المادة    
ثم قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهي القاعدة الثالثة: { وخالق الناس بخلق حسن } وهذه قاعدة عامة في التعامل مع الخلق، أن تخالقهم بخلق حسن.
وحسن الخلق كما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {ذهب حسن الخلق بخير الدنيا والآخرة} وكما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {إن العبد ليبلغ بحسن خلقه درجة الصائم القائم}، وكما في الحديث الآخر: {إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم ولكن تسعونهم بأخلاقكم}.
حسن الخلق هذا لا يكلفك شيئاً، ولكنه بابٌ عظيمٌ جداً من أبواب الخير، ومن أبواب الأجر، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان أحسن الناس خلقاً ((وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)) [القلم:4] أي: مع الله، ومع الخلق، ومع كل من يتعامل معه؛ حتى مع الدواب.
كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه أرأف الناس، وأفضل الناس، وأحسن الناس خلقاً، حتى مع الدواب التي لا يأبه لها كثيرٌ من الناس، وورث هذا الهدي أصحابه والتابعون، وأهل الخير، وأهل الصلاح والفضل في هذه الأمة.
فإذا قرأت سيرة الرجل منهم تجد أنك أمام خصال عظيمة: تسامح، وعزة نفس، وكرم، وإيثار، ومحبة، وتضحية، وترفع عن الانتقام للنفس أو الانتصار لغير دين الله عز وجل، أخلاق عالية جداً وعظيمة.
وأقول -وهذا قول قد قاله الكثير، لكنا نؤكده من خلال ما نعلمه من نصوص الشرع- إن أكثر ما فتح الله تبارك وتعالى به قلوب العالمين وأدخلهم في دين الله أفواجاً، ليس أن الصحابة رضي الله تعالى عنهم حملوا السيوف وجاهدوهم، لكن أكثر ما كان ذلك -والله تعالى أعلم- أنهم فتحوا قلوب العالمين بأخلاقهم.
الناس يقرءون في كتبهم، وأهل الكتاب يقرءون عن سير عبادهم، ورهبانهم، وقساوستهم، ويسمعون عنهم، ولكن لا يرون أثر ذلك، فلما جاء هذا الجيل الفريد، وجاءت هذه المجموعة المؤمنة التي رباها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سلبت قلوب العالمين، وملكتها بهذا الخلق، وبهذا التعامل، بأخلاق النبوة، أخلاق الأنبياء رأوها تتحرك في واقع الأرض.
لم تعد المسألة شعارات تقال، وإنما رأوا حقيقة العدل، وحقيقة الإيثار، وحقيقة الإنصاف، وحقيقة المساواة، وحقيقة أن للإنسان كرامة جعلها الله تبارك وتعالى له، فالإشفاق على الضعيف، والعاجز، والرحمة بالكبير والصغير، أمور فقدها الناس، وفقدتها البشرية طويلاً، فرآها هؤلاء في أخلاق الصحابة رضي الله تعالى عنهم، فدخلوا في دين الله عز وجل، وكان ذلك أعظم أسباب دخولهم في دين الله، بالإضافة إلى أن لهذه العقيدة جاذبية عظيمة؛ لأنها عقيدة الفطرة، لأنها ملة إبراهيم عليه السلام، ولأنها الحنيفية السمحة.