المادة    
إذاً: فهؤلاء اليهود والنصارى والبعثيون كلهم أعداءٌ للإسلام، وكلهم أعداءٌ لهذه الأمة، ولا يؤمنون بأي حال من الأحوال؛ لأن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى حذَّرنا وبيَّن لنا عداوتهم في الكتاب كما بينها لنا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في السنة وفي واقعه العملي، ولكننا نذكر بعض الدلائل الواضحة، التي نسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بأن تكون عامل خير لهؤلاء الشباب في أن يعرف واجبه، ولا نعني بمعرفة الواجب: الثوران العاطفي، الذي لا يؤدي إلى نتيجة، والذي أتعب الدعوة في كل مرحلة من مراحلها؛ وإنما نعني: أن نعي واقعنا، وأن ندرس بحكمة وبأَناة: كيف نتصرف مع هذا الواقع، وكيف نعتذر إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ونحن نعيش هذه الأزمة، بل وأكثر من ذلك: أن نراجع ديننا وإيماننا، وعقيدتنا وثقتنا وتوكلنا بالله عز وجل، فهذا أهم عندنا من أي شيء آخر.
يقول في التايمز: الولايات المتحدة يجب عليها أن تعتبر أن وجودها دائمٌ في المملكة
فعلى أية حالة! الوجود كان دائماً أو غير دائم؛ فهو موجود بأعدادٍ كبيرة، وهو لا يخفى عليكم الآن.
يجب أن نعلم أموراً مهمة، ولابد من تذكير بها وهي:
أنه عندما يأتي هؤلاء القوم يأتون بعاداتهم، وبدينهم وبما يحملونه من مبادئ.
فقد كنا نشكو في الرياض وفي جدة وفي غيرها من أعمال هؤلاء الكفار مع ضعفهم النسبي قبل هذه الأيام، ومع قلة عددهم أيضاً، وقبل أن يكثروا بهذه الكثرة، ومع كل هذه الأمور وكل هذه الاعتبارات، كنا نشكو، والهيئات، والجيران، والمجمعات السكنية كلها تشكو مما يحدث فيها ولا غرابة! فهؤلاء الكفار هذه حياتهم؛ لأن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قد أعمى بصائرهم عن الآخرة؛ فهم كما قال الله تعالى: ((إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ))[يونس:7]، فهذا حالهم قال تعالى: ((بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ))[النمل:66]، فهل يريد أحدهم أن يقاتل وأن يموت في سبيل الله؟
لا والله، وهل يريد أن يموت ليدخل الجنة؟ لا.
فلم يخطر ذلك على باله؛ ولذلك لا نعجب أن تُعجل لهم حسناتهم في هذه الحياة الدنيا من شهوات وملذات، فإذا وقع وأتوا إلينا فماذا سنفعل؟
إن مثل هذه الصفقات من الكريمات والدهونات والتعري، لابد أننا سنلمس لها أثراً واقعياً عند وجود هذا العدد بأجياله.
وكما تعلمون أن هؤلاء القوم فيهم المتدينون، ففي موجز التاريخ الأمريكي الذي أصدرته السفارة قريباً يقول: '' إن الشعب الأمريكي فيه عاطفة دينية وفيه رغبة دينية ''.
فإذاً يجب أن نتوقع وجود كنائس، أو حمل للصلبان، أو حمل لأي شعارات أخرى غير إسلامية معادية لديننا وإيماننا وعقيدتنا، حينها لا نضع رؤوسنا في الرمال.
هذه حقائق يجب أن نقولها، وأن نتحدث بها، وأن نفكر كيف نعالجها العلاج الصحيح؛ وذلك بالتعاون مع من يمكن أن يساعدنا على ذلك -إن شاء الله- ممن بيده الأمر.
فهذا واجبنا نحن الدعاة، ولا يجوز لنا أن نتخلى عنه بأي شكل من الأشكال.
