المادة    
قبل أن ندخل في تفصيل هذا الكلام؛ نتحدث عن نشوء الشركات، ولا سيما الشركات المساهمة في العالم، فنقول: إننا لا نستبعد أن يكون مجتمعنا الإسلامي قد عرف أنواعاً من الشركات المساهمة، أي التي يكثر فيها المساهمون؛ لأن الشركات وجدت في الجاهلية ثم في الإسلام، وفي أثناء توسع ونمو الحضارة الإسلامية وتعاملها مع الأمم وجدت الشركات المعروفة التي بينها وفصلها علماؤنا في كتب الفقه (كشركة العنان، وشركة المضاربة، وشركة المفاوضة، وشركة الوجوه) وذكروا منها (شركات الأبدان، وشركات الأموال إلى غير ذلك..) فلا تجد كتاباً من كتب الفقه إلا وفيه أحكام لهذه الشركات. فمن الطبيعي أن يوجد نوعٌ من الشركات المساهمة بأن يجتمع طائفة كبيرة من الناس ويكونوا شركة، ولا نستبعد أن يكون ذلك قد وقع؛ لأن هذا من الوقائع العادية التي لا تؤرخ؛ لكن هذا يختلف اختلافاً كثيراً عن الشركات في الواقع الغربي، وفي القانون الغربي الذي يحكم حياة الناس، والذي استوردناه وهو المطبق الآن في العالم الإسلامي مع الأسف الشديد.
  1. نشأة الشركات في الغرب

    نشأت الشركات في الغرب نشأةً استعمارية، وأول ما يذكرون في تأريخها شركة تسمى (شركة المغامرين المكتشفين الإنجليز) ثم ظهرت فيما بعد شركة (الهند الشرقية) وهي شركة بريطانية احتكرت تجارة الهند، وأيضاً شركة الهند الشرقية وهي شركة هولندية، احتكرت التجارة في جزر الهند الشرقية -أندونيسيا وما والاها.
    ثم ظهرت الشركات التي نشأت في مصر؛ لاستعمار مصر والقبض على تجارة القطن فيها؛ ثم شركات الرقيق التي كانت في إفريقيا والتي تبيع الرقيق لـأمريكا وغيرها، ثم ظهرت شركات البترول وسيطرت -أيضاً- على بترول المنطقة، وتحكمت في إخراجه وتوزيعه وتسويقه بنسب معينة مع الحكومات.
  2. ارتباط الشركات بالاستعمار وآثاره

    نلاحظ أن وجود الشركات المساهمة يرتبط تاريخياً بالاستعمار وبالاحتكار وبالمذهب الرأسمالي الذي لا يحل حلالاً ولا يحرم حراماً؛ وإنما هدفه الحصول على أكبر قدرٍ من الربح بأقل قدر ممكن من المال أو الجهد، ونتيجةً لانتشار هذه الشركات المساهمة؛ وما صاحبها من انتشار الاحتكار، وانتشار الغبن، والتفاوت الطبقي الفاحش بين الأغنياء وبين الفقراء، وما كان لهذه الشركات -أيضاً- من نفوذ على الدول يزيد من شدة التفاوت الطبقي ومن الظلم؛ نشأت الاشتراكية، والماركسية.
    وليس الوقت مقام تفصيل في الاشتراكية، لكن نقول: كيف أثر نشوء الاشتراكية على المجتمع الرأسمالي والشركات المساهمة الكبرى؟!
  3. آثار ظهور الاشتراكية

    أثر ذلك أن الدول الغربية في شمال غرب أوروبا بالذات خشيت على نفسها من الثورات العمالية الاشتراكية، فأخذت تضع قيوداً معينة على النظام الاقتصادي وعلى الشركات؛ ومن هنا ومع الزمن تحولت أكثر الشركات من شركات اتفاقية عقدية بين الناس إلى شركات قانونية يحكمها القانون ويحكمها النظام الذي تضعه الدولة، واحتاجت الدول الغربية إلى إنشاء ما يسمى بالمؤسسات العامة، وهو نوعٌ من أنواع الشركات، يدرأ عن الدولة خطر الثورات والاضطرابات العمالية؛ لأن العمال يساهمون فيها، وفي نفس الوقت تظهر الدولة بمظهر العدالة الاجتماعية مع المحافظة على النظام الرأسمالي في حقيقته وفي لُبِّه، وهكذا كانت الشركات المساهمة.
    ولذلك فإن الذي يظهر وهو واضح جليٌ في إدارة الشركات المساهمة وفي أعمالها؛ أن الذي يقبض على زمام الأمور إنما هو مجلس الإدارة؛ فمليون من الناس أو أكثر يشعرون أنهم مساهمون في الشركة، وأن لهم حق التصويت كما يريدون، فهذا يعطيهم رضاً وقناعة بها، ومن المستحيل أن يثور أحد عليها؛ لأنه يساهم فيها ولو بسهم واحد، فيشعر أنها له، ولا يريد أن تخسر؛ لكن أعضاء مجلس الإدارة -وهم دائماً فئة معينة محدودة من الناس- تحتكر كل شيء وتعمل بكل شيء.
    ولهذا يقول بعض الاقتصاديين: إن هناك أكذوبتين في القرن العشرين، أكذوبة الديمقراطية: وهي أن الشعب يحكم نفسه بنفسه والذي يحكمه هو في الحقيقة فئة متسلطة معينة باسم الديمقراطية.
    والثانية: أكذوبة مجلس الإدارة في الشركة المساهمة أو في المؤسسات العامة، لأنه يتصرف في كل شيء، والمساهم لا يدري عن شيء.
    فبهذا المنهج العملي كانت ظروف نشأة الشركات، وخاصة (الشركة المساهمة) في أوروبا.