فهي الصفات المتعلقة بالإرادة، فهو يتكلم متى يشاء -مثلاً- ويغضب ويرضى، فهذه صفات فعل يفعلها سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى متى شاء بإرادته، لكنها ليست ملازمة لذاته، ولا يعني هذا أنه تحصل له هذه الصفة بعد أن خلق الكون، ولم يكن متصفاً بها من قبل.
لكن قد يقال -مثلاً- نزوله إِلَى السماء الدنيا، كَانَ بعد أن خلق السماء الدنيا، أو إتيانه لفصل القضاء يَوْمَ القِيَامَةِ؛ فإنه كَانَ بعد أن خلق المخلوقين وكذلك بعد أن تقوم الساعة، فكأن هذه الصفات وُصف بها الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- بعد، واستفاد هذه الصفة من وجود المخلوقات.
والجواب أن نقول: إن هذه الصفات الاختيارية وإن كنا لا ندرك حقيقتها -كما هو معلوم، كما قال الإمام مالك في ذلك- لكنها تحدث في وقت دون وقت، ولا ينفي ذلك أن الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- متصف بالفعل وبالقوة.
والفرق بين القوة والفعل: أن الإِنسَان منا إذا كَانَ يجيد القرءاة أو الكتابة نقول: هذا الإِنسَان كاتب، ونصفه بأنه كاتب، فهذا يسمى: "كاتب بالقوة"، يعني: أن هذه الصفة والملكة موجودة فيه، فيستطيع أن يكتب، فإذا أمسك القلم وكتب سُمي كاتباً بالفعل.
فلا شك عندنا أن صفات الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- الاختيارية يتصف بها الله بعد أن لم يكن متصفاً بها من حيث وقوعها في الفعل، لا من حيث أصل الاتصاف بها، والدليل عَلَى أن هذه الصفات الاختيارية أو الفعلية تكون في وقت دون وقت قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {
إن ربي قد غضب غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله}، وحديث النزول نفسه؛ {
ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر}، بخلاف غيره من الأوقات، وهذه الأمور تحدث في وقت دون وقت.
وكذلك رضا الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- عن الإِنسَان حال الطاعة، ثُمَّ غضبه عليه حال المعصية، فهذا الشيء يحدث في وقت دون وقت،
والقول بأن هذا يستلزم حلول الحوادث بالله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- كَانَ مدخل نفاة الصفات حين قالوا: إن -الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- يتنزه عن الزمان، والمكان، والانتقال، والتغير، وفي الحقيقة كل كلمة من هذه الكلمات تحتوى في ضمنها هدم لصفة من صفات الله أو أكثر، فقولهم: "يتنزه عن المكان " معناه: لا تقل أين الله؟
لأنهم يظنون أنك تثبت له مكاناً يحويه ويحيط به، وقولهم:"يتنزه عن الانتقال" معناه: إبطال حديث النزول، والإتيان يَوْمَ القِيَامَةِ.
وقولهم:"يتنزه عن التغير" معناه: لا يغضب ولا يرضى؛ لأن الغضب والرضا فيه تغير وأمثال ذلك من الصفات، كالخلق، والتصوير، والإماتة، والقبض، والبسط، والاستواء، والإتيان، والمجيء، والنزول، والغضب، والرضا. ويقولون: القواطع العقلية أو البراهين العقلية التي تدل عَلَى نفي التغير عن الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أقوى في الاستدلال من ظواهر بعض الآيات، أو من الأحاديث التي هي آحادية وإن كانت صحيحة.
وهذه الصفات وإن كانت تحدث في وقت دون وقت، فإن الحدوث بهذا الاعتبار غير ممتنع، فالله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- كلم موسى، وتكلم بالقرآن، وليس هذا من حدوث شيء بعد أن لم يكن مطلقاً، وإنما يقَالَ: هذا في الذي كَانَ أخرساً مريضاً، ثُمَّ عولج فتكلم، أو طفل بلغ مرحلة من العمر لم يكن ينطق ثُمَّ تكلم، فهذا الذي حدث له الكلام بعد أن لم يكن؛ لكن من كَانَ ساكتاً ثُمَّ تكلم فلا نقول: حدث له الكلام، وإنما نقول في حقه: تكلم فقط.
فالله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- لم يزل متكلماً كما يشاء بما يشاء سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ومن كلامه: ما خاطب به موسى وآدم، وما أنزله من الكتب.