ويقول الإمام ابن القيم رحمه الله: "إذا عرفت هذه المقدمة انفتح لك الجواب عن السؤال المذكور"، فالسؤال المذكور الذي ورد عن الكبائر وأنواعها، ولماذا كان الشرك أكبرها وأعظمها وأخطرها؟
فيقول رحمه الله: "حقيقة الشرك التشبه بالخالق والتشبيه للمخلوق به" وهذه قاعدة مهمة نستنتجها مما تقدم وهي: أن حقيقة الشرك تنحصر في التشبه بالخالق، وتشبيه المخلوق به، هذا أوجز ما يمكن أن يقال في حقيقة الشرك، ومعرفة لماذا كان أعظم الذنوب وأعظم ما عصي الله تبارك وتعالى به.
قال رحمه الله: " حقيقة الشرك: هو التشبه بالخالق والتشبيه للمخلوق به، هذا هو التشبيه في الحقيقة، لا إثبات صفات الكمال التي وصف الله بها نفسه ووصفه بها رسول الله صلى الله عليه وسلم".
يريد ابن القيم رحمه الله تعالى أن يرد على الذين نفوا الصفات: حتى لا يقعوا في التشبيه بزعمهم، فقد نفوا صفة العلو وصفة الكلام وغيرهما من الصفات وأنكروا رؤية الله عز وجل.
فالعلة واحدة عند الذين ينكرون صفات الله تبارك وتعالى من الجهمية والمعتزلة والأشعرية وغيرهم، أنهم يقولون: لو أثبتنا الصفات لوقعنا في التشبيه، فنقول: أنتم لا تفهمون حقيقة التشبيه، التشبيه الذي هو الشرك عكس ما تظنون، التشبيه هو تشبيه الخلق بالخالق، لا كما تظنونه إثبات صفات الله، أما تشبيه الخالق بالمخلوقين، كمن يقول: إن الله له يد كيد المخلوقين، أو يقول: إن الله له سمع كسمع المخلوقين، أو يستوي كاستواء المخلوقين، هذا نادر الوقوع.
فالله تعالى فطر النفوس على استحالته واستبعاده، ووقوعه من بعض المشبهة قليل وإن وقع فهو مما ينكره عامة المسلمين ولا شك أنه منافٍ للتوحيد.. ولا ريب في ذلك.
والسلف الصالح لا يثبتون الصفات لله تبارك وتعالى كصفات المخلوقين، ولكنهم يقولون كما قال عز وجل: ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ))[الشورى:11].. يثبتون السمع والبصر وجميع الصفات مع إثبات أنه ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ُ))[الشورى:11] وليس له كفواً أحد، و((هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا))[مريم:65]^، وإن وقع الاشتراك اللفظي في الاسم فالحقيقة غير الحقيقة، كما أن الوجود غير الوجود، والذات غير الذات، وكافة المسلمين متفقون أن ذات الله تبارك وتعالى لا تشبهها ذات، وأن وجود الله تبارك وتعالى لا يماثله وجود، إذاً: فبقية الصفات تتبع الذات، وتتبع صفة الوجود المجمع عليها، وهذا مذهب واضح، ومنهج سهل الفهم، ولا ينكره إلا مكابر.
والتشبيه الذي يحذر منه هو تشبيه المخلوقين بالخالق، أما تشبيه الخالق بالمخلوقين فهو نادر الوقوع، وإن زعم عكس ذلك من زعم، كـالرازي وأمثاله، وذكروا في ذلك مقالة نسبوها إلى رجل لا عقل له ولا نقل، وهو المنجم المشهور أبو معشر الفلكي منجم من المنجمين، كان في الإسلام لا يعرف له فضل ولا خير ولا سابقة ولا دين، يقول في مقالته: إن أول شرك وقع أن الناس اعتقدوا أن الله سبحانه وتعالى له يد كيد المخلوقات، وله عين كعين المخلوقات، فعبدوا الأصنام.
وهذا الكلام مغاير للحقيقة وللواقع التاريخي، ولما صحت به الأحاديث، وكل الدلائل تشهد أن الذين عبدوا الأصنام شبهوها بالله، ولم يشبهوا الله بالأصنام.