المادة    
ما القانون الذي يحكم هذه الشركات؟!
أول ما عرف عن قانون مفصل مكتوب في أوروبا هو قانون (نابليون) الذي أظهره في مطلع القرن التاسع عشر من عام (1804م) إلى عام (1807م) تقريباً.
هذا القانون هو الذي استوردته البلاد العربية، ودخل مع الاستعمار عندما قدم البلاد العربية فعم أكثر أنحاء العالم الإسلامي، وكانت الدولة التي تحكم العالم الإسلامي دولة الخلافة وهي الدولة العثمانية، فالدولة العثمانية استوردت من القانون الفرنسي ومن غيره من القوانين أحكاماً كثيرة؛ منها (القوانين التجارية) وكان القناصل الغربيون يحكمون بأحكام القوانين الغربية في بلاد الإسلام، وفي ولايات دولة الخلافة كـالشام ومصر، والعراق وغيرها، ونتيجة لذلك جاءت هذه القوانين إلى بلاد العالم الإسلامي.
زيادةً على ذلك؛ أن مصر وهي أهم وأكبر الدول الإسلامية في هذا الشأن أصدرت دستوراً وضعياً سنة (1923م)، وقبله أصدرت عدة مراسيم أو أنظمة للحكم لكن أهمها هو هذا الدستور، ثم بعد ذلك وضعت القوانين ومنها وضع القانون المدني المصري الذي هو أكبر وأهم القوانين في العالم العربي، وهو باعتراف واضعه الأكبر (السنهوري) ربيبٌ للقانون الفرنسي ومشتقٌ منه ومأخوذ عنه، وله اعترافات قالها -لا يتسع المقام لذكرها- في ضرورة أن تعود الأمة للشريعة الإسلامية، وأن تستمد من تراثها ومن عاداتها وعرفها أحكامها وقوانينها.
  1. صدور نظام المحكمة في المملكة

    هذا القانون الفرنسي والذي أصبح مطبقاً في العالم العربي، ويسمى باسم (القانون المدني المصري) (والقانون المدني السوري) (والقانون المدني العراقي) (والقانون المدني الأردني) هو الذي اشتق منه نظام الشركات السعودي، ونكون الآن قد وصلنا إلى الحديث عن بداية نظام الشركات في المملكة وكيف صدر.
    أصل نظام الشركات في المملكة في الحقيقة يرجع إلى نظام المحكمة التجارية الذي صدر عام (1350هـ) واسمه (نظام المحكمة التجارية)، وصدر في تلك الفترة وكان موافقاً في أكثر أوكل مواده لقانون التجارة العثماني، الذي هو منقول عن قانون التجارة الفرنسي.
  2. أسباب صدور نظام الشركات في المملكة

    لما وضع قانون الشركات؛ أُلغي الفصل المتعلق بالشركات من نظام المحكمة التجارية، وأُحل محله نظام الشركات المعمول به حالياً، والذي أُخذ أخذاً مباشراً من القانون المدني المصري، ولا بأس أن نقرأ لكم المقدمة من "نظام الشركات" وهذا النظام موجود، ويباع بخمسة ريالات في وزارة المالية، لنعرف أسباب وضع هذا النظام:-
    يقول في المقدمة: '' بالرغم من أن الشركات التي أسست في تلك الفترة القصيرة -أي أيام الملك عبد العزيز وما بعده- من الزمن قد شملت في أعراضها كافة أوجه النشاط المالي والتجاري والصناعي، وبلغت رءوس الأموال المملوكة لها عدة مئات من ملايين الريالات، وزاد إقبال الدوائر الحكومية والأفراد على التعامل معها، فإن نصوص الأنظمة التي تحكمها لا تزيد حتى الآن على بضع مواد وردت في نظام المحكمة التجارية، لم تكن كافيةً لمواجهة كافة المسائل المتعلقة بالشركات، سواء عند إنشائها، أم خلال مزاولة نشاطها، أم عند انقضائها وتصفيتها، وإزاء هذا القصور، لجأ الأفراد لتأسيس شركاتهم ومعالجة أمورها إلى اقتباس القواعد المعمول بها في الدول الأخرى، فاختلفت السبل، واختلطت الأمور في كثير من الأحوال، اختلاطاً جعل مهمة الوزارة -أي وزارة التجارة- في مراقبتها والإشراف عليها عسيرة، ومن هنا بدت الحاجة ملحةً إلى وضع نظامٍ شاملٍ للشركات ينص على الأحكام الواجبة الاتباع في تأسيسها ومزاولتها نشاطها.. إلى آخره ''
    فالمشكلة التي شخصها النظام بنفسه هي أنه لا يجد عندنا تشريعاً يضبط الشركات مع تشعبها وكثرتها إلا بضعة مواد في نظام المحكمة التجارية؛ فلهذا احتجنا إلى وضع نظام شامل.
    إذاً: فأول سؤال يتبادر إلينا جميعاً هو: أين الشريعة الإسلامية؟
    وهل أحوجنا الله إلى هذه المواد القانونية؟
  3. كمال الشريعة الإسلامية في أبواب المعاملات

