المادة    
  1. المنهجية للمبتدئ في القراءة

     المرفق    
    السؤال: فضيلة الشيخ سفر يقول السائل: أنا تائب جديد فهل تنصحني في بداية توبتي بالتركيز على قراءة القرآن وتفسيره، حيث إنه من عوامل التثبيت كما سمعت من طلبة العلم؟
    أم أنوع القراءة في مختلف العلوم من فقه وعقيدة وحديث؟
    الجواب: الحمد لله وبعد: كلنا -أيها الإخوة في الله- نحتاج للتوبة، ونسأل الله أن يجعلنا من التائبين الأوابين.
    وقد ذكرنا حال الأمة عندما تابت والعرب جميعاً لما تابوا، على أي شيء تربوا؟!
    وكيف حيت قلوبهم؟!
    وكيف ساروا؟!
    القرآن هو الركن الركين والأساس في التزكية والتربية، وكل العلوم فرع عنه، فالسنة شرح وتفسير له، وبيان لمجمله، وتخصيص لعمومه، وتقييد لمطلقه، إلى غير ذلك.
    وعَمَلُ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ترجمة له، وعَمَلُ الصحابة الكرام -رضوان الله تعالى عليهم- تطبيقٌ وتنفيذٌ له، فالقرآن هو الأساس، فكل علم يخالف هذا الكتاب فلا خير فيه، وكل خير في علم آخر فأصله من هذا الكتاب لاستمداده منه، ولذلك فإن أوجب ما يبدأ به الإنسان تائباً أو غير تائب هو: الإقبال على كتاب الله عز وجل؛ إقبالاً فيه التدبر، وفيه التفكر.
    ثم بعد ذلك ينوع من العلوم بقدر لا يزاحم به كتاب الله، فإذا خَصَّصَ جزءاً مهماً أساسياً لحفظ القرآن وتدبره والاطلاع على كتب التفسير، فلا بأس أن يجعل بعد ذلك من العلوم المشتقة منه، والمكملة له، ولا سيما ما هي تطبيق وتنفيذ للقرآن، مثل: تعلم أحكام العبادات من صلاة وزكاة وصيام، لأنه بذلك يطبق القرآن، ويمتثل أمر الله في القرآن، بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وهكذا.
    ولا يشغل نفسه بعلوم أبعد من ذلك، تبعده عن التدبر والعمل في القرآن وإن كانت حقاً، كما يشتغل بعض الشباب فيبدءون عقب توبتهم بالاشتغال بالرجال والنقد (نقد الرجال) والجرح والتعديل!
    ليست هذه البداية الصحيحة لطالب العلم، وبعض الإخوة يشتغل بالإكثار من الفروع الفقهية والخلاف بين العلماء، وبعضهم يبدأ بأصول الفقه، وبعضهم يبدأ بقراءة الفلسفة أو المنطق!! أو ما أشبه ذلك، وهذا كله من الخطأ في طريق العلم، فالقرآن هو الأساس فقد جاء عن بعض الصالحين أن رجلاً صالحاً لم يستطع أن يحفظ القرآن لشغله عنه، فأرسل ابناً له ليحفظ القرآن، وليتعلم القرآن فرجع الولد فقال أبوه: يا بني، لماذا رجعت؟
    قال: يا أبتِ: حفظت سورة أرى أنها قد كفتني، قال: وما هي؟
    قال: ((إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الْأِنْسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا * يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ * فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ))[الزلزلة:1-8].
    أقول: بمثل هذا التدبر يجد الإنسان أن السورة الواحدة إذا حفظها وتدبر معانيها وتفقه فيها، أنها تغنيه عن علم كثير مما فيه جفاء عن القرآن، أو جفاء في القلب، كالدخول في الخلافيات وما أشبه ذلك، مما هو شأن العلماء المجتهدين المتعمقين الذين استكملوا -إن شاء الله- حظاً وافراً من الإيمان، ثم تفقهوا وتوسعوا في العلم، وكان ذلك فرضاً متعيناً عليهم، لأن الأمة بحاجة إلى علومهم، أما نحن طلبة العلم، فنحن أحوج ما نكون أولاً وبادئ ذي بدء إلى إصلاح قلوبنا وتزكيتها بهذا القرآن، والبعد عما يشغلنا عنه وإن كان حقاً، لكنه حقٌ مفضول.
