المادة    
ولكي تتضح لنا الصورة كاملة عن نواقض الإيمان، فإنه لابد أن نعرف ما أصل الدين وما التوحيد الذي يقابله: ومعلوم لدينا أن التوحيد ثلاثة أقسام: توحيد الألوهية. وتوحيد الربوبية. وتوحيد الأسماء والصفات. ولذلك فإنا في المقابل نستطيع أن نتعرف على نواقض الإيمان بمعرفة ما يناقض كل نوع من أنواع التوحيد.
  1. توحيد الربوبية

    أجمعت كل الفطر والعقول السليمة على الإقرار به، ولم ينكره إلا مكابر.
    وناقض هذا التوحيد: أن ينكر وجود الله عز وجل. وهذا إفك عظيم، وباطل مبين، لم تعتقده أمة من الأمم قبل ظهور هؤلاء الملاحدة المسميين بالشيوعيين، والفكر المادي في أوروبا. أما قبل ذلك فإنما وجد أفراد قلائل زاغوا وضلوا وأضلوا.
    إنكار الخالق عز وجل مع وجود المخلوقات إنكارا كلياً أمر عجب: ((أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ))[الطور:35] فمع رؤية المخلوقات والإقرار بوجود مخلوقات، من العجيب أن ينكر الخالق سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. وحق لهم ما قاله الشاعر:
    إذا ادعـى عقـلك إنكـاره            فأنـكر العقـل ودعـواه
    فلم يعد هذا عقلاً، وإنما هو جهل وضلالة.
    وفي كـل شـيء لـه آيـة            تـدل علـى أنـه الواحـد
    قال عز وجل: ((سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ))[فصلت:53] ولاحظوا الخطاب: (سَنُرِيهِمْ) هذا في الكافرين وليس في المؤمنين.
    فلذلك الذين سبقوا إلى معرفة آيات الله في الآفاق وفي الأنفس -كما نرى في واقعنا الحاضر- هم الكفار، فمعظم الآيات هم الذين اكتشفوها واطلعوا عليها، ونحن الآن نتلقاها عنهم، فضلاً عمن كان قبلهم أيضاً من أهل الحضارات القديمة، فإنه قد أراهم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ما تقوم به عليهم الحجة، وما زالت حجة الله قائمة، وما زلنا نتوقع في المستقبل المزيد من ظهور هذه الحجة، ونرجو أن يكون ذلك إن شاء الله، وأن تكون ثمرته المزيد ممن يهديه الله عز وجل للإيمان منهم: ((وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ))[يونس:100] وهذا فضل من الله ورحمة.
    فالمقصود أن من أنكر وجود الله عز وجل فقد ناقض هذا الأصل العظيم الذي أقر به المشركون: ((وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيم ُ))[الزخرف:9].
    فما كان المشركون الذين بُعث فيهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا كان العرب قاطبة ينكرون وجود الله تبارك وتعالى، بل كلهم يعلم أن الله هو الخالق والرزاق والمدبر: ((وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ))[يونس:31].
    فكانت هذه من البديهيات في حياة العرب في الجاهلية، ومن أنكرها فلا شك انه أكفر من أولئك الكافرين.
    ويؤلمنا جداً في هذه الأيام أن ينتشر هذا الفكر الإلحادي بين شباب المسلمين بصراحة ووضوح، أو بتورية وتجسس وتلصص، لكنه له وجود ظاهري بارز بيّن، يتسلل إلى المسلمين من خلال الإعلام الفاسد ووسائل الإعلام التي تنشر وتبث ما يصادم عقيدة التوحيد ويناقضها -عقيدة التوحيد بأنواعه الثلاثة- ويكفيها أنها تنشر الفكر الغربي بسمومه ونظرياته وآفاته.
    ولا شك أن الفكر الغربي متشبع بالإلحاد لأنه هارب من ظلمات وخرافات الكنيسة وطغيانها واستبدادها وجبروتها. فهو في هروبه هذا، ومع تصوره أنه لا دين إلا ما جاءت به الكنيسة، وأنه إن كان دين النصرانية باطل، فما سواه من الأديان أكثر بطلاناً.
    فلذلك لا يمكن أن يتصور منه إلا أن يكفر بكل دين، وبالتالي يكفر بوجود الله تبارك وتعالى، وهذه القضية لا نطيل فيها لوضوحها.
  2. توحيد الألوهية أو توحيد العبادة

    الجانب الآخر هو توحيد الألوهية أو توحيد العبادة، وهو الذي جاءت الرسل الكرام لتقريره والدعوة إليه من خلال إلزام الناس بتوحيد الألوهية.
