المادة    
سوف نستعرض ما يدل على هذا في واقع هذه الدول التي تدَّعي الإسلام.
  1. الغزو التشريعي في جمهورية مصر العربية

    أولاً: مصر وهي أهم دولة عربية، وأكثر دولة عربية تعرضت للغزو التشريعي، وأصبحت مرجعاً للدول الأخرى في هذا، ويوجد في العالم نوعين من أنواع التشريع:
    1- التشريع المكتوب.
    2- التشريع بنظام العرف والسوابق.
    والاتجاه الفرنسي يأخذ بالتشريع المكتوب وبالتقنين، ومصر ومثلها سوريا ولبنان نقلت قوانينها عن القانون الفرنسي، ثم نقلت عنهم بقية الدول العربية، ومن العجب أن السنهوري وهو أكبر قانوني ظهر في مصر، والذي كتب من المجلدات في القانون ما يعدل حمل بعير -نسأل الله العفو والعافية- ولو أنه بذل هذا الجهد الكبير، وأنفق هذا الوقت الكثير في تعلم دين الله وكتاب الله وسنة رسوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لنفع الله به نفعاً عظيماً، ولكن ((وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ))[الحج:18] فاختار أرذل الأمر، وأخذ يبحث في هذه القوانين حتى أصبح كبير القانونيين، وهو الذي وضع القانون المدني المصري، يقول في أول كلامه عن وجود القانون في مصر ''إن واضع القانون المدني المختلط الذي هو أصل القانون المدني المصري هو محامي فرنسي وضعه بطلب من نوبار باشا'' إلى آخر هذا الكلام.
    وسوف نقف عند هذه القضية: نوبار باشا رجل ماروني نصراني، وصل به الحال إلى أن يكون رئيساً لوزراء مصر بحكم نصرانيته وصليبيته وحكم ولائه للغرب فإنه قد أتى بمحام فرنسي، فوضع له القانون المدني، ثم يأتي بعد ذلك المنتسبون إلى الإسلام أو من يدَّعون الانتساب إلى الإسلام، ويطورون هذا النظام، ويطعمونه ببعض القوانين الانجليزية والفرنسية والألمانية إلى أن أخذوا من قوانين أمريكا اللاتينية، وأصدروا التقنين الجديد الذي يرون أنه أفضل تقنين وضع، وأصل هذا القانون هو المحامي الفرنسي.
    فأمة تترك كتاب الله وتترك سنة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتعرض عما جاء فيهما، وعما استنبط العلماء وتوسعوا فيه من مباحث فقهية عظيمة لا نظير لها في الدنيا على الإطلاق، وتتحدى أحداً أن يأتي بما يناقض هذا الشيء، فتترك هذا كله وتتبع نوبار باشا ومحاميه الفرنسي الذي وضع هذا القانون نقلاً عن القانون الفرنسي حرفياً، وجاء السنهوري ومن معه، وأضافوا إليه، وصار هذا هو القانون المتبع في مصر مع الأسف، ثم من مصر اشتقت أكثر الدول العربية تشريعاتها، والذي لم يؤخذ من مصر أُخِذَ من سوريا ولبنان، وهذه هي المصيبة العظمى التي حاقت بالمسلمين.
    يقول دستور جمهورية مصر العربية المادة (109) بالنسبة لسن الأنظمة: {{لرئيس الجمهورية حق اقتراح التشريع}} كأن يقترح أن يشرع تنظيماً للزنا أو للاغتصاب والمادتان (112،113) تنظمان حق رئيس الجمهورية في التصديق على القوانين والاعتراض عليها، وبعد أن يقر رئيس الجمهورية القانون إما أن يُصَدِّق عليه، فيصبح شرعاً نافذاً، وإما أن يعترض عليه ويرده ويطعن فيه، فالذي يملك حق التشريع هو رئيس الدولة.
  2. التشريع في الدستور السوري والليـبي والمغربي

    أما الدستور السوري الذي صدر عام (1973م) وحصلت بسببه مشكلات كثيرة جداً واكتفى في أن يرضي الناس بقوله: {{إن رئيس الدولة يجب أن يكون مسلماً}} إسكاتاً وإرضاءً للناس لمطالب بعض من الناس والشعب والدعاة لتحكيم الشريعة، فالكثير في هذه الأمة يريدون حكم الله، فقالوا: نجعل رئيس الدولة مسلماً!
    وهذه الأمة مصائبها مركبة فليست مصيبة واحدة، لأن هذا الرئيس المسلم الذي أرضوا الناس به هو باطني نصيري، والنصيرية مرتدون كفرة لا يعدون من المسلمين لا في قليل ولا في كثير، ولكنهم أرضوا وأسكتوا الناس حيث جعلوا مادةً تقول: إنه مسلم، ثم لو فرضنا أنه من أهل السنة وأبوه وأمه ينتسبون كابراً عن كابر إلى أهل السنة وإلى آل البيت، أو إلى آل أبي بكر أو إلى آل عمر، وكلهم على السنة والجماعة، ولكنه التزم هذه التشريعات والقوانين، فهل يكون مسلماً؟
    فالمصيبة مركبة من جهة الأصل، حيث إنه باطني خبيث، ومن جهة الحكم بغير ما أنزل الله والتشريع والتحليل.
