المادة    
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا -إنك أنت العليم الحكيم-.
أما بعــد:
أيها الإخوة الكرام: فكما تعلمون جميعاً أن الإيمان بالغيب هو الفارق بين الكافر والمؤمن؛ بل هو في الحقيقة الفارق بين الإنسان والحيوان؛ أو مَنْ هو أضل من الحيوان، فالإيمان بالغيب هو أكبر حقيقة يعيشها الإنسان، وأكبر مسألة من مسائل الاعتقاد، وأكبر قضية من قضايا العمل أيضاً، فـأهل السنة والجماعة وهم أصحاب المنهج الثابت والمعروف الذي يؤمن بكل ما جاء عن الله، وعن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ هم الذين يفهمونه الفهم السليم والصحيح.
  1. الإيمان بالغيب أول صفات المؤمن

    فالإيمان بالغيب عندهم يشمل القول والعمل، ويشمل إيمان القلب، وإيمان اللسان وإيمان الجوارح، ومن ثم كان الإيمان بالغيب هو الحقيقة العظمى التي جعلها الله تبارك وتعالى، فوصف بها عباده في أول سورة من القرآن الكريم بعد الفاتحة، قال تعالى: ((الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ)) [البقرة:1-3].
    فهذا أول وصف، وما بعد ذلك فهو تبع له؛ فإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، والإيمان بالآخرة، والإيمان بكل ما أخبر الله تعالى به في كتابه، أو أخبر به رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مما لا يعلم إلا من طريق الوحي؛ كل ذلك إنما هو تفصيل لما أجمله في قوله: ((الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ)) [البقرة:3] فأول علامة من علامات المؤمنين، وأول صفة من صفاتهم: أنهم يؤمنون بالغيب، وهذا مفرق الطريق بينهم وبين الكافرين والملحدين والمنحرفين.
  2. تفاوت الناس في الإيمان بالغيب

    بقدر تفاوت الناس في الإيمان بالغيب يكون تفاوتهم في الإيمان عامة، وتكون منازلهم عند الله تبارك وتعالى، وتكون مراتبهم في الجنة، لأنه كما قلنا: الإيمان يقتضي ويتضمن القول والعمل وكذلك الاعتقاد والتطبيق والتنفيذ، وكل ذلك يدخل تحت مُسمى الإيمان بالغيب، والانحراف الذي وقع فيه الناس في هذه المسألة هو أكبر انحراف وأعظم ضلال؛ فكل من ضل في معرفة الله تبارك وتعالى، وكل من أشرك مع الله تبارك وتعالى غيره، وكل من أنكر الرسل وجحدهم وكذب ما جاءوا به؛ كل ذلك إنما هو لأنه لم يؤمن بالغيب؛ إذاً هذه هي القضية والحقيقة. إن الناس يتفاوتون -كما قلنا- في الإيمان بالغيب، فهنالك أناس يؤمنون بالغيب إيماناً نظرياً عقلياً مجرداً، وهذا حال أكثر الناس من المسلمين، فهم يؤمنون بالغيب: أي يصدقون بأن هنالك رباً ورسولاً وملائكة ويوماً آخر، وإذا سألت أحدهم عن اليوم الآخر، عن الصراط، والميزان، والحساب، قال: نعم أُقر بذلك، وأؤمن به وأصدق به، لكن هل هذه هي حقيقة الإيمان بالغيب التي يريدها الله تبارك وتعالى والتي من أجلها أنزل الكتب، وأرسل الرسل؟ بل وهنالك أيضاً من ينكرون الإيمان بالغيب! وينكرون عالم الغيب؛ ولو دققنا ومحصنا لوجدنا -في الحقيقة- أنه لا يوجد عاقل على الإطلاق ينكر الغيب.