    بمعنى: أنكم بإقراركم بتوحيد الربوبية يلزمكم أن توحدوا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في العبادة والطاعة والإتباع.
    وما جاء الرسل صلوات الله وسلامه عليهم في أصل دعوتهم إلا لهذا، كما ذُكر في الآيات السابقات.
    فكان الانحراف الذي وقع فيه الناس: أنهم عبدوا غير الله تبارك وتعالى. كما ثبت عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه: [[إن الناس كانوا على التوحيد عشرة قرون]] كما في قوله تعالى: ((كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا)) [يونس:19] فكانوا على التوحيد عشرة قرون ثم فشا فيهم الشرك وتعظيم الأولياء وتقديس الصالحين وتصويرهم، وهم الذين ذكرهم الله تعالى في سورة نوح: ((وقَالُوا لا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً))[نوح:23] فقالوا نصورهم ونعظمهم ونتذكر عبادة الله تبارك وتعالى بتعظيمهم.
    فلما نُسخ العلم وضعف وتضاءل، عبدت هذه الصور وأصبحت آلهة من دون الله.
    ثم بقيت هذه المعبودات في العرب، حتى بعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولكل قبيلة من العرب معبود من هذه المعبودات مع ما عبدوا من غيرها، فوقع الانحراف عند الناس في توحيد العبادة.
    وتوحيد الألوهية هو النوع الثاني من أنواع التوحيد، وتوحيد الألوهية هو توحيد العبادة، وتعريف العبادة: هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، ويدخل فيها أول ما يدخل: أعمال القلوب، كالخشية والإنابة والرجاء والرغبة والرهبة والخوف والحب والدعاء والإخبات والتوكل والتضرع، وغير ذلك مما هو من حاجة المخلوق.
    لأن الأصل والأساس في المخلوق أنه ضعيف فقير محتاج إلى الله عز وجل في كل لحظة، ولو تأملت أكبر ملوك الأرض أو حكام الدنيا وأكثر الناس في هذه الدنيا ثراءً ومالاً لوجدته يحتاج الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وهو فقير إلى الله في لحظات ما، وقد يضطر إلى أن يتضرع إلى الله، ولهذا يقول عز وجل: (( أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ)) [النمل:62] والمضطر سواء كان كافراً أم مؤمناً, ربما يضطر أن يدعو الله كل يوم، وهو محتاج مفتقر إلى الله تعالى في كل يوم، وإن كان في ظاهر الحال يملك أعظم دول العالم، وأقوى جيوش العالم، لأنه لا بد أن تمر به ضوائق وأزمات ونكبات وما لا يمكن أن يلجأ فيه إلا إلى الله، وأن يستعين عليه بالله.
    وقد شوهدت عجائب من هذا وذكرت ونقلت في الحرب العالمية الثانية، عندما كان طواغيت الكفر مثل تشرشل وروزفلت، وأمثالهم يتضرعون ويدعون الله أن ينصرهم على هتلر فهذا من العجب. حتى إن "إستالين" الملحد في الدولة الشيوعية التي لا تؤمن بوجود الله فتح الكنائس ليتضرعوا إلى الله.
    فالمقصود: أن توحيد العبادة حاجة نفسية اضطرارية لا بد منها بين العبد وربه.
    والذي يفعله من ينقضون هذا الإيمان وهذا الأصل العظيم من طواغيت الخرافة والدجل، هو أنهم يصرفون الناس عن عبادة الله ودعوة الله والاستغاثة بالله، إلى الاستغاثة بالمخلوقين ودعوتهم والتضرع إليهم.
    ولا يخفى هذا الحال في عالمنا الإسلامي اليوم... فإننا نجد -مثلاً- الصوفية يعلمون الناس أن يستغيثوا بأوليائهم، مثل الشيخ عبد القادر الجيلاني رحمه الله، وكان عابداً عالماً لكنهم غلوا فيه، حتى جعلوه إلهاً، فيقولون: يا جيلاني! أو يقولون: يا نقشبندي! أو: يا تيجاني! أو: يا سيدي فلان، أو: يا علي -كما تفعل الروافض- يا حسين، يا عباس، يا كذا. فيغلوا هؤلاء كما يغلوا أولئك في دعاء غير الله عز وجل.
    وإذا ألمت بهم مصيبة أو نزلت بهم ضائقة، دعوا غير الله، وبذلك يكونون أكثر نقضاً للإيمان وتعلقاً بالشرك من المشركين الأولين الذين كانوا: ((فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ))[العنكبوت:65] أي حينما تضيق بهم الدنيا وتأتيهم الريح، يدعون الله مخلصين له الدين، وهؤلاء كلما اشتدت بهم الكربات، وضاقت عليهم الدنيا بما رحبت يدعون غير الله، وهذا من العجب: أن يكون من ينتسب إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعو غير الله في حال الرخاء والشدة، في حين أن المشركين يخلصون دينهم لله عز وجل في حال الشدة، وإنما يشركون إذا نجاهم إلى البر: ((فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ))[العنكبوت:65].