    ومع ذلك فالمادة (110) أعطته أيضاً حق اقتراح القوانين، والمادة (98) أعطته حق إصدار القوانين والاعتراض عليها، فالمقصود أن الحكم عندهم لهذا الرجل! نسأل الله العفو والعافية.
    وكذلك الدستور المؤقت للجمهورية الليبية بعد ما قامت الثورة المجنونة، وقالوا: نغير بعض الأشياء، فضحكوا على بعض العلماء، وجاءوا بالشيخ محمد أبو زهرة، وجاءوا بغيره من المشايخ، وقالوا: نجعل للدولة دستوراً مؤقتاً، ثم بعد ذلك يكون هذا خطوة لتطبيق الإسلام، وأعلنوا أن النظرية الثالثة التي وضعها هذا العبقري الملهم في كتابه الكتاب الأخضر التي تقول: لا شرقية ولا غربية، لا النظام الرأسمالي ولا النظام الشيوعي، وهذه نظرية جديدة تقوم على الإسلام وهو مرتَكز لها، لكنها نظرية جديدة مطورة، فهي عندهم أعلى حتى من الإسلام ومن الاشتراكية ومن كل شيء، وإنما الإسلام مرتكز لها، فوضع دستوراً ووسموه بأنه دستور مؤقت حتى تتفتق العبقريات ويأتي الوحي في النهاية، وصار الأمر إلى كفر أشد من هذا.
    فيقول هذا الدستور المؤقت في المادة (20): {{إن مجلس الوزراء يدرس ويعد مشروعات القوانين}} فهو قد أعطى الحق للسلطة التنفيذية، وأخذ حق السلطة التشريعية وأعطاها للسلطة التنفيذية، وهذا موجود في كثير من الدول العربية، والمادة (18) تقول: {{إن مجلس الثورة هو الذي يوافق على التشريعات ويصدرها}} فحق التشريع لم يعط لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ولم يرجعوا إلى حكم الله وإنما إلى مجلس الثورة، فإن أقر مجلس الثورة شيئاً مما أنزل الله عملوا به؛ لأن مجلس الثورة أقره، وإن لم يقر شيئاً مما أنزل الله وخالفه ولو كان صحيحاً صريحاً في القرآن أو صريحاً قطعي الدلالة في السنة، فإنه لا يعمل به؛ لأن مجلس الثورة الذي يملك حق التشريع أو الاعتراض عليه لم يوافق عليه.
    وكذلك دستور المملكة المغربية الصادر سنة (1972م) حوالي سنة (1392)هـ في الفصل رقم (26) يقول: {{للملك حق إصدار القوانين والتشريعات}} فالمرجع والحكم عندهم هو شخص هذا الحاكم، ثم قال في الفصل (66، 87) من الدستور المغربي: يعطى للملك ثلاثة حقوق وهي:
    الحق الأول: أن يصدر التشريعات.
    والحق الثاني: إعادة النظر في التشريعات، الذي يسمونه قراءة القانون من جديد.
    والحق الثالث: طرح القانون للاستفتاء الشعبي وأخذ الموافقة عليه، فيقوم باستفتاء الشعب كما هو الآن في بعض الدول، فيقولون: إن الشعب يريد الدستور، ولأن الشعب قد اختار الدستور فإنه يحكم بين الناس بغير ما أنزل الله -نسأل الله العفو والعافية- فالحاكم له حق في إصدار التشريعات الجديدة وأن يغير ما يشاء، وله حق أيضاً في طرح ذلك للاستفتاء الشعبي.
  3. التشريع في الدستور الكويتي والأردني والتونسي

    دولة الكويت في المادة (65) أعطت للأمير حق التشريع بالرغم من أن الكويت قبل الحرب، وعندما اجتمعوا في جدة أجمعوا على مشروع دستور برقم (63)، والآن حتى من بعض الدعاة الإسلاميين من يطالبون بتطبيق الدستور، سبحان الله! إذا لم تستطع أن تقول: نريد كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلا تقعد ولا تحضر معهم ولا تشاركهم، وأيضاً فبإمكانك في المؤتمر الذي عقد في جدة أو الآن أن تقول: نريد كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولكن هناك أناس ينسبون أنفسهم إلى الدعوة الإسلامية، ويقولون: نحن نطالب بدستور (63) الذي يكفل الحريات والحقوق والانتخابات، وبعضهم يتأول ويقول: إذا طبق هذا الدستور، وعرض للاستفتاء وعرض أمر القوانين والدساتير وأمر الشريعة الإسلامية على الشعب، فالشعب لن يختار إلا الإسلام.
    وهذا كلام يقال في الخيال لكن الواقع غير ذلك، وحتى لو عرض الشرع على الناس، فلن يختاروا إلا الشرع؛ فهل حكم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى على سبيل التخيير؟!!