فقد جاءوا بالخنازير كما كتب لي أحد الإخوان، وكما ذكر لي أخ آخر بأن بعض المطابخ جيء إليها بالخنـزير، وقيل له: اذبح لنا، نريد أن نأكل ولا غرابة! لأن هذا أكلهم، وهذه حياتهم: الخمر، والخنـزير، والزنا، والمخدرات وغيرها من الأمراض الأخرى التي نتعفف أن نذكرها، فكان لابد من أن نتوقعها؛ لأنهم لابد أن يأتوا بها فلا تكفي -أبداً- الأوامر أو الاحتياطات أو القرارات؛ فالأوامر والتعاهدات قد أخذت على المسلمين أنفسهم فلم يلتزموا بها ولم ينفذوها، وترون ما ترون من المدرسات، وقد أخذت عليهن التعهدات الوثيقة، ومن المضيفات والممرضات، وقد أخذت عليهن أقوى التعهدات.
  1. الدعوة إلى الله

    لابد من الدعوة إلى الله، لأنها هي الحل في هذه المجتمعات التي في دور الإسلام وكذلك في قلب المجتمع الإمريكي.
    وإن مما يجب أن نقوله: إن الشعب الأمريكي في الغالب هو شعب حر -لا سيما في التدين- وإن كثيراً منهم إذا عرض عليه الإسلام فإنه يسلم، فبعض الإخوان في أمريكا قد أخبرونا أنهم لا يستيطيعون أن يستوعبوا الداخلين في الإسلام من كثرتهم -والحمد لله- لأن الإسلام دين الفطرة؛ ولأنهم يعيشون في ضنكٍ، وضيقٍ لا يعلمه إلا الله، وهذه الأمور لمستها ولمسها كل أخ زار تلك البلاد بنفسه وبأم عينيه.
    فالواجب إذاً هو على الدعاة في مثل هذه الأحداث، فهؤلاء سيأتوننا بكل المفاسد، ولا نتوقع إلا ذلك، ولا يجوز لدعاة الإسلام أن يضعوا رءوسهم في الرمال، ويتناسوا هذا الخطر المحدق، أو أن يغفلوا عن هذا الواجب، فلن يقوم به إلا أنتم أيها الشباب، وأنتم أيها الدعاة، فاتقوا الله فيما حملكم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى من هذا الواجب، وادرءوا عن الأمة هذا الخطر بقدر ما تستطيعون.
  2. التوبة من الذنوب والرجوع إلى الله وقول الحق

    هناك أمور يجب أن تكون نصب أعيينا ونحن نتحدث عن هذه المشكلة، وعن هذه الأزمة الخطيرة، وهي:
    أن ما أُصِبنَا به وما خطط له الأعداء، وما جاءوا به؛ فإنما هو بسبب ذنوبنا، وتفريطنا في أخذ العدة والاستعداد لمواجهة أعداء الله وأخطارهم، أي: لأننا عصينا الله وخالفنا أمره، كما قال أبو الدرداء لما بكى -رضي الله عنه- عندما رأى أسرى قبرص فقال: ''ما أهون الخلق على الله إذا خالفوا أمره'' فبينما هم ملوك في بلادهم، إذا هم أسارى في أيدي المسلمين.
    إن ما حل بنا يجب أن نفكر جدياً في أسبابه، ثم نتخذ الحلول ولا بأس أن نتخذ وجهة نظر واحدة والكل يعرفها، وكلنا -إن شاء الله- متفقون على أكثرها، وهي:
    أولاً: يجب علينا أن نعيد النظر في حياتنا جميعاً، ولا أعني الأوضاع العامة، بل حتى في أوضاعنا الخاصة؛ فكلٌ منا ينظر في خاصة نفسه، كيف ذنوبي؟ وكيف أعمالي؟ وكيف علاقتي وصلتي بالله عز وجل؟ ولماذا سُلِّطُ علينا أعداؤنا؟
    فكل منا يفتش عن نفسه، لأن من مصائبنا -مع الأسف- أن الذنوب والمعاصي تقع، ولكن سرعان ما تعلق بمشجب معين، فيقال مثلاً: التقصير من الحكومة، أو من الشعب، أو من العلماء، أو من الفرقة الفلانية، لأنها ما أخذت موقعها. ودائماً نحن في جميع أمورنا نحاول أن نجد مشجباً فنعلق عليه كل الأخطاء، وهذا غير صحيح، فمن سنة الله تبارك وتعالى أن كل واحد منا مسئول عن ذنوبه، ويلحقه شيء من هذه المصائب، ويعفو الله تعالى عن كثير، كما ذكر سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ذلك بقوله: ((وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ))[المائدة:15] فنحن بضعفنا وبأعمالنا استجلبنا ذلك.
