المادة    
  1. الغاية من الخلق

    قال الطّّحاويّ رحمه الله تعالى:
    [وأمرهم بطاعته ونهاهم عن معصيته]

    قَالَ المُصنِّفُ رحمه الله تعالى:
    [ذِكرُ الشيخ رَحِمَهُ اللَّهُ الأمر والنهي، بعد ذكره الخلق والقدر، إشارةً إِلَى أن الله تَعَالَى خلق الخلق لعبادته، كما قال تعالى: ((وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)) [الذاريات:56]، وقال تعالى: ((الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً)) [الملك:2] اهـ.
    الشرح:
    بعد أن ذكر الطّّحاويّ أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى خلق الخلق، وقدر لهم أقداراً وضرب لهم آجالاً، وأنه لم يخف عليه شيء قبل أن يخلقهم، وعلم ما هم عاملون قبل أن يخلقهم، قَالَ: وأمرهم بطاعته ونهاهم عن معصيته.
    فالكلام الأول يتعلق بالأمر الكوني، وهو أنه عَزَّ وَجَلَّ خلق الخلق وقدر الآجال، وعلم ما كَانَ وما سيكون، وهذا أمره وقضاؤه وقدره الكوني.
    ثُمَّ انتقل إِلَى الحديث عن أمره الشرعي، فقَالَ: (وأمرهم بطاعته ونهاهم عن معصيته) كما قال تعالى: ((وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)) [الذاريات:56] ((الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً))[الملك:2].
    والأمر والنهي ابتلاء من الله عَزَّ وَجَلَّ لبني آدم، ولذلك كَانَ الخيار لهم فيه، فمع تقديره لآجالهم وأرزاقهم، وعلمه ما سيعملون كوناً وقدراً ابتلاهم بالأمر والنهي؛ ليطيعه من أطاعه فينجو، وليعصيه من عصاه فيهلك، فينجوا هذا عن بينة، ويهلك هذا عن بينة، وتقوم الحجة عليهم من أنفسهم.
  2. آثار صفات الله وأسمائه

    تظهر آثار صفات الله وأسمائه، لما سمى نفسه الغفور الرحيم ظهر أثر مغفرته ورحمته لهذا المخلوق، وهو رحمته به والتوبة عليه إذا أذنب واستغفر، ولما سمى نفسه الكريم سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ظهر أثر كرمه، وهو أن العبد يفعل الحسنة التي لا حول له فيها ولا قوة؛ بل هي من الله عَزَّ وَجَلَّ الذي وفقه لها وأعطاه القوة عليها، ثُمَّ يقابله الله عَزَّ وَجَلَّ بأن يجعل له عشرة أمثالها إِلَى سبعمائة ضعف، إِلَى أضعاف كثيرة، ولهذا الموضوع علاقة قوية بالدعاء.
  3. علاقة الدعاء بصفات الله وأسمائه

    ذكر ابن عقيل رَحِمَهُ اللَّهُ في كتابه الفنون أن من حكم مشروعية الدعاء أنه يدل عَلَى صفات الله جل وعلا، فمن ذلك الوجود لأنه لا يدعى إلا وهو موجود، ومن ذلك الغنى لأن الفقير لا يدعى، فمن دعا الله عَزَّ وَجَلَّ فهو مؤمن ومثبت لصفة الغنى، وهو أن الله عَزَّ وَجَلَّ غني والعبد هو الفقير الذي يحتاج إِلَى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ومن ذلك أيضاً أنه كريم؛ لأنه يوجد من الأغنياء من هو بخيل، ولكن الله عَزَّ وَجَلَّ غني ومع ذلك كريم سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فإنه يعطي حتى الكافر إذا دعاه في ساعة الشدة، وهكذا نجد أن الدعاء يتضمن هذه الصفات، فكذلك جميع أنواع العبادة تتضمن الإثبات، وظهور آثار صفات الله عَزَّ وَجَلَّ وأسمائه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
    فالله عَزَّ وَجَلَّ خلق الخلق وقدر لهم الأقدار، ثُمَّ أنزل لهم هذه الشرائع وأعطاهم المشيئة والقدرة والاختيار عَلَى أن يختاروا: طريق الإيمان أو طريق الكفر،
    وهذا الموضوع كله لا يزال دائراً في مسألة القدر وعلاقة ذلك بعلم الله وتقديره سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وبمشيئته جل شأنه.
    ولهذا نجد أن المُصنِّف استمر في هذا الكلام كما سيأتي.