    فنقول: نحن على ثقة أن الناس سيختارون حكم الله، وأيضاً لو فرضنا أن الناس لم يختاروا شرع الله، فنكون قد جعلنا حكم الله للتخيير وهذا كفر -عياذاً بالله- لأنهم لا يقرون بشهادة أن لا إله إلا الله، والرب سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يقول: ((أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ))[الأعراف:54]، فهم معترفون بأن الله هو الخالق، ولكنهم يجعلون الأمر لغيره، فجعلوا حكم الجاهلية هو الحكم، فإذا اعترض معترض، وقال: لا نريد حكم الله ولا نريد حكم الشريعة -نسأل الله العفو والعافية- فإنه لا يعاقب؛ لأنه مارس حقاً قانونياً له، والدستور يعطي كل مواطن الحق في أن يختار ما يريد، ولو لم يكن في المليون إلا رجل واحد يقول أريد غير حكم الله!
    كل الخلق ملزمون ومتعبدون ومأمورون بأن يتبعوا حكم الله وحده وإلا فليسوا بمسلمين، ومعنى كلمة الإسلام هو هذا، ولهذا يقول الله تبارك وتعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً))[البقرة:208]، والسلم: هو الإسلام، وقال: ((وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ))[الأنفال:39]، كله لا بد أن يكون لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وإذا كان كذلك فلا تخيير: ((وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِم))[الأحزاب:36].
    وكذلك دستور الأردن؛ حيث إن المادة (31) تعطي للملك حق التصديق وحق الإصدار.
    وأما في تونس ففيها العجب العجاب؛ لأن رئيسهم هو المجاهد الأكبر -كما يسمونه- ولكنه لم يكن مجاهداً في الله، وإنما كان يجاهد المؤمنين، ويجاهد لتكون كلمة فرنسا وقوانينها هي العليا، فقد أصدر قانوناً ينص على أن حق الاقتراح والفصل في أمور التشريع والاعتراض هو لرئيس الدولة.
  4. نظام الحكم في لبنان

    أما لبنان فإن المادتين (56،18) تعطي حق الاقتراح والاعتراض لرئيس الدولة، فمصيبتها كمصيبة سوريا، ولكن من نوع آخر، حتى المسلمين هناك من أهل السنة يطالبون بأن يوافقوا ويقروا المصالحة الوطنية التي تنص على أن رئيس الدولة يكون مارونياً، ورئيس الوزراء يكون مسلماً سنياً، ورئيس مجلس الشعب يكون شيعياً، والمليشيات مقسمة، فتكون هناك مليشيات للدروز، ومليشيات للموارنة، والصليبيين والنصارى ينقسمون إلى عدة فئات، ففئةٌ مع فرنجيه وفئة مع شمعون، وفئة مع الجميل.
    وذكرت بعض الإحصائيات في مجلة لبنانية: أنه في لبنان خمسمائة نحلة، أي: أن كل الأديان في العالم تقريباً موجودة في لبنان، حتى البهائية والقاديانية والشيوعيين والناصريين والبعثيين والقوميين والشيعة، والباطنية موجودة بجميع أنواعها، فكل نحلة وملة تخطر على بالك تجدها في لبنان ولو مجرد شخص أو اثنان أو ثلاثة أو عشرة من أصحاب هذه النحلة، فيقال: كيف يجتمع هؤلاء على الدستور الذي ينص على المصالحة الوطنية ويطلب حتى من المسلمين أن يقروه ويقر هذا بعض علمائهم هنالك أو في غيرها من الدول أحياناً، فيقرون لهذا الحكم الذي بموجبه يكون رئيس الدولة نصرانياً، وتخضع للرافضي الذي يرأس مجلس الشعب، وهذا السني الذي في الوسط التنفيذي -رئيس الوزراء- يعتبر شكلية إدارية، لأن الوزراء تجدهم على هذا النمط وزيراً من حزب الشيطان والذي يسمى بـحزب الله، ووزيراً شيعياً من الأمل ووزيراً درزياً... وهكذا.
  5. ضرورة الصبر والتضحية لنصرة الإسلام

    إن الناس إذا أرادوا دين الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وشرعه، فهو لا يقوم إلا بالجهد وبالدعوة، وبالصبر والتضحيات، وربما أدَّى إلى الجهاد وإراقة الدماء حتى يقوم هذا الدين كما هو الآن في أفغانستان وإرتيريا، لأن هذا الدين لا يقوم إلا بالجهد والجهاد الحقيقي الذي لا جدال فيه، ولكن لو أرادوا غير ذلك كـالديمقراطية -مثلاً- فهل يحصلون عليها بلا تعب؟!
    رومانيا لما أرادت الديمقراطية ماجاءتها إلا بعد حمامات الدم التي أرعبت العالم، وأوروبا الشرقية لما أرادت التخلص من الديكتاتورية والاستبداد لم يأخذوها إلا بالجهد والتعب.
    فالشعوب والأمم التي لا تجاهد ولا تضحي من أجل إقامة دين الله، فسوف يعاقبها الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بأن تضحي وتجاهد وتتعب وتخسر وتريق الدماء من أجل الطواغيت والمجرمين والأنظمة الكافرة المرتدة، فـحزب البعث في العراق وسوريا، خسرت هذه الشعوب خسارات عظيمة جداً من أجل أن يبقى هؤلاء الزعماء المجرمون، ويبقى هذا الحزب المرتد مسيطراً على البلاد، ولو أن هذه الخسارة في الأرواح والأموال والأنفس والمطاردين والمهاجرين -ومصائب لا يعلمها إلا الله- بذلت لإقامة دين الله لقام هذا الدين في العالم كله، ولو بذل بعض منها لإقامة الدين في تلك البلاد لقام، ولكن الناس ضحوا وبذلوا من أجل بقاء هؤلاء المجرمين، فكانت العقوبة أن يسلطهم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عليهم أكثر.