    ما الذي غيَّر فينا دخول هذا الهجوم البعثي؟ ثم ما تلاه من تكالب صليبي؟ ما الذي غيرّ فينا، وما الذي جعلنا لا نرجع إلى الله تعالى ولا نرجع إلى ديننا كما أخبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فالأمر والحال كما ترون.
    فكل تبرج أو فسق أو استهتار في الأسواق أو في المجلات الداعرة أو في الكتب أو في الشعر الماجن أو في الأغاني الخليعة أو في محلات بيع الفيديو أو وسائل الإعلام نفسها، كل ذلك لا يزال كما كان ولم يتغير.
    فأي بنك ربوي أغلق بعد أن جاء الهجوم؟
    وإنما قلنا: يجب أن نرجع إلى الله، لأن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يقول: ((فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ))[البقرة:279]، فنحن نحارب الله أم نحارب هؤلاء.
    لم يقع شيءٌ من ذلك؛ بل إننا نحاول أن ندعم هذه البنوك؛ لأن الناس بدأوا يسحبون الأرصدة منها، فيجب أن ندعمها لكي لا تتأثر. فنحن بهذا قد تشبهنا بالكفار في حياتنا وسلوكنا ومعاملاتنا، فهل تغير هذا؟
    وهل قلنا: كيف نتشبه بأعدائنا في الشعارات التي كنا نرددها مثل الأمة العربية، والقومية العربية، والواجب العربي، وما أشبه ذلك، هل تركنا ذلك؟ وهل نسخناه من صحافتنا التي كانت قبيل فترة تقول: الحملة الظالمة على العراق فكانت الصحافة الغربية تذكر شنائع حزب البعث وأنه دَّمر المسلمين والأكراد وأحرقهم بالغاز السام؟ فتقوم الصحافة العربية كلها وتقول: هذه حملة ظالمة على العراق يشنها الغرب، ونحن نعلم أن الأمر كذلك، والآن اعترفنا بأنه كذلك؛ فلابد أن نلغي هذه الشعارات؛ لأننا أمة الإسلام أمةٌ واحدة كالجسد الواحد، فلا نؤمن بمبادئ القومية، ولا الوطنية، بل كلها عصبية جاهلية وضعها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تحت قدميه.
    فنحن لا نحب إلا في الله ولا نبغض إلا في الله، ولا نوالي إلا في الله، ولا نعادي إلا لله؛ وإن أعطينا فلله وإن منعنا فلله، فهذا هو الواجب الذي ينبغي أن تكون عليه حياتنا وسياستنا وخططنا، فيذكر به بعضنا بعضاً إذا غفلنا؛ أما أن نستمر في هذه الشعارات، وفي قرارات وأمور اتخذناها، فكان من شأنها الحد من الدعوة إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أو الحد من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
    هذا والله هو الوقت المناسب للسماح للدعاة إلى الله بأن ينطلقوا لأداء واجبهم، فنحن الآن أحوج ما نكون إلى دعاة يصدعون بكلمة الحق؛ لأن أعداءنا -من غربيين وبعثيين وغيرهم- إذا رأوا أن في الأمة من يصدع بهذا فإنهم يخافون منا، ولا مانع من أن نظهر -إن كان على سبيل الإظهار- في وجه الأعداء بأننا طائفتين: طائفة تسكت، ولكن هناك طائفة تنكر؛ فنكسب الموقف بالاختلاف بين هاتين الطائفتين مثل ما يفعلون بنا إذا كان على سبيل التخطيط.
    فالأمريكان إذا طلبوا من الإدارة الأمريكية شيئاً اعتذرت بأن الكونجرس يرفض. لماذا؟
    نحن لا نقول: إن العلماء والدعاة يرفضون، ولكن لماذا لا يكون لنا نفس الشيء؟ فنكسب مصالح لأمتنا قبل أن تأتي الطامة الكبرى التي لا علاج بعدها نسأل الله العفو والعافية.
