المادة    
  1. صلاح القلب وفساده له

     المرفق    
    السؤال: نحن نعلم أن القلب من الناحية التشريحية عبارة عن عضلة تتصل بها الشرايين والأوردة, وأنها تضخ الدم, فكيف تكون هذه العضلة موضعاً لأعمال مختلفة مثل الحب والكره والحسد وغيرها، وما هي إلا عضلة تضخ الدم؟ وآخر يقول: إنه مع التقدم في طب القلب ربما يغير للإنسان عضلة قلبه، فهل تتغير أحوال المرء بتغيير القلب، ما رأي فضيلتكم؟
    الجواب: نحن لا نخلط بين عالم الغيب وعالم الشهادة، فحتى نحن عندما يقال هذا فلان، فإنك أخذته كعِلْمِ شهادة مجرد, الذي هو الطول والعرض والارتفاع، واللون والشعر والعصب واللحم، لكن إن أردت بفلان حقيقته الذاتية المعنوية، فأنت تتكلم عن شيء آخر غير ذلك تماماً, فلا نخلط بين الأمرين.
    والمقصود شرعاً بالقلب ليس هو مجرد ما يقصد به تشريحاً أنه هذه العضلة وغيره، إنما الحديث عن الجانب المعنوي الذي هو من عالم الغيب، فنحن نجهل الروح كما قال تعالى: ((وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي))[الإسراء:85] وهذه العضلة توجد عند الميت والحي والحيوان، وتوجد عند أتقى الأتقياء، وأفجر الفجار، ولكن ليست القيمة بهذا الشكل المادي المشاهد المحسوس، وليس هو المقصود في كلام الله ورسوله بذاته المادية المحسوسة، وإنما المقصود القلب بكيفيته المعنوية، التي لا تدخل تحت الحس ولا تحت النظر, وهكذا سائر الأعمال وما يتفرع عن القلب من ذلك، فأرجو من الأخ أن لا يخلط بين عالم الغيب وبين عالم الشهادة، وكلام الإخوة الأطباء والمشرحين وأمثالهما له موضعه كناحية عضوية بحتة، ونحن نتكلم من الناحية المعنوية البحتة.
  2. حكم من يرى أنه منافق

     المرفق    
    السؤال: إني أعد نفسي منافقاً حيث إني في الظاهر أمام الناس طيب وملتزم, ولكني إذا خلوت بنفسي ارتكبت المعاصي، ولا أستطيع أن أتركها إذا تذكرتها، ماذا أفعل هل أخبر الناس أنني أرتكب المعاصي؟
    الجواب: نسأل الله أن يعفو عنا جميعاً، ومن منا ليس كذلك يا أخي، إذا كان بعض الصحابة يقول: [[لو تعلمون ما أُغْلِق عليه بابي ما تكالبتم وتجمعتم هكذا]] وهو من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو لا يقصد بذلك أنه ينتهك المحرمات، ولكن المقصود -كما في حديث حنظلة- أن حالهم مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غير حالهم مع الخلوة، ونحن كذلك ليس حالنا في بيوت الله وفي حلقات الذكر ومع الإخوة الطيبين، كحالنا في حالة الضعف والخلوة وغلبة الشيطان، ولكن هل يعني ذلك أننا لا بد أن نكون بين حالتين، إما أن نكون على حال واحدة كما تخيل حنظلة، فيكون حالنا على وتيرة واحدة من ازدياد الإيمان ونتخيل أن الإيمان يبقى على حالة واحدة لا يقل ولا يضعف ولا يفتر, لا في حالة الوحدة والانفراد, ولا في حالة الاجتماع, ولا في حال إقبال النفس وتشوفها إلى الطاعة, ولا في حال جرمها وعنادها وإما أن نتصور النفاق والسقوط الذي قد يدفع إلى القنوط -والعياذ بالله- فعند ذلك يقول:
    الأفضل أن أترك هذه الأعمال الظاهرة, بل أقول للناس: أنا وإن صليت فإني أفعل كذا، ولو اتقيت ظاهراً فإني أفعل كذا، ليس الأمر هكذا، إما هذه وإما تلك، بل نحرص على أن نستديم هذه الحالة ما أمكن، فإذا ضعفت, فاعلم أن النفس طبيعتها الضعف، وطبيعة الإنسان هي الظلم والجهل، والله تبارك وتعالى يريد منك أن تقاوم هذا الظلم وهذا الجهل لتقوِّم النفس وتزكيها.