    وهكذا في كل مكان؛ إما أن يدفع الناس ضريبة الإيمان وضريبة العزة، ولا تنال العزة الإيمانية إلا بجهد، قال تعالى: ((أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ))[العنكبوت:2]، ولذلك فقد جاهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والرسل من قبله، وصبروا وصابروا ورابطوا، وكذلك جاهد العلماء الذين جددوا دين الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كالشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، ومن المعلوم أن الحكومة السعودية الأولى لم تقم على التوحيد الخالص النقي مجاناً، بل بجهادٍ وجهد شديد حتى تأليت عليها القوى الطاغية المجرمة وقضت عليها.
    وهكذا الدعوات دائماً لو لم تجاهد في سبيل الله فإنها تقدم تضحيات وجهود عظيمة في سبيل الشيطان وتدفع ضريبة الذل، أما ضريبة العزة فكل قطرة دم تراق في سيبل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى للجهاد ومن أجل إعلاء كلمة الله -كما هو في أفغانستان أو غيرها- لها موقع عظيم عند الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وهي -إن شاء الله- لبنة من أجل الوصول إلى هذا الأمل الكبير بإذن الله مع تصحيح المسار، وتنقية الصف... إلى آخر الشروط الأخرى، ولو فرضنا أن أفغانستان رضيت بالحكم الشيوعي لقامت بقتلهم وانتهاك أعراضهم وأخذ أموالهم كما فعلت في اليمن الجنوبي، وليبيا وغيرها، وكما فعل البعثيون في العراق وسوريا.
    وكان المسلمون الأفغان سيقدمون تضحيات أكثر وأعظم وهم في ذلة أجارنا الله وإياهم منها! إلى الآن قد خسروا أكثر من مليون شهيد، لكنها بعزة وثمنها والحمد لله عظيم جداً، ولو لم يكن فيه إلا أن الناس أيقنوا أن بإمكان أي شعب أعزل -إلا من الإيمان بالله- أن يقاوم أقوى دولة في العالم، فكيف لو استكملنا الشروط الشرعية، وتجنبنا الموانع الشرعية لتحقيق النصر الكامل، من الوحدة وتوحيد الصف والاعتصام بكتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعدم التفرق كما أمر الله بتوحيد المجاهدين والدعاة والمسلمين في كل مكان، فيتوحدون على كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومنهج السلف الصالح والتواصي بالحق وبالصبر، ويكونون يداً واحدة كما أمر الله تعالى حيث يقول: ((وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا))[آل عمران:103]، وقال في الآيـة الأخرى: ((وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ))[الأنفال:46] فهذا سبب من أسباب النصر.
    والأمر الآخر هو: ((وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ))[الأنفال:60] فلم يكلفنا الله مالا نطيق، فلا يأت قائل ويقول: روسيا لديها قنابل نووية، ونحن لا يوجد لدينا إلا بنادق، فنقوم بترك الجهاد، فهذا هو الخطأ بعينه، ولكن علينا أن نعد العدة، فإذا وجدنا أننا يمكن أن نقاوم ووجد لدينا بعض التكافؤ، فنقول: باسم الله! يا خيل الله اركبي، فيكون النصر بإذن الله.
  6. التشريع في الدستور العراقي والسوري

    كذلك في العراق في المادة (51،42) فهؤلاء البعثيون يقولون: {{إن مجلس قيادة الثورة يقترح مشروعات القوانين ويصدرها}} فأعطوا حق التشريع لمجلس قيادة الثورة كما هو في ليبيا، وأما المادة (44) فتقول: {{إن رئيس مجلس قيادة الثورة يوقع القوانين الصادرة عن المجلس وينشرها}} فهو الذي يعتمدها وإذا اعتمدها أصبحت ديناً ووحياً وكتاباً منزلاً -والعياذ بالله- فلا يحيدون عنه ولا يتركونه، وهذا من أسباب وقوع البلاء على هذه المجتمعات والشعوب التي رضيت بتسلط هؤلاء المجرمين، ومكنتهم حتى لعبوا بدينها ودنياها وعبثوا بطاقاتها ومقدراتها، ولم يقم فيهم قائم لله بالحق، ولم يجدوا من يجاهد، بل قام عدد قليل من العلماء، فكبت من كبت، وطرد من طرد، وانتهى الأمر، وخضعت الأمة، فكانت النتيجة لهذا الحزب الصليبـي.
    ونحن لا نفرق أبداً بين عداوة البعثيين الصليبيين وبين عداوة الغرب للإسلام والمسلمين، فالقضية واحدة، وهما وجهان لعملة واحدة؛ لأن هذا الحزب هو حزب صليبي نصراني، ومن أعظم أسسه التي قام عليها هو تقديم النصارى باسم أن رابطة الدم هي التي تربط العرب، فهي أمة عربية واحدة، وإقصاء المسلم إن كان هندياً أو تركياً أو كردياً أيّاً كان قدمه في الإسلام، فلا قيمة له عند البعثيين؛ لأنه ليس قومياً.
