المادة    
قَالَ المُصنِّفُ -رَحِمَهُ اللهُ هنا في وصف العبودية: [واعلم أن كمال المخلوق في تحقيق عبوديته لله] تعليقاً عَلَى قول الطّّحاويّ: [وإن محمداً عبده المصطفى ونبيه المجتبى].
والمصنف رَحِمَهُ اللهُ اتبع في هذا قول النبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لا تطروني كما اطرت النَّصارَى ابن مريم، إنما أنا عبدٌ، فقولوا عبد الله ورسوله} وقد سبق بيان أعظم المقامات، وهو مقام العبودية.
انظروا إِلَى عيسى عَلَيْهِ السَّلام لما أراد الله أن يفضح النَّصارَى وأن يخزيهم في قولهم: إنه ابن الله، وذلك عندما جاءت به مريم عليها السلام ((فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً))[مريم:27] أي: ما هذا؟ بنت بكر عذراء تحمل طفلاً، من أين أتت به؟ من أين ولدته؟ واجتمعوا حوله ولم تتكلم بل أشارت إليه فقط، كل واحد يقول: تعالوا انظروا هذا الغلام كيف جاء؟!
الأذهان مندهشة ومستفزعة ومستفظعة الأمر، وفي هذه الحالة وهذا الموقف الرهيب يتكلم وهو مولود والكلمة التي سيقولها ستنحفر في الأعماق؛ لأنها في موقف رهيب، والأمر عجيب فليس الإِنسَان كبيراً ماذا قال؟ ((قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً))[مريم:30] حتى تقوم عليهم الحجة، وينقلوها جيلاً بعد جيل أنه قَالَ: إني عبد الله، فقالت النَّصارَى ابن الله، مادام أنه من أم بلا أب، فهو ابن الله -والعياذ بالله تَعَالَى الله عما يقولون علواً كبيراً- فالعبودية: هي أول المقامات وأعلاها وأشرفها، ولهذا قال صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لا تطروني كما اطرت النَّصارَى ابن مريم، إنما أنا عبدٌ، فقولوا: عبد الله ورسوله}

والخضر عَلَيْهِ السَّلام مثلاً تمجده الصوفية وتفتري وتختلق الأكاذيب له، وتدعي أنه القطب الأعظم الذي يدير الكون والذي يفعل، ويفعل كل الأكاذيب التي يجل عنها الحقُ والعدلُ، ماذا قال الله عَزَّ وَجَلَّ فيه؟ قَالَ: ((فَوَجَدَا عَبْداً مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً))[الكهف:65] الميزة أن الله تَعَالَى آتاه رحمة، وهي النبوة وآتاه العلم الذي أوحاه إليه مما ليس عند موسى، فكان عنده علم ليس عند موسى، وكان عند موسى عَلَيْهِ السَّلام علم ليس عند الخضر، ولا شك أن موسى أرفع عند الله من الخضر، ولهذا قال المصنف: [ومن توهم أن المخلوق يخرج عن العبودية بوجه من الوجوه، وأن الخروج عنها أكمل، فهو من أجهل الخلق وأضلهم] وهو كافر بالله العظيم مثل من يقول: إنه يسع أحداً من النَّاس أن يخرج عن دين الإسلام أو عن شريعة مُحَمَّد صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كما خرج الخضر عن شريعة موسى عَلَيْهِ السَّلام؛ لأن الولي يتلقى مباشرة من الله!
هذا الكلام من أبطل الباطل؛ لأن الخضر -عَلَيْهِ السَّلام- نبي، وموسى نبي، ولم يكن موسى مبعوثاً للعالمين، وإنما كَانَ مبعوثاً إِلَى قومه خاصة قال صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {فكان النبي يبعث إِلَى قومه خاصة وبعثت إِلَى النَّاس عامة} في حديث الخمس اللواتي أعطيهن ولم يعطهن أحد قبله.

فهذا النبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مواضع التكريم نجد وصفه بالعبودية، مثل قوله تعالى: ((سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً))[الإسراء:1] هذا النبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصل في ليلة الإسراء والمعراج إِلَى درجات عليا لم يصلها أي مخلوق قبله عَلَى الإطلاق، درجةً عليا عظيمة جداً فقد يتوهم متوهم أنه لا يفعل هذا إلا الإله، فَقَالَ الله -جل شأنه-: ((سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ))[الإسراء:1] فهو عبد لله تعالى؛ لأنه حقق العبودية الكاملة، فأعطاه الله هذه الدرجات العالية هذا أولاً.
وثانياً: مهما ارتفعت منزلته أو قيمته، فإنه ما يزال عبداً لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
  1. أعظم وصف هو وصف العبودية :

  2. ضوابط حبه ومدحه عليه الصلاة السلام :

  3. ما يعاب على بعض المادحين له عليه الصلاة والسلام: