إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه ومن سار على منهجه واقتفى أثره إلى يوم الدين.
أما بعــد:
نحمد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ونثني عليه الخير كله -فإنه أهل الثناء والحمد- على أن يسر لنا أمورنا لنتدارس قضية هامة وهي من أهم القضايا حول الإسلام والمسلمين، فالشكر لله أولاً وقبل كل شيء، ثم للإخوة الأفاضل الذين تفضلوا بالمشاركة معنا بهذه الكلمات المباركة، وهما فضيلة الدكتور/
محمد القحطاني، وفضيلة الدكتور/
سفر بن عبد الرحمن الحوالي، وهما غنيان عن التعريف فالجميع يعرفهم؛ بل إن كثيراً من أقطار المسلمين يعرفونهم بأصواتهم ولا يعرفونهم بأجسامهم، لأن لهما الباع الطويل في مجال الدعوة والذب عن حمى هذا الدين العظيم، سائلاً المولى عز وجل أن يجعلنا جميعاً ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
كما لا يخفى على أحد أن أعظم نعمة منَّ الله بها على هذه الأمة هو هذا الدين العظيم، حيث أنزل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إليها خير كتبه، وأرسل إليها أفضل رسله، وارتضى لها الإسلام ديناً، قال الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ((
الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ))[المائدة:3].
وهذه نعمة عظيمة من الله، نعمة لا يقدرها حق قدرها إلا من رأى المساكين الذين حرموا هذه النعمة، وكل صاحب نعمة محسود.
هذه النعمة من أول مبعثها، ومن أول مبعث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والأعداء يتربصون لها بالمرصاد، وهذه سنة الله في خلقه، فسنة الله في خلقه ليست قاصرة على هذه الرسالة لوحدها، وإنما هي عامة في كل الرسائل السابقة فكل من نادى بالحق، ودعا إليه عودي.
وأول البشرية وأول الموحدين هو آدم عليه السلام، لم يسلم من هذا العداء، وإنما حصل له من ذلك ما حصل، فوسوس له الشيطان وأخرجه وزوجه من الجنة، كما بين الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في كتابه، واستمرت هذه العداوة في الأجيال المتعاقبة بعد ذلك، وكان للأنبياء عليهم الصلاة والسلام الحظ والنصيب الأوفى من هذه العداوة، وقد بين الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في كتابه الكثير من هذه العداوة بين أنصار الحق وأعدائه، وهذه سنة الله في خلقه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
ولو تتبعنا الآيات التي جاءت مبينة لهذه العداوة لما وسعنا الحديث، ولكن من هذه الآيات أقتصر على آيتين عظيمتين تبين طبيعة الصراع بين الأنبياء ومن تبعهم، وبين أعداء الحق في كل زمان.
يقول الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ((
وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْأِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ))[الأنعام:112] فهذا خطاب وبيان من الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لطبيعة هذه العداوة.
ويقول أيضاً عز وجل: ((
وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً))[الفرقان:31].
ورسولنا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -وهو الرسول الخاتم- كان له النصيب الأول والأوفى من هذه العداوة، وذلك من أول دعوته، ومن أول مبعثه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتعرفون أحداث السيرة، وتعرفون المؤامرات التي كانت تحاك ضده صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لا لشيء إلا أنه ينادي للحق في
مكة ثم في
المدينة.
ولم يقتصر الصراع والعداوة على صورة محددة أو معينة، وإنما كانت تختلف هذه الصور من صورة إلى أخرى، والهدف واحد من بينها جميعاً، ثم استمرت هذه العداوة في القرون المتلاحقة بين المسلمين، وأعدائهم إلى عصرنا هذا، وستستمر إلى قيام الساعة كما أخبرنا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذلك.
هذا العصر المتلاطم بالفتن التي يصعب، ويصعب على الحيران أن يميز بينها، وأن يعرف تفصيلاتها، ولذا اختير عنوان "التيارات التي تهدف إلى هدم الإسلام" وأنت تلاحظ -أخي الكريم- أن العنوان بهذه الصورة لا يمكن أن يكتفى بالحديث فيه في كتيبات أو ندوات لأن التيارات كثيرة ومتنوعة، وخاصة في هذا العصر المضطرب -كما أسلفت.
ولا أكتمك سراً أن أعضاء الندوة لم يكن لهم هذا الخيار؛ بل إن بعضهم قد حاول أن يعترض على هذا العنوان لسعته وتشعبه، ولكن كما يقال: ما لا يدرك كله لا يترك جله، لذلك فإننا نحاول -إن شاء الله- أن نلقي الضوء سريعاً على أهم هذه التيارات، ثم بعد ذلك قد نخصص جزءاً معيناً لتيار عنيف يجول هذه الأيام في ديار المسلمين، وإن كان له جذور قديمة إلا أنه يتصف بطابع الجدة والحداثة.
وأود أن أبين أن أهداف هذه التيارات وإن اختلفت المسميات، واختلفت الوسائل، لا تخرج عن هدفين اثنين:
أحدهما: محاولة الفصل بين المسلمين وعقيدتهم، وهذا كما لا يخفاكم هدف خطير، لأن السر في قوة المسلمين هو هذه العقيدة، فمتى ما فصل بين المسلمين وبين عقيدتهم ودينهم فلن يبقى لهم قوة.
والهدف الثاني: هو محاولة صد بعض أبناء المسلمين عن هذا الدين، وجعلهم حراساً لهذه التيارات في داخل بلاد المسلمين، لينفذوا ما أراده منهم أصحاب هذه التيارات.
والتيارات كثيرة، لكن أحب أن أشير إلى أنه يمكن إلقاء الضوء سريعاً على أهم هذه التيارات، أقول:إنه يمكن أن تقسم هذه التيارات إلى قسمين اثنين: الأول: تيارات لها جذور تاريخية، وتنتسب إلى بعض الفرق القديمة، والثاني: تيارات معاصرة أبرزتها هذه المدنية الغربية وصراعها مع المسلمين، ولعل فضيلة الدكتور الشيخ/
محمد أن يحدثنا بصورة موجزة عن أهم التيارات المعاصرة التي لها جذور تاريخية، فليتفضل جزاه الله خيراً مشكوراً ومأجوراً.
يقول الشيخ/
محمد: إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحابته ومن سار على نهجه، واهتدى بهديه إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.