المادة    
يجب أن نعلم أن المعركة سوف تطول، وأن نهايتها لن تأتي بسلام، وأن هذه الأمة ستدفع تضحيات كبرى من أجل أن تنتصر على هذا العالم الذي يتفوق عليها في كثير من الشئون والمجالات، ومن ذلك أن الأحزاب الشيوعية أو الاشتراكية في العالم الإسلامي إن جرت عليها عملية إعادة البناء؛ فإنها لن تجري إلا بتضيحات من المسلمين بطبيعة الحال ولن تدفع هكذا، ولو أن الأمة أرادت إعادة البناء لتبني دينها وإيمانها وإسلامها، فإنها سوف تكون في حالة مواجهة مباشرة مع هذا العدو الجديد، ومع (ألف مليون) صليبي يترصدون لها.
  1. الصحوة في الجزائر والعبرة منها

    ظهرت حادثة -ومع الأسف الشديد- وقليل من كتب وحلل عنها، ولكنها بارزة ومهمة، ويجب أن نعيها تماماً، وهي الحادثة التي وقعت في الجزائر، فأحداث الجزائر فيها عبرة كبرى بالنسبة لنا المسلمين جميعاً.
    قام الشيوعيون بإخراج (ثلاثة آلاف) امرأة في مظاهرة لإلغاء قانون الأسرة، لأنه مأخوذ من الشريعة الإسلامية جملة وكذا في كثير من تفصيلاته، ثم أخرجت جبهة الإنقاذ مليوناً ونصف امرأة، مع مليون من الرجال، خرجوا بمظاهرة يطالبون بالإسلام.
    وكان ذلك الوجود الضخم الذي أزعج الصحافة الغربية والشرقية معاً، ولم يكن في الأمر أية غرابة، لماذا لم تصنف على أنها محاولة إعادة بناء؟!
    لماذا يحرم علينا نحن المسلمين فقط إعادة البناء؟
    لماذا لا يقال: هذا من حقهم، كما أن من حق التشيكي والألماني الشرقي والروماني أن يثور، وأن يغير وأن يتراجع؟
    لماذا لا تراجع هذه الأمة نفسها؟!
    الذي حصل مع التعتيم الإعلامي إن بعض الصحف الغربية أوردت تصريحاً لـشيراك رئيس فرنسا الدولة الأولى التي يهمها موضوع الجزائر قال فيه: ''لو أن هؤلاء الأصوليين نجحوا في الحكم، لتدخلت في الجزائر كما تدخل بوش في بنما''.
    وهذا يُعبر عن الحقيقة التي سوف يأتي يوم من الأيام، ونراها كواقع مشهود.
    وهي أنه في حالة تضاؤل الأحزاب الشيوعية في العالم الإسلامي وهي متضائلة ومتهالكة -بإذن الله- وفي حالة عجز وفشل الأنظمة الموالية للغرب في العالم الإسلامي من احتواء الصحوة الإسلامية والقضاء عليها وتفكيكها، وهي عاجزة وفاشلة -بإذن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- وخائبة في ذلك، ففي هذه الحالة لن يجد الغرب بديلاً إلا أن يتدخل بنفسه عسكرياً في العالم الإسلامي، وهذا ليس بغريب عليهم، فلقد تدخلوا في أفغانستان وفي مناطق أخرى، وأحداث أذربيجان ليست ببعيدة، وإن كانت هي داخل الستار الحديدي، ومعاملة أذربيجان غير معاملة لتوانيا وجمهوريات البلطيق مع أن الحزب والدولة واحدة والنظام واحد، وخروج القوات الروسية من أفغانستان لا يتعارض واقعها مع هذه الحقيقة لأسباب منها:
    أولاً: أن الاتحاد السوفييتي أخرج القوة العددية الجسدية، لكن المساعدات والقوافل الضخمة من الأسلحة والعتاد تتدفق يومياً أو شبه يومي -متى ما استطاعوا- إلى داخل أفغانستان.
    ثانياً: أن الوضع هو محاولة ترتيب وتخطيط لما سوف ينتج بالنسبة لمحاولة إثبات حسن النيات، كما تم حكم النيابة بالنسبة لـأوروبا الغربية، وبعد ذلك عندما تتوحد النظرة إلى حدٍ ما في القضايا الدولية، فسوف نجد أن القرار لن يكون قراراً روسياً هنا، ولن يكون قراراً فرنسياً بالتدخل في الجزائر أو في غيرها وهنا الخطر! لأن القرار سيكون قراراً صليبياً تجمع عليه أوروبا شرقها وغربها والولايات المتحدة الأمريكية ومن دار في فلكها، وهم جزء من الغرب، وسوف يجمع هؤلاء على هذا القرار، سواءٌ كان احتلال أية بقعة من العالم الإسلامي أو أي تدخل مباشر في أي بقعة من العالم الإسلامي، وهذا يضاعف مخاطر مستقبل الصحوة الإسلامية، رغم يقيننا بأن النصر للإسلام -بإذن الله- ولا شك في ذلك.
    ولكن هذا ليحفزنا إلى البناء الحقيقي، بناء العقيدة، والإيمان في القلوب، والمواجهة الجادة المخطط لها، لمواجهة هذا العدو الماكر القوي الخبيث.
  2. الصحوة والمعركة القادمة