    إن عندنا -ولله الحمد- الشرع الكامل المطهر، الذي أكمله الله تبارك وتعالى، كما قال سبحانه: ((الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً)) [المائدة:3] والذي ما ترك شاردةً ولا واردةً إلا ولها فيه حكمٌ؛ إما نصاً أو استنباطاً؛ والذي لا خيار لنا في أن نأخذ به أو أن نتركه أبداً، قال سبحانه: ((فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً)) [النساء:65] ((أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً)) [النساء:60] ولقوله أيضاً: ((وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ)) [الشورى:10] ويقول: ((وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)) [المائدة:44] وكل الآيات التي تذكر موضوع الكفر بالطاغوت كما ذكر الله تعالى: ((فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى)) [البقرة:256] أي: أن الكفر بالطاغوت ركن شهادة أن لا إله إلا الله.
    فالقضية الأساسية ومدخل الخطر: أننا نظرنا إلى الوضع والحال المعمول به في البلاد الأخرى؛ فاستوردنا قوانينها واستوردنا مؤسساتها وشركاتها، وتركنا الرجوع إلى الشرع، وقد فصلت أحكام ذلك تفصيلاً؛ وأكثر من ذلك ألماً وأسفاً أن يقال كما في كتاب مبادئ القانون الذي يُدرَّس في كلية الاقتصاد والإدارة بالجامعة هنا في جدة وفي غيرها '' إن الشريعة الإسلامية لم تنظم المعاملات، بل تركتها للناس ''
    وإن أيَّ طالب علم يقرأ في المغني، أو في فتح الباري، أو في شرح النووي، أو أي كتاب من كتب الفقه أو شروح السنة أو التفسير، يجد أن آيات الأحكام وأحاديث الأحكام في المعاملات، تستغرق قسماً أكبر من القسم الذي يسمونه العبادات -أي الصيام والصلاة والطهارة والحج والزكاة والصوم- وفي الطبعة المحققة -الآن- من المغني وفي الجزء السابع فيه كتاب (الشركات) من (صـ109) إلى (صـ195)، هذا غير ما تتعرض له كتب الفقه من أحكام الشركة في أبواب الصلح، وفي أبواب البيع، وفي أبواب الميراث، وفي أبواب الشفعة، وفي أبواب كثيرة من أبواب الفقه التي لها علاقة بالشركة.
  4. حكم تحكيم القوانين

    لم يتركنا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هملاً ولا عبثاً، ولا أيتاماً ضائعين نبحث عما يقوله الغربيون أو نستورد ما يصدرونه لنا من فتات أفكارهم وقوانينهم.
    ومن هنا انبرى سماحة الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم -رحمه الله تعالى- وتصدى لهؤلاء، وأصدر الفتوى الشهيرة التي هي بعنوان: تحكيم القوانين، ولعلكم قرأتموها جميعاً، وله مع سماحة الشيخ عبد العزيز ومجموعة من العلماء فتوى قريبة من هذه في ألفاظها وفي معناها، كلاهما موجود في الجزء الثاني عشر من فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم في كتاب القضاء منه.