المادة    
إن الإنسان لا يستفيد شيئاً، ولا يعلم شيئاً، ولا يرى الأشياء على حقيقتها، إلا إذا آمن بالله، وإذا آمن بالغيب.
وهذه الحقيقة -يا إخوة- ليست مجرد راحة للفكر والقلب، وأنه عندما يعتقد أو عندما يصدق، فإنه يتحرر من الشك، ويترك الحيرة التي يقع فيها العلماء عادة إذا لم يعرفوا الأجوبة على أسئلة معينة، لا؛ فالمسألة أكبر من ذلك جداً، فهي مسألة طمأنينة القلب، أو المعيشة الضنك، يقول الله تعالى: ((وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى)) [طه:124].
  1. ضنك الكافر وشقاؤه

    إن العالم الغربي يعيش -لعدم الإيمان بالغيب- في حالة الضنَك؛ وفي العيشة الضنك بل في الشدة يلهث ويجري، وتتقطع أوصال الفرد وأوصال المجتمع وهو يكدح في هذه الحياة، ولكن من غير هدف، ومن غير راحة، ومن غير اطمئنان على الإطلاق؛ فسبحان الله! هل يطمئنون وهم لا يؤمنون بالآخرة؟ وهل يمكن أن يطمئن قلب وهو لم يعرف الله عز وجل؟! هل يمكن أن يسعد إنسان وهو لا يؤمن بالله، ولا باليوم الآخر؟! كيف يكون ذلك؟ فبأي شيء يعيش، وهو لا يعلم شيئاً، ولا يجد إلا الصراع في الحياة كلها. الحياة كلها شقاء، كُلها نكد، فدول كبرى تصارع دولاً كبرى أخرى، وشركات، تصارع شركات وأفراداً يصارعون أفراداً وينافسونهم، والأسرة تحطم الأسرة، والمرأة تتكتل ضد الرجل، والرجل يتكتل ويتعصب ضد المرأة، الطبقة الغنية تتكتل وتتحزب ضد الفقراء، وللفقراء أيضاً نقابات واتحادات تتكتل ضد الأغنياء، صراعات وانقسامات وفوضى رهيبة لا يستقر فيها الإنسان على الإطلاق، ولا يهدأ له بال أبداً، لماذا؟ إنه عدم الإيمان بالغيب. فهم لا يؤمنون بالقدر، ولا يؤمنون بأن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قد كتب كل شيء، وأنه لن يبلغ الإنسان إلا ما كتبه الله تبارك وتعالى له، فكل ذلك لا يؤمنون به؛ ولهذا نجد أنهم في الشقاء وفي الضنك.
  2. اطمئنان المؤمن وسعادته

    بالمقابل نجد أن أسعد جيل على وجه الأرض، وأكثره طمأنينة وراحة وأماناً في الحياة الدنيا هم جيل الصحابة رضوان الله تعالى عليهم ((الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)) [الرعد:28].
    فالمؤمن مطمئن، فإن جاءه الخير فهو مطمئن، وإن جاءه الشر فهو مطمئن، ومهما وقع له فهو مطمئن، فإن ظلم فإيمانه بالله وباليوم الآخر يجعله يطمئن، ويصبر احتساباً، فهو يعلم أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى سوف ينتقم له ممن ظلمه، وليس بقدرته الذاتية، وإن منع حقاً له فهنالك أيضاً اليوم الآخر الذي توفى فيه كل نفس ما كسبت. أيضاً فإن عالم الدنيا مهما كبر فإنه يصغر عند الإنسان، وذلك عندما يؤمن بعالم الغيب؛ فما قيمة الدنيا عند المؤمن الذي يؤمن بأن موضع سوط في الجنة خير مما طلعت عليه الشمس! فلماذا نتصارع على هذه الدنيا؟
    ولماذا نتتطاحن؟
    ولماذا نتشاحن؟
    ولماذا البغضاء؟
    ولماذا الأحقاد؟
    ولماذا العداوات؟
    ولذلك فإن المؤمن يطمئن ويرتاح عندما يرى الكفار أو الفجار أو الظلمة قد أخذوا ما أخذوا؛ فبهذا يستقر؛ وإن أُعطي حمد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ولم يشغله ذلك عن اليوم الآخر، وعلم أن هذا المتاع فان وزائل، وأنه إن تمتع بشيء منه فهو يتذكر متاع الآخرة؛ فيجتهد ويعمل لها، ويؤجر على هذا العمل؛ لأنه مشروع، ولأنه فعل المأمور فعف نفسه -بهذه الشهوة مثلاً- أو عف أهله إن كانت شهوة مال وما أشبه ذلك.
    فيعيش الإنسان والمجتمع المسلم في طمأنينة كاملة، وما ذلك إلا نتيجة الإيمان بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى والإيمان بالغيب، وليس كما يرى بعض المسلمين الإيمان بالغيب في حين أنهم ينقضونه بتصرفات وأعمال عديدة.