المادة    
اعلموا أن هذه الأمة فيها خير عظيم, خير لا نكاد نتصوره نحن، ربما وجدت ذلك الإنسان الذي مظهره من بعيد يشعرك بالمعصية -مثلاً- أو يشعرك بالتقصير، ربما لو قدحت هذا الخير الذي في قلبه لأصبح نوراً عظيماً يشع ويضيء للحي كله، أو للبلد كله، ولكن من الذي قدح ذلك الخير؟
من وعظه؟
ومن ذكره؟
ومن جالسه؟
ومن صاحبه؟
ومن أهدى إليه؟
أهد إليه هدية: كتاباً، شريطاً.. أهد إليه هدية من هدايا الدنيا، أشعره أنك تحبه، ثم خاطبه من جسر المحبة.
أمتكم -الحمد لله- على خير! هذه الأمة فيها الخير إلى قيام الساعة، لا تظنوا أن ما وقع فيها من شهوات أو شبهات، سيمحو منها الخير.
إن ما انتشر في المجتمع الإسلامي من فواحش أو رذائل أو موبقات إلى غير ذلك، إنما هو بفعل الشهوات النفسية والشيطان، والاحتكاك بالغرب، لكن لا تزال المجتمعات الإسلامية اليوم، هي أفضل أنواع المجتمعات وأكثرها تواصلاً ولله الحمد، فالمجتمعات الأخرى تفككت ولا يرتبط بها أحد بآخر.
قد يكون هناك تماسك في المجتمع، لكن الصلات الأسرية مفقودة تماماً، ونحن -والحمد لله- لدينا الكثير من طرق الخير.
انظروا كيف كنا قبل رمضان، فلما جاء رمضان اجتمعنا في بيوت الله، واستمعنا إلى ذكر الله، وتسابقنا إلى الصناديق لنتصدق وننفق، وأخذنا نتساءل: كم عندكم في الحي من أرامل؟
كم عندكم من محتاجين؟
هل فعلتم كذا؟
هل جمعتم كذا؟
وإذا بكل واحد منا يدل الآخرين على الخير، ثم ذهب رمضان فتراخينا، وإذا بنا الآن نقول: ما هو الحل؟
فجاء الحج وهو موسم جديد، وفيه خير، وفيه.. وفيه... وهكذا، ولا يأتي موسم إلا وبعده موسم تتحرك الأمة فيه.
فالأمة الإسلامية بنيان، لكن على ماذا يقوم هذا البنيان؟
لا يقوم على اللبن، أو الحجارة، ولا يقوم على أي شيء، ولكن الحديد الذي بداخله هو أساس قيامه، وهم طلبة العلم وأهل الخير في هذا الحي أو في أي حي، هم مثل الحديد، إذا قام الحديد وقوي، فسيجتمع عليه بعد ذلك ما يوضع من البناء، ويكون كله قوياً بإذن الله تبارك وتعالى.
فالواجب علينا رجالاً ونساءً صغاراً وكباراً، أياً كان موقعنا، أن نتذكر هذا الواجب وأن نسعى إلى نشر هذا الخير، وأن يعلم كل منا أنه مسئول أمام الله تبارك وتعالى في حدود ما يستطيع، وأن الواجب علينا أن نكون أمة داخل الأمة، أن نكون كما أمر الله تبارك وتعالى: ((وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ))[آل عمران:104] هذه الأمة وهذا عملها داخل الأمة التي قال الله تبارك وتعالى فيها: ((إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ))[الأنبياء:92]، وكما قال تبارك وتعالى: ((وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً))[البقرة:143]، فنحن طلبة العلم ورواد بيوت الله، والذين نحب الخير أمة داخل الأمة الإسلامية الكبرى، نحن مجتمع داخل هذا المجتمع، لا ننفصل عنه ولا ننعزل، لكن نقوم بواجب القِوامة والدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيهدي الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بنا هؤلاء ونكون ممن يدعون الناس، فهم بعد ذلك يستجيبون لله وللرسول إذا دعاهم لما يحييهم، ولمن يدعوهم إلى الله تبارك وتعالى من دعاة الخير والهدى والإصلاح في المجتمع.
