المادة    
  1. الإيمان بلاعمل يدل على ضعف الإيمان بالغيب

     المرفق    
    السؤال: بعض الناس يترك الأعمال من أوامر ونواهٍ، ويقول: أنا مؤمن، ولو كان مؤمناً لاستعد لذلك اليوم العصيب، فهل هذا بتكذيبه العملي يعتبر مكذباً بالغيب؟
    الجواب: هذا في الحقيقة لا نسميه مكذباً بالغيب، ولكننا نقول: إنه ليس مؤمناً بالغيب إيماناً حقيقياً، أو إيماناً كاملاً؛ لأن المؤمن بالغيب يظهر أثر ذلك على جوارحه، وعلى أعماله، فالإيمان عند أهل السنة والجماعة: ظاهر وباطن، قول وعمل، ولا ينفصل أحدهما عن الآخر؛ وحسبنا في ذلك أن نعلم كيف آمن الصحابة الكرام بكل ما أخبر به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الجنة أو النار، فظهر أثر ذلك -كما تعلمون- في حياتهم رضوان الله تعالى عليهم كاليقين، فإنها أثر من آثار الإيمان كما قال علي رضي الله تعالى عنه: [[رأيت الجنة والنار قيل: كيف؟ قال: رأيتهما بعيني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي قال الله تبارك وتعالى عنه: ((مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى)) [النجم:17]]] فرؤية النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للجنة والنار التي كانت ليلة الإسراء، والتي كانت في مرات أخرى، حتى لما مثلت له الجنة والنار في الحائط وقال: {ما رأيت مثل اليوم في الخير والشر} وأخبرهم بما رأى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
    ومرات كثيرة يرى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئاً من ذلك أو يمثله الله له في اليقظة، والناس لا يرون؛ فيخبر أصحابه بذلك، فينتقل هذا الإيمان مباشرة في قلوب الصحابة الكرام إلى خوف من الله وخشيته، وإلى تقوى وجهاد وإيثار للآخرة، ورغبة فيها، وعزوف عن الدنيا وشهواتها، وعن مطامعها المحرمة، إلى الاستقامة على دين الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وإلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا الذي يقتضيه الإيمان الحقيقي للغيب.
  2. عدم تطبيق الإيمان بالغيب من أسباب تخلف وانحطاط المسلمين

     المرفق    
    السؤال: هل إيمان المسلمين بالغيب نظرياً وعدم تطبيقه عملياً يعتبر من أسباب تخلفهم وانحطاطهم عن خيريتهم التي ميزهم الله بها؟ الجواب: نعم، فما دام أن الإيمان بالغيب: هو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر؛ فبلا شك أن ضعف إيمان المسلمين بذلك هو السبب الأساسي في الانحطاط، والتأخر الذي حصل للمسلمين، وكذلك هو سبب في ضعفهم وتسلط الأعداء عليهم، وتفرق كلمتهم، وهوان أمرهم على الناس، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
  3. إنكار الغيب بين الوسوسة ورد الأحاديث