  3. ما يتفرع عن توحيد الألوهية ويناقضه

    ويتفرع عن توحيد الألوهية أمر عظيم وقعت فيه الأمة في هذا الزمن، وهو خطب جلل خطير، وهو أن يشرك مع الله تبارك وتعالى في الاتباع والطاعة والتشريع، وهذا مناقض للإيمان، كما قال الله عز وجل: ((فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً))[النساء:65] وكما قال تبارك وتعالى: ((أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً))[النساء:60] وكما قال عز وجل: ((وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ))[المائدة:44]... ((وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ))[المائدة:45]... ((وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ))[المائدة:47] وقوله: ((أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ))[المائدة:50] وقوله: ((أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً))[الأنعام:114] وآيات عظيمة كثيرة في هذا الشأن-كما في آيات الكهف والشورى- كلها تدل على أنه لا بد من توحيد الله وتجريد متابعة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في التشريع، والطاعة، والتحليل والتحريم.
    وناقض هذا الأصل: أن يعتقد أحد من الناس أن بإمكانه أن يتبع أي شرع أو أي دين سواء كان ذلك شرعاً منسوخاً وديناً موروثاً، أو ديناً وضعياً وشريعةً وضعيةً.
    فلو قال قائل: نحن مسلمون، نصوم ونصلي ونحج البيت، لكن في جوانبنا المالية نريد أن نأخذ شريعة التوراة لأنها سهلة وخفيفة وواضحة.
    فلو قال قائل ذلك فإنه يكون كافراً بالقرآن والدين كله، ناقضاً للإيمان مرتداً عن الإسلام.
    فإذا قال آخر: لا نريد شريعة التوراة لأنها قديمة، لكن نريد شريعة نابليون أو القانون الفرنسي أو القانون الأمريكي أو الإنكليزي، أو أي قانون من القوانين، فنأخذه في أمورنا المالية فقط والمعاملات التجارية، أما الصلاة والصيام والزكاة والحج فنحن مسلمون.
    فنقول: لا ينفع ذلك؛ لأن هذا قد نقض إيمانه باتباعه لغير شريعة الله تبارك وتعالى، مثل ما سمعنا في هذه الآيات العظيمة البينة.
    وهذا مناقض لشهادة أن محمداً رسول الله مناقضة عظيمة، ولهذا في الآية الأولى لما قال تبارك وتعالى: ((فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ))[النساء:65] نفى الله تبارك وتعالى الإيمان عنهم حتى يحكموا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. لأن الأمر كما قال: ((وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ))[النساء:64] لابد من طاعته ((وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ))[المائدة:92]... ((وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا))[الحشر:7]... ((قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِين))[آل عمران:31-32] فإذا تولى عن طاعة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ورفض اتباعه فهو من الكافرين.
    فلا يمكن أن يكون الإنسان مؤمناً إلا بتحكيم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
    وفي الجوانب التي تضمنها قوله تعالى: (( فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ ))[النساء:65] يقول ابن القيم رحمه الله، هذه الآية: (( فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ))[النساء:65]: شملت ثلاث مراتب -هي نفس المراتب التي في حديث جبريل- والذي فسر فيه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الإسلام والإيمان والإحسان.
    فأما الإسلام: فهو الحد الأدنى. وأول ما يدخل به الإنسان في هذا الدين، وهو الانقياد الظاهر لله عز وجل، كما في قول الله: ((قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْأِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ)) [الحجرات:14] فيبين أن مقام الإسلام في حديث جبريل، يقابله التحكيم في هذه الآية: ((حَتَّى يُحَكِّمُوكَ )) [النساء:65] فمن حكّم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهو مسلم، ومن لم يحكمه فليس بمسلم.
    ثم قال بعد ذلك: (( ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ ))[النساء:65] فنفي الحرج في هذه الآية يقابل الإيمان في حديث جبريل. فمن حكّم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وانتفى الحـرج من قلبـه فقد ارتقـى، أي أسلم ثم آمن: (( وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ))[النساء:65] ودرجة التسليم هي التي تقابل الإحسان في حديث جبريل عليه السلام، وهي أعلى درجات الدين وأعلى مراتبه.
