليه الأمة.
    أعود وأقول: ما معنى أن يتعرض لأصول الفقه -مثلاً- ولهدمه والإتيان بأصول فقه جديد؟
    "جولدزيهر" في كتابه "الإسلام عقيدة وشريعة" يقول: ''إن المسلمين أرادوا ضمان تطور الإسلام مع العصور، فاستحدثوا أصلاً ثالثاً بعد الكتاب والسنة وهو الإجماع، فإذا رأوا أن أمراً ما في عصر من العصور قد وقع واستقر؛ جاءوا وقالوا: من باب عموم البلوى، وكذا، ونجمع عليه فيجمعون فيصبح من الدين، وتلزم به الأمة'' أي جعلهم كـالفاتيكان، هذا كلام "جولدزيهر".
    ويظهر بعض الدعاة والذين يدعون إلى الإسلام وينتسبون إليه ولهم دعوات، ويقول : الإجماع يمكن أن تجمع مدرسة ثانوية على شيء ويكون هذا إجماعا، الإجماع الواسع، والقياس الواسع، وبدعوى ماذا؟
    بدعوى التجديد، والتطوير، والتطبيق العصري لهذا الدين كما يزعمون.
  2. طعنهم في السنة

    علم "أصول الحديث" نعم هوجمت السنة من قبل "النظام، والعلاف"، وقالوا في خبر الآحاد ما قالوا، وقالوا في الأحاديث التي تخالف العقل ما قالوا، هؤلاء هم زعماء الاعتزال الأوائل، لكن لم يجرءوا على ما جرأ عليه هؤلاء من هدم هذا الأصل نفسه.
    إن الميزة التي يذكرها علماؤنا في كتب المصطلح، وهو أن الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- شرف هذه الأمة بالسند، وبحفظ هذا الدين، وقال علماؤنا: ''إن العلم هذا دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم''
    وهؤلاء يريدون أن يهدموه، فأخذوا يطعنون في علماء الأمة، ويطعنون في علم المصطلح وفي علم الرجال ومن ذلك -وهي طامة كبرى، ورحم الله الأستاذ الدكتور/ محمد محمد حسين كما قرأ الدكتور محمد في كلامه- طعنهم في الصحابة الكرام بما لم يجرؤ عليه إلا الروافض وأشباههم، عندما يقولون: كيف يقول علماء المصطلح: إن الصحابة كلهم عدول؟!
    من أين جاءت القداسة لهم؟!
    ويقولون: كيف يقال إن الصحيحين كل ما فيهما صحيح؟
    وهل الصحابة معصومون؟
    هل البخاري ومسلم معصوم؟
    مع أنه لم يتكلم أحد مِنْ علماء المسلمين بعصمة أحد، فمَنْ مِنْ علماء الرجال ادعى العصمة لـأبي بكر أو لـعمر فضلاًَ عن البخاري وغيره؟
    المسألة معايير وعلوم معياريه مؤصلة مقعدة، ما قال أحد عصمة، وإنما قال ثقةٌ ثبتٌ، أو صدوقٌ، أو ضعيف إلى آخره.
    هم أتوا ليلبسوا على الناس، فقالوا: هل هم معصومون؟!
    فإذا لم يكونوا معصومين، فهم مخطئون وهكذا، وما دام أنهم مخطئون فلا نأخذ أقوالهم، ويردون ما شاءوا كما شاءوا من هذه العلوم.
    إن السنة النبوية هوجمت في هذه الأيام وما تزال تهاجم، والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يريد أن يكشف خبيئة هؤلاء الأقوام، وفي إحدى الجرائد المحسوبة على المسلمين نشرت موضوعاً حول السنة وتنقيتها، وأراد الله أن تظهر الحقيقة عندما قال أحد هؤلاء الرافضين للسنة في معرض رده للأحاديث الصحيحة كأحاديث {لا يقتل مسلم بكافر} قال : ''كيف لو أن رجلاً عربياً قتل مهندساً أمريكياً مسيحياً أو يهودياً؟!'' هذه هي القضية والمشكلة عندهم، أي لو كان المقصود مهندساً هندياً ليس هناك مشكلة، لكن يكون مهندساً أمريكياً، ولا يقتل به فغير معقول أن لا يقتل به العربي؛ بل لابد أن يقتل!
    ولهذا لما تكلموا -وعن الحجاب من هنا نعرف كيف ضربوا الحجاب! وكيف حاربوه! قالت إحداهن وهي "أمينة السعيد" وهي آخر الجيل الهالك: النقاب بدأ ينتشر في الجامعات المصرية!، وتصرخ وتولول في جرائد كثيرة على أن جهودها ضاعت، وأن الحجاب بدأ يرجع، وأن النقاب بدأ يرجع من جديد، لكن لم يؤبه لها، فيأتي شيوخ معممون من دعاة هذا الاتجاه فيقول: أنا أذكر لكم قصة، كيف أنه في أحد مؤتمرات المستشرقين عقد مؤتمر عن الحجاب، وأرادوا تشويه الصورة، فجاءوا بامرأة أوروبية، وعملوا لها حجاباً ونقاباً، وأخرجوها فجأة على المسرح أمام الجمهور، فاشمأزوا، ونفروا، وتضايقوا وقالوا: هكذا تريدون المرأة كان هذا جواباً، فلا يحتاج أن نبحث عن حجاب المرأة في الإسلام، أي يكفي أن عقول الخواجات استبشعوا ذلك، فإذاً ليس هناك داع أن نناقشه.
    وهكذا كل سنن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، المهم أن يرضى عنا الغرب بعضهم يصرح وبعضهم يلمح، وهذا الذي يعرف من لحن أقوالهم.
  3. طعنهم في علماء الأمة

    إذاً: هدموا الشريعة، وهدموا العقيدة، هدموا مبدأ الجهاد، والموالاة والمعاداة كما تفضل الدكتور/ محمد عندما قالوا: إن دار الحرب ودار الإسلام من العنصرية العصبية التي أوجدها فقهاء المسلمين، وصرح بذلك حسين أحمد أمين
    تلك العصا من هذه العصية            ولا تلد الحية إلا حية
    حسين بن أحمد أمين قرأت له في مجلة كل العرب عندما قال: ''السلفية هم النازية العصرية؛ لأنهم يرون لهم امتياز عن الناس'' عندما تقول أنت: إن المسلم خير من الكافر كما قال الله، وكما قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يثورون، ولكن انظروا حتى تعرفوا هؤلاء القوم ((قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ))[آل عمران:118] وتعرفوا من يوالون، انظروا متى تثور أقلامهم، فعندما يكتب في الصحافة الغربية، وينشر في وسائل الدعاية الغربية من حط للإسلام والمسلمين، بل لشخص رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حتى ما ينشر فيه حط وإهانة لشخص رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وللصحابة الكرام لا تشارك أقلامهم الدنسة فيه بشيء، فإذا جاء ما فيه نوع من التعرض للإنسان الغربي أو الأوروبي، فإنهم يثورون ويقومون ويقولون: هذه من عنصرية فقهاء الإسلام.
    ومن جهلهم ما ادعوه -وكثيراً ما يرددونه- أن المسلمين لا يؤمنون بـالديمقراطية، يقولون: إن الإسلام ديموقراطي -بزعمهم- ويقولون: إن فقهاء المسلمين هم أبعد شيء عن البحث في أمور السياسة والحكم، لأنهم لم يخوضوا في هذا المجال.