المادة    
  1. حياة الرسول صلى الله عليه وسلم في قبره ورده السلام على الناس

     المرفق    
    السؤال: لقد ثبت عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: {الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون} وثبت عنه: {ما من مسلم يسلم علي إلا رد الله علي روحي فأرد عليه} وثبت عنه: إن الله وكل ملكاً أعطاه سمع العباد فما من مسلم يصلي علي إلا وبلغني منه الصلاة} أو كما قال، فما نوع هذه الحياة التي امتاز الأنبياء عن غيرهم بها إن كنا نقول إنها حياة برزخية؟
    ثم كيف نوفق بين هذه الأحاديث التي ظاهرها التعارض، وإذا ردت روحه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليه فهل يعني هذا أن روحه لا تزال مردودة في الليل والنهار، لكثرة من يسلم عليه في مشارق الأرض ومغاربها؟
    وهل يسمع هو صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السلام عليه عند قبره؟
    وإن كان الجواب بالنفي، فلماذا شرع لزوار القبور السلام على الموتى؟
    الجواب: الجواب يحتاج إلى رسالة، ولكن نوجز مراعين الإفادة، النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا شك عندنا في موته، وقبل أن نتحدث عن حياته بعد الموت نقرر أولاً: هل مات أم لا، فقد قال تعالى: ((إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ))[الزمر:30] وقال: ((أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ)) [آل عمران:144] فقد مات صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كما في صريح القرآن والسنة وإجماع الأمة، ومن زعم أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يمت فهو كافر، إذاً فقد مات صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أي: مات الميتة التي كتبها الله على من عاش هذه الحياة الدنيا التي نحياها نحن اليوم، والتي سنموت كما مات صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقد كتب الله تعالى الموت على جميع النفوس، الصالح منها والطالح.
    ثم صح عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه بعد موته يرد السلام على من يصلي ويسلم عليه، إذاً هناك شيء آخر، بل هنالك آية في كتاب الله عز وجل، تقول: ((وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ))[آل عمران:169] إذاً الشهداء أحياء والأنبياء أحياء، فأي الحياتين تكون أكمل وأعظم؟
    حياة الأنبياء بلا شك هي أعظم من حياة الشهداء، ونقول في الموت: ميتة الحياة الدنيوية، والحياة الأخرى لا نعلم كنهها ولا حقيقتها إلا لما يأتينا من نص فنؤمن به، ولا نتردد في ذلك، ولا نعارضه بعقولنا وآرائنا، فإذاً هو صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، في حياة برزخية أكمل من حياة الشهداء، كما هو مذهب أهل السنة والجماعة ولا تعارض بين الأحاديث ولله الحمد في ذلك.
    أما كونه يرد السلام على من يسلم عليه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فيكون معنى ذلك أن روحه ما تزال مترددة، نقول ما دمنا قررنا أنها حياة برزخية لا نعرف كنهها، فكيف نجادل فيما لا نعرف؟
    فهل ترجع روحه وترد السلام، ثم تذهب ثم ترجع؟
    نحن لا نعرف نوع الحياة أصلاً لكن الواجب علينا فيها هو أن نسلم ونؤمن بهذه الأحاديث ولا نبحث ولا نخوض فيما وراء ذلك، هذا هو مقتضى الإيمان به وبكل ما يخبر عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
    وأما سماعه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمن يسلم عليه عند قبره، أو غيره من الموتى، فهذا أيضاً لا يتعارض مع ذلك، فالمسلم إذا سلم وأسمع الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الموتى ذلك فهذا نفس الشيء، وهو أنه راجع إلى نوع الحياة البرزخية التي يحيونها، ولولا أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شرع لنا ذلك ما فعلناه، ولما زرنا القبور، ولما سلمنا على الموتى، فما دمنا نسير في حدود ما شرع، وما دمنا متبعين لما جاء به صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلن نضل ولن نشقى.
    أما إذا قيل: إنه ما دام حياً إذاً ندعوه، ونستغيث به، ونتوسل به، فنقول: لا، هذا خطأ، فالصحابة رضوان الله تعالى عليهم، كانوا يتوسلون بدعائه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واستسقوا بدعائه في حياته، ولما مات استسقوا بعمه العباس، فالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ موجود ولكن لم يقولوا أنه حي، وعرفوا أن هذا العمل يكون من الأحياء وأنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بموته لا تلحقه الأحكام التي كانت له في حياته ولكن في حدود ما ورد فقط، والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديث الصحيح أمر عمر أن يطلب من أويس القرني وهو تابعي، أن يستغفر له، فلماذا يطللب منه وهو من التابعين ولا يطلب ذلك من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
    نقول: هكذا شرع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بعد وفاته لا نتقرب ولا نعمل أي عمل إلا بما ورد عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقط، والكلام في هذا كثير، وحسبنا ذلك.
  2. الدعوة إلى التوحيد لا تفرق الأمة