  1. من مظاهر التعاون على البر والتقوى

    أقول: أي شكل من أشكال التعاون لا تضيعوه، لا تفتقدوه فيما بينكم، واعلموا أن كل حي فيه الكبير في السن الذي له قيمته، والذي لديه وجاهة عند الناس، وفيه الموظف الذي يُمكن أن يؤثر على الحي وعلى غير الحي، فيه التاجر الذي يمكن أن ينفع الله بماله في هذا الحي، فيه الشيخ أو طالب العلم الذي ينبغي أن ينفع الله تعالى بعلمه في هذا الحي.
    فيجب أن نتعارف، كثير من الإخوان يقول لي: لماذا لا نتعاون؟
    وأقول: لأننا أصلاً لم نتعارف؟!
    فكيف نتعاون ونحن لم نتعارف، ونحن في شبه غيبوبة عن العلاقات التي أمرنا الله بها، لكن عندما نتعاون ونتعارف ونتحاب، ونشيع الخير فيما بيننا؛ فإن ذلك مما يرفع الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى به رءوسنا ويعزنا، ونشعر بحال أمتنا خارج حدود حيناً أو مدينتنا، سنشعر بأحوال إخواننا المسلمين الذي يقتلون في كل مكان.
    وأحياناً نقول: لماذا -نحن أهل هذا الحي- لا يكون لنا عمل معين في بلد من بلدان المسلمين، لماذا لا يكون هناك مركز إسلامي دعوي -مثلاً- في مدينة من مدن الصومال أو كشمير، أو البوسنة لهذا الحي، وباسم هذا الحي؟
    لماذا لا يكون باسمنا -نحن أهل الحي- طبع كتاب دعوي خمسين ألف أو مائة ألف نسخة وترسل إلى أنحاء العالم؟
    حينئذٍ نفرح ويهنئ بعضنا بعضاً: ((قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)) [يونس:58].
    لو نجحنا في إيجاد شبكة مجاري أو مياه أو شبكة هاتف -وهذا أمرٌ مطلوب- فإننا نفرح ونقول: ما شاء الله! مجلس الحي حقق هذا المشروع.. ولكن لماذا لم يجتهد -أيضاً- في أمر آخر من أمور الدعوة؟
    لماذا لا يكون هناك أشرطة كل أسبوع توزع؟
    إن كان حجاً عن الحج، وإن كان صياماً عن الصيام، وهكذا إذا توكلنا على الله فعلاً وفقنا الله لذلك.
    بعض الأحياء يكثر فيها الفقر، وبعض الأحياء يكثر فيها العمال، وبعض الأحياء يغلب عليها الترف والبطر، وهكذا تختلف الأحياء في كل مكان بمقتضى حالنا وواقعنا، فمن يعالج هذا الواقع وهذا الحال بالعلاج الرباني؟
    وبهذا الدين الذي أعطانا الله؟
    وكل الإخوة في حيهم يستطيعون أن يضعُوا بنفس التفصيل الأعمال الخيرية للحي، والتخصيص يترك لهم، ولا أستطيع أنا أو الأخ أو الشيخ فلان بن فلان، لأنهم أعلم بالحي وأعلم بظروفه وأعلم بواقعه.
    أرجو ألاَّ أكون أطلت عليكم، وأرجو أن يجعل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هذا اللقاء مذاكرة فيما بيننا ليشعر كل منا بواجبه، ويستشعر ما ينبغي أن يفعله تجاه إخوانه حتى تكتمل -أو تقارب الكمال- صورة ونموذج المجتمع المسلم الحي الذي يشد بعضه: {كالبنيان يشد بعضه بعضاً} كما ضرب المثل بذلك الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإن كان من أسئلة حول هذا الموضوع خاصة فيمكن أن نستعرضها إن شاء الله، وأرجو ألاَّ يخرج أي واحد منا إلا وقد وضع في ذهنه أي تصور، حتى لو لم تستطع أنت أن تفعل شيئاً من هذا..ضعه في يد مندوب الحي، قدمه إلى إمام المسجد، أو إلى خطيب الجمعة، أو إلى مدير مركز الدعوة، أو إلى داعية من الدعاة، قدم له ما تراه من مثال أو نموذج لكي يكون المجتمع متآخياً مترابطاً، ويحقق كل أخ لإخوانه المسلمين ما ينبغي أن يكون بإذن الله تبارك وتعالى.