     المرفق    
    السؤال: الإنسان المسلم بطبيعته يؤمن بالغيب، ولكنه أحياناً يطرأ عليه إنكار باطني لبعض الغيب فما هو الحل؟
    الجواب: إن كان المقصود بالسؤال هو الشك الذي يلقيه الشيطان أو الوسوسة، فلا تبالي بها يا أخي؛ لأن الصحابة الكرام رضوان الله تعالى عليهم وهم أكثر الناس إيماناً من هذه الأمة، قد شكوا ذلك إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقالوا: { يا رسول الله! إن أحدنا يجد في نفسه ما يتعاظم أن يتكلم به فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: أو قد وجدتموه، قالوا نعم قال ذلك صريح الإيمان}وفي حديث آخر: {الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة} أي رد كيد الشيطان، فلم يجعلنا مشركين نشرك بالله ونكفر برسله؛ وإنما رد كيده للوسوسة، وتكون هذه الوسوسة عندما يغفل المؤمن عن ذكر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؛ فإذا غفل؛ ضعف الإيمان في القلب، فيجد الشيطان الفرصة، فيدخل ويلقي شيئاً من الوسوسة؛ فإذا أفاق المؤمن أفاق الإيمان، قال تعالى: ((إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ))[الأعراف:201].
    فإذا قال المؤمن: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، كيف جاءني الشيطان، وشككني في إيماني؟! تركه الشيطان وألقاه، فاستمر المؤمن في طاعة ربه وفي الإيمان به؛ وهذا من أنواع الجهاد، وهذا الإيمان يعطيه -بإذن الله- مناعة، فيأتيه الشيطان مرة ثانية وثالثة فلا يقدر عليه، وذلك مثل إنسان تطرده ثلاث مرات فإذا جاءك مرة رابعة تكون أقوى منه، وكذلك لو أنك غلبت إنساناً ثلاث مرات ثم أتاك مرة أخرى، فإنك لا تبالي به؛ لأنك قد غلبته عدة مرات، وهذا من فضل الله علينا.
    فالإيمان يزيد وينقص، ونحن إذا جاهدنا الشيطان، ورددنا هذه الوسوسة بالإيمان الصادق؛ فإنها تصبح لا شيء، ولهذا اجتهد الشيطان في أن يرد الصحابة الكرام إلى الشرك فلم يستطع إلى ذلك سبيلاً؛ لما رسخ الإيمان في قلوبهم، وهذا ما يجب أن يكون عليه جميع المؤمنين، فإنما يحاول الشيطان الدخول في القلوب المؤمنة؛ ولهذا لما قيل لبعض السلف لماذا يوسوس المسلمون ولا يوسوس اليهود والنصارى في صلاتهم فقال: ''وما يفعل الشيطان في البيت الخرب'' فـاليهود والنصارى لا يوسوس الشيطان في صلاتهم سواء صلوا أم لم يصلوا لأنه لا صلاة لهم، ولا إيمان لهم، ولا عمل لهم، فماذا يعمل الشيطان بهم؟!
    ولذلك فإنه يدعهم.
    وأما المسلم المؤمن فقد ترفعه هذه الصلاة درجات عالية عند الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وقد لا يكتب له منها إلا العشر، وقد لا يكتب له منها شيء.
    إذاً: ها هنا الامتحان، وها هنا عمل الشيطان، فهو عند هذا الذي يرتقي به الإيمان إلى درجة عليا يوسوس له حتى يُضعف ذلك الإيمان، أو يذهبه.
    وأما إذا كان المقصود من السؤال: أن هناك من ينكر بعض أمور الغيب، فنعم. وهذا موجود، فمن الناس من ينكر السحر، أو ينكر أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالذات قد سحر، فيقول: أنا لا أصدق، وعقلي لا يحتمل أن الإنسان يقدر على السحر، أو عقلي لا يصدق أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد سحر، وهذا كما يقوله الإباضية من الخوارج، وكما يقوله المعتزلة، يقولون: العقل لا يصدق أن للميزان كفتان توزن فيهما الأعمال، فهذا لا يمكن، كذلك الصراط قالوا عنه العقل لا يصدق أن الصراط أدق من الشعر وأحد من السيف.
    سبحان الله! لو أن الله تعالى وكل الأمر إلى مثل هذه العقول، فجئت أنا وقلت: عقلي لا يقول بهذا، وجاء الآخر وقال: عقلي لا يقول بهذا، وكل واحد يرد ما يشاء؛ فإنه سيضيع الشرع، ألا ترون لماذا يتجادل الناس ويختصمون؟!
    فسبب ذلك هو تفاوت العقول، فمثلاً: أنا آتي بقضية فأقول: هذا ليس معقولاً أبداً؛ فيأتي أحدهم فيقول: بل هذا هو المعقول تماماً، اختلفنا هذا الاختلاف، فمن الذي يحكم في الموضوع؟