    فأقول: إننا لم نغير في هذا الواقع أي شيء، فمدارس تحفيظ القرآن وغيرها من المدارس -مثلاً- كيف رضينا أن تتقلص أعدادها إلى هذا الحد وبالمقابل يتم فتح ثانويات وكليات كثيرة جداً ومعاهد متنوعة؟! لماذا التقليص فقط لمدارس تحفيظ القرآن؟!
    المدارس التي كانت نور ومشعل للهداية، فلابد أن نُعيد النظر -أيضاً- في هذه الأمور، ثم لابد أن نعيد النظر في علاقاتنا، وفي صداقاتنا؛ ماذا أجدت بنا هذه الصداقات، فكل دولة وقفت ضدنا أو تحفظت على قرارات نرى أنها من صالحنا؛ فهي دولة أعطيناها أبلغ العطاء، فـالعراق نفسه أعطيناه أبلغ العطاء.
    ومما يدل على هذا الأمر قول الرئيس المصري: بأن العراق كان يريد أن يقدم له رشوة قبل سنتين. إذاً فالأمر كان مخططاً لاحتلال الكويت برشوة قدرها (25 مليار دولار) فَمِنْ أين كان سيدفعها صدام؟!
    إذاً يجب أن نعيد النظر فيما نعطي وفيما نمنع، وأن نتقي الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في ذلك.
  3. الصدق في التوكل على الله

    علينا أن نراجع أنفسنا في مسألة الاعتماد والتوكل على الله والأخذ بالأسباب، ويجب علينا أن نراجع قلوبنا ونعيد الإيمان الصادق والتوكل في قلوبنا؛ فنقول ونحن صادقون: ((إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)) [الفاتحة:5]، فلا نستعين إلا بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ولا نستعين على أعدائنا بأعداء الله نتيجة تفريط منا، فنحن كنا السبب فيه، وأن نكون صادقين مع الله في الاستعانة به والتوكل عليه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
    فلو أخلصنا أعمالنا لله وصدقنا في التوكل عليه لنصرنا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، كما قال تعالى: ((إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ))[غافر:51]، وقال أيضاً: ((وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ))[الحج:40]، وقال: ((الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ))[الحج:41]، وقبل ذلك يقول تعالى: ((إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ)) [الحج:38].
    فلابد أن نكون متوكلين على الله وحده، معتصمين بحبل الله وحده، مؤمنين بالله وحده، ثم إن علينا أن نأخذ بالعلاج القرآني؛ العلاج الذي جعله الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مانعاً لوقوع العذاب إذا أدرك أمة من الأمم، يقول الله عز وجل: ((وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ))[الأنعام:42-45]، ويقول تعالى في سورة أخرى: ((وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ)[الأعراف:94]، فيريد الله -عز وجل- منا في هذه الآيات الضراعة واللجوء إليه، وأن نعلم أنه لا ملجأ ولا منجا منه إلا إليه؛ وأنه لن ينصرنا إلا هو، وأن بيده كل شيء، ((وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى))[النجم:42] وهو خالق كل شيء، وخالق الأسباب والمسببات، وهو الذي إن شاء سلط على الكفار عذابًا من عنده أو بأيدينا؛ فهو يدافع عنا إذا كنا صادقين معه بما يشاء وكما يشاء سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ولكن! أين نحن من هذا؟!
    قال تعالى: ((وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحىً وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ))[الأعراف:96-99]، فقد أصبح حالنا -مع الأسف- مثل الذين قال الله فيهم: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ))[المائدة:51-52].
    فوالله لو صدقنا مع الله ونصرنا دين الله، وأعززنا كلمة الله، ورفعنا شأن الدعاة إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ونشرنا الخير في مجتمعنا، وقضينا على بذور الشر، وحذرنا من هذا العدو بجبهتيه وكلا طرفيه وانتبهنا له، وقاومنا شره وفساده عسكرياً وأخلاقياً؛ فإن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لن يخذلنا ولن يتركنا أبداً، وإن كان غير ذلك نحشى -وهذا أخشى ما أخشاه- أن تكون هذه بداية الملاحم.