المادة    
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد، أما بعد:
فإني أحب أن يكون الكلام عن وصية أوصى بها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معاذاً، وجاء في رواية أنه أوصى بها أبا ذر رضي الله عنهما.
وهي وصية جامعة مانعة عظيمة يحتاج إليها كل مسلم في كل مكان، وفي كل زمان، وهي قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن}.
ففي هذه الوصية أوصى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -وهو من تعلمون شفقته، وحرصه علينا، وعلى ما يسعدنا، وما يقربنا إلى الله، وما فيه خيرنا في الدنيا والآخرة- بهذه الثلاث الوصايا والقواعد وهي:
القاعدة الأولى: في التعامل مع الله.
القاعدة الثانية: في التعامل مع النفس.
القاعدة الثالثة: في التعامل مع الخلق.
فأما القاعدة الأولى فهي: قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: { اتق الله حيثما كنت }.
وهذه لو تأملها المسلم لوجدها كافية شافية، فإنك لن تخرج من مُلك الله، ولن تخرج من قدر الله، فأينما ذهبت وحيثما اتجهت، وأينما كنت، فأنت تحت رقابة الله عز وجل، وأنت كما ذكر الله تبارك وتعالى ((مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ))[المجادلة:7] فالله تبارك وتعالى معك، وهو يعلم السر وأخفى، وهو مطلع عليك، وعلى كل أحوالك، فاتق الله حيثما كنت.
ولو أننا حققنا هذه الوصية العظيمة لأصبحنا كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حديث جبريل عليه السلام عندما قال: {أخبرني عن الإحسان، قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك}.
فعليك أن تعلم أن الله تبارك وتعالى مطلع عليك، وأنت وحدك تفكر، لك خطرات أو وساوس أو أمور لا يعلم بها أقرب الناس إليك، ومن هو بجوارك؛ ولكن الله تبارك وتعالى مطلع عليها.
كما دخل رجل على الإمام أحمد رحمه الله فوجده ينشد:
إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل             خلوت ولكن قل عليَّ رقيب
فحيثما كنت؛ اعلم أن الله تبارك وتعالى رقيب عليك، ومطلع على أحوالك، وأنه مجازيك، وأنه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كما قال: ((إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ))[آل عمران:29]، وفي آية أخرى ((يُحَاسِبْكُمْ بِهِ))[البقرة:284].
والله عز وجل من رحمته بنا، ومن لطفه، ومن كريم فضله، ومنِّه وجوده، وإحسانه، أنه كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لا يؤاخذنا بما تحدث به أنفسنا ما لم نعمل أو نتكلم}.
ولكن لا يعني ذلك أن يترك الإنسان قلبه فريسة للشيطان، وأن تنتابه الوساوس، والخطرات، التي ربما تتحول إلى همّ، ثم يتحول الهمُّ إلى عزمٍ، ثم يتحول العزم إلى فعل إن كان من العمليات، وإن كان من الاعتقاديات فقد تتحول الخطرة أو الوسوسة إلى شبهة، ثم تتحول الشبهة إلى شك، ثم يكون الكفر، والعياذ بالله تعالى!
إذاً: يجب أن نحفظ قلوبنا، وأن نعلم أن الله مطلع عليها في كل لحظة من كل خاطرة أو وسوسة، وأن نستعين بالله تعالى في دفع ما قد يلقيه الشيطان في قلوبنا دائماً.
ولنتق الله في أسماعنا، وفي أبصارنا، وفيما نتلفظ به، كما قال الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ((وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً))[الإسراء:36] فلا بد أن نستشعر هذه الرقابة دائماً.