المادة    
تبتدئ مشكلة ما يمكن أن يُسمى الوجود الغربي في الشرق الأوسط -كما يسمى- منذ عهد الرئيس نيكسون بعد مرحلة من مراحل الوفاق الدولي، والتي لم تتم كاملة مع الاتحاد السوفييتي.
وقد ذكر الرئيس نيكسون في مذكراته -وهي مطبوعة ومترجمة إلى اللغة العربية- وكذلك في كتابه الحرب الحقيقية، فألمح إلى ضرورة وجود أمريكي في المنطقة في منابع النفط، وعلل ذلك بتعليلات يهمنا منها أنه ركز على قوة العراق وهيمنتة وخطره، أو أن يُتخذ أداة من قبل الاتحاد السوفييتي، أو من قبل زعامات إقليمية فيكتسح منابع النفط ومناطقه، فمن هنا كان لابد من تفكير وعمل جاد لردع هذا العدوان المتوقع.
ثم أعقب ذلك قراراً أصدره الرئيس كارتر في (18 أغسطس عام 1977م) أي: قبل (13 سنة) من طرح الموضوع وتضمن القرار أنه لابد من وجود حماية عسكرية لمصالحنا في الخليج، وكان ذلك بعد تمثيلية الرهائن الذين كانوا محتجزين في طهران، وبعد الحدث الرهيب الذي هز الأمة الإسلامية جمعاء: وهو احتلال الاتحاد السوفييتي الشيوعي لأرض أفغانستان المسلمة المجاهدة، الذي كان بعد عملية الرهائن بستة أسابيع، ثم اتخذت الاحتياطات العملية للتنفيذ، وبُدِئُ في تشكيل هذه القوة أول عام (1980م) أي: أن هذا الأمر قد رُتِّب له في أواخر السبعينيات، ثم بدأ في أوائل الثمانينات، فقد شكلت أو عينت الفرقة التي سوف تقوم بالعمل، وهي الثانية والثمانين التي نفذت عملية الرهائن.
  1. كتاب قوة الإنتشار السريع وتوقعاته للأحداث

    ولكي نأتي ببعض الأدلة على هذا ولكي يتضح الواقع بالبينات المقروءة حسياً، فهذا كتاب من الكتب قوة الانتشار السريع والتدخل العسكري الأمريكي في الخليج الذي صدر سنة (1983م- 1403هـ) أقرأ لكم بعض الإثباتات منه.
    وهذا الكتاب عبارة عن تقرير أُعدِّ ونُشِرَ في مجلة الشؤون الخارجية الأمريكية، وهو تقرير أمني، ومع ذلك نشر وترجم إلى اللغة العربية، وصدر وطبع عام (1403هـ) كما ذكرنا.
    يبدأ التقرير بذكر التهديدات التي يُمكن أن تجتاح منطقة الخليج، وذكر ثلاثة منها:
    أولاً: عدوان سوفييتي مباشر على المنطقة كما حدث في أفغانستان.
    ثانياً: العدوان بواسطة قوات إقليمية أخرى ضد دولة منتجة للنفط.
    ثالثاً: الإرهاب أو التمرد أو الثورة داخل الدول المنتجة للنفط.
    لكن التقرير -نفسه- يستبعد الاحتمال الأول، ويقول: إن الاتحاد السوفييتي لم ولن يفعل ذلك.
    وقد تأكد ذلك بعد الوفاق الدولي الذي تم في أيام جورباتشوف.
    أما الاحتمال الثاني: وهو القوة الإقليمية فهو الذي ركز عليه كثيراً في هذا التقرير.
    يقول التقرير: إن إمكانية بروز العراق كقوة عسكرية مهيمنة على شبه الجزيرة العربية يشكل تهديداً محتملاً وتحدياً عسكرياً لمصالح الولايات المتحدة في الخليج، واحتمال وقوع هجوم عراقي على الكويت أو العربية السعودية، احتمال يستحق اهتماماً خاصاً للأسباب الآتية:-
    أولاً: كان هذا الاحتمال وارداً حتى قبل الحرب العراقية الإيرانية، ومؤثراً على التخطيط للقوات الأمريكية اللازمة لمواجهة احتمالات خارج دائرة اختصاص حلف شمال الأطلسي.
    ثانياً: القوات المسلحة العراقية ذات التسليح السوفيتي هي الأكبر بين القوات المسلحة لدول الخليج.
    ثالثاً: كون حقول النفط الرئيسية في الكويت والسعودية قريبة -نسبياً- من الحدود الجنوبية للعراق. ثم يُذَكَّر أنه قد حاول العراق غزو الكويت في عام (1961-1381هـ) ولم يردعه إلا القوات البريطانية وقوات الجامعة العربية.
