المادة    
إن الله إنما يرفع الناس وإنما يضعهم بهذا الدين، هذا هو المعيار! الارتفاع والاتضاع بذكر الله، وبالتقرب إليه، وبعبادته سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وبالجهاد في سبيله، وفي بذل النفس والنفيس من أجله وحده لا شريك له، وإن غضب الناس فلا يضروك والله.
أبشركم وأطمئنكم أنه لا يدعو أحد إلى الله خالصاً من قلبه، مجتهداً في النصح لهذه الأمة، يريد لها الخير إلا ويلقي الله تبارك وتعالى محبته في قلوبها! هذه قاعدة! وهذه من أسرار القلوب التي لا تدخل تحت أنظار أهل الموازين الدنيوية، ولا يستطيعون أن يدركوها، بل هم أنفسهم يعجزون عنها، لماذا؟ لأن سرها عند الله عز وجل، قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: { إن الله إذا أحب عبداً، نادى جبريل عليه السلام ياجبريل، إني أحب فلاناً فأحبه، فيحبه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يحب فلاناً فأحبوه؛ فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض }
وأنت بحسك البسيط، وبنظرتك الأولية، انظر إلى وجوه اجتمعت على ذكر الله في بيت من بيوت الله، من القسمات من التعبيرات والعيون ترى الصفاء والخير والنور!! ثم انظر إلى وجوه قوم اجتمعوا على غير ذلك! ماذا تجد؟! المؤمن ينظر بنور الله، وغير المؤمن لا يستطيع أن يميز، لا يستطيع أن يرى؛ لكن الذي آتاه الله البصيرة والفراسة يميز بين الوجوه.
والله! إذا عرض عليك اجتماع تستطيع أن تقول هؤلاء يجتمعون على ذكر الله! أو تقول: هؤلاء يجتمعون على معصية الله! لماذا؟ لأن كل إناء بما فيه ينضح، لأن القلوب وما يعتلج فيها يظهر على صفحات الوجوه!! هذا سر أودعه رب العالمين لا يستطيع أحد من الناس أن ينفك عنه، بل السعيد من اكتشفه، ومن عرفه، ومن آتاه الله البصيرة، لكي يدركه ويستمتع به ويحمد الله تبارك وتعالى على هذا.
  1. القلوب وما يغريها

    كل 1003309منا مر بهذه التجربة، لكن البعض أكثر من بعض، لماذا؟ لأن منا من نشأ مهتدياً وفي بيئة من الخير والإيمان، يأتي عليه العارض أو ماسماه الله تعالى ((طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ))[الأعراف:201]، فيقع في ظلمة، فيحضر مجتمعاً للخير، فتنجلي عنه الظلمة، فيحمد الله عز وجل، والبعض قد يكون ممن مرت به حالة مظلمة جداً، ثم يرى شيئاً آخر، وأذكر تعبيراً عبر به رجل كان مغنياً مشهوراً ثم اهتدى!!
    حدثني أحد الإخوة من الدعاة، فقال: ذهبت إلى منطقة من مناطق المملكة، فدخلت إلى محل غناء لأعظ صاحبه، فإذا بفلبيني نصراني يريد شريط لـكات استيفن، والكآبة تخنقه، فقُلت له: هل تعرف استيفن؟ فقال: نعم، فقلت: أتدري ما حصل له؟ قال: لا، فقلت: أسلم، قال: فأنا مسلم من الآن، ولا يدري ما هو الإسلام وذلك من شدة إعجاب الناس به! يوسف إسلام لما سئل: كيف شعورك؟ قال: لا أستطيع أن أعبر إلا أن أقول: إنني كنت في ظلمات بعضها فوق بعض، وخرجت إلى نور لا نهاية له. سبحان الله!! الليلة الواحدة بملايين الجنيهات وبمئات الألوف من الجنيهات، والجماهير تعلق صورته على الصدور وفي كل مكان، وصاحب الدخان يقول: ضع سيجارة شركتي في فمك فقط وخذ كذا ملايين! وصاحب السيارة يقول: قف جوار السيارة، وضع يدك عليها، لنأخذ لك صورة وخذ كذا ملايين.
    أدنى حركة يمكن أن يتحدثوا عنها؟! كيف حذاؤه! وهل يحب البطاطس؟! هل يأكل البيض؟! كل فعل يريدون أن يعرفوه! يعبدونه كما يعبدون الأصنام!! وهو يقول: والله مع هذا الشعور عند الناس، أنا أحتقر نفسي وبعد أن يغني يذهب إلى البيت لينعزل عن الناس كلهم بنفسه، يشعر بالنقص والاحتقار!
    ومن النماذج: امرأة أوروبية مشهورة، وإن كانت لم تسلم بعد، ونحن ما نزال في تواصل معها لتسلم ولكنها اعتزلت الفن كلياً؛ تقول: كلما أرجع إلى أي فيلم من أفلامي أقول: كم كنت سخيفة جداً عندما أمثل هذا! وكم قالت لي ابنتي الصغيرة أما كنت تستحين يا أماه وأنت تمثلين هذا الدور؟! سبحان الله!
  2. المحاسبة والرجولة

    الذل داخل الأعماق!! لكن من الذي يراه؟! لا بد أن يحاسب الإنسان منا نفسه ويتفقد موازينها؛ حتى يكون رجلاً، انظر إلى نفسك، إلى قلبك، معيارك وميزانك بين جنبيك، بين أضلاعك، انظر إلى قلبك، إلى إيمانك متى يزداد؟ متى ينقص؟ انظر في قلبك وإلى منزلة شعائر الله والقائمين بها في هذه الأرض، واعلم أن موقعك عند الله من كرامته ومنزلته عندك، من الإقبال لتعظيم شعائر الله، ومن إحيائك لذكر الله، ومن حبك لبيوت الله، ولحلقات تحفيظ القرآن، ولندوات العلم والخير والهدى والصلاح.
  3. فقدان الرجولة

    ومن أراد أن يفقد معاني الرجولة فلينظر إلى الطرف الآخر، انظر إلى أصحاب اللهو، والغناء، والسكر، والعربدة، والفجور، هل يمكن أن يتصفوا بهذه الصفة النبيلة، صفة الرجولة؟؟ إن الرجولة تجمع صفات الغيرة، أو الشجاعة، والكرم، والنبل، فهل يتصف بها أصحاب اللهو والغناء والسكر والفجور؟! هيهات! إن أحد هؤلاء إذا شرب المخدرات أو إذا سهر من أجل المجون والخلاعة، جاءت الدياثة في بيته! فرضيها أو لم يعلم عنها!! هكذا واقعهم، تُفقَد الرجولة!! يمسخ الإنسان! كما أنه يفقد صفة عظيمة من صفات الرجولة وهي الكرم، والكرم لا يتصف به إلا الرجال، هل عند هؤلاء السكارى والعرابدة كرم؟! لا، بل هم أبخل الناس. إن المضيع للصلاة ولطاعة الله يبخل حتى على أبيه وعلى أمه بالريال أو بالدرهم، فإذا جاءه الصاحب في الخبث والفجور، يدفع ويتبرع ويستدين وأكثرهم مَدِين من أجل اللهو والفساد! لا ينفقه على أهله وأولاده!! بل يضيعهم ويحرمهم من ضرورات الحياة من أجل متعة محرمة، أين الرجولة؟! لا عرض، ولا غيرة، ولا مسئولية، ولا كرم! أين الرجولة؟ إنهم يفقدون حتى معاني الرجولة المعروفة لدى الجميع والبدهية لدى الجميع، والتي هي أقل من الرجولة الحقيقية التي يعرفها المؤمنون.