المادة    
قضية الحجاب قضية مهمة، والدافع للكلام عنها له هو أن الجامعة على ما يوجد فيها من مشكلات الاختلاط، فإنه يوجد فيها -أيضاً- من يؤصل لكشف الوجه باسم الدين! وهذه رسالة جاءت من مجموعة من الطالبات، يذكرن أن بعض المدرسات يقلن: إن من باب الغلو في الدين أن يتشدد ابن باز وابن عثيمين -حفظهما الله- بحكم غطاء الوجه! وأنه حرام، ولا يقولون: إنه أفضل وأحسن للمرأة أن تستر وجهها من الرجال فقط، بل يقولون: إنه حرام... إلى آخر الرسالة.
وتقول الرسالة: كثير من الطالبات خرجن من المحاضرة مقتنعات بكشف الوجه، والبعض مترددات في ذلك، فانظروا إلى هذا الهدم نسأل الله العفو والعافية.
والقضية تحتاج إلى أمرين:
أولاً: من الناحية العلمية المنهجية؛ هل عمل المدرِّسة التي قالت هذا الكلام أن تدعو الفتيات والطالبات إلى أن يكشفن وجوههن، وأن تبين أن العلماء متشددون ومغالون ومتزمتون، ويزيدون في الأمر عما شرع الله، هل هذا هو عمل المدرِّسة؟! لا شك أن هذا الكلام هو على حساب مادة الدرس، وقد تكون فقهاً أو حديثاً أو موضوعاً مهماً، فيقلب إلى هذا!
ثانياً: قضية هل الحجاب الذي أمر الله به وشرعه، وأنزله على نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعملت به الأمة الإسلامية أربعة عشر قرناً هل هو تغطية شعر الرأس كما يفهم بعض الناس ومن قال هذا؟ وهل جاء في الكتاب والسنة وعمل الصحابة؟! وقبل أن ينزل الحجاب كيف كان الصحابيات رضي الله عنهن؟ هل يستطيع أحد أن يقول: إن الصحابيات كن قبل نزول الحجاب يكشفن شعورهن ونحورهن وسيقانهن، فلما نزل الحجاب غطين الشعر وطولن الثوب، وظلت الوجوه مكشوفة، هل هذا يفهمه أحد؟! ومن يستطيع أن يتجرأ ويقول هذا؟.
  1. الرد على من أباح كشف الوجه

    الذي كان قبل الحجاب هو أن الرجل يرى المرأة، والمرأة ترى الرجل فيعرفها وتعرفه، فلما نزل الحجاب أصبحن كالغربان، وأصبحت المرأة لا تُعرف، فلما رأى عمر رضي الله عنه أم المؤمنين سودة بنت زمعة قال: قد عرفناك يا سودة، وهو لا يرى منها شيئاً، ولكن عرفها من طولها، فقال: قد عرفناك يا سودة، فانكفأت راجعة إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفي يده عرق وهو يتعشى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبرته بالواقعة فأمسك صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعلته الرحضاء التي تأتيه إذا نزل عليه الوحي، فلما سُرِّى عنه، قال: {إن الله قد أذن لكن أن تخرجن لحاجتكن}، فإذا تسترت المرأة وبعد ذلك عرفت؛ فإن هذا الأمر يكون خارجاً عن استطاعتها، وليس عليها أن تستره، ولذلك قال : ((إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا))[النور:31] التفسير الصحيح: أنه الزينة الظاهرة، والجمال الظاهر، الذي لا يمكن أن يخفى؛ كأن تكون طويلة، فكيف تقصر نفسها؟! أو نحيفة أو غيره، مما لا يمكن أن تملكه، أما ما تُظْهِر هي فلا، فهناك فرق بين أن تظهره هي وبين ما ظهر، فهو يظهر وهي لا تريد إظهاره.
    ثم إن الله تعالى يقول في القواعد من النساء: ((وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ))[النور:60] سبحان الله!! أذن لهن أن يضعن حجابهن ولباسهن غير متبرجات بزينة، ومع ذلك قال: ((وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ))[النور:60] ثم سبحان الله! الذي جعل صلاة المرأة في غرفتها أفضل من صلاتها في مسجد بيتها، وصلاتها في مسجد بيتها أفضل من صلاتها في مسجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خلف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبين المهاجرين والأنصار وهم أطهر خلق الله؛ فمن يبيح لها أن تخرج في الأسواق، وتخرج إلى الجامعة، وتأتي وهي كاشفة حاسرة؟! وكيف فهمتم هذا؟!
    أباح رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للرجل أن ينظر من المرأة المخطوبة إلى ما يدعوه إلى نكاحها؛ فماذا ينظر؟ وكيف يكون الحجاب هو تغطية الشعر والوجه مكشوف؟! فالخاطب من حيث النظر هو يرى وجهها ويرى كفيها، ليرى ما يدعوه إلى نكاحها، كما بيَّن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وذلك لأن الأصل أن المرأة المسلمة لا يرى منها أي شيء، فلذلك لا بد أن يراها، فإذا خطب وتم الأمر، واتفقوا على الخطبة، فإنها تجلس أمامه، ويرى وجهها وكفيها؛ فمن وجهها يستدل على أشياء، ومن كفيها يستدل على أشياء، بيَّنها وفصَّلها الفقهاء رحمهم الله تعالى، أما إن كان يراها الناس في السوق، وفي المستشفى، وفي الشارع، ومع السوَّاق، ومع كل أحد، وجاء يخطب وقال: نريد أن نراها، فماذا يرى بعد ذلك؟! فهذه أدلة واضحة، والمرأة لمجرد أنها تخرج ولو كانت متحجبة لكن يظهر منها رائحة الطيب، فهذه قد توعدها الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بوعيد شديد.
  2. ظاهرة السفور