    ولهذا قال بعض السلف : جاهدت نفسي أربعين سنة حتى استقامت، أي: قبل الأربعين كان يظن أنها لم تستقم بعد، ومع أنه كان في مثل هذه الحالة لكنه لم يقنط بل جاهدها، ولما سمع بهذه المقولة آخر: قال أو قد استقامت!! تعجب من أنها قد استقامت، لأنه يقول: نحن سنموت وما زلنا نجاهدها ولما تستقم، وهكذا كان حالهم رضي الله عنه، ولهذا يجب أن نبعد القنوط عنا وأن لا نُحدِّث الناس بذنوبنا, بل نحمد الله تبارك وتعالى أن ستر عنا ذنوبنا التي لا يعلمون.
    وأيضاً يجب علينا أن نجاهد أنفسنا وأن نحارب هذا النفاق والرياء، وهذا الخلل والتقصير ما استطعنا, فالحال حال مجاهد لا يضع سلاحه ولا يجد راحة, كما قال الإمام أحمد رحمه الله: ''لا يجد المؤمن راحة دون لقاء ربه'' فلا تجد راحة إلا إذا لقيت الله -تبارك وتعالى-, ولا تطمئن إلا إذا وضعت قدميك كلتيهما في الجنة، وهكذا نحن في دار ابتلاء فلا بد أن نصبر على ذلك وأن نجاهد ونصبر ونصابر، ولا نيأس ولا نقنط, فما دمت على هذه الحالة يا أخي, فأنت كما قال الحسن البصري رحمه الله عن النفاق:[[ما أمنه إلا منافق، وما خافه إلا مؤمن]]، لأن المنافق يرى ذنبه كذباب وقع على أنفه ففعل به هكذا فذهب، فلا يبالي بذنبه، أما المؤمن فيرى ذنبه كالجبل العظيم يوشك أن يقع فيخاف منه.
    فما دمت تخاف من النفاق -والحمد لله- وتستشعر هذه الحالة؛ فلا يدفع بك الشيطان إلى القنوط, ويقول: أخبر الناس وحدثهم بما خفي من أعمالك التي تخالف ظاهرك، بل احرص على أن تصلح باطنك، ونسأل الله أن يصلح سرائرنا وظواهرنا وأن يثبتنا على الحق إنه سميع مجيب.
  3. حكم من انشغل بدراسته عن ذكر الله

     المرفق    
    السؤال: أنا طالب في كلية الطب، والإغراق في دراسة هذا العلم تشعرني بقسوة في القلب، بماذا تنصحني وكيف أجمع بين دراسة الطب والعلم الشرعي؟
    الجواب: أنا أخالف الأخ في أن دراسة الطب تؤدي إلى قسوة في القلب، أما إن كان القصد حال المذاكرة للاختبار فإن هذه توجد في أي علم، حتى لو كان في التفسير أو الفقه أو الحديث، لكن إن كان الإنسان في مجال كمجال الطب، وهو يرى عجائب خلق الله تبارك وتعالى، وأسرار ما أودع الله في هذا الجسم البشري الذي آمن بسببه كثير من الناس وكانوا من عمالقة الكفر لما رأوه وتفكروا فيه، فما بالك بالمؤمن الذي يجب عليه أن يتفكر ويتدبر, وأعتقد أن هذا الأخ لو حدثنا عن تشريح العين وعن وظائف الكبد أو الكلية أو البنكرياس، لازددنا إيماناً بالله كما لو أننا سمعنا آيات الله سبحانه وتعالى وأحاديث الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
    والمقصود: أن يحصل الإيمان بهذه أو بتلك، ولو أصلحنا هذه العلوم والمناهج وأخلصنا فيها النية والهدف؛ فيمكن أن نسمي هذه العلوم علوم التوحيد المساعدة، كما في الاصطلاح الأكاديمي حيث نسمي بعض العلوم: العلوم التخصصية والعلوم المساعدة، فعلم التوحيد الحقيقي الذي نعلمه نجعله هو الأساس، لكن علم التوحيد المساعد هو علم الطب والتشريح والكيمياء والفيزياء وغير ذلك؛ لأنها كلها تأمل وتدبر في ملكوت الله تبارك وتعالى وفي السماوات والأرض، وفي الأنفس, قال تعالى: ((سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ))[فصلت:53]، فيجب أن نسعى وننظر ونتأمل ونتدبر في السماوات والأرض والجبال، وفي الإبل والشجر، والماء، وحتى في الألوان، وفي مبدأ خلق الإنسان، وكيف تتكون النطفة، وكيف يتكون الجنين، وكيف يتعلم الإنسان بعد أن لم يكن كذلك، وأمور عديدة كلها تقوي الإيمان.
