النوع الثاني: قال رحمه الله: ''شرك من جعل مع الله إلهاً آخر, ولم يعطل أسماءه وصفاته وربوبيته كشرك النصارى الذين جعلوه ثالث ثلاثة' ويقصد شرك الأنداد، فهؤلاء لم يعطلوا أسماءه وصفاته, لكن قرنوا به غيره، فهم يرون أن الله عظيم وجليل وقدير وسميع وبصير, لكن يقولون: هذه الصفات للربِّ يسوع, ويسوع هذا هو الأقنوم الثاني لله, أو هو ابن الله تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً!!
ثم قال: ''ومن ذلك شرك المجوس القائلين بإسناد حوادث الخير إلى النور، وحوادث الشر إلى الظلمة'' كما قال الله تعالى: ((وَقَالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ))[النحل:51] فـالمجوس يتخذون إلهين: إله النور وهذا خير كله، وإله الظلمة وهو شر كله.
ثم قال: ''وشرك القدرية القائلين بأن الحيوان هو الذي يخلق أفعال نفسه، وأنها تحدث بدون مشيئة الله وقدرته وإرادته، ولهذا كانوا أشباه المجوس، ومن هذا شرك الذي حاجَّ إبراهيمَ في ربِّه...".
ففرعون قال: ((أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى)) [النازعات:24] والذي حاج إبراهيم في ربه ما ادَّعى الربوبيةَ المطلقة, لكنه ادَّعى صفةً من صفات ربِّ العالمين سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كما قال تعالى: ((إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ)) [البقرة:258] إبراهيم عليه السلام أراد أن يُعَرِّفَهُ بربِّ العالمين، بالصفةِ التي لا يشترك فيها معه غيره، فكان مدخل إبراهيم عليه السلام أفضل وسيلة للإقناع: ((رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ)) لكن الرجل من باب المغالطة قال: أنا أحيي وأميت، فحاجه إبراهيم عليه السلام من باب الإلزام فقال له: ((فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ))[البقرة:258], ولو شاء لقال له: إن إحياء الله من العدم, أما أنت فلم تحيه من العدم، لكنه لم يقل له ذلك، بل حاجه من باب الإلزام، وهذا يبين لنا قاعدةٌ من قواعد مجادلة المشركين والمجرمين وهي أنه ليس شرطاً أن تردَّ على الكلمة بنفس الكلمة, وأحسن من ذلك أن تأتي بشيء أوضح تدمغ به قول الخصم, كما قال إبراهيم عليه السلام: ((فإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ)) [البقرة:258] مع أن هذا الرجل لم يقل مثل ما قال فرعون: أنا ربكم الأعلى، إنما قال ما يفعله الله أنا أفعله، لكن الخليل عليه السلام جاء بشيء لا يمكن أن يأتي به قال: ((فإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ)) [البقرة:258] فلم يستطع الكافر الاستمرار في الجدال: ((فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ))[البقرة:258].
فهذا نوع من أنواع المجادلة العظيمة التي علمنا الله إياها من خلال ما قصه عن إبراهيم عليه السلام ومحاجته لمن يعبد الكواكب ويعبد النار.
ثم يقول رحمه الله: ''ومنهم من يزعم أن معبوده هو الإله على الحقيقة، ومنهم من يزعم أنه أكبر الآلهة'' وهذا الكلام الذي نحن نحكيه واقع في الغرب عند الذين يدعون أنهم أهل العقول وأهل الحضارة، فاليونان جعلوا لكل شيء إلهاً أو رباً! -تعالى الله عما يشركون- فالجمال له إله، والمطر له إله، والجبال لها إله، والنور له إله، والشمس لها إله، والشعر له إله، وأيُّ شيء تتصوره في بالك له عندهم إله، مثل "فينوس" إلهة الجمال، و"أبوللو" إله الشعر، و"أطلس" إله العالم الذي يقولون عنه أنه يحمل العالم على ظهره، ثم قالوا: إن هذه الآلهة تتصارع، هذا الإله يصارع هذا الإله، وغير ذلك من الأساطير الخرافية التي توجد في تواريخهم وعقيدتهم.
فمع هذه الوثنية المنحطة التي يترفع عنها العقل تنسب إليهم الفضائل والحضارة والعلم، ثم ينقل هذا إلى بلاد المسلمين، كما فعل الخبيث نجيب محفوظ في ثلاثياته التي أخذ عليها الجائزة الصهيونية -كما سماها هو قبل غيره؛ حيث قال: لا يأخذها إلا صهيوني- ففي هذه الثلاثية يذكر قصة مصرية قديمة وفيها أن الإلهة غضبت.. والإله رضي.. وهكذا... ولا يتحرجون أن يقولوا: إلهة يذكروا إلهاً غير الله، ونحن المسلمين نقول: لا إله إلا الله, وهي شعارنا، ولا نطلق هذا الاسم (الله أو الإله) على أحد غير الله تبارك وتعالى.
  1. الشرك الأصغر