المادة    
وقاد الصديق -رضي الله عنه- الحرب من جديد، وخرج أصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من المدينة بجيوش متعددة، كل منها إلى جهة من الجهات، ونصرها الله -عز وجل- وأخضعت تلك القبائل والمناطق جميعاً، ولم تقف عند ذلك، بل انطلقت شرقاً إلى الامبراطورية الفارسية، وغرباً إلى الامبراطورية الرومانية.
وجاء الفاروق عمر رضي الله عنه فأكمل فتح البلاد، وكان مما عمله ذلك العمل الجليل العظيم وهو من أجل أعمال الفاروق -رضي الله عنه- أنه أجلى يهود خيبر لما رأى منهم العداوات والضغائن، فأجلاهم إلى أطراف الشام وإلى حيث شاءوا.
وهنا بدأ المكر يتجمع من جديد، فإن هذا الدين الذي نشره الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى على أيدي هؤلاء الرجال؛ قد قوض الشرك وأقام لواء التوحيد، وهدم البدع والضلالات والخرافات، وأقام السنّة على المحجة البيضاء، وهدم عروش الظلم والطغيان والفساد، وأقام حكم الله عز وجل حكم العدل والإنصاف، وهدم مجد طواغيت الشر في العالم، من القياصرة والأكاسرة، ومن دجاجلة الأديان وكهنوتها، الذين كانوا يفرضون على الناس باسم الدين التحكم في أموالهم وأعراضهم، بل وفي قلوبهم، فيملون عليهم مايريدون أن يعتقدوه.
وهدم العقائد جميعاً: اليهودية والنصرانية والمجوسية وهي أشهر وأوضع العقائد، وما تفرع عنها، وهنا كان لابد أن تكون المؤامرة، ولابد أن تتحرك الأفاعي الشريرة في الظلام، وكان مقتل أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه بيد أعداء الإسلام، وأعداء الدين أولئك يرتكبون خطأ يكررونه دائماً ولا يتعظون منه، فهم يظنون أن هذا الدين مرتبط بشخص ما، قالوا: إذا قتلنا محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذهب الدين، ولهذا وضعت اليهودية له السم -كما في الحديث الصحيح- وظنوا أنه إذا مات سيموت دينه، بعد ما حاولت بنو النضير اغتياله، وغير ذلك من المحاولات.
ولما أن فتحت تلك البلاد في عهد الفاروق عمر، ظن أعداء الإسلام من فرس وروم ويهود ونصارى ومجوس وجميع تلك النحل أنه إذا قتل الفاروق انتهى الدين، وهكذا دائماً، كل من يرونه يحمل لواء الدين ولواء السنة يظنون أنه إذا حورب في ذاته انتهى الأمر، ونحن نعلم جميعاً أن هذا النظر خاطئ تماماً، إن الأمر أمر الله عز وجل والدين دينه عز وجل وماهؤلاء الرجال إلا أناس اصطفاهم الله تعالى بالقيام بأمر دينه، فهم ينالون الشهادة، ويخلف الله بعدهم من يقوم بهذا الدين، لأنه قد وعد سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أهل دينه، وتوعد أعداءه بأن يظهر هذا الدين على الدين كله ولو كره المشركون.. ولو كره الكافرون.
  1. مقتل الفاروق عمر رضي الله عنه

    فكيف قتل الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه؟
    الثابت في مقتله أنه كان بمؤامرة مجوسية نصرانية، ويقال إن لليهود ضلعاً في ذلك، ولكن الثابت أن جفنة النصراني شاهده بعض الصحابة هو وأبا لؤلؤة المجوسي، الذي تولى عملية القتل، رأوهما ليلة اغتيال الفاروق وهما واقفان في الظلام، ولم يشعرا إلا وهؤلاء الناس يمرون عليهما، فسقط من بين أيديهما نصل عريض له حدان. وفي صباح تلك الليلة يغتال الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه وإذا بذلك النصل نفسه هو الذي نفذ الجريمة الشنعاء في أمير المؤمنين رضي الله عنه وبضعة عشر نفراً من الصحابة في الصلاة، طعنهم هذا الفاجر المجرم يميناً وشمالاً لكي يهرب، فمنهم من استشهد ومنهم من جرح وأصيب، وكانت هذه مؤامرة، وكان هناك طرف ثالث هو الذي حرك أبا لؤلؤة وهو الهرمزان وكان ملكاً من ملوك الفرس، جيء به إلى المدينة فأظهر الإسلام، وأراد أن يهدمه، وهو الذي لقن أبا لؤلؤة المجوسي، واتفق معه على مقتل الفاروق رضي الله عنه ولهذا قتل الهرمزان فوراً حال مقتل الفاروق رضي الله عنه.