    أما إن كان الأخ ينظر إلى ما بعد التخرج, فالمشكلة بالنسبة للطب هي ما بعد التخرج، لأنك قد تعمل ثمان ساعات وفي مجال كله منكرات، وربما لا تستطيع أن تدعو إلى الله تبارك وتعالى كما ينبغي؛ لأنك مشغول دائماً بعمليات وبمعالجات, فنقول: كل ميسر لما خلق له، فليست هذه الأمة ميسرة لأن تكون كلها أطباء، ولا فقهاء، ولا محدثين، ولا وعاظاً، ولكن الله تبارك وتعالى نوّع فيها، فهذا يصلح للوعظ، ولا ينبغي له أن ينصرف عنه إلى غيره، وهذا الذي أعطاه الله تبارك وتعالى الفقه والقرآن والتلاوة وحسن العلم والتفقه في الدين لا ينبغي له أن يذهب ليصبح مثلاً مهندساً ميكانيكياً، لكن الذي لم يؤتَ إلا ذلك, فلا نقول له: أرغم نفسك ودع ما خُلقتْ له ويُسِّرَ لك, واذهب إلى هذا المجال الذي لا تحسنه ولا تتقنه بل كل يعمل فيما يحسن، فتتكامل الأمة لأن كُلَّاً منا قد عمل ما يتناسب مع ما خَلَقَهُ الله وجَبَلَه وفطره عليه, وكلنا ندعو إلى الله، فهذا الواعظ يدعو من جهة، وهذا الطبيب من جهة، وذاك من جهة، ورب طبيب يسلم ويهتدي على يديه ما لا يهتدي على يد عدد من طلاب علم يحدثون ويعظون ويعلمون في المساجد.
  4. معنى: أن العبد سائر بين مشاهدة التقصير ومطالعة المنة

     المرفق    
    السؤال: هناك عبارة في كتاب مدارج السالكين هي: ''العبد سائر بين مشاهدة التقصير ومطالعة المنّة''، أرجو توضيح هذه العبارة؟
    الجواب: عبارات ابن القيم رحمه الله تبارك وتعالى وأمثالها، عبارات عظيمة وعالية، وهي من أجود وأروع ما أبدعه العلماء أنهم عندما يتكلمون عن أعمال القلوب، يأتون بعبارات وبمصطلحات يجهلها علماء النفس المعاصرين.
    مثلاً الصبر: يتكلم عنه أي إنسان، لكن أن تقول: إن الصبر يأتي على عشرة أوجه، أو على كذا، لا يستطيع أحد أن يقولها، وكذلك اليقين له معانٍ وتفصيلات، فكلها أعمال خفية باطنية قلبية، فكيف إذا قسمت عمل القلب إلى أعمال، فكيف إذا قسم العمل الواحد إلى درجات وأنواع! فهذا علم عظيم لا يمكن أن يتمكن منه أو يعلمه ويدركه إلا الراسخون في العلم، ولا شك أن السلف الذين تكلموا في هذا قد بلغوا الغاية, ولا أظن أحداً بلغ في هذا مثل ما بلغ ابن القيم وابن تيمية رحمهما الله ورضي الله عنهما، وربما قد يسهل عليك فهم العبارة ولكن لا تستطيع بقلبك أن تستوعب المراد منها.
    فمثلاً: عندما تسمع بعض الآيات لا تستطيع أن تشرحها أو تفسرها لغيرك، لكن يظهر في قلبك أن هناك معانٍ عظيمة جداً, وبما أنَّ هذا العلم مأخوذ من مشكاة القرآن والسنة، فهو يشبه إلى حد محدود مثل ما جاء في القرآن والسنة.
    فالعبد في سيره إلى الله تبارك وتعالى بين مطالعة شيئين: التقصير والمنة، أي أن يعرف نفسه ويعرف ربه، تعرف ربك بجوده ومنِّه، وكرمه وفضله، فهو الذي هداك وأنعم عليك وأعطاك وعلمك، فأنت حتى لو عبدته وأطعته فالفضل له وحده سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وتعرف نفسك بضعفها وجهلها وعجزها وتقصيرها ونسيانها ومعصيتها، فأنت كلك تقصير فلو وُكِلْتَ إلى نفسك طرفة عين لهلكت.