     المرفق    
    السؤال: هناك شبهة تقول إن الدعوة إلى التوحيد ونبذ البدع يؤدي إلى تشتيت الأمة وفرقتها رغم أنها بحاجة إلى الاتحاد والتعاون؟
    فما رأيكم في ذلك؟
    الجواب: الحقيقة أن الأمة الإسلامية اليوم مفرقة، لا يماري في ذلك أحد، فلا تكاد تجد رجلين على قلب واحد، فهي أمة مفرقة ممزقة، والذي يدعوها إلى الكتاب والسنة لا يفرقها -وهي في الواقع مفرقةٌ أصلاً- وإنما يدعوها إلى ما أمر الله سبحانه به حين قال: ((وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا))[آل عمران:103] فلم يقل واتحدوا، ولم يقل ولا تفرقوا -فقط- بل قال: ((وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا))[آل عمران:103] أي تمسكوا بصراطه المستقيم ولا تفرقوا عنه، فليس الأمر مجرد اجتماع، فهل يرضى أي مسلم أن تجتمع الأمة على الشرك والبدع؟!
    إذاً: فلا بد أن نجتمع على الكتاب والسنة، وهل هذه الدعوة مسموعة مقبولة؟
    لو دعوت الناس أنت للاجتماع على الكتاب والسنة، أو إذا دعوت أمة الإسلام إلى الاجتماع على الكتاب والسنة، هل دعوتك مسموعة؟
    في الواقع لا، وإنما سيتبعك ويسمع منك ويتعاون معك البعض، وبعض منهم لن يقبل ذلك، لماذا؟
    لأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخبر أنها ستفترق إلى ثلاث وسبعين فرقه، فأنت تطلب المحال إذا أردت أن تجعلها فرقة واحدة حقيقةً وواقعاً، لأنها ثلاث وسبعون، لكن أن تطمع في ذلك وترجوه بأن تدعوها إليه فنعم، فنحن أمرنا أن ندعو اليهود والنصارى إلى التوحيد مع علمنا بأن منهم من سيبقى على كفره ويموت عليه، فذلك مطلوب منا شرعاً، وإن كان لم يتحقق واقعاً، لكن المقصود هنا من العبرة أنه مادام أن ذلك غير متحقق واقعاً فلا نخرج عن الشرع بل ندعو إلى ما أمر الله تعالى أن ندعو إليه شرعاً.
  3. القراءة في كتاب إحياء علوم الدين للغزالي

     المرفق    
    السؤال: قرأت كتاب إحياء علوم الدين للإمام الغزالي، فوقعت في مشكلة تتمثل في الجانب التصوفي أو الجانب الروحي الذي تحدث عنه الإمام، فهو يستدل بالكتاب والسنة فأين الحقيقة من ذلك؟
    الجواب: الإمام الغزالي رحمه الله، يقول فيه بعض العلماء: أمرضه الشفاء -وهو الكتاب الذي ألفه ابن سينا- فكتب الإحياء، فجاء قوم يريدون الحياة لقلوبهم عن طريق الإحياء، فنخشى أن يميتهم الإحياء، لأن الأمر ليس كما ذكره الأخ وهو أنه يستدل بالكتاب والسنة فقط لا، فالإمام الغزالي رحمه الله -ونحن نتكلم عن الإحياء بالذات فيه من التخليط والغلط الشيء الكثير- مع أنه يستدل بالكتاب والسنة لكنه يأتي بالأحاديث الموضوعة والضعيفة وبأقوال أهل التصوف وبكلام لا أصل له في الكتاب ولا في السنة، على ما فيه من فوائد لا تنكر، وعلى ما فيه من استنباطات، وعلى ما فيه من عبر جعلت بعض العلماء يوجزه ويلخصه ويستخلص منه الفوائد المفيدة ويترك ما عدا ذلك، هذا في خصوص الإحياء، وأما الإمام الغزالي في ذاته، فإنه في آخر أمره مات وصحيح البخاري على صدره، وعرف في الأخير أن الطريق الوحيد للحق وللوصول إلى الله سبحانه هو اتباع الكتاب والسنة، ولهذا مات وهو يقرأ في صحيح البخاري وهو أصح كتاب بعد القرآن، ونرجو الله أن يجعل ذلك مغفرة له وأن يغفر لنا جميعاً، لكن الإحياء يجب ألا يقرأه الشاب المبتدئ الذي يريد أن ينمي جانب التقوى أو الجانب الروحي، فعندنا كتاب الله عز وجل فيه العبرة والعظة، وعندنا ما صح من كلام النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفي كتاب الرقائق في صحيح البخاري وفي صحيح مسلم وفي غيرهما من الكتب فيها من العظة والعبرة ما يغني عن الإحياء وغير الإحياء.
  4. كيف تنال شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم

     المرفق    
    السؤال: هناك من يدعي أن محبة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يستشفع به، فكيف تردون على هذا؟
    الجواب: الذين يطمعون ويريدون ويرغبون في شفاعته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويأملونها -ونحن منهم وأنتم منهم نسأل الله سبحانه أن يوفقنا لذلك- كثير ويريدون ذلك، والله سبحانه كريم فهل ضيق الله سبحانه هذا الأمر وهذا الطلب الذي يحبه عباده المؤمنون؟
    فالله من كرمه ومنَّه وفضله على هذه الأمة أن جعل الوسيلة والثمن المقدم لشفاعته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمراً ميسوراً متكرراً يغفل عنه أكثر المسلمين، ثم يذهبون ويقعون في الشرك الذي يخرجهم من الدين،ويخرجهم من محبة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويظنون أنهم بذلك ينالون الشفاعة، لا والله، فشفاعته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا تنال بالشرك وإنما تنال بأمر هين ولكنه عظيم، هين لا مشقة للنفس والجسد إذا عملت به، وعظيم إذا أخذناه بقلب صادق وعملنا به بقلب صادق، والتزمنا بفعله، فبماذا ننال شفاعة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ إذا أذن المؤذن وقلنا ما صح وما ورد مما تحفظونه جميعاً، فقد وعد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، من قال ذلك بقوله: {كنت له شفيعاً يوم القيامة} سبحان الله! فلا يوجد مسوغ للذهاب إلى الشرك والبدع، فهذا الذكر هو مما يؤهلنا لنيل شفاعته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
    انظروا كيف يكون حال أهل البدع مشابهاً لحال اليهود الذين يستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير، ففي ديننا فسحة وسعة، حتى التوسل إلى الله سبحانه بأسمائه وصفاته ما أعظم ذلك وما أكثره، حجبونا عن ذلك كله على كثرة ما جاء في القرآن والسنة، وقالوا لا يوجد غير التوسل بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وجعلوا الوسيلة التي أمر الله تعالى بها في قوله: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ))[المائدة:35] التي هي كل عمل صالح يقرب إلى الله حصروها هم فقط في الذوات، أن تتعلق بذوات المخلوقين من نبي أو ولي، فانظروا كيف يحجرون رحمة الله الواسعة، وكيف يخرجون الأمة من الطريق المستقيم السهل إلى الأساليب التي تخرجهم إما عن الصراط المستقيم وإما عن الدين بالكلية، عافنا الله وإياكم.
  5. حكم ما يقال في مدح النبي صلى الله عليه وسلم