  2. الفتوحات في عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان

    فإذاً المؤامرة أرادت بقتل عمر رضي الله عنه أن يزول الإسلام وأن يمزق شمله.
    ولكن الذي حصل أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جمع الأمة من جديد، وفتح في عهد عثمان رضي الله عنه -وهو الخليفة الراشد الثالث- فتحت من بلاد المجوس -هؤلاء- أفاقاً وبلاداً بعيدة حتى وصلت الفتوحات إلى قريب من بلاد ما وراء النهر، مما زاد الضغينة وزاد الحقد في قلوب أولئك الكفرة ضد الإسلام.
  3. عبد الله بن سبأ اليهودي ومشابهته لبولس

    وحينئذٍ ظهر عبد الله بن سبأ الذي حذر عنه الإمامُ الشعبيُّ رحمه الله مالكَ بنَ مغول كما ذكر ذلك ونقله شَيْخ الإِسْلامِ ابن تيمية رحمه الله في أول كتابه منهاج السنة النبوية.
    ظهر ذلك الرجل اليهودي الماكر وقد سمى نفسه: عبد الله بن سبأ، والذي أراد أن يهدم دين الإسلام كما هدم بولس دين النصرانية.
    مختصر قصة بولس أنه رجل يهودي، كان يعذب النصارى أتباع المسيح عيسى -عليه السلام- تعذيباً شديداً، فلما رأى أن تعذيبهم لا يزيدهم إلا إيماناً!! قال: لا بد من حيلة، فتحايل عليهم بالمكر اليهودي المعروف، وقال: إني كنت ذاهباً إلى دمشق وإذا بصوت يناديني من السماء، ويقول أنا: المسيح، أنا ابن الله، أنا كذا، لماذا تضطهد شعبي، ولماذا تضطهد أهل ملتي؟
    ادخل في ديني، فقال: أنا دخلت الآن وأصبحت في دين المسيح، ودخل في دينهم، وأخذ يهدم دينهم من الداخل، فقال: إن المسيح إله، وقال: إنه ابن الله، وأمثال ذلك من الكفر، حتى خرب دين النصارى.
    وهكذا عبد الله بن سبأ هو الذي قام بدور بولس في هذا الدين، كما أثبت ذلك الشعبي وبينه من بعده، وأضافوا إليه، ثم -أيضاً- شَيْخ الإِسْلامِ ابن تيمية وضحه، والتاريخ واضح في ذلك، عبد الله بن سبأ هذا: تآمر مع غيره؛ فخرجت في آن واحد رءوس الشر، جاءوا من مصر والكوفة واليمن، وجاءوا من عدة جهات إلى المدينة النبوية إلى حيث الخليفة الثالث عثمان رضي الله عنه، وما زلوا يتآمرون عليه -كما هو معلوم في التاريخ- حتى قتلوه رضي الله عنه.
  4. خلافة علي بن أبي طالب وما فعله اليهودي عبد الله بن سبأ

    وبعد ذلك لما تولى الخلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه دخل عبد الله بن سبأ في جيشه هو وأصحابه، وأظهروا أنهم يحبون عليّاً، وأنهم يريدون أن يعطوه حقه وقدره الذي هضمه وظلمه الثلاثة الخلفاء الراشدون الأولون، وهذا هو المدخل الذي أرادوا منه أن يشعلوا الفتنة، وكانت معركة الجمل، وقد ثبت أن من قتل فيها من كبار الصحابة كـطلحة والزبير إنما كانت تلك الفتنة وتلك المعركة بتحريش من السبئية من أصحاب الفتنة، أمثال هذا الرجل.
