المادة    
قَالَ المُصنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى:
[فإن قيل: هل يلزم من تأثير صلة الرحم، في زيادة العمر ونقصانه تأثير الدعاء في ذلك، أم لا؟
فالجواب: أن ذلك غير لازم، لقوله صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لـأم حبيبة رَضِيَ اللهُ عَنْها: {قد سألت الله تَعَالَى لآجال مضروبة} الحديث، كما تقدم.
فعُلمَ أن الأعمار مقدرة، لم يشرع الدعاء بتغييرها، بخلاف النجاة من عذاب الآخرة. فإن الدعاء مشروع له نافع فيه، ألا ترى أن الدعاء بتغيير العمر لما تضمن النفع الأخروي شرع كما في الدعاء الذي رواه النَّسَائِيُّ من حديث عمار بن ياسر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عن النبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ: {اللهم بعلمك الغيب وقدرتك عَلَى الخلق أحيني ماكنت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي} إِلَى آخر الدعاء.
ويؤيد هذا مارواه الحاكم في مستدركه من حديث ثوبان رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عن النبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لا يرد القدر إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر، وإن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه}.
وفي الحديث رد عَلَى من يظن أن النذر سبب في دفع البلاء وحصول النعماء، وقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه {نهى عن النذر، وقَالَ: إنه لا يأتي بخير، وإنما يستخرج به من البخيل}.
واعلم أن الدعاء يكون مشروعاً نافعاً في بعض الأشياء دون بعض، وكذلك هو.
ولهذا لا يحب الله المعتدين في الدعاء.
وكان الإمام أَحْمَد رَحِمَهُ اللهُ يكره أن يدعى له بطول العمر، ويقول: هذا أمر قد فرغ منه] إهـ.

الشرح:
هو ماورد في الحديث وذلك بأن نسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بكل اسم هو له -مثلاً- اللهم إني أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك... إِلَى آخر الدعاء المعروف.
أو نقول:{اللهم إني أسألك بأنك أنت الله، لا إله إلا أنت الحي القيوم} أو نحو ذلك، فهذا أفضل أنواع التوسل أن يُسأل الله بأسمائه وصفاته، أو بعمل صالح عمله الإِنسَان كما كَانَ من أصحاب الغار -الثلاثة النفر- الذين دعوا الله بأعمالهم الصالحة التي فعلوها فكشف الله عَزَّ وَجَلَّ عنهم ما هم فيه.

وأما التوسل بذوات المخلوقين فإنه لا يجوز بل هو بدعة، فالأولى للعبد المسلم أن يتوسل إِلَى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بأسمائه وصفاته أو بعمل صالح عمله، وكذلك التوسل بجاه فلان من النَّاس لا يجوز، ولو كَانَ هذا المتوسل بجاهه نبي، أو ولي ممن لديه منزلة عظيمة عند الله؛ لأنه لا رابطة هنا بين المتوسل والمتوسل به.