المادة    
  1. ردع المتخلفين عن الصلاة

    هل عليه أن يمر بالسيارة وبالميكرفون ويقول: صلوا!! هل هذه هي ولاية الحسبة؟! وهل هذا عمل المتحسب؟! لا. فهذه وظيفة أي واحد منا، فكل واحد منا في حيه لا بد أن يمر على ما لديه من دكاكين ومن جلسات ومن أناس وينبههم على الصلاة كل يوم، حتى تصبح إذا مررت في إحدى الممرات، وأنت لا تدري أأذن أم لا، وليس من قصدك أن تقول: صلوا، فإذا بهم يقولون: توكلنا على الله؛ ويذهبون إلىالصلاة!!
    لأنه قد ترسخ في أذهانهم أنك لا تمر إلا وتذكرهم بالله وبإقامة شعائر الله.
    إذا عودنا الناس على هذا الأمر ربما إذا نصحتهم أنا وخافوا مني ثم جاء شخص آخر وما كان قصده أن يأمر أو ينهى، أو أنا جئت وليس من قصدي أن آمر أو أنهى، تكون قد ترسخت في أذهانهم الصورة الأولى، فبمجرد رؤيته يقولون: أبشر يا شيخ، أبشر!! فتستغرب ولا تدري أن شخصاً قد أنكر قبلك!! فإذا أحيينا هذه الشعيرة في المجتمع، أصبح لطالب العلم مكانته بمجرد أن يرى لأنه يمثل دين الله ويسعى لإقامته ولإعلاء كلمته.
    فهذا التذكير بالصلاة يجب أن يشارك فيه كل مسلم، أما المحتسب فعليه العقوبة، فإذا حضرت الصلاة وشخص لم يغلق دكانه، نصحناه بالحكمة وبالأسلوب الطيب وأعطيناه فتوى الشيخ عبد العزيز أو فتوى الشيخ ابن عثيمين، أو غيرهما، فإذا لم يستجب فهنا ننادي المحتسب: يا محتسب! تعال، فإن هذا الرجل عاص، والمحتسب يتفاهم معه إما بالموعظة الحسنة أو بالقوة، فهذا عمله بالنسبة للصلاة.
    أما ما يحصل الآن من أنه يدور فقط وينادي: صلوا، والأندية والدكاكين كلها مفتحة ولا يمر إلا على خمسة دكاكين إن اتسع الوقت، فتقام الصلاة ولم يصنع شيئاً! ومع هذا فإن بعض الناس يقول لهم: عندما تمر علينا، فكلمنا بلطف!! وكأن هذا من الغلظة ومن العنف الذي يرتكب، وهو لم يقم ولا بـ(1%) من عمل المحتسب، وإنما هذا من عمل أي شخص منا مما يجب أن نقوم به.
    فمن أعمال المحتسب ردع المتخلفين عن الجمع والجماعات؛ ولهذا قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لولا ما في البيوت من النساء والذرية، لأمرت بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً فيؤم الناس، ثم أخالف إلى أقوام لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم} هذا وهو صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحريص عليها، الذي حَرّضنا على الصف الأول وعلى تكبيرة الإحرام، يأمر بالصلاة فتقام حتى لا تؤجل فلا يضيَّع ولا يؤخر الذين في المسجد من أجل المتخلفين، ثم يخالف إلى أقوام لا يحضرون الجماعة فيحرق عليهم بيوتهم، فعمل المحتسب أن يعاقب أولئك الذين يتخلفون عن الجماعات وعن الجمع، حتى ذكر العلماء صلاة العيدين والاستسقاء وغير ذلك مما يدخل ضمن ولايته، وإن لم يكن واجباً فليحث عليه الناس حثاً.
  2. الإشراف على التجارة والأسواق

