ثم قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد ذلك: {
وأتبع السيئة الحسنة تمحها }.
فإن النفس أمارة بالسوء {
كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون}، وحالنا كما أخبر الله تعالى في الحديث القدسي: {
يا عبادي إنكم تذنبون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم}.
فلا بد أن نخطئ، ولا بد أن نذنب، ولا بد أن نعمل السيئات بمقتضى جبلتنا، وبشريتنا، وضعفنا، وعجزنا، وبمقتضى الجهل والظلم ((
إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً))[الأحزاب:72] الذي لا ينفك منه إلا من عصمه الله وحفظه منه، بمقتضى هذه الأمور لا بد أن نقع في الخطأ، ولن نسلم منه، فما الحل؟!
الحل والعلاج الناجع هو في المبادرة إلى محو هذه السيئة بالحسنة {
وأتبع السيئة الحسنة تمحها } كما قال الله تبارك وتعالى: ((
إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ))[هود:114] فهذا دواء الذنوب الاستغفار، والتوبة، واتباع السيئة الحسنة، هذا صابون الذنوب الذي لا بد منه، فالدرن واقع ولا بد.
والحل أن يعالج هذا الدرن بهذا الصابون، وبهذه الوصفة التي جعلها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في وصيته.
أما إذا استسلم الإنسان لذنوبه وأخطائه، فإن الصغائر تتحول إلى كبائر، وإن الكبائر ربما تحولت إلى خروج ومروق من الدين، باستحلال ما حرم الله تبارك وتعالى، نسأل الله أن يحفظنا جميعاً.
وربما طُبع على قلب الإنسان وطغت عليه الذنوب والمعاصي فيصبح بعد ذلك لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً، ولا تنفع فيه موعظة، فهو كالأرض التي أصبحت قيعاناً جدباء مهما نزل المطر فإنها لا تستفيد شيئاً، نسأل الله أن يحفظنا جميعاً.
إذاً: الواجب على الإنسان أن يغتنم فرصة وحالة رجوعه إلى الله وإنابته إليه، وحالة استشعاره بهذا الذنب وخطره إذا وقع فيه، بأن يبادر إلى غسله بما أمر الله تبارك وتعالى به من الحسنات.
فالإنسان في صراع ما دام في هذه الحياة في دار الابتلاء، صراع بين الحسنات والسيئات؛ وكما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {
من سرته حسنته وساءته سيئته فهو المؤمن}.
فالمؤمن إذا أطاع الله يحمد الله تبارك وتعالى ويفرح بذلك، ويسأل الله الثبات، ويغتنم هذه الفرصة ليزداد من الحسنات، والإقبال على الله عز وجل.
وإذا أظلمت النفس أو تكدرت، أو قسا القلب، فليجتهد في إصلاحه بقدر المستطاع، ولا يركن فتصبح تلك حالةً دائمةً، فيتحول -والعياذ بالله- إلى طريق القاسية قلوبهم، أو الذين في قلوبهم مرض نسأل الله أن يحفظنا جميعاً.
ونحن جميعاً يجب على كل واحد منا أن يستشعر هذه المعاني، وأن يعقد النية من اليوم -بإذن الله تبارك وتعالى- فنحن في كل لحظة في عهد وميثاق مع الله.
لكن علينا أن نجدد هذا العهد والميثاق دائماً، وخاصةً في مثل هذه المواضع والأزمنة المباركة كرمضان والحج، فيكون حالنا بعد هذه المواسم أفضل منه قبل ذلك مع الله عز وجل؛ مع كتاب الله؛ مع اليوم الآخر؛ مع التفكر في ملكوت السماوات والأرض؛ مع الإحسان إلى المسلمين؛ مع حسن الخلق -الذي سيأتي في القاعدة الثالثة- في كل ما أمر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى به.
أن يكون الإنسان منا حسيباً لنفسه، وأن ينظر إلى ما قد فرَّط وقصَّر فيما مضى فليتداركه فيما بقي، فإن ذلك من إتباع السيئة الحسنة.