    فأنت في سيرك إلى الله تبارك وتعالى لا بد أن تراعي الأمرين: أن تعلم نفسك وتقصيرها، وأن تطالع منَّة الله تبارك وتعالى عليك الذي له الفضل كله حتى في هدايتك وعبوديتك فإنك إن أطعته واتقيته فبمحض فضله وهدايته، ولك على ذلك الجزاء الأوفى في الجنة, وهو عز وجل غير محتاج إلى طاعتك, وهو تبارك وتعالى غير مطالب بإثابتك ومجازاتك، ولكنه سبحانه كتب على نفسه الرحمة وفتح لك الأبواب، كما في الحديث الذي رواه أهل الشام {يا عبادي... يا عبادي} فهو سبحانه يفتح لك الباب ويدعوك، و{ يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار, ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل} فأنت المحتاج المضطر بذاتك إليه تبارك وتعالى.
    ثم هو بعد ذلك لو فعل بخلقه ما شاء, لو لم يبعثهم ولم يجازهم، ولم يخلق الجنة ولا النار، فمن الذي يسأله، قال تعالى: (( لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ))[الأنبياء:23]، ومع ذلك جعل لأهل التقوى الجزاء العظيم، الذي فيه ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ولأولئك العذاب الأليم الذي نسأل الله تبارك وتعالى أن يحفظنا منه.
    فهذه معانٍ قلبية قد يَقْصُرُ تعبيرنا نحن المتأخرين عن إدراكها ولكن نتأمل ونفكر فيها, ونحاول أن نشرحها وأن نفهمها، وأنا أنصح بمطالعة كتاب مدارج السالكين ما أمكن وغيره من كتب السلف, وإن شقت عليك بعض العبارات, فكلما طالعت كلما فهمت واستوعبت، أما قراءة المختصرات ومطالعة الكتب العصرية، أو الشروحات من كلام المعاصرين -وإن كان مأخوذاً من كلام المتقدمين- فإنه لا يغني طالب العلم عن الرجوع إلى نفس كلام المتقدمين رحمهم الله.
  5. الكلام حول كتاب الرعاية للمحاسبي

     المرفق    
    السؤال: ما رأيكم في كتاب الرعاية لحقوق الله للمحاسبي، وهل تنصح بقراءته؟
    الجواب: أما كتب المحاسبي فقد حذر منها السلف وإن كان فيها حديث عن الوساوس والخطرات، ولكن كما عبر أبو حاتم الرازي، وأبو زرعة، فقالوا: حسبنا ما قاله السلف.
  6. حكم من التزم ثم أصابه الفتور

     المرفق    
    السؤال: إنني شاب مستقيم، وفي بداية التزامي كنت أقوم بالاعتناء بنفسي وإيماني كثيراً، ولكن مع طول الطريق، بدأت في التكاسل وانقلبت كثير من الأعمال إلى عادات، ويشكو آخرون بنفس الشكوى من أنهم بعد فترة من التزامهم شعروا بقسوة في قلوبهم, نرجو توجيه نصيحة لي وللباقين؟
    الجواب: نسأل الله أن يثبتنا وإياكم، هذه سنة الله ((أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ))[الحديد:16] لا شك أن طول الأمد وإن كان هو نسبي أنه يؤدي إلى ذلك، ولهذا نحتاج إلى تجديد الإيمان، كما في حديث: {إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب} أي: يبلى كالثوب إذا جئت إليه وقد بلي فإنه يتفتت في اليد، فالإيمان يبلى في القلوب فيحتاج إلى تجديد، فنحتاج جميعاً أن نجدد إيماننا.
    ومن هنا كان قدوم الإنسان خمس مرات إلى المسجد وسماعه في كل مرة آيات يقرؤها الإمام في المغرب ثم في العشاء، وما يلقى من مواعظ تجعل الإنسان يتدبر فيما يتكرر عليه، ومثل ما يتكرر كل يوم: موعظة الليل والنهار، ولكن أكثر الناس قد لا يتذكرها مرة واحدة، وبعضهم يتذكرها مرة واحدة، لكن المؤمن يحتاج في كل مرة وفي كل يوم أن يتذكر ويتفكر كما قال الله تبارك وتعالى: ((وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً))[الفرقان:62]، فينظر إلى الليل وما فيه من حِكم أو عجائب، وإلى النهار من طلوع الشمس إلى غروبها، فلم يأتِ يوم من الأيام يقول الناس فيه: لم تطلع الشمس اليوم, سبحان الله! كذلك في الليل وفي أنفسهم، فهذه مجددات ومقومات الإيمان مما يتكرر، فما بالك فيما لا يتكرر، فعلى الإنسان أن يحرص على تجديد إيمانه.