    بهذا أنصح نفسي أولاً، وإخوتي الكرام أثابهم الله، وأقول ذلك لأننا في عصر اشتبكت واختلطت على الإخوة فيه السبل الصحيحة لطلب العلم ولمعرفته، وأصبح -ربما أكون مبالغاً وأرجو أن أكون كذلك- الهضم والإجحاف بالقرآن: تلقياً وحفظاً وتعلماً مقابل علوم أخرى، ما كان فيها من خير فإنما هو من كتاب الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
  2. بعض أخطاء كبار القراء في العالم الإسلامي

     المرفق    
    السؤال: فضيلة الشيخ سعيد شعلان: مجموعة من كبار القراء الذين اشتهروا في العالم الإسلامي ظهرت أخبارهم في وسائل الإعلام وكأنهم لا يحيون بالقرآن، واستطاع الإعلاميون استغلالهم، فمنهم من استضيف في حفل مسرحي، ومنهم من استضيف في افتتاح مباراة كرة، ومنهم من اجتمع في لقاء صحفي يذكر فيه أنه يرى التلفاز والتمثيليات ويسمع الغناء، فنرجو من الشيخ أن ينبه القراء إلى خطورة ما يحاك لهم من الإعلاميين بهذا الصدد؟
    الجواب: الحمد لله، تعلمون جميعاً أن الله عز وجل أنزل كتابه المبارك لهداية الناس إلى مصالح الدنيا والآخرة، ولم ينـزل هذا الكتاب ليقرأ في المآتم، أو على القبور، أو في افتتاح الحفلات، أو ليوضع مهجوراً بين دفتين عظيمتين من الأصناف الغالية الثمن، وما إلى ذلك، لا، بل هو كتاب هداية وما مضى الكلام على ما فيه من مادة الحياة وكيف حيَّ به أسلافنا، وكيف يتدبر، يغني عن إعادة الكلام عن الهدف الذي من أجله أنزل الله -تبارك وتعالى- هذا الكتاب العزيز المبارك، ويكفيني أن أرد هذا العمل -على من قام به من القراء ولو كانوا من المشاهير- بكلام من سبقهم في قراءة القرآن وتعلمه، وتعليمه ولن يكون هؤلاء القراء مهما بلغت شهرتهم حجة على هذه الفعال بإزاء القراء الأولين المفكرين، الفاهمين، المتدبرين، المتعقلين، جامعي الفكر على معاني آيات القرآن الكريم، لن يكونوا مثلهم، ولن يُحتجَّ بهم ويُتركَ الاحتجاجُ بهؤلاء الأولين رضي الله عنهم.
    لقد ذكر النووي رحمه الله تعالى في التبيان في آداب حملة القرآن آثاراً عن ابن مسعود رضي الله عنه والحسن والفضيل بن عياض رحمهم الله تعالى، أكتفي بذكرها وفيها ردٌ كافٍ على هذه الأعمال وعلى هذا السلوك، يقول ابن مسعود رضي الله عنه: [[ينبغي لحامل القرآن أن يُعرف بليله إذا الناس نائمون -إذا نام الناس قام هو- وبنهاره إذ الناس مفطرون -يعني: بصيامه- وبحزنه إذا الناس يفرحون، وببكائه إذ الناس يضحكون، وبصمته إذ الناس يخوضون، وبخشوعه إذ الناس يختالون]].
    وقال الحسن البصري رحمه الله تعالى: [[إن من كان قبلكم -يقول للتابعين في زمانه وأتباعهم- رأوا القرآن رسائل من ربهم، فكانوا يتدبرونها بالليل وينفذونها بالنهار]]، أي: يعملون بها في النهار.