    وكذلك لو أن الله تعالى وكل الإيمان بالغيب إلى العقول ما آمن أحد منَّا بشيء، أو آمن بعضنا بشيءٍ ولم يؤمن البعض الآخر به تماماً، فكيف يحاسبنا الله عز وجل؟
    من المتقون منا إذاً، ومن الفجار؟!
    ولو أننا سلمنا لهولاء الناس أن إنساناً يقول: عذاب القبر لا أستطيع أن أصدقه، وآخر يقول: أنا لا أصدق السحر، وآخر يقول: أنا أنكر الصراط، وآخر: أنا أنكر الميزان، فما الذي يبقى بعد ذلك في ديننا؟!
    ما هو شان المؤمنين مع ربهم ومع رسولهم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
    كيف أخبر الله عز وجل عنهم؟
    قال: ((فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً)) [النساء:65].
    فلا بد أن المسلم يسلم بكل ما يحكم به الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبكل ما يحكم به الله، الحكم القدري، والحكم الشرعي، الأخبار والأوامر والنواهي كلها؛ فيجب أن نؤمن بأحكام الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى التي أنزلها في كتابه، أو ما جاء عن رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإلا: فلا إيمان إذاً.
    فكثير من الناس يثيرون بين الحين والحين قضايا من هذا الشأن، وعلى سبيل المثال البسيط: القضية التي تتردد هذه الأيام، وهي ليست بذات الأهمية لكن التنبيه عليها ضروري، فمثلاً: من الناس من ينكر أن الجني يتلبس في الإنسي، ويدخل فيه، وقد كتب في ذلك سماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز حفظه الله ونفعنا بعلمه، وأتى بالأدلة والبراهين من ظواهر الآيات، ومن السنة، ومن فعل السلف، ومن الواقع المشاهد -أيضاً- ومع ذلك يقول البعض: إن عقلي لايصدق وأنا لا أتصور ذلك، فسبحان الله!
    إذاً: أنت بهذا الكلام تفتح المجال لكل من يدعي العقل، وإلا فلا عقل لمن خالف الحق وخالف الوحي، فكل من لديه مسكة من عقل، أو يدعي أنه عاقل -ينكر مايشاء وكما يشاء- يقول: أنت تنكر السحر، إذاً: إذا كُنْتُ أنا أنكر الشيطان بالكلية، أو أنت تنكر دخول الجني بالإنسي، وآخر أنكر الوسوسة والشيطان بالكلية، فإن هذا الإنسان قد يقع في حيرة؛ فإن قال لك أحدهم: يجب عليك أن تؤمن بهذا؛ لأن الله أخبر به في القرآن، ولأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخبر به في الأحاديث، فقل له: وأنت -أيها الآخر- لماذا ترد ما جاء في القرآن وماجاء في الحديث؟ قد يقول لك: لا، فالعقل يدل على وجود الشيطان. فإن مثل هذا إن لم يغلبه الملحد؛ فإنه سيحيره.
    ولهذا قال شَيْخ الإِسْلامِ عن أهل الكلام: ''لا للفلاسفة كسروا، ولا للإسلام نصروا'' فلم ينفعوا لا هنا ولا هناك؛ لأنهم استسلموا للمقدمات العقلية التي يحتج بها أولئك الملاحدة، وبدءوا يصدقونهم فضاعوا.
    ولكن عندما يكون المعيار هو النص، فنقول له: لماذا تنكر الشيطان وقد جاء ذكره في القرآن؟
    فإنه يسكت إن كان مؤمناً، وإما إن كان كافراً فهذا فيه كلام آخر، إذاً: فكل ما جاء به الخبر، أو صح به الحديث؛ فإننا نؤمن به، وإن قل وإن دق، لا نرده؛ لأن رد الأمر الواحد ينبني عليه رد الشيء كله.
    أضرب لكم -أيضاً- مثلاً آخر: هناك من ينكر حديث الذباب، فيقولون: كيف نصدق بأن الذباب إذا وقع في الشراب، فإننا نغمسه، ثم نلقي به، ثم نشربه، هذا لا يمكن، فيقال لهم: إن الحديث في صحيح البخاري. يقولون: وإن صح فإننا ننكره، فسبحان الله!! وكذلك إذا جاءت أحاديث في عذاب القبر، قالوا: نحن ننكرها ونردها وإن صحت، كيف تلزمهم بالإيمان بعذاب القبر؟
    وكيف تلزمهم بالإيمان بالحوض وغيره من الأدلة، وكذلك أيضاً، إذا نحن رددنا حديثاً، أو إذا أنكرنا الغيب في قضية واحدة فقط؛ فمعنى ذلك أننا فتحنا الباب لإنكار الغيب كله، وهذا هو سر عظم المسألة ومكمن الخطورة فيها.
  4. المحتضر من أهل عالم الشهادة

