المادة    
وعلى هذه العقيدة استقامت وصارت الدعوات التجديدية، يبعث الله تبارك وتعالى على رأس كل مائة عام من يجدد لهذه الأمة أمر دينها، وكان من آخرها -كما نعلم جميعاً- تلك الدعوة العظيمة التي دعا إليها الإمام المجدد العلامة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله فجاء ليعيد لهذه العقيدة نقاوتها، وليعيد إلى هذه الجزيرة قيادتها، فحول التاريخ مرةً أخرى، فبعد أن كانت معاقل الإسلام، وحواضره، وعواصمه، هي: بغداد، أو دمشق، أو قرطبة، أو القيروان، عاد التاريخ مرةً أخرى إلى هذه الجزيرة الخيرة، عاد عبر التجديد الذي جعله الله تبارك وتعالى ميزة لهذا الدين فلا ينضب أبداً -بإذن الله تبارك وتعالى- لتنطلق من جديد بنفس النقاء، والصفاء، والوضوح، والاتباع، فالحمد لله على ذلك، وهذا من فضله، ومنِّه، وجوده، وتوفيقه.
  1. بشائر التجديد

    إنني لأبشر نفسي دائماً بأن هذه الصحوة الطيبة المباركة لا بد وأن تنتصر -بإذن الله- وإني لعلى يقين من هذا كما أننا موقنون أن الشمس سوف تطلع غداً؛ وذلك لأن الله تعالى هو الذي تكَّفل بنصر هذا الدين، ولأن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو الذي أخبرنا بذلك.
    وسأذكر مثالاً واحداً من بشائر هذا النصر -لتعلموا أن ما قلته إنما هو عن حقٍ وحقيقةٍ بإذن الله- نحن نرى هذا الشباب المقبل على الله في كل مكان، نراهم إذا سمعوا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حديثاً وصح عندهم عملوا به ودعوا إليه، واتبعوه ونشروه، فما معنى هذا؟
    معنى هذا أن الصحوة قائمة على قاعدة الاتباع، ومن اتبع هذا الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فوالله لينال من النصر والتأييد والتوفيق بمقدار اتباعه له، فهذا رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهذا حجته على خلقه، الذي جعل الله تبارك وتعالى محبته واتباعه معياراً لكل أحد من مدعي الإيمان: ((قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)) [آل عمران:31] فالاتباع هو تحكيم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما قال تعالى: ((فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً)) [النساء:65].
    فإذا قلت للأخ أو للأخت المسلمة: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال كذا، قالوا: سمعنا وأطعنا، فالحمد لله لم نعد كما كان الحال في السنوات الماضية نتبع مجرد أقوال أو آراء للعلماء منها الخطأ ومنها الصواب، وأعني بالعلماء: فقهاء الأمة الأربعة أو غيرهم، وإنما أصبحت الصحوة تتبع الدليل أينما كان، وللعلماء قيمتهم وكرامتهم ومنزلتهم، ولكن إذا صح الحديث فهو مذهب الجميع لا ينازع في ذلك أحد.
    ولهذا قال الإمام الشافعي -رحمه الله- عندما سأله الرجل عن أمرٍ فأخبره بالحديث، فقال: ''وأنت ماذا ترى؟، قال: أتراني في كنيسة؟! أترى عليَّ زناراً؟! أقول لك: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتقول: ما رأيك أنت؟ وهل لأحد من رأي بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟'' وصدق الله إذ يقول: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ)) [الحجرات:1].
  2. أساس الدين وقاعدته

    أبشروا -أيها الإخوان- ما دام هذا طريقنا، فأبشروا واستبشروا خيراً ونصراً وتوفيقاً بإذن الله تبارك وتعالى.
    وإن مما يجب أن نذكره -ولا يخفى على أمثالكم- في هذا الشأن أن دين الإسلام وقاعدته العظيمة مبنية على أصلين عظيمين معروفين:
    الأول: ألا يعبد إلا الله، وهذا معنى شهادة أن لا إله إلا الله.
    والأصل الثاني: ألا يعبد الله إلا بما شرع سواء في كتابه أو في سنة نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلا يعبد الله تبارك وتعالى بالأهواء والبدع، وبهذا نفترق عن طريق المغضوب عليهم، وطريق الضالين، وهذا معنى الشهادة: بأن محمداً رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
    وهذه الشهادة العظيمة إذا عقلناها وعرفنا معناها، وحمدنا الله تبارك وتعالى على ذلك، واقتدينا برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأصحابه، وأئمة الدعوة المجددين في فهمها وفقهها، والدعوة إليها ينبغي أن نعلم أن لها حقوقاً ولوازم ومقتضيات.
    والمقصود أن هذه الكلمة العظيمة تؤتي ثمارها كما ذكر الله تبارك وتعالى ((أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا))[إبراهيم:24-25].