     المرفق    
    السؤال: إذا قيل أن من معاني محبة المصطفى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التغني بشمائله وصفاته الخلقية وسماته الجمالية، إلى درجة العشق، فكيف تردون على هذا؟
    الجواب: نعم هذا واقع، من الناس من لا يقرأ من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم إلا صفاته الخَلْقية، ويغفل عن صفاته الخُلقية وهي في الدرجة العليا، فالله اصطفاه واختاره حتى في خلقته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لكن ليس معنى هذا أننا نشتغل بهذا الجانب ونتغنى به ونردد فيه الأشعار والقصائد ونترك الجانب الأعظم والأمر المهم.
    انظروا كيف كان الصحابة رضوان الله تعالى عليهم، وهم الذين عرفوا محبة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إن أعظم ما اهتموا به هو طاعته واتباع أمره، والاقتداء بسنته ولم يغفلوا أيضاً الجانب الآخر، لكن يجعلون لكل شيء قدره الشرعي الصحيح.
    ولننظر إلى شعب الإيمان، ولنقس على هذا لتقريب كلام النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: {الإيمان بضع وسبعون شعبة، فأعلاها شهادة أن لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان} فشعب الإيمان أي: درجات منها ما هو أعلى ومنها ما هو أدنى، فإماطة الأذى عن الطريق لا نستهين بها ولا نحتقرها فهذا خطأ، وكذلك من الخطأ أن نجعلها في درجة الحياء، أو أن نجعلها في درجة شهادة لا إله إلا الله.
    وأضرب مثلاً لتقريب ما أقول: وذهبت إلى أمريكا لكي أدعو الأمريكان إلى الله، وقلت لهم إننا كنا أمة جاهلية في ضلال وفي كذا وكذا...، كما كان العرب في الجاهلية، فبعث الله تعالى فينا رسولاً، أغر الثنايا، أكحل العينين، أجردٌ أزهرٍ... وذكرت كل ما جاء في صفاته الخَلْقية، هل أنا في الحقيقة بهذا العمل أُعرِّف الإسلام حقيقةً، وأُعَرِّف دعوة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هذا لا شك أنه مما جاء من صفاته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لكن عندما وصفته لهم بهذا الشكل أكون مسيئاً؛ لأنني وضعت الشيء في غير موضعه، بل عليَّ أن أصفه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأعظم أوصافه، فيما دعانا إليه من التوحيد، وبما أنقذنا به من الضلالة، وبما أخرجنا به من الظلمات إلى النور، وما أمرنا به، فإذا تعرضت له في ذاته ولأخلاقه أذكر كرمه وحلمه وصدقه وأمانته، ثم أتعرض بعد ذلك لصفاته الخلقية، فلابد أن نضع الشيء في موضعه الصحيح، كذلك عندما نعلم أبناءنا وأنفسنا ونقرأ سيرة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونهتم بها، فإن علينا أن نهتم بأعظم شيء وهو ما دعا إليه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو توحيد الله ومحبه رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ووجوب التزام أمره، وكيف كان يعبد ربه عز وجل فنعبد ربنا كما عبده، ثم بعد ذلك نبين صفاته وشمائله، أما أن يأت قائل ويقول: القمل لا يؤذيه والذباب لا يقع عليه، وكان وكان.. حتى ينتحل هذه الأشياء، فالقوم أتوا بما لم يرد، ويظنون أنهم يعظمون بذلك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنهم يعرضون له قدوة حسنة أمام الناس، وأن ذلك مما يجعل المسلمين يحبونه، ويجعل الكافرين يتبعونه ويؤمنون به، فهذا مثل ما تقدم عن عابد بني إسرائيل، ومثل ما قلنا عن علي بن الجهم عندما وصف الخليفة، فهؤلاء يتكلمون بالشيء الذي يظنون أنه غاية في المدح، وهو في الحقيقة إن لم يكن فيه ذنب -كما وجد من بعض من وصف النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأقل ما فيه أنه ليس هو الذي يوصف به صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الحقيقة.
  6. محبة آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم

     المرفق    
    السؤال: من معاني محبته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ محبة أهل بيته حتى ولو كانوا على غير هداه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كيف تردون على هذا؟
    الجواب: محبة أهل بيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هي تبع لمحبته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهي مما يقره أهل السنة والجماعة ويؤمنون به، وإمام أهل السنة والجماعة الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله لما ضربه المعتصم وعذبه وآذاه في ذات الله عز وجل، حتى أنه ضُرب فانفتقت خاصرته وخرجت منها أمعاؤه، وكاد أن يقضى عليه، فجاءه بعض أصحابه وأصفيائه، وقالوا له: يا إمام! لم لا تدع الله على هذا الظالم؟
    وكان الإمام أحمد معروفاً عنه في أصحابه وفي من عاشره أنه كان مجاب الدعوة لصلاحه ولفضله ولاقتدائه بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكانوا يرون أنه لو دعاء على هذا الظالم لاستجاب الله تعالى دعوته، هكذا ظنهم في الإمام أحمد، لما يرون فيه من شدة التمسك بالسنة، فقالوا: ادع الله على هذا الظالم -أي المعتصم- فقال الإمام أحمد: ''لا أفعل ذلك، فإنني قد استغفرت له، ودعوت الله أن يغفر له لقرابته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ'' فانظروا إلى محبة أهل السنة لآل بيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى وهو يفعل ذلك؛ فلقرابته من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جعلته يقول أنا أغفر للمعتصم ذلك، ولا أطالبه بشيءٍ ولا أدعو عليه؛ بل لا أطالبه أمام الله عز وجل لقرابته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأكثر الناس حباً -المحبة الحقيقية الشرعية- لآل البيت هم أهل السنة والجماعة.
    وأما غيرهم فإنه: إما عظمهم وألههم، وإما كفرهم وفسقهم -والعياذ بالله- لكن من خرج من آل البيت عما شرعه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وجاء به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإنه لا ينفعه ذلك فهذا عمه أبو طالب الذي حمى الدعوة ونصرها وأيدها، لمّا لم يذعن لأمر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالشهادة، لم يكن من المؤمنين، فكل من خرج عن دين النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا ينفعه ذلك، ولذلك قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا فاطمة بنت محمد يا كذا يا كذا لا أغني عنك من الله شيئاً، فكل من خرج عن ما جاء به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مهما كانت قرابته فإن ذلك النسب لا ينفعه أبداً، ولا ينفعه إلا أن يكون على ما جاء به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأولى الناس بأن يقتدوا به صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأن يدافعوا عن سنته وأن يمنعوا الابتداع في الدين هم آل بيته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
    فنحن نعرف لهم حقهم وقدرهم، كما أوصانا بذلك نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونطيع وصيته فيهم، ولكن أيضاً نوصيهم وندعوهم ونأمرهم بما أمرنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ به من تقوى الله والتمسك بالسنة وعدم الخروج عليها، فهذا أيضاً من حق آل بيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علينا، فإذا جيء بمن ألحد أو أشرك منهم فلا كرامة له حينئذٍ لأننا عرضناه على ميزان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فوجدناه بريئاً منه تمام البراءة فإذاً نحن كذلك نتبرأ منه.
  7. حقيقة دعوى الانتساب إلى آل البيت

     المرفق    
    السؤال: هل بقي من آل البيت أحد؟
    الجواب: لم ينقطع آل بيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهم موجودون، لكن لو كان السؤال: هل ادعى أحد أنه من أهل البيت وليس منهم؟
    نقول: نعم، وأكبر مثال على ذلك أولئك المجوس الملاحدة العبيديون الذين يقولون نحن فاطميون، يدعون أنهم من ذريه فاطمة رضي الله عنها، وهم في الحقيقة يهود مجوس من الفرس، وثبت ذلك عند الأمة، والعلماء في ذلك محاضر ودونوا ذلك في الكتب، وأنهم ليسوا من ذرية النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وغيرهم يشابههم كثير، فهذا واقع، لكن ذلك لا يعني أنه لم يبقِ من آل بيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحد، فهم موجودون ومعروفون والنسب الصادق واضح، وهم معروفون سواء في هذه البلاد أو في غيرها.
  8. ثبوت أن أبا النبي صلى الله عليه وسلم في النار

     المرفق    
    السؤال: قال بعض الناس في الحديث الذي يقول فيه الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عندما جاء رجل يسأله عن أبيه، فقال له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {أبي وأبوك في النار}، فقال هذا الرجل: إن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال ذلك وهو غضبان، ولكن نرجو أن يكون أبُ الرسولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الجنة؟
    الجواب: هذا الكلام من التأويل الباطل الذي يفسد الحديث، لأن الله سبحانه قد برأ نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أن يقول الكذب، حتى وإن قلنا أنه قال قولاً وهو غضبان، لأن الله سبحانه يقول: ((وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى))[النجم:3-4] فمن يؤول ذلك ويقول أن حديث {أبي وأبوك في النار}، قال ذلك وهو غضبان فهذا كذب، ولو أن شخصاً قال لك -حتى وهو غضبان- سأعطيك كذا لو فعلت كذا وكذا، وتبين لك خلافه، فتعتقد أنه كذب عليك، وإن كان قالها وهو في حالة غضب، والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا ينطق عن الهوى.
    ولهذا لما كان بعض الصحابة يكتب حديثه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال بعضهم الآخر: {تكتب كل شيء تسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم بشر يتكلم في الغضب والرضا فأمسكت عن الكتاب فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم -فهل قال: اكتبوا عني في الرضا؟ ولا تكتبوا في الغضب؟- قال: اكتب فو الذي نفسي بيده ما يخرج مني إلا الحق} ثم إن الحديث ليس فيه غضب: {أبي وأبوك في النار} هذا الحديث ليس فيه غضب ولا ما يستدعي الغضب، فلا يرد كلام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الواضح الصريح بأقاويل الناس كائناً من كان.
  9. وجوب اتباع النبي صلى الله عليه وسلم