    ومن ذلك -وهذا كان يمارس في الدولة الإسلامية- الإشراف الكامل على التجارة والأسواق، فكان الناس في جميع الولايات الإسلامية كـالأندلس ومصر وبغداد وخراسان وكل الولايات، يعرفون أن السوق كله تحت نظر المحتسب؛ الغش في المعاملات، التطفيف في المكاييل والموازين، مراقبة الجودة والنوعية، حتى في الدراهم كان لديهم ضبط، حتى الكيماوية فـابن تيمية -رحمه الله- في الحسبة يقول: ''يراقب الكيماوية الذين يقلبون -زوراً- الخسيس من المعادن إلى نفيس'' وكانت عندهم ضوابط من مختبرات للجودة والنوعية، وهيئة المواصفات والمقاييس -كما تسمى الآن- وكل ذلك يندرج تحت الحسبة، وكذلك مراقبة الأسواق، ومراقبة الشوارع العامة، من ناحية الاختلاط، ومراقبة مواضع الريب، فعليه أن ينظر إلى مواضع الريب، فيتتبعها ليزيل الريبة، أيما رجل رآه مع امرأة في مكان فيه ريبة -مثلاً- أو أي عمل من الأعمال المشبوهة والمريبة فكان كل ذلك تحت ولايتهم، وهذا باب واسع، ولكم أن تتصوروا كم يدخل في هذا من أحكام!!
  3. صيانة المدن والطرقات والثغور والقناطر

    ومما كان ضمن ولاية الحسبة -أيضاً- ما يتم به إصلاح المدن، والطرق التي هي تحت ولايتهم، فالمتعدي على طرق المسلمين لا يردعه القاضي، فالقاضي يحكم بين الناس، ولا الشرطة كذلك فهذا ليس من شأنهم، بل كل ذلك يدخل ضمن ولاية الحسبة؛ كالتعدي في الطرقات، أو التعدي في أراضي الغير، كالذي يبسط بسطة في السوق، أو كما في عهد الإمام أحمد كانوا يتحيلون على الشارع ليضيقوه، فيبنون المسجد ثم يبنون على صفه، فقال الإمام أحمد -رحمه الله-: '' يُزال؛ لأنهم ما أرادوا به الصلاة، إنما أرادوا التحيل به ليصفوا على منواله''.
    ومراقبة المدينة، حتى قالوا: لو أن الأسوار تهدمت، أو أن الثغور ضعفت لكان من وظيفة المحتسب أن ينبههم إلى ضعف الأسوار والثغور!! وكذلك القناطر والجسور كل ذلك يدخل ضمن ولاية المحتسب ويتنبه له ويحث الناس عليه، ولهذا سنفصل فيما بعد ما هي الولايات والإدارات التي يمكن أن يقوم المحتسب بها في مقابل الإدارات المعاصرة.
  4. منع المعاملات المحرمة

    يدخل كما نص عليه شَيْخ الإِسْلامِ -رحمه الله- في ولاية المحتسب، كل أنواع المعاملات والعقود، فتصحيح العقود الشرعية، ومنع المعاملات الربوية كل ذلك داخلٌ ضمن ولاية المحتسب، فعليه أن يمنع أكل الربا، وأن يهدم بيوته وأوكاره وأن يبيدها وأن يردع المتعاملين به؛ لأن المتعاملين بالربا غالباً ما يقعون فيه رضاً لا اغتصاباً.
    فالغالب أن يكون الربا بالتراضي بينهما، فهل هناك أحد من الناس من يأتي ويشتكي ويقول: أخذ مني ربا؟!!
    فالمحتسب يبحث ويتحرى، وحتى المعاملات المحرمة الأخرى، كالنجش -والنجش هو الزيادة بغير قصد الشراء- كمعارض السيارات، فالميكرفونات من العصر إلى آخر الليل تصيح، وكله نجش إلا ما رحم الله، فهذه من وظيفة المحتسب.
    وكذلك تلقي الركبان عندما يأتيون الآن الحلقة، ويكون فيها من الغش ما فيها، فهذا أيضاً من وظيفة المحتسب.
    إذن كانت أعمال عظيمة جداً، نص شَيْخ الإِسْلامِ عليها وتكلم الفقهاء كلهم فيها.
    وقال بعضهم: من ولاية المتحسب ضبط الأسعار وهذه مسألة فقهية خلافية والخلاف فيها كبير، هل يسعر أو لا يسعر؟
    إنما يدلكم هذا إلى أن كل النواحي المالية والتجارية والمعاملات تحت نظر وإشراف رجال الحسبة ودواوين الحسبة.
    في كل سوق، وفي كل حي مركز أو مقر لرجال الحسبة، وهم موجودون -دائماً- فيها لأن هذا شأنهم وهذه وظيفتهم، فلا يمكن أن يتخلفوا أو يتأخروا عنها.
    هكذا كان وضع جميع الدول الإسلامية على مدار التاريخ إلى أن حصل ما حصل كما تعلمون.