    فمتى وجدت ظاهرة كشف الوجه في الأمة الإسلامية؟ هذه كتب التاريخ أمامنا، بل حتى كتب الأدب، بل غيرها، لم تعرف المسلمات كشف الوجه للأجانب إلا مع مجيء الاستعمار، وأذكر لكم قصة غريبة: عندما قامت دعوة تحرير المرأة في مصر، وكانت النساء في مصر كلهن محجبات، عندما قامت هذه الدعوة، فإن هدى شعراوي وسيزا نبراوي خلعن الحجاب عن وجوههن، وصورهن موجودة إلى اليوم في الجرائد، والكتب محفوظة عليهن، وثياب طويلة إلا الوجه، فهذا الذي كشفنه، ولما ذهب وفد مصر إلى المؤتمر العالمي للمرأة في روما فحضرن، وكن امرأتين إحداهن هدى شعراوي وهي كاشفة الوجه، والأخرى محجبة الوجه، وهي في مؤتمر تحرير المرأة العالمي قد جاءت من مصر، وقالت رئيسة المؤتمر: أما هذه فهي مصرية مسلمة -تعني المحجبة- وأما هذه فأشك أنها من جنسية أخرى، أخذتموها لتمثل مصر؟ لأنه ما كان هناك مسلمات كاشفات الوجوه، مجرد أن تكون المرأة مسلمة معناه أنها مغطاة الوجه، فهذا الذي فعلته وطالبت به هدى شعراوي.
    ثم يأتي البعض ويقول: المفروض أن كل بنات الجامعة يكن كذلك، وفي السوق، وهناك من يحجب زوجته إذا مشت في الطريق، وإذا ركبت في السيارة فهي كاشفة، فمن الذي أحلها للخط العام؟! ومن الذي أحلها للخياط؟! ومن أحلها للطبيب؟! ونحن لا نعني الضرورة، لكن نتكلم عن الحالات العادية، فإذا كان أصل الخروج لا يجوز إلا لحاجة أو ضرورة؛ لأنها عرضة الفتنة، ولأن من لديه غيرة لا يقبل أن تُرى حتى ولو كانت مجرد شكل أسود إلا لحاجة أو ضرورة تقتضي ذلك، فكيف بما دون ذلك.
    فهذا الأمر انتشر في العالم الإسلامي مع مجيء الاستعمار، والحملات المغرضة المشبوهة التي تسترت بالدين، لما ظهر كتاب تحرير المرأة والمرأة الجديدة لـقاسم أمين وأمثاله، وإذا به يذكر بعض الأدلة، ونقاشه أشبه ما يكون بالنقاش الفقهي، وبعد ذلك يتمادى قوم، ويقولون: إن الحجاب عادة تركية لا يعرفها المسلمون ولا يعرفها العرب، سبحان الله!! كيف لا يعرفونها؟! إذاً كلها عصور دياثة لا ندري عنها إلى أن جئتم الآن أنتم وبينتم لنا! إن هذا لا يمكن أبداً.
  3. حقيقة الحجاب

    ونقول للأخوة الكرام وللأخوات الكريمات: ليس الحجاب هو مجرد أن تستر المرأة وجهها وجسمها كله، ليس هذا هو الحجاب فقط! إن أساس الحجاب أن تكون تقية مؤمنة بقلبها: ((وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ))[الأعراف:26] وألاَّ تخضع بالقول، وإذا اضطرت أن تخاطب الرجال فبالقدر الضروري، وللأمر المهم، وبالعبارات التي لا تزيد عن الحاجة، ولو من الهاتف فضلاً عن أن يراها، الحجاب: هو معنى شرعي إيماني قلبي وبدني معاً وليس مجرد ألاَّ ترى منها أي شيء.
    والآن أصبحت تتحرك، وتمشي في السوق كما تشاء وكأنها رجل، هل يقال: إنها محجبة؟! لا. فكيف بها إذا كشفت الوجه ثم مشت هذه المشية؟! كيف بها إذا تعطرت وتطيبت ولبست؟! وهذا ما يفعله أكثر الناس، فنقول لأخواتنا الطالبات: أن لا يسمعن ولا يفتحن آذانهن لأي ناعق كائناً من كان، ومثل هذه هي المدرسة التي قالت هذا الكلام لا بد إن شاء الله تعالى أن يتخذ معها الأسلوب المناسب لإقناعها أو لردعها إن لم تقتنع عن نشر مثل هذه السموم بين بناتنا.
    ففي الوقت الذي يكون الاختلاط على أشده والدعوة إليه قائمة؛ يأتي من يمهد له وهو يشعر أو لا يشعر، هذا لا يمكن أن يُرضى، ولا يمكن أن يُقَرَّ أبداً، فاتقوا الله يا إخواني المسلمين، اتقوا الله في أعراضكم، في بناتنا وأخواتنا ونسائنا، واعلموا أن الأمة التي تفرط في عرضها لا يمكن أن تحتفظ بعد ذلك بأي شيء، فإن العرب حتى في جاهليتهم ما كانوا يرضون هذا لبناتهم أو لأخواتهم ولا لأمهاتهم، بل كانوا يتفاخرون بالعفة؛ وهذا عنترة بن شداد يقول:
    وأغضُّ طرفي إن بدت لي جارتي            حتى يواري جارتي مأواها
    سبحان الله! والآن الأفلام والمجلات والقصص والفساد، وحتى المدرسات -أحياناً- يعلمونهن كيف تغازل البنت، وكيف تعاكس، وكيف ترمي من الشُّبَّاك!!
    نسأل الله تبارك وتعالى لنا ولكم القبول، وصلى الله على عبده ورسوله محمد، والحمد لله رب العالمين.