    وقال الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى: [[حامل القرآن حامل راية الإسلام، لا ينبغي له أن يلهو مع من يلهو، ولا يسهو مع من يسهو، ولا يلغو مع من يلغو، تعظيماً لحق القرآن]]، لا ينبغي أن يشارك في اللهو والسهو واللغو تعظيماً لحق القرآن، لأنه من حملته وسيكون حجة لغيره إذا ما رآه على هذه الأمور أن يفعل مثله.
    أما إذا كان هو يبرر هذه الفعال ويحكم بجوازها وصحتها، ويتفضل بافتتاح هذه الحفلات بأن يقرأ قوله تعالى: ((إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا )) [فصلت:30] ((إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ))[القمر:54] ولست أقول: إن المصيبة في أن يقرأ هذه الآيات، لكن المصيبة في المشاركة والحضور في هذه الحفلات، ولو قرأ أي آية من كتاب الله -عز وجل- لأنه يجلس مع قوم فارغين، لا هم في أمر دنياهم، ولا هم في أمر آخرتهم، كيف ذلك؟!
    يجلس مع قوم لا يصلحون دنياهم، ولا يصلحون آخرتهم! فهذا هو الذي ينبغي لحامل القرآن من الآداب، وبهذا القدر كفاية والله تبارك وتعالى هو المسئول أن يهدينا، وأن يوفقنا إلى ما يحب ويرضى، وأن يختم لنا بخير، وأن يجعل عواقب أمورنا إلى خير.
  3. حكم التداوي بالقرآن من المس

     المرفق    
    السؤال: فضيلة الشيخ سفر: هل يجوز التداوي بالقرآن الكريم وإخراج الجني من المريض بقراءة، القرآن جزاكم الله خيراً؟
    الجواب: الحمد لله، أقول: لا ريب أن القرآن شفاء للقلوب وللأبدان -كما تفضل الشيخ فذكر الآيات في ذلك- والتداوي بالقرآن حق، ومن تداوى به كما شرع الله وكما فعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يغلُ ولم يبتدع، وكان محله قابلاً للعلاج القرآني، شفي بإذن الله -تبارك وتعالى- فالشفاء موجود ولكن قابلية المحل أيضاً شرط لوقوعه، غير أني أريد أن أنبه إلى ما هو أهم، لنأخذ العبرة من حالنا ومن واقعنا.
    عندما عظمنا الدنيا ونسينا الآخرة، أصبحنا نحتاج القرآن لنداوي به أجسادنا، ونسعى إلى ذلك، ونبذل المال والجهد، ولكننا لا نسعى ولا نجتهد، لأن نعالج قلوبنا بالقرآن، فلو قيل لنا: إن شيخاً أو عالماً واعظاً سيعظنا الليلة بشيء من كتاب الله -تبارك وتعالى- يرقق به القلوب، ويذكرنا بالله عز وجل، ويربطنا بهذا الكتاب المهجور، كم يجتمع له؟!
    كم يحضر لديه؟!
    أما لو قيل إن رجلاً ما قد ظهر في منطقة نائيةٍ بعيدة يعالج الناس بالقرآن، ويخرج الجان، ويفك المسحور، وأمثال ذلك مما يتلذذ به العامة؛ لشدت إليه الرحال وضربت إليه أكباد السيارات! سبحان الله!! أليس هذا دليلاً على أنا عظمنا الدنيا ونسينا الآخرة؟!
    إذا كان الحسن البصري -كما سمعتم من الشيخ حفظه الله- قال رحمه الله: [[إن هذا القرآن أنزل ليقرءوه وليعملوا به فجعلوا قراءته عملاً]] سبحان الله! يلوم الذين جعلوا قراءة القرآن علماً دون العمل به، فكيف بالذين جعلوا القرآن تكسباً للدنيا؟!
    وكيف بالذين جعلوه فقط لعلاج أجسادهم؟!