     المرفق    
    السؤال: يقول البعض إن محبة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تقتضي اتباعه، لكنها أيضاً أمر عاطفي زائد على الاتباع، فما حكم الإسلام في هذا؟
    الجواب: نقول: نعم، فهي ليست أمراً عاطفياً فحسب، فالمحبة عمل قلبي من أعمال القلوب؛ بل كما قال السلف أساس كل عمل من أعمال القلوب والجوارح المحبة، كما أن أساس كل قول من أقوال القلوب والجوارح هو الصدق، فالمحبة والصدق هما أساس أعمال القلوب، كما أوضحنا ذلك في المقدمة، فإذاً محبته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عمل من أعمال القلوب، ومقتضاه انقياد القلب وانقياد الجوارح، فهي بذلك أمر زائد على ذلك، هذا الذي رأيته وتأملت فيما جاء في الكتاب والسنة والله تعالى أعلم.
  10. أول من ابتدع المولد وسببه وحكمه

     المرفق    
    السؤال: يقول الأخ: من هو أول من ابتدع الاحتفال بذكرى المولد وقد سمعت شريطاً للشيخ القطان أنه أبو سعيد السكري، أو قريب من هذا الاسم، وقال إنه من القرن السابع أو السادس، فما صحة هذا جزاكم الله خيراً؟
    سؤال آخر: نريد جواباً حول المولد من أول من ابتدعه، وما حكم فعله؟
    الجواب: نقول إذا بينا أنه مبتدع فقد اتضح لكم حكمه، ثم إن المحقق أن أول من ابتدأ الاحتفال بما يسمى المولد النبوي هم العبيديون الفاطميون، وهم -كما أسلفنا- عبيديون من يهود الفرس، فهم يهود ومجوس، أرادوا تدمير الإسلام وهدم الدين، وتعاونوا مع الصليبيين الذين جاءوا لاحتلال بلاد الإسلام، وسيرتهم معروفه، وما قاله فيهم علماء الإسلام الثقات معروف ومذكور، فكانوا زنادقة ملاحدة، كما قال فيهم الإمام الغزالي، وصدق هذه العبارة ابن تيمية: كان ظاهرهم الرفض وباطنهم الكفر المحض، أي ظاهراً هم رافضة شيعة، لكنهم واقعاً كانوا ملاحدة زنادقة، فهذا هو القول الصحيح في أول من ابتدع المولد، لكن لماذا فعلوا ذلك؟
    هنا تختلف آراء وتحليلات المؤرخين.
    فبعضهم يقول: إنهم احتفلوا بالمولد ليصرفوا الناس عما يعلمونه فيهم من الإلحاد ومن البدع ومن الزندقة والضلال، فيخدعون العوام ويقولون لهم: إننا نحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإن نسبنا إليه حقيقي بدليل أننا نحتفل بمولده ونعظم ذكرى مولده، هذا قول أو موجز للقول الأول.
    القول الثاني: قال بعض المحللين: لا، هؤلاء القوم يهود، ويبغضون النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويبغضون دين النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويعلمون أن جدتهم اليهودية قد وضعت السم في ذراع الشاة للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأكل منه، فقطع أبهره فكان ذلك سبب وفاته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهم يحتفلون بذكرى مولده في الثاني عشر من ربيع الأول، وهي ذكرى وفاة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهي ذكرى موت عدوهم اللدود الذي طردهم من المدينة وأجلاهم منها، وأذهب دينهم وملكهم ومجدهم، وانتقمت منه جدتهم اليهودية بهذا العمل فيخلدون ذكرى هذه الجدة اليهودية، ويريدون أن يحتفلوا بذكرى موت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويجعلونها عيداً يتفاخرون به.
    والواقع أننا إذا نظرنا إلى كلا التحليلين ونظرنا إلى واقع العبيديين فإننا نجد أنه لا تعارض بينهما، وأن القول الثاني أقرب، لأن العبيديين كانوا كما ثبت، والآن قد اتضحت كتبهم ونشرها أتباعهم الذين إلى اليوم يسمون بالفاطميين، وهم فرقتان الأغاخانية والبهرة، وكلا الفرقتين نشرت كتبهم، وما ثبت وصح عنهم عن الحاكم العبيدي وغيره: أنه كان لا يؤمن بالله ولا يؤمن باليوم الآخر ولا يؤمن بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنهم كانوا أعدى أعداء المسلمين، فقد افتعلوا هذا الاحتفال لأنهم وجدوا أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد لقي ربه ومات في هذا اليوم، فيحتفلون بذلك، هم في أنفسهم جعلوه عيداً لذكرى وفاة عدوهم الأعظم، وبالنسبة للأمة المخدوعة جعلوه ملهاة لهم، ويزعمون أنهم يحبون النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنهم من ذريته، فيجتمع فيهم كلا الأمرين، وهذا هو أصل هذه البدعة.
    ثم فيما بعد انتشرت في البلاد، ثم وضع وأدخل فيها ما أدخل، حتى تحولت في كثير من الأحيان من مجرد بدعة إلى أن أصبح فيها الشرك الأكبر -والعياذ بالله- كأن يقال فيها أو في أناشيدها:
    يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به             سواك عند حلول الحادث العمم
    وما أشبه ذلك من قراءة الموالد البدعية التي في بعضها إخراج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن حد العبودية ومقامها، إلى درجة الألوهية.
  11. حكم الطعام الذي يقدم في الموالد

