المادة    
ومن شروط الدعاء وآدابه: ألا يدعو فيه بقطيعة رحم، كما جَاءَ في الحديث: {لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم}، وكثير من النَّاس لم يعملوا بهذا الشرط فتراهم يدعون عَلَى أزواجهم وأولادهم وأقربائهم وهذا لا ينبغي أن يكون ولو حصل له من هَؤُلاءِ الأذى والعنت.
فقد {جَاءَ رجل إِلَى النبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقَالَ: يا رَسُول الله ‍! إن لي قرابة: أصلهم ويقطعونني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي قَالَ: إن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل} والمل هو الرماد الحار.
والشرط الأخير: أن لا يدعو الإِنسَان بدعاء فيه اعتداء قال تعالى:((ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ)) [الأعراف:55].

والاعتداء في الدعاء يمنع من قبول الدعاء. ومثاله: أن تعلم أن الله عَزَّ وَجَلَّ إذا قبض ميتاً لا يبعثه مرة أخرى في هذه الحياة الدنيا، فتدعو الله أن يبعثه! لأن هذا لا يمكن أن يتحقق. أو تدعو الله عَزَّ وَجَلَّ أن ينتقم من رجل صالح من عباد الله الأتقياء، وأنواع الاعتداء في الدعاء كثيرة.
وظاهر دعاء أم حبيبة رَضِيَ اللهُ عَنْها أنه نوع من الاعتداء في الدعاء؛ لأن دعاء الإِنسَان لأحد بطول العمر أو قصره مع الاعتقاد الجازم أن الله خلق الخلق وقدر لهم أقداراً، وضرب لهم آجالاً، فيه اعتداء واضح.
وجهة النظر الأخرى: الدعاء سبب والأسباب مخلوقة والله عَزَّ وَجَلَّ يقول: ((يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ)) [الرعد:39] فلا يبعد أن يكون هذا من الأسباب التي تدفع البلاء وترد القضاء وتجعل صاحبها يطول عمره، وكما أن الإِنسَان إذا وصل رحمه، فإنه يطول عمره فكذلك إذا قطعهم، فإنه يقصر عمره.
  1. النذر لا يرد القضاء

    وتطرق المُصنِّفُ بعد ذلك إِلَى النذر، لأن كثيراً من العوام يظنون أن النذر يحقق لهم ما يريدون، فإذا مرض لأحدهم مريض نذر أنه إذا شفى الله مريضه أن يتصدق بكذا وكذا من المال، فإذا شفي المريض ظن أن ذلك بسبب النذر، وأنه قد استرضى الله تَعَالَى بهذا العمل الصالح، وهذا أيضاً مما رده النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قولهِ: {إن النذر لا يأتي بخير، وإنما يستخرج به من البخيل} وذلك أن البخيل قبل أن يبتليه الله تَعَالَى لا ينفق ولا يتصدق، فلما حلت به البلية نذر عَلَى نفسه بالإنفاق والتصدق، وهذا مالا ينبغي أن يكون عليه المؤمن.
    كما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عندما {سُئل أي الصدقة أعظم أجراً، قَالَ: أن تصدق وأنت صحيح شحيح تخاف الفقر وترجو الغنى} فالمؤمن في وقت الرخاء يتصدق ويعطي، فإذا نزلت به بعد ذلك نازلة فإنه يسأل الله عَزَّ وَجَلَّ ولا ينذر، فإن سأله - مثلاً - بالعمل الصالح الذي عمله في وقت الرخاء، كأن يقول: اللهم يا رب! إني تصدقت بتلك الصدقة عَلَى فلان فإن كنت تعلم أنها خالصة لوجهك الكريم فاشف مريضي، كما فعل أصحاب الغار، فهنا يكون الدعاء في محله، وتكون تلك الصدقة في محلها؛ لأنها حصلت في وقت رخاء، فيكون أحسن حالاً من ذلك البخيل.
  2. الدعاء وهو العبادة

    والذي ينبغي أن يعلم أن الدعاء بحد ذاته عبادة لا يستغنى عنه أي مخلوق، وقد طلب الله تَعَالَى منا ذلك بقوله: ((وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)) [غافر:60]، أما ما يقوله بعض الفلاسفة أو بعض الصوفية الغلاة - وتسرب إِلَى بعض العوام- أنه لا حاجة إِلَى الدعاء، وبعضهم يفلسفها بكلمة واحدة فَيَقُولُ: (علمه بحالي يغني عن سؤالي)، وهذا غير صحيح، لأن الله سبحانه يعلم أحوال العباد لكنه يريد من العبد أن يتضرع إليه وأن يظهر الانكسار بين يديه، والخضوع؛ لأن هذه قربة وعبادة، وأشد ما يكون العبد خاضعاً لله عَزَّ وَجَلَّ عندما يتضرع إليه في أمر ملح وهو محتاج مضطر إليه.