    ويقول التقرير: هذه العداوات تُشكل عامل تفجير محتمل في المنطقة -خصوصاً- إذا أخذنا في الاعتبار الضعف العسكري النسبي لجيران العراق.
    ثم يقول أيضاً: لا جدال في أن استخدام الولايات المتحدة للقوة العسكرية لصالح دولة مهددة من قِبَلِ العراق ينبغي أن يستند إلى طلب أكيد للمساعدة من جانب الدولة المهددة؛ إلا أن المشكلة تكمن فيما إذا كان من الممكن ورود مثل هذا الطلب قبل أن يبدأ القتال؛ لأن وصول القوات الأمريكية المقاتلة قبل الحرب -إلى أراضي الكويت والسعودية- سوف يُعرض شرعية حكومتيهما للشبهة في أعين شعبيهما وفي أعين العالم العربي ككل، ناهيك عن أن مثل هذا العمل قد يُتَّخذ ذريعة لوقوع الغزو الذي جاءت هذه القوات لمنعه.
    ثم يقول التقرير بعد ذلك: إن الحساسيه السياسية التي تشعر بها الدول التي يمكن أن تكون دولاً مضيفة تجاه أي وجود عسكري أمريكي -دائم- على أراضيها أمر مفهوم؛ لإن مثل هذا الوجود سيكون بمثابة إثبات لصحة الانتقادات التي يوجهها الثوريون العرب إلى دول الخليج المحافظة عن التزلف للإمبرياليين، ومن ثم زيادة الاضطراب الداخلي الذي يشكل أهم التهديدات المحتملة.
    ثم يؤكد على أن العديد من دول الخليج مازالت تعتبر دعم الولايات المتحدة لـإسرائيل أكثر تهديداً لأمن العالم العربي، مما يُؤدِّي إلى احتمال ظهور أفغانستان أخرى في شبه الجزيرة العربية؛ بل وإن بعضها يشك في نوايا في الولايات المتحدة، ويرى أنها طامعة في حقول النفط في الجزيرة، ويذكر التقرير أمثلة على ذلك قائلاً: يبدو هذا الشك واضحاً في التصريح التالي للشيخ صباح الأحمد الصباح وزير خارجية الكويت؛ ثم ذكر تصريحين:
    الأول: للسفير الكويتي في أمريكا، والثاني: لـصباح الأحمد الصباح وزير خارجية الكويت هذا قبل عشر سنوات من الموضوع- عندما عرضت أمريكا عليه إفساح المجال لإعطاء تسهيلات في المنطقة، وخوفهم من أن العراق سوف يهاجم الكويت.
    فكان جواب وزير خارجية الكويت يقول: الدفاع عنا ضد من؟! من الذي يحتلنا؟!
    إننا لم نسأل أحداً أن يدافع عنا، ورغم ذلك نجد كل هذه السفن حولنا تطلب تسهيلات
    إن المسألةً -كلها- تبدو وكأنها جزءٌ من فيلم لمخرجين اثنين هي (روسيا والولايات المتحدة) ولكن كيف ستكون نهاية هذا الفيلم؟
    ربما باتفاق القوتين العظميين على أن يقولوا هذا النفط لنا، وتلك لكم، وسوف نقسم المنطقة من هنا إلى هناك.
    وعن ذلك أجاب السفير الكويتي بهذا القول عندما قيل له: العراق قد تهاجمكم، قال: لن تهاجم إخوانها.
    فقيل: قد يقوم ضدكم بعض المقيمين من بعض الشعوب في الكويت؟
    قال: هؤلاء إخواننا ونشأوا في عطفنا وفي رعايتنا، ولا يمكن أن يكونوا علينا؛ ولكن أنتم بصدد إخراج فيلم، وسوف تخرجونه إن طلبنا وإن لم نطلب.
    والعجيب! أن الفيلم كان قد أعد -فعلاً- وبالتقرير -أيضاً- ما يدل على ذلك وليس غريباً، بل مذكور أنهم عمدوا إلى أنواع من الإجراءات -كما يسمونها: السيناريو- (بدائل) عن كيف يمكن أن يكون الإخراج، وكيف يمكن أن تكون العملية؟؟!!
    فقد ذكر التقرير ص (143) [في عديد من سيناريوهات الطوارئ المحتملة في العالم الثالث أنه: سيكون على سلاح مشاة البحرية أن يواجه عدواً متفوقاً بالعدد والعدة، وربما كانت قوته بالعدة نوعياً وكمياً معاً.
