المادة    
إن الحاج إذا استقام ونصح الناس، قالوا فيه: جزى الله فلاناً خيراً، فمنذ أن حج والحمد لله نفعنا الله به، فلم يعد يتكلم كما مضى، ولم تبق أخلاقه كما مضى.
فالناس ترى أثر الطاعة، وترى أثر القدوم إلى هذه الأماكن والمشاعر المقدسة، فيكون ذلك داعياً للناس أن يحرصوا على مواسم الخير، وعلى زيارة الأماكن المقدسة، وعلى البحث عن الرفقة الطيبة التي تعينهم على استغلال هذه المواسم.
يبدأ من الآن، لأن الناس يريدون أن يروا ثمرة، ويريدون أن يروا حقائق أمامهم، وهذا مع الأسف نحن فقدناه في كثير من أحوالنا ومن عباداتنا، وأول ما أضعنا من أمور ديننا، ومن أمور صلاتنا، الخشوع، والأمانة والله المستعان!
وإذا عدنا إلى ديننا كما كان في صدر الإسلام فنحن الغرباء: في آخر الزمان، ومعنى الغرباء أنهم يقتفون أو ينتهجون أثر الغرباء الذين كانوا أول ما ظهر الإسلام: {بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ}.
وإذا اقتفينا آثار النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه، ورأى الناس فينا هذه المعاني وهذا الخلق، وهذا الفضل الكبير، فإننا -بإذن الله عز وجل- سوف نكسب جولة أخرى مع أنفسنا، ومع الباطل، ومع أعداء الدين، ومع أعداء الدعوة في كل مكان، وثقوا أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لن يخيب أحداً منا ولن يحرم أحداً، وأنه لا يمنعنا من فضل الله، ومن رحمة الله ورزقه إلا ذنوبنا وأخطاؤنا وما نقترفه في حق الله تبارك وتعالى.
أما الله عز وجل فهو غني عنا، والله تبارك وتعالى يقول: ((وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً))[الجن:16] ويقول عز وجل: ((وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ))[الأعراف:96] ويقول:((وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْأِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ))[المائدة:66] وغير ذلك كثير.
وقص الله تعالى علينا أخبار قوم نوح، وقوم هود، وعاد، وثمود ومن بعدهم، والقرون التي بينهم مما لم نعلمه، فكل المسألة شيء واحد: إما أن يطاع الله عز وجل ويُتقى فتكون العاقبة الخير، والصلاح في الدنيا، والنجاة من عذاب الله تعالى يوم القيامة، أو أن يُعصى الله عز وجل وأن لا يستفيد الناس من المواعظ ولا من العبر، ولا مما يرى من آيات الله تبارك وتعالى فتكون العاقبة كما ذكر الله تبارك وتعالى من أحوال الأمم السابقة.
فنسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن ينقلنا من تقوى إلى تقوى، ومن خير إلى خير، وأن يطهر قلوبنا، ويطهر بيوتنا، ويطهر مجتمعاتنا، من أسباب العقوبة، ومن مجلبات البلاء إنه سميع مجيب.
وأسأل الله الكريم، رب العرش العظيم، أن يمنَّ علينا بالقبول والمغفرة والتوبة إنه سميع مجيب، وأن يتولانا بحفظه إنه سميع مجيب، والحمد لله رب العالمين.