الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد إمام المتقين، والهادي بإذن الله إلى صراط رب العالمين، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، الذين حملوا دعوته إلى العالمين وبلغوها، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعــد:
لله الفضل والحمد والمنة نشكره تبارك وتعالى أولاً وآخراً على ما يسَّر به من طرح هذا الموضوع، ونسأله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يكتب لنا الأجر، وأن يجعلنا من الذاكرين الله تعالى كثيراً إنه سميع مجيب.
قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {
الناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا}، وقبيلة زهران -والحمد لله- قبيلة كريمة أصيلة، لها في الجاهلية قبل الإسلام مجد عريض، وتاريخ تليد، وذلك مسطور ومعلوم ومشهور في دواوين التاريخ.
ثم بعث الله تبارك وتعالى عبده ورسوله محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي أخرج الله به العالمين من الظلمات إلى النور، فكان لهذه القبيلة باع في السبق إلى الدعوة، والاستجابة إلى الإيمان، والقيام بواجب الدعوة إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وحمل هذه الأمانة، حتى سطر لنا التاريخ تلك الشخصيات، وتلك السير التي كتبت، من العلماء، والفقهاء، والعباد، ومن المؤرخين، والشعراء، وكلهم -والحمد لله- ينتمون إلى هذا المعدن الطيب من معادن الخير.
وما زال أبناء هذه القبيلة سائرين على الطريق والمنهج نفسه، وفي معرفة قيمة الدعوة إلى الله وقدرها ومنـزلتها وإجلالها وحمل أمانتها والقيام بأعبائها، فهم قد ورثوا مجد أجدادهم في هذا الزمن الذي بدأت فيه الصحوة الإسلامية تدخل كل بيت، وتطرق كل باب، حتى جاءت من وراء البحار كما جاءت من هذه الديار، وبدأنا نرى بواكير الخير، وتباشير النصر تلوح في الأفق، وبدأ دعاة الرذيلة والفساد والانحلال والفجور يندحرون ويرتعدون، لأن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى خاذلهم، وإذا قام أهل الحق فقد كتب سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى النصر والتأييد لهم:((
إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ *
يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّار ِ))[غافر:51-52]، ((
وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ *
إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عَابِدِينَ *
وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ))[الأنبياء:105-107] فهذه بشرى من الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بدأت تلوح في أفق الدعوة، وهي قيام هذا الدين من جديد، وتجديده على أيدي أولئك الدعاة الذين يخرجون لا يريدون من الناس مالاً ولا جاهاً ولا دنيا ولا أعراضاً فانيةً زائلةً، وإنما يريدون منهم أن يهتدوا إلى صراط الله، وأن يستضيئوا بنور رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وما جاء به من الكتاب والحكمة والنبوة والهدى، وأن يقتفوا نهج
السلف الصالح في العلم والعبادة والدعوة والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وهذه الصحوة والتباشير وهذه الدعوة القائمة في كل مكان، لا يجوز لمن كان أجداده حملة الرسالة الأولى ودعاة الخير والحق، ولمن كانت له تلك الأصالة وذلك الشرف وكرم المحفد، أن يتأخر وأن يتراجع عنها، ولهذا أملنا -وهو إن شاء الله حق وواقع- أن أبناء قبيلة زهران، المعروفة في التاريخ قديمه وحديثه أن يكون لهم -بإذن الله تعالى- قصب السبق في حمل لواء الدعوة إلى الله، وفي معرفة قدرها، وفي بذلها للناس، وفي الصبر على كيد أعداءها.
لأن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يصطفي من خلقه من يشاء، ويصطفي لدعوته من يشاء، والدعوة إنما هي اتباع لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واتباع لمنهجه، كما قال تبارك وتعالى: ((
قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِين َ))[يوسف:108] فمن اتبع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومن ادَّعى اتباعه يلزمه أن يصدق ذلك باتباعه في دعوته، وبسيره على منهجه وعلى طريقته في الدعوة إلى الله، فما كان شأنه وما كان عمله وما كانت وظيفته ومهمته في الحياة إلا الدعوة إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فجاهد، ودعا وأوذي من أجلها وصبر واحتسب حتى بلغ رسالة الله، وأظهر الله تبارك وتعالى هذا الدين على العالمين، وعلى الدين كله ولو كره المشركون، ولو كره الكافرون، فلله الحمد والفضل والمنة على ذلك.