    أما النصراني فمقدم؛ لأن المؤسس هو ميشيل عفلق والنائب هو طارق عزيز، وكان أيضاً في سوريا قبل الحكم البعثي فارس الخوري رئيس الوزراء.
    فهؤلاء القوميون عموماً والبعثيون خصوصاً لا يوالون إلا في هذه العقيدة الكافرة التي تجعل الكافر الصليبي النصراني مقدماً على غيره.
    فأقول: الإسلام لا يفرق بين الغرب والبعثيين مهما اختلفوا -وقد يختلفون أحياناً ونحن لا ننكر ذلك- ولكنهم بالنسبة للمسلمين عدو واحد وصف واحد، حتى ولو اختلفوا أو ظنوا أنهم يستطيعون أن يتمردوا على الأسياد في الغرب، فهم في الحقيقة يخدمون أهدافهم، ولن يخرجوا عن هذه الأهداف، لأنهم كلهم يجمعهم الصليب، وتجمعهم العداوة والحقد على الإسلام والمسلمين.
    وفي السودان أيضاً المادة (155) تعطي رئيس الجمهورية حق الاقتراح، وفي المادة (157) يعطونه حق التصديق، وفي المادة (107) يعطونه حق الاعتراض، فالرئيس هو الذي يصدر القانون، ويعترض ويوقع، فماذا بقي لرب العالمين وخالق الأولين والآخرين؟!
  7. التشريع في الدستور اليمني

    أما دستور جمهورية اليمن الديمقرطية الشعبية التي كانت سابقاً، فالمادة (92) تقول: {{إن مجلس الرئاسـة يقترح مشروعات القوانين ويصدرها ويأمر بنشرها}}، فله حق الاقتراح وحق الإصدار والنشر، لأن عندهم في القوانين لا يكون القانون ملزماً إلا بعد أن يمر بصفة النشر، فلا بد أن ينشر، وإلا فسيكون في إمكان أي إنسان أن يطعن أو يعترض بعدم نشر القانون، فترفع عنه الجناية أو التهمة القانونية، وهذا الدستور اليمني قد ألغي، وصوتوا قبل أيام أو أسابيع على الدستور الجديد الذي أحدث هذه الفتنة، التي نسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يقي هذا الشعب المسلم شرها، وأن يجمع قلوبهم على كتاب الله وعلى سنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهذا الشعب هو كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {الإيمان يمان والحكمة يمانية}، ويكفيهم فخراً أنهم لم يفتحوا بجيش، وإنما انقادوا وأسلموا بلا قتال، وطلبوا من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يرسل إليهم من يعلمهم الخير، فأرسل إليهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معاذ بن جبل وأبا موسى الأشعري وعلي بن أبي طالب، ولما ظهر فيهم المرتد الخبيث الأسود قتلوه وقضوا عليه، فدخلوا في الإسلام طواعية، ثم عندما ارتد العرب أو أكثر العرب قضوا على الردة هم بأنفسهم دون أن يطلبوا من الصديق جيشاً يرسله ليقضي على المرتدين، وهذا دليل على أن الخير والرقة التي ذكرها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيهم: {هم أرق قلوباً وأفئـدة} فالرقة فيهم موجودة، والخير فيهم موجود، فهذا الشعب المسلم يؤتى إليه بقوانين فيعبد ماركس ولينين، والمصيبة أنه بعد الوحدة الذين قبضوا على الأمور هم الذين ينتمون إلى الجنوب لأنهم حزبيون، وهؤلاء الحزبيون هم من أخبث خلق الله إن لم يكونوا أخبث من على وجه البسيطة، لأنهم تغذوا ورضعوا لبن الأفكار الخبيثة وتشربوها، وعندهم مبدأ (الغاية تبرر الوسيـلة)، ومستعدون أن يصلوا إلى هدفهم ولا يبالون أبداً، ولذلك رأوا أن من مصلحتهم أن ينضموا إلى الشمال بما فيه من طاقات بشرية وموارد خيرة اكتشفت أخيراً.
    وعندما ضموا الشمال إلى الجنوب أصبحت السيطرة لهؤلاء المجرمين الحزبيين، نسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يكفي المسلمين شرهم، وأن يأخذهم أخذ عزيز مقتدر، وأن يرجع هذا البلد وكل بلاد الإسلام إلى الاحتكام إلى كتاب الله وسنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
  8. السيادة في الدستور الجزائري والتونسي والسوداني والبحريني

    أما دستور جمهورية الجزائر الصادر عام (1976م) فيقول: إن رئيس الجمهورية يصدر القوانين كما في المادة (154)، وله حق طلب مداولة ثانية، أي: إعادة القراءة في القانون، ويتعين حينئذٍ الموافقة على القانون بأغلبية الثلثين، فـالجزائر تعطي حق التحليل والتحريم لرئيس الجمهورية حسب الدستور، وهذا الذي دفع الإسلاميين والدعاة إلى أن يطالبوا بتحكيم الشرع.
    وبهذه المناسبة -لأن الكلام الآن عن الجزائر- كنا نود أن تتاح فرصة، لنعطي الإخوة فكرة أوسع عن هذا البلد أولاً: لأن همَّ المسلمين واحد، وهم كما قال صلى الله عليه وسلم: { كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى }، وبعض الناس يقول: هذه مناطق بعيدة، وليس بشرط أن نعرف أحوالها، نقول: قد لا يكون شرط باعتباري أنا كفرد، ولكن باعتبار ذلك كأمة لا بد أن نعرف أحوالها.