    ومن التسليم لأمر الله تبارك وتعالى والإذعان لشرعه فيما يتعلق بالمرأة المسلمة: أن نؤمن بأن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أنزل هذه الشريعة وجعلها كلها رحمةً وعدلاً ولا يمكن أن يخرج شيء من الرحمة أو العدل أبداً.
    فكل من تشدق وزعم أنه يرحم المرأة، أو يعدل معها بإخراجها عما جاء في كتاب ربها وسنة نبيها صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإنه إنما يريد أن يخرجها من دائرة الإيمان إلى دائرة الكفر، ولا شك أن اعتقاد ذلك: كفر بشريعة الله وكتاب الله وسنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأن من صدّقت بذلك وانساقت وراءه فقد وقعت في الكفر الصراح، فيجب عليها أن تتوب وأن تتقي الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
    وإن كانت تجهل ذلك فلتسأل أهل الذكر لتعلم أنها قد خرجت على شريعة ربها كتابه، فلم يعد لها حق ولا حظ فيما وعد الله تبارك وتعالى به عباده المؤمنين الموحدين. فلتعد حالاً ولتصدق التوبة والأوبة إلى الله تبارك وتعالى ولتتجرد عما اعتقدته أو وقعت فيه، من شباك هؤلاء الضالين المضلين.
    وكلما يتعلق بأحكام المرأة، من الحجاب والقرار في البيت، ومن أحكام العشرة الزوجية، ومن أحكام الطلاق والعدة والحداد والميراث، وغير ذلك... كله عدل وكله رحمة بها، والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هو الذي شرع لنا هذه الشريعة، ولو خرجنا عليها واتبعنا شريعة غيره لكنا من الكافرين المرتدين. عياذاً بالله عز وجل.
  4. توحيد الأسماء والصفات

    ونأتي إلى النوع الثالث من أنواع التوحيد وهو: توحيد الأسماء والصفات :
    ويكفر الإنسان وينقض إيمانه إذا نفى ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الأسماء والصفات، كما قال الله تبارك وتعالى: ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ))[الشورى:11].
    فالله عز وجل له صفات الكمال ونعوت الجلال وكل ما جاء في الكتاب والسنة من أسماء وصفات فإنما يدل على ذلك.
    وإن خيل لبعض العقول أن بعضها ربما كان نقصاً، أو أن نفيه يكون تنـزيهاً لله-بزعمهم- فنقول:
    إنَّ من نفى أسماء الله وصفاته، فلا شك أنه قد خرج عن هذا الدين، وعن هذا الإيمان، ثم إنه بقدر ما ينحرف، أو يؤول أو يخرج عن هذا، يكون خروجه جزئياً... حتى يصل به الحال إلى الخروج الكلي، والعياذ بالله.
    وهذا الأمر قد وقع الخلط فيه قديماً وظهرت الفرق التي ضلت في توحيد الله في جانب الأسماء والصفات كـالجهمية الذين نفوا أسماء الله وصفاته.
    والمعتزلة الذين أثبتوا الأسماء ونفوا الصفات.
    والأشعرية الذين أثبتوا الأسماء وبعض الصفات ونفوا بعضها الآخر.
    والحق القويم، هو ما كان عليه السلف الصالح رضوان الله عليهم، من إثبات كل ما أثبته الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ورسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من غير تعطيل ولا تكييف ولا تحريف ولا تمثيل، بل يقولون: ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِير ُ)) [الشورى:11].
  5. الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين ، والبراء من الكفر والكافرين


    ثم هناك أمر رابع- لا يدخل في هذه الأنواع الثلاثة -لكنه لا زم عظيم لها، وإذا نقضه العبد فقد نقض إيمانه، ونعني به:
    وهذا جانب مهم جداً -ولا سيما- في هذا الزمن إذ نرى الكثير من المسلمين قد وقع فيما يناقض إيمانه حينما والى أعداء الله، وعادى أولياء الله -نسأل الله العفو والعافية-.
    والله تبارك وتعالى يقول: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ))[الممتحنة:1].
    ويقول: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ))[المائدة:51] فانظروا: ((وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ)).
    وغير ذلك من الآيات كما في سورة (الكافرون) التي فيها البراءة منهم: ((قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ))[الكافرون:1-3] إلى آخرها.
    وقد شرعت قراءة هذه السورة وسورة الإخلاص في راتبة المغرب والصبح. فالإنسان صباحاً ومساءً يتبرأ من المشركين ومعبوداتهم.
    ويقول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين، قالوا يا رسول الله: لِمَ، قال: لا تراءى ناراهما} فلا يرى الكافر نار المسلم ولا يرى المسلم نار الكافر، لأن كلاً منهما له طريق وله سبيل مختلف تماماً عن الآخر.