     المرفق    
    السؤال: قلت في حديثك أنه لا تقبل توبة المحتضر؛ لأنه أصبح في حياة الشهادة، فهل تتفضل بشرح هذه العبارة؟
    الجواب: المحتضر: هو الذي رأى الملائكة، أو الذي عاينهم قال تعالى: ((يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً)) [الفرقان:22]، فالإنسان إذا رأى الملائكة، لم يعد مؤمناً؛ لأن المؤمن هو الذي يؤمن بالغيب؛ فإذا رآه عياناً بالعين لم يعد مؤمناً به، فإذا انتقل من عالم الغيب إلى عالم الشهادة فهو مؤمن بشيء محسوس.
    فمثل هذا كمثل الذين يقفون على النار أو يقفون بين يدي ربهم يوم القيامة فيقولون: (( يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ))[الأنعام:27] إذاً: ففي هذا الحال لا ينفع الرجوع، ولا ينفع التمني؛ لأنهم رأوا النار، ورأوا الجنة، ورأوا ما كان في عالم الغيب.
  5. حول المدرسة العقلانية

     المرفق    
    السؤال: ما موقف العقلانين من الإيمان بالغيب؟
    وكيف يُرد على من أنكر بعض المغيبات بحجة أن العقل ينكرها؟
    الجواب: العقلانيون مدرسة -في الأصل- ظهرت بتأثير الفلسفة اليونانية، وقد تبناها المعتزلة، والخوارج، والرافضة وكل المتكلمين؛ ثم ظهرت بشكل حديث في فكر الشيخ محمد عبده وجمال الدين الأفغاني ومن تتلمذ عليهما؛ وماتزال إلى اليوم متمثله في المدرسة المسماة (المدرسة العصرية) أي التي تفسر الإسلام تفسيراً عصرياً يتناسب مع العلم ومع العصر الحديث بزعمهم.
    وأما موقفهم من عالم الغيب فإنه متناقض، فكل واحد منهم يثبت مالا يثبته الآخر، أو ينفي ما لا ينفيه الآخر وهكذا؛ لأنهم لا يرجعون إلى معيار ثابت سديد، فحسب الإنسان أن يخرج عن الطريق المستقيم، وعن الجادة؛ لأنه بعد ذلك ستتشعب به الطرق، ويذهب كل مذهب، فهؤلاء -مثلاً- ينكرون بعض الأشياء بحجة أن العقل أو أن العلم ينكرها، ويكفي هؤلاء أن يعلموا أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قال لرسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( قُلْ إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ)) [الأنبياء:45]، فالوحي من عند الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ولم يأت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشيء من عنده قط.
    ولو أن العقول وحدها تكفي؛ فلماذا بعث الله تبارك وتعالى الرسل؟
    ألم تكن فلسفة أرسطو وأفلاطون وسقراط وأمثالهم موجودة ومترجمة! فما الحال إذا لم يبعث الله تبارك وتعالى الرسل! وأصبح الناس يستغنون بهذه الفلسفات؟
    فلسفات وثنية ضالة حائرة، ولذلك يأتي فيلسوف فيهدم ما قاله الأول، وكما قال أحد السلف الصالح: ''من جعل دينه عرضة للخصومات؛ أكثر التنقل'' وقال الإمام مالك رحمه الله: ''لأن يبتلى العبد بكل ذنب ما خلا الشرك بالله؛ خيرٌ من أن يبتلى بعلم الكلام'' فهذه العلوم هي التي صرفت الناس عن الإيمان بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى والتسليم بخبره إلى القضايا العقلية والذهنية المجردة.
    والحقيقة أن العقلانيين المعاصرين ما هم إلا امتداد للمذهب الذي ظهر في أوروبا وأشرنا إليه، فالشيخ محمد عبده -وهو رأس هذه المدرسة- يعتبر تلميذ الفلسفة الوضعية، الذي وضعها الفيلسوف الفرنسي المعروف أوجست كونت والذي يقرر فيها أن العالم الإنساني تطور إلى ثلاث مراحل: مرحلة السحر، ثم مرحلة الدين، ثم مرحلة العلم، فجاء الشيخ ليوفق بين هذا الكلام، وبين ما يعتقده من دينه. فقال: إنه الآن وفي هذه المرحلة الجديدة يجب أن نحدث في الإسلام إصلاحاً، ونجرده من كل ما يتنافى مع هذه المرحلة ويقصد بها: مرحلة العلم، ومن هنا أنكر الطير الأبابيل، وأنكر الشياطين أو الجن وغيرها، وقد أفضى إلى ربه وقدم عليه.
  6. معرفة الطب لجنس الجنين