    ثانياً: إن وسائل الإعلام الشرقية والغربية لم تتركنا جهلة.
    أي: أنه لا يتكلم حولها مطلقاً في الإذاعة والتلفزيون، ولا يهمل نهائياً.
    نقول هذا؛ لأن البعض يفهم الإخوة خطأً ولا يدري ما حقوقها، فلا بد من معرفة أحوال المسلمين وواقع الأمة، وإعطاء الحلول لها والنظر إلى مشاكلها، ويومياً يصب الإعلام على الناس صباً، والناس يقرءون الجرائد ويسمعون الأخبار عن أحداث الجزائر، وما تقوله وسائل الإعلام الغربي وحتى الإعلام العربي التابع للغرب، يسمعونه منها: الجزائر: المتطرفين الأصوليين... إلى آخره.
    إذاً: أمام هذا الزخم الإعلامي الهائل، فلا نستطيع أن نسمعهم -نحن- كلمة الحق! هذا تقصير منا، وقد نأثم بذلك لأن في ذلك تلبيس للأمة وغش لها، وقبل فترة تقول جريدة عكاظ جبهة الإنقاذ تريد جر الأمة إلى الدماء، ما شاء الله! كم من الناس عندنا هنا بالآلف، بل مئات الألوف يكرهون هذه الجبهة لأنها -على حسب فهمهم- تؤدي إلى دمار الأمة، فيكرهون المطالبة بحكم الله، لأنهم قرءوا هذه الجريدة، ويقولون: هذه جريدة سعودية في بلد مسلم -والحمد لله- ولا يخطر على باله غير ذلك، وخاصة إذا لم يعترض عليها أحد، لا من العلماء ولا من الدعاة، -إذاً- هذا كلام صادق.
    أيها الإخوة: القضية ليس فيها تكافؤ، فلا مقارنة بين ما يتكلم به أعداء الإسلام في وسائل الإعلام وبين ما يتكلم به الدعاة عن هذه القضايا، بل الإعلام يجد له صدى عندنا هنا في الداخل؛ وبهذا يضللوا الأمة عامة عن أحوال المسلمين، ولو أن واحداً يقوم في مكان ما في مسجد ما، ويقول أمام مائة أو مائتين أو ألف -مثلاً- فيذكر لهم الحقائق الصحيحة التي حلت بالأمة، ويحذر من المفاهيم المغلوطة -وهذا الكلام بين أفراد معدودين وليس بين الملايين- يراد له ألا يتكلم عن هؤلاء، وهذه مصيبة وجناية.
    أقول: من هذا الباب كنت أريد أن نخصص محاضرة عن الجزائر نعرف ما هي أصل القضية، وأنا أتوقع أنه لا يوجد أحد في الشرق أو في الغرب اطلع على تاريخ الجزائرأو سمع الأخبار عنها، إلا ويشعر أن الأمر فيه شيء غريب، وأظنكم كلكم تشعرون بهذا الإحساس، وهذا الإحساس والشيء الغريب هو: أن البلد بلد مفرنج، أو مفرنس بالأصح، مائة وعشرين سنة من الاستعمار الخبيث؛ حيث دمروا وأزالوا فيها كل ما يَمُتْ للإسلام بصلة، حتى اللغة غيروها، وبعد فترة وإذا بالعاصمة وحدها يأتي منها مليون شخص، يقولون: نريد الإسلام، رجالاً ونساءً، شباب ملتحين ومظهرهم إسلامي، ونساء محجبات، يريدون الإسلام، ما السر؟
    لماذا لا يظهر في تونس، أو المغرب مثل هذا الشيء ؟
    ما هو السر؟
    أيها الإخوة: إن الجزائر يشبه هذه البلاد بالدعوة، لأن أصل البلد فيه دعوة سلفية، قضي عليها لكنها لم تَمُت في قلوب الناس، والمتأمل إلى دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمة الله عليه يجد أنها متميزة في جزيرة العرب، ولا شك أنها متميزة في التاريخ كله، لكن على غرارها وعلى منهاجها مع اختلافات -لكن المنهج والهدف واحد وهو الرجوع إلى الكتاب والسنة- فقامت هذه الدعوة على يد الشيخ عبد الحميد بن باديس في الجزائر، وانتهج الشيخ عبد الحميد بن باديس منهجاً علمياً، وهذا الذي نقوله دائماً: العلم العلم! فلا يأتي من يقول: نترك الجهاد، ونترك الدعوة من أجل العلم، لا، بل العلم أساس الدعوة، والعلم أساس الجهاد، ولكن أي علم ؟ العلم الذي على عقيدة السلف الصالح.
    يقول الشيخ عبد الحميد: لا يمكن أن نبدأ بجهاد الفرنسيين وإخراجهم من البلاد لسببين:
    أحدهما: لتمكنهم ولسيطرتهم، وهناك سبب آخر هو الأهم وإن كانت تلك من الأسباب المهمة، لكن لأننا لما تركنا العقيدة الصحيحة، وأصبح الناس يتبعون طرق الصوفية والخرافات والشركيات والبدع، وجهلوا الكتاب والسنة، ولأن الأمة ليست لها علماء يوقظونها، ويحركون ضميرها، ويجاهدون بها، فإننا لو أردنا الجهاد، لقادنا فلان وفلان من المجرمين، ومن العلمانيين.