    ولا شك أن الإنسان في بداية أمره وأول التزامه -وغالباً التائب- يكون أصدق ما يكون, كما جاء في حديث الرجل الذي قتل مائة نفس، عندما توجه بقلبه بصدق إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لكن سبحان الله! بعد أن يتوب ويطمئن ويدخل في غمار الإيمان فترة, تبدأ الغفلة في الظهور ويمسه طائف من الشيطان, وما أشبه ذلك, وهذا حال القلوب جميعاً, ولكن لا بد من المصابرة ومن تجديد الإيمان بذكر الله، وقراء القرآن، وزيارة المقابر، والتفكر في ملكوت السماوات والأرض، والاعتبار بمصير الأحياء والأموات، وكل ما من شأنه أن يحيى إيمان القلب إن شاء الله.
  7. صحة علامات قبول العمل

     المرفق    
    السؤال: هل عبارة: (من علامات قبول العمل: إتباع الحسنة الحسنة) صحيحة وعلى إطلاقها، لأنني هذا العام وبعد انتهاء صيام رمضان ارتكبت بعض المعاصي وفاتني صيام الست من شوال؟
    الجواب: هذه العبارة كقاعدة عامة صحيحة، لكن لكل قاعدة استثناء, وليس من أطاع الله تبارك وتعالى وأدى فريضة من فرائضه خالصة من قلبه يعصم فلا يقع في معصية، لا. فالنفس معرضة للضعف والذنوب والتقصير, وكل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون, ولكن من علامة القبول، أن يتبع الحسنة حسنات, فإن أذنب أتبع ذلك الذنب توبة، فما دام أنه كلما أذنب تاب، فإنه ما يزال متبعاً للحسنة حسنة -إن شاء الله- وليس المقصود أن يعصم فلا يقع في الذنوب، لكن ما دام أنه يتوب فهذا يدل على أن قلبه حي.
    والمقصود هو حياة القلوب، ولهذا يقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في وصيته الجامعة: {اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها} فكان في إمكانه أن يقول: ولا تعصِ الله مطلقاً, وهذه لا شك أنها مطلوبة, لكن في مقام الإرشاد العملي والواقعي الذي يخاطب النفس على واقعها وحقيقتها لا يمكن أن يعيش الإنسان فلا يعص الله تبارك وتعالى فكل ابن آدم خطاء.
    إذاً: عليه أن يتبع السيئة الحسنة حتى تمحها, فهذا من الاستقامة أنك كلما عصيت الله كفرتها بحسنة، أما الانحراف فهو الخروج عن الطريق بالكلية، أي: يستمرئ الإنسان المعصية ولا يبالي أن يتوب أو يستغفر الله تبارك وتعالى أو ينيب ويرجع إليه.
  8. التقرب إلى الله لأمر دنيوي

     المرفق    
    السؤال: بوَّب صاحب كتاب التوحيد: (باب من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا) فهل إذا قام الإنسان مثلاً بالتصدق، وأراد بذلك دفع الضر عنه, أو مثلاً قام ليلة بالدعاء في أمر دنيوي هل هذا من الشرك، أرجو تفسير هذا وتوضيحه؟
    الجواب: ذكر رحمه الله الآية ((أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ))[هود:16] ثم ذكر بعدها حديث: {تعس عبد الدرهم, تعس عبد الدينار، تعس عبد القطيفة} والحديث يوضح الآية وهو أنَّ الإنسان إذا لم يريد من الزكاة أو الصدقة إلا أن يبارك الله له في ماله فقط، وهذه حالة تقع لكثير من الناس، فيقول: خشيت ألا أربح في البضاعة الفلانية، فتصدقت ذلك اليوم بألف أو ألفين ثم ربحت في الصفقة, وكثير من الناس يرى أن الصدقة وأن الإحسان له بركة فيدفع الله تبارك وتعالى به البلاء، ولكن لم يرد بذلك الدار الآخرة ولا ما عند الله تبارك وتعالى، فأصبح هذا ممن يريدون حرث الدنيا وحدها، دون الآخرة مطلقاً، فهذا وقع في الشرك الخفي، الذي قل من ينجو منه، فهذه الحالة يقع فيها كثير من الناس وهم لا يشعرون، وهذا ينافي الإخلاص لله وابتغاء ما عنده، فيجب عليك أن تصوم وأن تصلي وأن تحج لله عز وجل، أما الذي يصلي أيام الاختبارات لينجح:
    صلى المصلي لأمر كان يقصده            فلما انقضى الأمر لا صلى ولا صاما
    أو يتصدق من أجل أن يربح، فهذا يدخل بلا ريب في هذا النوع من أنواع الشرك، نسأل الله تبارك وتعالى أن يحفظنا منه دقيقه وجليله.
    والحمد لله رب العالمين.