     المرفق    
    السؤال: يدعي الطب في الغرب معرفة الجنين في بطن أمه هل هذا صحيح؟
    الجواب: الأمر الأول: أن الله تبارك وتعالى قال: ((وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ))[لقمان:34] ولم يقل: يعلم الجنين ذكراً أو أنثى؛ فمعرفة كون الجنين ذكراً أو أنثى جزء من معرفة ما في الأرحام، وما في الأرحام شيء عجيب جداً! فإلى الآن حار العلماء فيه في الظلمات الثلاث، وفي عملية التحول من مرحلة إلى مرحلة، في أمور كثيرة ماتزال مدار الجدل والبحث في العالم الغربي، حول عالم الطب، إلى الآن، فالمسألة أعم من ذلك.
    الأمر الثاني: كل ما في العالم من غير المدركات العقلية، وكل ما أدرك بالحس؛ فإنه لم يعد من عالم الغيب، فلو أن رجلاً قال: أنا أعلم ما في بطن هذه البقرة الحاملة، أو يقول: أنا ولي، وأنا تأتيني كرامات، فهذا كاهن عراف كاذب، من صدقه بما يقول؛ فقد كفر بما أنزل على محمد.
    لكن لو أن طبيباً قال: أنا أعرف ذلك؛ لأني أعمل أشعة وأعرف ذلك، نقول: هذا ليس فيه شيء؛ لأنه لم يدعِ علم الغيب؛ وإنما استطلع شيئاً ما بشيء محسوس؛ فهذا خرج من عالم الغيب ولم يعد منه، وليس له وسيلة غيبية كما يدعي ذلك الآخر، وأيضاً لو أن إنساناً شق بطن هذه البقرة الحامل وأخرج ما في بطنها وعرف ما فيها، فهل نقول هذا عالم الغيب؟
    لا؛ بل قد رآه، فليس المقصود بعلم الغيب كل ما غاب أو خفي عن الإنسان.
    فإذاً: عرفوا أم لم يعرفوا فليس فيه تأثير أبداً لأن هذا من الخمس الأمور التي اختص الله تبارك وتعالى بعلمها.
  7. الكتب التي تحدثت عن مسائل الغيب

     المرفق    
    السؤال: ما هي الكتب التي تتكلم عن الإيمان بالغيب، والبعث والنشور والصراط، وغيرها من أمور الغيب قديماً وحديثاً؟
    الجواب: من هذه الكتب: كتاب الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أولاً، وكذلك فإن في صحيح البخاري، وصحيح مسلم أبواباً في الإيمان والتوحيد، وكذلك معارج القبول للشيخ: حافظ الحكمي رحمه الله فقد جمع في ذلك أحاديث، وأدلة عقلية ونقلية؛ فجزاه الله خيراً وأثابه، والمؤلفات في ذلك كثيرة.
  8. نزول عيسى وانقطاع التوبة

     المرفق    
    السؤال: نزول عيسى من العلامات الكبرى. فهل لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل، مع العلم أنه يكسر الصليب، ويضع الجزية، ويدعو إلى الإسلام هذا على ما بلغنا من علم؟
    الجواب: نعم فما بلغك هو الصحيح، ولكن! أولاً: جاء في تفسير الآية (بأنها الشمس عندما تطلع من مغربها) ((يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ)) [الأنعام:158].
    أي إذا طلعت الشمس من مغربها، وقد جاء هذا نصاً في نص الحديث الصحيح.
    الأمر الآخر: أن ذلك يكون بعد نزول عيسى، وبعد أن يؤمن به من يؤمن، ويكفر به من يكفر؛ ولهذا قال من قال من السلف: إن طلوع الشمس من مغربها: هي أول الآيات الكبرى (أي أول الآيات غير المألوفة) فنزول عيسى -عليه السلام- مألوف؛ وإنما يكون طلوع الشمس من مغربها بعد نزوله عليه السلام.
  9. إسلام الذي لم يتلفظ بالشهادة

     المرفق    
    السؤال: ما حكم من أدى بعض الأعمال الإسلامية وهو لم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله بلسانه؟
    وهل يعتبر مسلماً؟
    الجواب: هذا الذي لم يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله -بلسانه- لا يعد مسلماً بإجماع أهل السنة والجماعة والسلف الصالح؛ لا يكون مسلماً لا ظاهراً ولا باطناً؛ ولا يجرى عليه حكم من أحكام الإسلام إلا بإعلانها، كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله} فما دامو لم يفعلوا ذلك أي: الشهادتين والصلاة والزكاة؛ فإنهم يقاتلون قتال ردة.
  10. القدر وتعدد الأسباب

     المرفق    
    السؤال: يقول الشاعر: (تعددت الأسباب والموت واحد) هذا شطر من بيت شعري فهل يكون سبباً من هذه الأسباب معارضاً للقدر، أم أنه موافق له؟
    وهل هذا السبب مكتوب في اللوح المحفوظ؟
    الجواب: نعم، فكل ما يقع إنما يكون وفقاً لما كتب الله تبارك وتعالى، فكل مصيبة كما يقول تعالى: ((مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ)) [الحديد:22].
    فكل شيء قد كتبه الله علينا قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة؛ ولا يقع إلا ما كتبه الله؛ فهو من القدر، ولا يكون مخالفاً للقدر.