    فعلى سبيل المثال: إذا تصورنا إمكانية تدخل سلاح مشاة البحرية لمساعدة السعودية ضد هجوم عراقي، فسنجد أننا بإزاء جيش عراقي مؤلف من (180 ألف) مقاتل -هذا ما ذكروه قبل هذه السنوات- مقابل جيش سعودي مكون من (80 ألف) فقط بما في ذلك الحرس الوطني السعودي، وأن الجيش العراقي يضم أربع فرق مدرعة وفرقتين ميكانيكتين ومن ضمن معداته دبابات (emx) ثلاثين، والعربات المدرعة (bmb) وراجمات صواريخ متعددة الأنابيب، إلى آخره، وأن الجيش تسانده قوة جوية مكونه من (339) طائرة قتال من بينها طائرات (ميج23 وسوخوي 20، وميراج ف1) بينما نجد أن ما لدى السعودية من معدات حديثة أقل بكثير مما لدى العراق، وقد تكون فعالياتها العملياتية أقل أيضاً ].
    ذكر هذا -كما قلنا- منذ عشر سنوات، ثم لم يبق الأمر عند ذلك.
  2. التقرير الأمني السنوي للكنجرس الأمريكي

    ولم يكتفوا بهذا؛ بل إنهم في القريب الذي ليس ببعيد، أي: منذ أربعة أشهر وفي شهر شعبان الماضي -قد نشروا التقرير الأمني السنوي للكنجرس الأمريكي ومجلس الأمن القومي الأمريكي- وذكروا فيه أموراً لاداعي للتفصيل فيها الآن؛ إنما من جملة ما ذكروا: لأن المصالح الحيوية الأمريكية في الشرق الأوسط تستحق وجوداً عسكرياً فعلياً، وأنه لابد للقوة التي أنشئت أن تبدأ عملياً في البحث عن حل لإيصالها إلى المنطقة.
    ويقول: [وتوقف التقرير أمام العنف الناتج عن صراعات دينية في الشرق الأوسط، والذي يحظى باهتمام مسئولي السياسة الأمريكية، الذين يعتقدون بأن التطرف الديني الذي سيستمر في تهديد حياة السكان الأمريكيين، والدول الصديقة هي من الشرق الأوسط والتي يعتمد العالم الحر على مصادر الطاقة فيها].
    وقد تكرر هذا الكلام في عدة تقارير أن الغرض أمران:
    الأول: حماية منابع النفط والمصالح الحيوية للولايات المتحدة الأمريكية.
    والثاني: القضاء على التطرف الديني الذي يريد أن يهدد وجود إسرائيل، ووجود الولايات المتحدة، وذلك بتقوية الدول أو بدعمها أو بالقضاء على التطرف قضاءً مباشراً إن خشي عليها من هذه الدول أو هذه المجتمعات.
    هذا التقرير نشر في (26 شعبان 1410هـ) في جريدة الحياة، وقد نشر أيضاً قبله بـ(3 أيام) في جريدة الحياة في (23 شعبان) تقرير آخر بعنوان (القوات الأمريكية تعيد تنظيم تشكيلاتها للتدخل الطارئ) وتفصيلات عسكرية كثيرة ليس هناك حاجة لها، إنما الجديد فيها أنهم ذكروا أن عدد القوات (197 ألف) من الرجال والنساء، وقد يساندهم -أيضاً- (100 ألف) من الاحتياطي، وأنهم مجهزون بوسائل خفيفة وثقيلة... إلى آخر ما ذكروا من أمور عسكرية.
    وكلنا يعلم أنه في ذلك الظرف بالذات: تم توقيع إتفاقية الحدود بين المملكة والعراق، ولا شك أنها كانت خطوة وقائية جيدة وفي محلها، ولكن حزب البعث لم يكن ليرعوي -أبداً- لأن الإخراج أكبر من أن يردع باتفاقية إذ كانت المسألة مبيتة، والغدر لا يمكن أن يتأخر، بل إن الغدر هو: سمة من سمات هذا الحزب أصلاً.
  3. جدية الأمريكان في الإعداد لحرب الخليج

    ثم بعد ذلك حصل إنزالان إمريكيان:
    الإنزال الأول: في غرنادا.
    والثاني: في بنما، وقد صرحت الأجهزة الأمريكية المسئولية، وكذلك بينت الصحافة أن هذا الإنزال في بنما إنما هو عبارة عن نموذج أو (بروفة) للإنزال في الخليج، وهذا قبل بضعة أشهر.
