المادة    
قَالَ المُصنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى:
[وقد وصف الله تَعَالَى نفسه بأن له المثل الأعلى، فَقَالَ تعالى: ((لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى))[النحل:60]، وقال تعالى: ((وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم))ُ[الروم:27]، فجعل سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مثل السوء -المتضمن للعيوب والنقائص وسلب الكمال- لأعدائه الْمُشْرِكِينَ وأوثانهم، وأخبر أن المثل الأعلى -المتضمن لإثبات الكمال كله- لله وحده.
فمن سلب صفات الكمال عن الله تعالى، فقد جعل له مثل السوء، ونفى عنه ما وصف به نفسه من المثل الأعلى، وهو الكمال المطلق المتضمن للأمور الوجودية والمعاني الثبوتية، التي كلما كانت أكثر في الموصوف وأكمل كَانَ بها أكمل وأعلى من غيره.
ولما كانت صفات الرب تَعَالَى أكثر وأكمل، كَانَ له المثل الأعلى، وكان أحق به من كل ما سواه؛ بل يستحيل أن يشترك في المثل الأعلى المطلق اثنان، لأنهما إن تكافآ من كل وجه، لم يكن أحدهما أعلى من الآخر، وإن لم يتكافآ فالموصوف به أحدهما وحده، فيستحيل أن يكون لمن له المثل الأعلى مثل أو نظير] إهـ.

الشرح:
هذا المثل الأعلى المذكور في الآيتين لا يدل عَلَى أن الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- يشبهه شيء، أو يماثله شيء، كما يظن الظانون، وإنما يدل عَلَى أن الكمال المطلق في أي صفة من صفات الكمال له سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
فقوله سبحانه:((وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى))[الروم:27]، أي: الكمال المطلق الذي ليس فوقه شيء، أما مجرد الوصف فهو لجميع المخلوقات، كالوصف بالعلم والقدرة والحياة للإنسان مثلاً، لكن المثل الأعلى في هذه الصفات هو الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
وهذا يتضمن أن نثبت لله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- كل صفة كمال، فأي صفة يكون عدم إثباتها نقصاً لله -عَزَّ وَجَلَّ- فيجب أن نثبتها له، لأنه هو الذي له المثل الأعلى سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
وأي كمال يخطر ببال الإِنسَان في أن يصل به أي أحد، فإن الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- هو المتصف بغاية هذا الكمال، ولا يشاركه فيه أي مخلوق من العالمين.
فهو وحده له الكمال الأعلى؛ لأن له المثل الأعلى، وأما الذين من دونه، الذين لا يؤمنون بالآخرة، فأمثالهم أمثلة السوء، كما ذكر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
وهذه الآلهة التي يعبدونها من دون الله إما أنها حجارة لا تسمع ولا تنطق، وهذا من أدل الأدلة عَلَى أنها ليست آلهة، لأنها لا تتصف بالسمع ولا بالكلام، كما حآجَّ إبراهيم قومه في ذلك، كما في آخر سورة الأعراف، وكذلك العجل لمَّا اتخذه اليهود، احتج الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- عليهم بقوله: ((أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً))[الأعراف:148]، فالرب الذي لا يكلم ولا يهدي اتباعه كيف يكون رباً؟
وهكذا نقول: إن مثل السوء -كل نقص في الصفات- فإنه يأتي في حق المعبودات التي عبدت من دون الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وفي حق الذين لا يؤمنون بالآخرة.
  1. أقوال أهل العلم في تفسير المثل الأعلى