    نحن -في الحقيقة- لا نريد أن نُخطئ في تطبيق بعض الأحاديث النبوية على هذا الواقع أو غيره؛ لأن هذا من علم الغيب، لكن نحن نؤمن إجمالاً بما صح عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أنه في آخر الزمان سوف يغزونا الروم، وتكون الملحمة في بلاد الشام، جاء في أحد الأحاديث: { فسطاط المسلمين سوف يكون في الغوطة في مدينة دمشق } أي: أن مسرح الأحداث سيكون واحداً، فالحروب الصليبية استمرت قروناً، ومسرح أحداثها هو هذه المنطقة شرق البحر الأبيض المتوسط، وكذلك في آخر الزمان كما صحت الأحاديث في ذلك: { تقوم الساعة والروم أكثر الناس} ويقومون ويغزون المسلمين، وتكون المعارك في الشام أيضاً.
    أي: أن المواجهة مع الغرب عسكرياً أمرٌ لا بد منه، والإعداد لها أمرٌ مطلوب ولا بد منه أيضاً.
  3. الإعداد للمعركة على نهج الكتاب والسنة

    وهنا نقول: إنه أياً كان ما تتعرض له الشيوعية، سواءٌ كان انهياراً كلياً أو تطويراً وتجديداً، فإن المسألة تتطلب منا أن نكون واعين بأن مستقبلاً خطيراً يهدد الأمة الإسلامية، وألاَّ ندع مجالاً للعواطف التي تقول: إن هذا الانهيار سوف يتيح للإسلام نشر الدعوة!
    نعم! قد يسمح لنا أن نصدر الكتب، ونرسل المصاحف، وأقصى ما يمكن أن نصل إليه أن يكون الحال كما هو الحال في أمريكا، ولكن هل تسمح أمريكا بقيام دولة إسلامية؟
    حقيقية كما لو قامت -إن شاء الله- في أفغانستان.
    وهل ترضى أمريكا بأن يتسلم المجاهدون الحكم في أفغانستان؟!
    ستقف أمريكا بكل قوة وفي أي مكان، ولن تسمح بقيام دولة إسلامية نقية على منهاج الكتاب والسنة -أبداً- في أي بقعة من بقاع العام الإسلامي، فكيف إذا اتفق الغرب والشرق على ذلك وهو العدو المشترك لهما؟
    كيف والأفعى اليهودية هي التي تحرك العالم شرقاً وغرباً؟!
    لا بد للأمة الإسلامية أن تعد العدة، والنصر قادم بإذن الله وقد قام عماد الدين زنكي ونور الدين وصلاح الدين في أوقات الانحطاط والضعف والفرقة في العالم الإسلامي وسيطرة الباطنية والروافض وأشباههم.
    ومع ذلك كما قال شَيْخ الإِسْلامِ رحمه الله في أكثر من موضع في الجزء الثاني والعشرين من الفتاوى يقول: ''نََصَرَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نور الدين وصلاح الدين على قلة العدد والمال بالإيمان''.
    لأنهم كانوا مخلصين في إيمانهم بإذن الله يقول: ''لأنهم كانوا لا يوالون الكفار، ولم يكونوا يوالون اليهود والنصارى ''.
    والغرب لا شك لن يسمح بقيام أمة لا تواليه، ولا تتشرب مبادئه، هذا من جهة.
    ومن جهة أخرى كون هذا العبء ثقيلاً يفرض علينا مضاعفة الجهود في الدعوة إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وفي تحذير هذه الأمة وتنبيهها، وأن الحل الوحيد في كل مشاكلها لا يمكن أن يكون إلا بكتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
    فعلى أية دعوة تدعو إلى غير الكتاب والسنة أو تدعو وفي دعوتها دخن، فعليها أن تراجع نفسها، لأنها لن تقدم العالم الإسلامي، بل سوف تؤخره ولا ريب، لأنه لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.
    ولن يتوحد العالم الإسلامي -بإذن الله- إلا في ظل الكتاب والسنة، وفي ظل دعوة لا ترتبط على الإطلاق بالأشخاص ولا بالنظرات الضيقة، بل هي دعوة لكل (الألف مليون) مسلم إلى كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، منهاج واضح: علم، وجهاد، ودعوة، وأمرٌ بالمعروف ونهيٌ عن المنكر، وهذا ما سوف يقوم، وقد بدت بشائره -والحمد لله- واضحة في الجهاد الأفغاني، وفي الجهاد الإرتيري، وفي الجهاد الفليبيني، وفي مناطق كثيرة شملتها الصحوة الإسلامية، كما أشرنا في أحداث الجزائر، وكذلك في ليبيا وتونس، وكل بلد -والحمد لله- توجد فيها هذه الصحوة الإسلامية، أو بشائر لها يجب أن تستمر، وأن يكون الكتاب والسنة هو منهاجها الوحيد، وكذلك فهم السلف الصالح نسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يحقق ذلك، إنه سميع مجيب.