المادة    
قال الطّّحاويّ رَحِمَهُ اللهُ:
[وإن محمداً عبده المصطفى، ونبيه المجتبى، ورسوله المرتضى].
قَالَ المُصنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى:
[الاصطفاء والاجتباء والارتضاء: متقارب المعنى. واعلم أن كمال المخلوق في تحقيق عبوديته لله تعالى، وكلما ازداد العبد تحقيقاً للعبودية ازداد كماله وعلت درجته ومن توهم أن المخلوق يخرج عن العبودية بوجه من الوجوه، وأن الخروج عنها أكمل، فهو من أجهل الخلق وأضلهم، قال تعالى: ((وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ))[الأنبياء:26] إِلَى غير ذلك من الآيات.
وذكر الله نبيه صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ باسم العبد في أشرف المقامات، فَقَالَ في ذكر الإسراء: ((سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ))[الإسراء:1] وقال تعالى: ((وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ))[الجـن:19] وقال تعالى: ((فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى))[النجم:10] وقال تعالى: ((وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا))[البقرة:23] وبذلك استحق التقديم عَلَى النَّاس في الدنيا والآخرة. ولذلك يقول المسيحُ عَلَيْهِ السَّلامُ يَوْمَ القِيَامَةِ، إذا طلبوا منه الشَّفَاعَةَ بعد الأَنْبِيَاءِ عليهم السلام: "اذهبوا إِلَى محمد، عبد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر" فحصلت له تلك المرتبة بتكميل عبوديته لله تعالى. وقوله: "وإن محمداً" بكسر الهمزة عطفاً عَلَى قوله: "إن الله واحد لا شريك له" لأن الكل معمول القول، أعني: قوله: "نقول في توحيد الله"] إهـ.

الحديث عن إثبات نبوة مُحَمَّد صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعن تقرير مبحث النبوة عامة، يقتضي منا أن نتحدث عن أهمية دراسة سيرة النبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأخلاقه؛ لأنه هو القدوة والأسوة قال تعالى: ((َقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً))[الأحزاب:21].
فكل مؤمن بالله منتسب إِلَى هذا النبي العظيم صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلابد -وهو حري ومشتاق بلا شك- أن يقرأ سيرته ويطالع شمائله ويستنير بهداه صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إذ كل أمة من الأمم وكل مبدأ وكل مذهب لابد أن يكون له مثل أعلى، ونماذج حية يؤمن بها أصحاب هذا المبدأ ويتأسون ويقتدون بها، ويُشهرِونَ اسمها ويُخلدّوُنَ أعمالها، ويرفعون أمجادها، هذه سنة جعلها الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
فكل المتبوعين من البشر الحقيقيين أو المتبوعين من المتوهمين -كل هَؤُلاءِ- يرفعهم أتباعهم، ويعظمونهم، ويختلقون لهم من وسائل التمجيد والتكريم والتبجيل ما يرفعونهم به عن مستوى سائر البشر، لأن هذا التعلق طبيعي وفطري في النفس البشرية تجاه كل من تتبع وتدين بما يقول،
ولكن نبينا مُحَمَّد صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو سيد ولد آدم أجمعين.
وأفضل الأَنْبِيَاء والمرسلين وهو الذي زكاه وطهره وأثنى عليه ربه -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- وكل من رآه صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من مؤمن أو كافر، شهد له بالغاية العظمى في الحلم، والكرم، وحسن الخلق، والصدق، والأمانة، والوفاء، هذه الشخصية - شخصية النبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لا تحتاج لمن يختلق الأمجاد لها، أو يفتري عليها، وإن كَانَ يظن أنه يكذب لها، لأنه صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما خصه الله تَعَالَى من الفضائل والخصائص؛ في غنى مطلق عمن يفتري ويختلق له ما ليس فيه.
وما علينا إلا أن نقرأ الصحيح من سيرته صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فنتأسى ونقتدي به، فإنه يوجد فيها من دلائل النبوة والآيات والبراهين البينات ما تنبهر له جميع النفوس؛ ولهذا فإن كثيراً من النَّاس أسلموا لمَّا رأوا سيرته صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إما عياناً وإما قراءةً فبمجرد أن قرؤوها علموا أن هذا الإِنسَان ليس بكاذبٍ أو مفترٍ، وأنه لا يأتِ بشيءٍ من عنده، ولا يريد شيئاً لنفسه، وإنما هو من عند ربه -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- وأن دعوة النبوة حق ويقين وبرهان وليست مجرد دعوى.
  1. كل مسلم بحاجة إلى معرفة سيرة وأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم ؛ ليقتدي به

  2. وضوح سيرته صلى الله عليه وسلم ليسهل التأسي والاقتداء بها :