    فإذا صح الجسد وتعافى، استُخدِمَ في معصية الله -عز وجل- شُفيت العين فنظرت إلى ما حرم الله، وشفي العقل فتفكر وتأمل فيما حرم الله، وشفي اللسان فنطق بما حرم الله، هذه والله كارثة! أن يكون هذا حظنا من كتاب ربنا وإن كان العلاج به حقاً لا ريب فيه.
    إخوتي في الله! إن الله تبارك وتعالى رحيم كريم ومن رحمته عز وجل أنه جعل ما يقيم حياة الناس لضروراتهم، جعله متيسراً لهم بقدر ضرورته لهم؛ فهو بقدر الحاجة أو الضرورة يكون تَيَسُّر ذلك الأمر.
    فلما كان الناس بحاجة إلى الهواء لا يستطيع الإنسان أن يعيش إلا إذا تنفس الهواء جعله الله مجاناً، ولو كان الهواء يباع لاختنق أكثر الناس؛ لأنهم فقراء ولاحتكر التجار الهواء ولكن رحمة الله منعت ذلك.
    وكذلك الماء؛ لأن الناس يحتاجونه ولا يستغني عنه أحد جعله الله تبارك وتعالى موفراً بين أيديهم ولله الحمد والمنة. والملح؛ لأنه لا قوام للطعام إلا به هو من أرخص ما يباع في الأسواق في كل مكان ولله الفضل وله الحكمة البالغة عز وجل، ومن ذلك أنه لما علم سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وهو العليم بكل شيء شدة حاجتنا إلى القرآن وضرورة تحصننا به من الشيطان وأن عدونا ماكر خبيث ممكن له فينا، ويجري منا مجرى الدم أعطانا الله عز وجل العلاج مجاناً.
    فكل إنسان كل مؤمن والحمد لله يستطيع أن يقرأ المعوذتين، ويقرأ آية الكرسي، ويقرأ آخر آيتين من سورة البقرة ويقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير مائة مرة في اليوم إلى غير ذلك مجاناً، فلا تحتاج أن تذهب إلى شيخ أو تسأل عنها عالماً، ولا أن تبذل مالاً قل أم كثر.
    فإنك إن قلتها حفظك الله تبارك وتعالى بها من الشيطان بإذن الله فلا تصرع ولا يأتيك الجان ولا يتلبس بك ولا يؤذيك السحر بإذن الله تبارك وتعالى؛ إلا ما قدره الله، وقَدَرُ الله عز وجل كائن.
    {أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق} هل تشق على أحد؟!
    أم تلك الرقى البدعية والقراءات الطويلة ويصحبها من الباطل أقل ما يقال فيها: أنها لم ترد مرفوعة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإن كان أكثرها لم يعملها الصحابة أو أحد من السلف؛ بل بعضها وقد رأيناها مشتملة على شركيات وعلى توسلات بغير الله عز وجل، ويقولون: هذا قرآن هذه آية الكرسي.
    لكن اقرأ ما في الأطراف تجد أرقاماً وكتابات لا معنى لها، هذه توسلات شركية، ولهذا يقولون يوم القيامة عندما يسألهم ربنا تبارك وتعالى: ((يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْأِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْأِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا)) [الأنعام:128] هذا يستمتع به بما يقدم له من شركيات، وذاك يستمتع بما يعطيه، وكأنه يظهر على يديه الكرامات أو الخوارق!
    فيا إخوتي في الله، الوقاية خير من العلاج! فلنعالج قلوبنا أولاً، ونقيها الشبهات بالقرآن، ثم بعلاج أبداننا أيضاً نتخذ من هذا القرآن وقاية للحفظ من الشيطان، فنقرأ هذه الآيات الميسورة المتوفرة -والحمد لله- ونداوم على هذه الأذكار صباحاً ومساءً وقبيل النوم، كما وردت عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فبذلك يكون لنا الشفاء -بإذن الله تبارك وتعالى- في قلوبنا وأبداننا، أسال الله تبارك وتعالى أن يشفينا جميعاً وأن يعافينا من كل داء ظاهر وباطن إنه سميع مجيب، والحمد لله رب العالمين.