    ثم لما أن ظهر أمير المؤمنين علي -رضي الله عنه- على الكوفة وعلى العراق جاء أولئك وأخذوا يبثون في صفوف أتباعه تلك العقيدة، وحصل من بعضهم ما عرف وكشف وهو أنهم جاءوا إليه رضي الله عنه وهو خارج، فلما رأوه سجدوا له، وقالوا: أنت هو؟!
    قال : من هو؟
    قالوا: أنت الله!! يقولون هذا لـعلي رضي الله عنه فتعجب كيف يوجد مسلم أو إنسان يظن أن الله هو أحد البشر!! فغضب وأمر أن تحفر الحفر وأوقد فيها النيران وأحرقهم فيها، فلم ير لهم من عقوبة أزجر من ذلك، ولم ير أن يعاقبوا بأقل من ذلك، لشناعة وفضاعة ما يقول هؤلاء، كيف يعتقدون أنه إله!
    ثم أراد أن يقتل عبد الله بن سبأ ولكنه نفاه إلى بلاد فارس ليتقي شره، ولأنه خشي إذا قتله أن تثور الفتنة؛ لأن أصحاب الفتنة متوافرون في جيشه، وهو يريد أن ينهي الأمر مع أهل الشام، وحصل ما أراده الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لحكمة يعلمها، وهو أنه في تلك البقعة التقى الحقد اليهودي الذي يمثله عبد الله بن سبأ مع الحقد المجوسي الذي كان كامناً ومستقراً في قلوب أولئك، لأن الإسلام قد هدم ملكهم، وشل عروشهم، ومزق حضارتهم وبلادهم، وهم المجوس الفرس، وكما تعلمون أن اليهود يعيش منهم طائفة كبيرة في تلك البلاد، فمن علامات صدق نبوة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -وكل ما نراه من سيرته فهو دليل على صدقه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنه لا ينطق عن الهوى- أنه قال كما في الحديث الصحيح: {يتبع الدجال سبعون ألفاً من يهود أصفهان -أو أصبهان- عليهم الطيالسة}هذه المدينة فيها أكثرية يهودية وفيها أيضاً من نواح أخرى يهود، هؤلاء اليهود هم كهنة ذلك الدين الذي نشأ ليطعن دين الإسلام وليدمره تحت ستار التشيع.
    فـعبد الله بن سبأ وجد في الحقد المجوسي بغيته، وأخذ ينشر فيهم هذه العقيدة الضالة الفاسدة في علي بن أبي طالب رضي الله عنه لا حباً وتعظيماً لـعلي ولكن لغرض هدم الإسلام، ودخل هو واليهود الذين معه، وأدخلوا معهم هذه الأمة التي كانت جاهلة وحاقدة، إلا من اهتدى منهم.
    ونحن لا نتكلم على من اهتدى، وقد اهتدى منهم كثير -ولله الحمد- لكن حصل أن هؤلاء جميعاً دخلوا في هذا الدين الذي يسمى دين التشيع، ومنذ ذلك الحين ابتدأت الأمة الإسلامية في حرب لا هوادة فيها مع هؤلاء المجوس المتسترين.
    وعندما يريد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أمراً فإنه يهيئ له أسبابه، وكان مما أراده الله سبحانه وتعالى أنه لما جيء ببنات كسرى سبايا فتزوج بعض آل البيت منهن، وكان من ذلك أن الحسين بن علي -رضي الله عنهما- تزوج إحداهن، وأنجبت له زين العابدين علي بن الحسين، فكان علي بن الحسين أمه فارسية بنت كسرى، وأبوه الحسين بن علي بن أبي طالب فكان هذا سبباً رئيسياً في أن يعتقد عوام هذه الأمة أنه فعلاً أحق الناس بالخلافة هم هؤلاء آل البيت، ولا يوجد عندهم خليفة أو إمام إلا وهو من ذرية هؤلاء.
    يقولون: إن الإمام علي هو الأول، ثم الحسن، ثم الحسين، ثم علي بن الحسين، ثم من بعده من ذريته زيد بن علي بن الحسين إلى أن يصلوا إلى الإمام الحادي عشر الإمام الحسن العسكري، ثم الثاني عشر الذي اختفى في السرداب كما يزعمون، هذه الخرافة التي لا يصدقها عاقل لا في القديم ولا في الحديث.