    إذاً: ما الفائدة؟! قال: أولاً: نؤسس العقيدة في قلوب الناس، ونؤسس العلم الشرعي الصحيح، ثم بعد ذلك يكون -إن شاء الله- الخير، فالشيخ عبد الحميد بقي أكثر من اثنين وعشرين سنة يفسر القرآن، ويدرس العقيدة في أحد المساجد، ويحضر عنده عدد معين من الطلاب، قد يصلوا إلى مائة وخمسين أو مائتين طالب -تقريباً- وكان يتجول أحياناً ويسافر، ويذهب إلى بعض المناطق، فإذا التمس من شاب في الأقاليم المختلفة أنه طالب علم، وفيه نباهة ونبوغ، وفيه خير، أتى به عنده ويصرف عليه من الأوقاف، ويجلس في الحلقة ويتعلم عشرين سنة، فأصبح عنده عدد كبير من العلماء من أقاليم مختلفة، ثم بثهم الشيخ في الأقاليم، يدعون الناس ويعلمونهم السنة، ويحاربون البدع، منهم الشيخ العقبي ومنهم الشيخ الميلي الذي ألف كتاب الشرك ومظاهره، وغيرهما، وبعضهم لهم كتب موجودة، إما زملاء للشيخ أو تلاميذ له، المهم: اتفقوا على هذا الشيء الواحد، وبعد العشرين نظروا وإذا الحمد لله الدعوة والعقيدة قد انتشرتا كل مكان، والفرنسيون: قابضون على البلاد قبضة شديدة، فقال الشيخ وزملاؤه: لا بد أن يكون هناك رابطة علمية، لا سياسية، ولا حزبية، حتى لا يقال: هؤلاء يريدون السلطة -مثلما تتهم مؤسسات الشرق الأوسط بجميع مجلاتها أصحاب الدعوات أنهم يريدون السلطة- ونسميها رابطة علماء السلف، فاجتمع العلماء والمشايخ من كل إقليم من أقاليم الجزائر وكونوا رابطة موحدة على منهج واحد وهو الكتاب والسنة.
    وهذه -والحمد لله- ميزة، إذا وجد في أي بلد وحدة المنهج، فهذه نعمة عظيمة، كما نحن في هذا البلد، منهج الاستدلال واحد -والحمد لله- وهذا يوفر كثيراً جداً على الدعوة؛ لأنك لا تضطر لأن تقول للشيء: إنه بدعة، والعلماء يقولون: إنه سنة أو العكس، فمنهج الاستدلال على الأقل واحد، وهذه نعمة، أن يكون المنهج هو منهج السلف، كذلك كان الحال في الجزائر، المهم أنهم لما اجتمعوا إذا بهم كلهم منهجهم في الاستدلال واحد، وقالوا: نريد أن ننشئ مجلة ونبدأ نبث وننشر دعوتنا على الأمة، ونطالب الأمة بأشياء، ونطالب الفرنسيين بأشياء، فتحركت الأمة كلها -طبعاً- وهل يعقل أمة يجتمع علماؤها ويصدرون مجلة، ولهم صوت مسموع، ولا تلتف حولهم الأمة؟!
    لا يمكن، وهذه من نعم الله، والأمة هذه فيها خير كثير جداً.
    لو اجتمع العلماء والدعاة في أي بلد على أمر واتفقوا عليه، واستمروا فيه، فإن الأمة تجتمع حولهم؛ لأن العلماء هم ضميرها المعبر، وهم الذين تثق فيهم؛ لأنهم يقولون: قال الله، قال رسوله، وتعرف أنهم لا يريدون الدنيا، ولكن لو أن أحد العلماء طالب بمنصب أو غيرها من أمور الدنيا لا تهموهم الناس، لكنهم لا يريدون إلا ما عند الله، فالناس لثقتهم في صدق نياتهم وسلامتهم، وأنهم يقولون كلمة الحق التي تغضب أكثر الناس عليهم التفوا حولهم.
    إذاً: الأمة الجزائرية، التفت حول رابطة علماء السلف، ولما التفت حولها، بدءوا بالجهاد، وهنا كانت سنة من سنن الله أن الغرب أذكى وأقوى وأكثر بما لا نسبة بينهما، فاستطاعوا أن يقطفوا الثمرة، ويأتوا بالاشتراكيين والخبثاء، ومن قبلهم الوطنيين -كما يسمون- وقطفوا الثمرة وحكموا البلد، ومسخت مسخاً كاملاً؛ حتى صارت اشتراكية، ثورية، ديمقراطية، شعبية، والاختلاط الذي كان الفرنسيون يخافون من تعميمه، عمموه هم، فقد كانت المرأة الجزائرية حتى في المدارس الفرنسية تلبس لباساً أشبه ما يكون بالحجاب، أو قريباً من الحشمة، ولما جاءت الثورة -مع الأسف- استوردوا لهم مدرسين ومدرسات من بعض الدول العربية المعروفة بالتبرج، فنشروا التبرج، مع أنهم لم يأخذوا من الفرنسيين التبرج، لكن لما جاء هؤلاء المسلمون أخذوا منهم التبرج، وهكذا حتى حكمت البلاد بـالعلمانية، وبـالاشتراكية.
