المادة    
أما مسألة السؤال: فأشير إلى حديث يعتبر أصلاً في هذه القضية، وهو قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {إن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة} ثم يبين صلوات الله وسلامه عليه من هي هذه الفرقة الناجية، فيبين أنها: {من كان مثل ما أنا عليه وأصحابي} أو كما قال صلوات الله وسلامه عليه، وقد تقدم العذر في مسألة طول الموضوع، إذ الجزئية منه تحتاج إلى محاضرات وندوات مستقلة، لذلك سيكون الحديث أو إجابة بعض الأسئلة أشبه ما تكون ببرقيات، وهناك كتب ومراجع عالجت مثل هذه الموضوعات، فما مات نبينا صلوات الله وسلامه عليه إلا وقد أكمل الله تبارك وتعالى لهذه الأمة أمر دينها، وترك أصحابه رضوان الله عليهم على هذه المحجة، وقاموا بحمل الراية من بعده، ثم حدث الافتراق.
  1. أوائل الفرق الإسلامية

    كانت أول فرقة خرجت من هذه الأمة هي فرقة الخوارج، التي استحلت دماء المسلمين، وفعلت الأفاعيل في شق عصا الطاعة، وفي الخروج على ولي الأمر، وفي تكفير الناس بالذنوب، ولا يزال هناك -كما سيرد إن شاء الله- براهين على أن للفكر الخارجي وجود إلى هذه اللحظة، وقد بين نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خطر هذه الفرقة وحذر منهم، مبيناً: {أنكم تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم، وصيامكم إلى صيامهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية} ثم يقول: {اقتلوهم فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم، لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد} أو كما قال صلوات الله وسلامه عليه.
    وخرجت بعد ذلك فرقة ضالة من فرق الضلال هي فرقة الشيعة، التي تزعم زوراً وبهتاناً حب آل البيت، وهي أول من خان آل البيت، وقتلت الحسين سيد شباب أهل الجنة رضي الله عنه وأرضاه، ثم دخلت الفلسفة في التشيع، حتى أثبتت البحوث التاريخية أن هذه الفلسفة تقوم على جذور يهودية سبئية، ولا يغيب عن الأذهان أن للشيعة اليوم دولة وسلطان، ولها سعي حثيث -على حين غفلة من أهل السنة- في محاولة تشييع العالم الإسلامي.
    ثم خرجت فرقة ثالثة هي: فرقة المرجئة، التي كانت من فرق الضلال أيضاً، وكانت علماً على تمييع هذا الدين، وكانت رد فعل للفكر الخارجي، ولا شك أنه بالبحث والاستقصاء يوجد في عصرنا مرجئة على مستوى العامة والخاصة.
  2. أثر ترجمة كتب الفلاسفة على المسلمين

    ثم يمضي بنا الزمن إلى العصر العباسي، وبعد حركة الترجمة التي تكتب في كتب التاريخ على أنها حركة علم، وحركة مدنية، وحركة رقي، تلقحت فيها أفكار المسلمين بالحضارات الأخرى، مما جعل المسلمين يصلون إلى تلك المكانة المرموقة.
    وهذا كلام يشتمل على حق وباطل، إذ لو كانت الترجمة فيما يتعلق بالعلوم البحتة وما عند الآخرين، لما كان في ذلك من حرج إذا ترجمت في صيغة لا تتعارض مع المفاهيم الإسلامية، وتولى الترجمة رجال أمناء يخدمون هذا الدين.
    ولكن الذي حدث أن خرمت الشروط الصحيحة للترجمة الصحيحة، فترجمت الوثنيات -وثنيات أرسطو، وأفلاطون، وهرطقات فلاسفة الهند وفارس، وتولى الترجمة النصارى الذين يعيشون داخل الدولة الإسلامية بقيادة حنين بن إسحاق، وغيرهم فترجمت هذه الوثنيات، وصبت في المنبع الأصيل للمسلمين، مما أوجد الفتنة الفكرية المتلاطمة التي عصفت بالدولة الإسلامية في العصر العباسي، وقد بلغت ذروتها في عصر المأمون، وامتحن علماء الأمة، وكشر الاعتزال عن أنيابه، ولما وصلوا إلى الحكم أرادوا فرض بدعتهم بقوة الحديد والنار، وزجوا بعلماء الأمة في غياهب السجون، وتعلمون أنه لم يثبت علماً في هذا إلا الإمام أحمد بن حنبل، ومحمد بن نوح رحمهما الله.
    ولعل الاعتزال له جانب يفرد في حديثنا حتى تندفع تلك المقولة الكاذبة: إنه لا داعي لدراسة الفرق من جهمية، ومعتزلة، ومرجئة، وخوارج، لأن هذه الفرق أكل عليها الدهر وشرب، بينما يثبت البحث التاريخي الصادق أن ما من فرقة معاصرة إلا ولها جذور تاريخية من جذور الضلال.
    وقدمت المعتزلة العقل على النقل، ويكفي مثالاً على سخف عقول هؤلاء: أنهم يعتقدون أن تعدد الصفات يلزم منه تعدد الموصوف، فيقولون: إذا قلنا: إن الله راحم، وعليم، وحكيم؛ فيتعدد الموصوف، إذاً فمن هذه القاعدة لا بد من جحد صفات الله فنثبت أسماء الله ونجحد صفاته، ويعلم أصغر العقلاء أن الصفات تتعدد، وأن الموصوف واحد سواء كان في حق الله أم في حق خلقه.
    ثم شاء الله تبارك وتعالى أن يهيئ للمسلمين من أمرهم رشداً، وأن تقمع البدعة، وفي كل فترة من فترات التاريخ تتجلى رعاية الله تبارك وتعالى وحفظه لهذا الدين حين قال: ((إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)) [الحجر:9].
    ففي كل عصر ومصر يهيئ الله لهذه الأمة من يقوم بحمل لواء الدفاع ضد شبهات الضالين، وانتحال المبطلين، وإن أنسى فلا أنسى الجهمية والباطنية، ومنهم القرامطة، ولهم وجود إلى هذه اللحظة وفي أماكن متفرقة.
    قال المقدم: شكر الله لفضيلة الدكتور/ محمد على هذا العرض السريع -وكما أسماه بالبرقيات المستعجلة- لسرد الجانب التاريخي للفرق التي نشأت منذ صدر الإسلام وحتى عصرنا الحاضر، ولا يزال لها من الجذور ما لا يخفى على عاقل.