    وذكروا في جملة ما ذكروا أيضاً: أن الإنزال في بنما تم بإنزال (10 آلاف) جندي في 8 ساعات، أما إذا كان يُراد إنزال (200) أو 250 ألف) جندي في الخليج فإنه قد يستغرق مدة (21 يوماً) باعتبار المسافة والبعد، فتُستكمل التجهيزات في خلال (21 يوماً).
    ومن الأمور التي يجب أن نعلمها:
    أن الإعداد كان جاداً وكان صادقاً؛ فقد تم تدريب هذه الفرقة الـ(82) وغيرها في صحراء نيفادا وهي صحراء أمريكية في أجواء مشابهة لأجواء الشرق الأوسط، ولصحرائنا العربية! وأكثر من ذلك أنهم اختاروا نوعية المجندين والمجندات، من الجنس القريب للجنس العربي -أي: من الجنوبيين- ومن الأصول الأسبانية في جنوب أمريكا وأمريكا الوسطى؛ وأكثر من ذلك أنهم علموهم اللغة العربية -وباللهجة البدوية- وكيف يعيش أحدهم في الصحراء، ويتكلم اللغة العربية، ويلبس اللباس العربي؛ وقد نشر في ذلك عدة كتابات صحفية كان من آخرها ما نشر في جريدة عرب نيوز من أن أحد هؤلاء -الذين يجيدون اللغة العربية في الجيش الأمريكي- دخل في بعض المحلات في الظهران أو الخبر وتكلم معهم باللهجة البدوية، واشترى وخرج ولم يعرفوه، بل ظنوا أنه عربي بدوي مقيم في تلك المنطقة.
    والقضية التي -حقيقة- تستحق أن نقف عندها، لننتقل إلى الحل وإلى العلاج بعد ذلك، وهو المهم جداً -أن هؤلاء الناس- مهما قلنا عن الضرورة التي جاؤوا من أجلها، أو المبرر الذي جاؤوا من أجله، وأن الموقف لم يكن يحتمل إلا ذلك؛ فكل هذا شيءٌ ندعه جانباً، ولكن الشيء الذي أصبح واقعاًً ملموساً بين أيدينا هو: ماذا يجب علينا أن نفعل إزاء هذه المشكلات؟
    بدايةً يجب أن نشير إلى ما نشر في الصحافة الأمريكية وفي غيرها؛ عن بعض المخاطر التي يجب أن نتنبه لها في هذا المجال.
    ومن ذلك: ما نشر في جريدة عرب نيوز نقلاً عن محلات لبيع أدوات التجميل وكريمات ودهانات الحرارة بعنوان: (صفقة سماوية) يقصدون بذلك تضخيم صفقة البيع، لمجمع تسويق (كيمارك).
    وهي عبارة عن: طلبات نسائية -طلبتها المجندات اللاتي سيذهبن إلى الخليج- وتحتوي على (5500) زجاجة من كريم منعم للجلد، و(2400) علبة لطرد الحشرات، و(5500) أنبوبة مرطب شفائف، و(5500) علبة بودرة أقدام، و(5500) زجاجة لكريم الجلد ضد الشمس.
    ولا يخفى على أحد منكم لأي شيء سوف تستخدم هذه، وفي أي مكان يمكن أن تستخدم.
    وهناك قضية أخرى لابد أن نعيها جانباً وأن نحذر فيها، فالله تعالى أمرنا أن نأخذ حذرنا، وأمرنا أن لا نركن إلى الكفار وأن لا نصدقهم وأن نحتاط منهم- وهي أنه ظهرت عدة تصريحات -غريبة في الواقع- ونشرتها الصحف الأمريكية -وبعضها موجود لدي على قلة تتبعي، وضعفي جداً في هذا المجال، لكنها في أعداد الأسبوع الماضي وما قبله- عن أن هذه القوات سوف تقيم طويلاً إن خرجت من بلادها.
    وأما الرئيس بوش بنفسه فقد صرح الأسبوع الماضي: ''بأن وجود القوات الأمريكية رهن باستقرار الأوضاع في المنطقة''.
    وهذه عبارة لا يمكن أن يفسرها إلا هم (فمتى تستقر الأوضاع؟)
    لا ندري، فهم الذين يحكمون بأنها استقرت أو لم تستقر.
    فأما وزير الدفاع الأمريكي في المقابلة التلفزيونية -أيضاً- والتي نشرت صحفياً، فإنه يقول: " لسنا على استعداد أن نرجع كل عشر سنوات إلى هذه المنطقة المتفجرة من العالم " وكذلك هناك تصريحات وكتابات أخرى مثل ما نشر في التايمز العدد 35 الثلاثاء الماضي 1990م.