    ولما أراد الله سبحانه وتعالى لهم الخير، وجاءت الصحوة الجديدة عادت من جديد، والمجتمع فيه بقايا الخير، وفيه آثار الدعوة السابقة، الشيخ سحنون ما زال حياً -إلى الآن- وهو فوق الثمانين، فشكلوا رابطة علماء السلف، فاجتمعت الأمة حول هذا الشيخ وغيره من المشايخ، وقامت الدعوة مرة أخرى، ويريدون -أيضاً- أن تكون هناك دعوة سلفية، ويريدون أن يكون الحكم لله وحده، وبدون أي مقدمات، وبدون أي تكلف، وبدون أي نشاط حزبي قديم؛ وإذا بالملايين الجزائرية معهم لأن الأصل أن الخير موجود، والسلطة التي كانت تفرض عليهم الكفر ضعفت أو اختفت، أو أعطتهم حرية أنهم يقولون: ما يشاءون، فوجد هذا الزخم الهائل، واجتمعت أوروبا عدة مرات، كان آخرها في كوبن هاجن من أجل تشكيل قوة تدخل سريع، نحن نسمع الأخبار ولا نربط بينها، نسمع أن المظاهرات في الجزائر فشلت، والإضراب فشل -أيضاً- يقولون ذلك من أجل أن يخدروا الناس، ومن ناحية أخرى شكلوا قوة التدخل السريع، أين تتدخل؟
    في بريطانيا! أم في السويد! أم في إيطاليا؟!
    صرح بذلك الرئيس الفرنسي ميتران: وقال: كما أن أمريكا تدخلت في بنما، فأنا سأتدخل في الجزائر، والآن قالوا: كما تدخلت أمريكا في العراق، فسوف نتدخل.
    لأن فرنسا تريد أن تنافس أمريكا على زعامة العالم، والمقصود: أن الغرب كله يخاف ويرهب اسم الإسلام، كما قرأنا قبل فترة ما كتبه أحد الكتاب في مجلة هنا لندن وأتى ببعض الوثائق، أو لاحظ كيف أن الصحافة الغربية موجهة هَمَّ العداوة للإسلام والمسلمين.
    والمقصود: أن هذا الدين عالي -بإذن الله سبحانه وتعالى- وإذا سلك أصحابه أسلوب الدعوة الصحيح، والذي يقوم على العلم، وعلى الحجة الإيمانية البرهانية، والحجة العلمية، وعلى الصبر والمصابرة، وعلى تحمل الأذى في سبيل الله سبحانه وتعالى، وعلى قول كلمة الحق، رضي من رضي، وغضب من غضب، وعلى جمع كلمة الأمة على كلمة التوحيد والسنة، وعلى تعريف الأمة بأعدائها الحقيقيين، فإن الناس يجب أن يعرفوا أعداءهم، ويجب على الأمة الإسلامية أن تعرف هذا العدو.
    أنا أقول: ما دام أن التسليط الإعلامي الغربي وما يدور في فلكه مسلط على الأمة الإسلامية ليخدرها؛ لأننا الآن سندخل في مرحلة النظام الدولي الجديد وفي عصر الانفتاح، وفي عصر الإنسانية، وعصر الديمقراطيات، وبعض الناس يصدقون أن الحروب انتهت، وأن السلام حل بين الحضارات والشعوب، وقالوا: إن الحروب انتهت من بعد الوفاق الدولي، ولم يعلموا أن الحروب الهائلة التي حدثت في الخليج والصومال والحبشة، وغيرها ما تزال مستمرة، وهذه الحروب ما وقعت إلا بعد الوفاق الدولي، وبعد إعلان الإنسانية.
    إذاً: هذه كلها أكاذيب يخدعوننا بها، والله سبحانه وتعالى قد حذرنا منهم ومن كيدهم ومن مكرهم، وعداوتهم فقال: ((وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا))[البقرة:217]، ((وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ))[البقرة:120]، وفي نفس الوقت بين لنا كيف نتقي خطرهم فقال: ((وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً))[آل عمران:120].
    أما الدستور التونسي فيقول: إن الشعب التونسي هو صاحب السيادة ويباشرها على الوجه الذي يضبطها الدستور، وفي الفصل (18) ينص على أن يمارس الشعب السلطة التشريعية، فيعطي التشريع للشعب وللأهواء وللرعاع وللهمج الذين لا يعلمون ولا يعقلون شيئاً، وهو حق الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الخالص بواسطة مجلس نيابي يسمى مجلس الأمة.
    وأما السودان ففي المادة الثانية تقول: إن السيادة في جمهورية السودان الديمقراطية للشعب ويمارسها عن طريق مؤسساته... إلى آخره.
    وأما موريتانيا فيقول الدستور: إن الشعب هو صاحب السيادة.
    وأما دستور البحرين فيقول: نظام الحكم في البحرين ديمقراطي، والسيادة فيه للشعب، وهو مصدر السلطات جميعاً.