المادة    
ولكن أيضاً هذه العقيدة على نقاوتها وعلى فطريتها، وعلى سماحتها، وعلى يسرها، لو حملها أناس غلاظ شدادٌ، قلوبهم كالحجارة، لن تقبلها هذه الشعوب، ولننظر واقعنا الدعوي الآن.
عندما يرى الناس فينا القسوة والغلظة والجفاء، لا يقبلون منا، مع أنّا ندعو إلى مثل ما دعا إليه أولئك -إن شاء الله- لكن الفرق أن الذي يحمل الدعوة الآن غير ذلك الحامل فبحسن خلقه وبرحابة صدره أفلح، كما كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع اليهود وهم أكثر الناس أذىً -والعياذ بالله- ومع المنافقين، فكم صبر وصفح عنهم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومع الأعراب، ومع الجفاة، ومع الخوارج الذين قالوا: إنها لقسمة ما أريد بها وجه الله.
حتى أحياناً ما يقع بين خُلَّص أصحابه كان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعامل الجميع بحسن الخلق، وبالصبر، حتى مع زوجاته الطيبات الطاهرات، كان أفضل الناس تعاملاً، وهو خير الناس بأهله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فهذه أخلاق تجذب كل إنسان يمكن أن يسمع عن هذا الدين، عندما يراها في التابعين أو تابعي التابعين أو من بعدهم، ولـمَّا تخلقوا بأخلاق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانوا بهذه المنـزلة وبهذه المثابة.
فنحن في هذه الأيام وفي كل وقت وفي كل حين نحتاج والله أشد ما تكون الحاجة إلى هذه الثلاث القواعد، إلى هذه الثلاثة الأمور، إلى أن نتقي الله عز وجل حيثما كنا في سرنا وفي إعلاننا، وإلى أن نُتْبِع سيئات أنفسنا -وما أكثرها- بحسناتٍ تمحوها وتكفرها.
وإلى أن نخالق الناس بالخلق الحسن الذي يجعل الحجة تقوم على المخالف، والرقة والخير يدخل إلى قلب الراغب الذي يريد أو الذي يتطلع ويشتاق إلى أن يرى الخير، وإلى أن يحب أهله.