     المرفق    
    السؤال: يزعم أصحاب البدع أن الطعام يكثر في الموالد مع أنه قليل الكمية وذلك ببركة الموالد وهذا الزعم يصدقه العامة؟ الجواب: على كل حال إذا صدق العامة بالبدعة من أساسها، فلا غرابة أن يصدقوا بلوازمها وتوابعها، فيقال: إن الطعام يكثر؛ لأنه أقيم في هذه البدعة، وهذا الطعام مما لا يجوز تناوله فكيف يبارك الله عز وجل في أمر مبتدع، ولا يجوز للمسلم أن يشارك فيه؛ لأنه ما عمل إلا من أجل هذه البدعة، فالعوام لا عبرة بما يفعلون.
  12. حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

     المرفق    
    السؤال: في يوم الجمعة والإمام يخطب وأنا أصلي، والإمام ذكر الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهل أصلي عليه أم عندما أنتهي من الصلاة؟
    الجواب: الصلاة على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واجبة، وعلى القول الصحيح هي ركن من أركان الصلاة، وهذا يدل على أن المؤمن يصلي على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في كل صلاة من صلواته، غير ما يصلي على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا ذُكر، وغير السنن الواردة في المواضع التي يصلى فيها على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكل ما كان الإنسان أكثر التزاماً بالسنة وأكثر اتباعاً للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان أكثر صلاة عليه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولكن لا نصلي عليه إلا بما ورد، وفي المواضع التي وردت -أي بالتقييد-، فمثلاً: إذا كان الإنسان يصلي فإنه لا يقطع قراءته في الصلاة ليصلي على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإنما يصلي عليه في موضعها من صلاته، ثم يصلي عليه بعد سلامه، ويكثر من الصلاة عليه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهذا من أعظم القربات ومن أعظم الأذكار، كما روى الإمام أحمد رضي الله عنه: {أنه ما جلس قوماً في مجلساً لم يذكروا الله تعالى فيه ولم يصلوا على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إلا كان حسرة عليهم يوم القيامة} حسرةً وندامة لأنهم لم يذكروا الله ولم يصلوا على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
  13. حكم كتابة (ص) بدل صلى الله عليه وسلم

     المرفق    
    السؤال: الاكتفاء بحرف الصاد في الكتابة عند الصلاة على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
    الجواب: الذي ينبغي أن نعمله وأن نبادر إليه هو أن نصلي عليه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لفظاً كاملاً ونكتب ذلك كاملاً، ولكن لو أن أحداً لم يكتب ذلك أصلاً عندما كتب الكتاب واكتفى بالصلاة والسلام عليه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ باللفظ فإن ذلك جائز، ولذلك نجد بعض المخطوطات من كتب السلف، ليس فيها هذا الشيء مكتوباً، ولا نظن فيهم أنهم لم يقولوه لفظاً أبداً، فالواجب علينا ونحن نقرأ ذلك إذا قرأنا ذكره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تلفظنا به كما هو ظننا بـالسلف الصالح أنهم تلفظوا به، هذا والله أعلم.
  14. حكم شد الرحال لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم

     المرفق    
    السؤال: ما حكم زيارة المدينة؟
    وكيف يكون السلام على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
    وما حكم اصطحاب النساء معنا في الزيارة؟
    الجواب: النساء يسافرن السفر الواجب والمسنون مع الشروط الشرعية مع ذي محرم، فالمرأة التي تسافر للحج إذا كان واجباً عليها كحجة الإسلام، وكذلك إذا كان الحج أو العمرة تطوعاً فلها أن تسافر، وتشد الرحل لأنه في عمل طاعة، وكذلك زيارة مسجد الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هي من الطاعة ومن القربات، فللمرأة أن تسافر مع محرمها لزيارة مسجد الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا شيء في ذلك، بل لها الأجر كما لمحرمها أو وليها -إن شاء الله تعالى-.
    أما زيارة القبور إذا وصلت إلى المدينة، فليس لها أن تذهب إلى البقيع، وإلى قبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتزاحم الرجال، وتذهب إلى قبور أخرى، وإذا كنا نحن الرجال يجوز لنا أن ننوي بالزيارة زيارة مسجده صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا زيارة قبره، فما بالك بالنساء اللاتي نهين عن زيارة القبور على أصح قولي العلماء.
    وأما الرجل فإنه يزور القبور كما أمر وشرع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حتى عند السلام على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإنه يسلم على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعلى صاحبيه بأدب وبتوقير، كما كان عبد الله بن عمر رضي الله عنه يفعل: [[السلام عليك يا رسول الله السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا أبتاه]]، ويسلم على أهل البقيع بما ورد، ويسلم على شهداء أحد كما ورد، ويزور القبور كما نفعل نحن في مكة قبل أن نرحل ونسافر، ولا نتجاوز ما ورد في ذلك.
    وأما زيارة قبور النساء فقد ورد النهي فيها، ولهذا قلت: على أصح قولي العلماء، فلو أنها - مثلاً- في مكة، فعلى القول الراجح الصحيح لا تزور القبور في مكة، ولكن البعض يفهم أنه لا تشد الرحال لزيارة المدينة، فنقول: لا، إذا شددت الرحل لزيارة مسجد الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإنه يجوز، ولو أن أحداً من الرجال شد الرحل لزيارة قبر الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإنه يكون مبتدعاً، لأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: {لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد} أي: لزيارة المسجد لا القبر، فالمرأة حكمها بذلك حكم الرجل، فهذا سفر سنة، وشد الرحل سنة وقربى من القربات، فتذهب معه إلى المدينة، وتزور معه المدينة وتزور مسجد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتصلي فيه كالرجل، لكن لا تذهب إلى القبور، بل يذهب الرجل وحده وهي لا تذهب.
  15. فعل الكبائر من لوازم عدم محبة النبي صلى الله عليه وسلم

     المرفق    
    السؤال: هل يكون فعل المعاصي الكبائر كانت أو الصغائر، منافياً لمحبة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وذلك لقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن} علماً بأن اقتضاء محبة الله طاعته في كل أمر ونهي؟
    الجواب: نعم، مقتضى محبته وطاعته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ألا ترتكب الكبائر، فمن ارتكب هذه الكبائر الموبقات فإن ذلك دليل على أنه غير محبٍ للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وانتفاء ذلك كلياً إن استحلها، وإما ناقص المحبة إن لم يستحل ذلك، لكن يأتي الإشكال في قول بعض الناس: إن الرجل الذي كان يدعى حماراً والذي جلده النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شرب الخمر وهو من الصحابة، {فقال رجل من القوم: اللهم العنه ما أكثر ما يؤتى به، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تلعنوه، فإنه يحب الله ورسوله} فإذا قال قائل هذا يحب الله ورسوله ومع ذلك شرب الخمر، فهل هذا ينافي ما تقولونه من أن محبة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تستلزم وتقتضي ألا يعصى أمره وألا ترتكب الكبائر؟
    نقول: لا منافاة، لأن هذا الرجل نطق النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو الصادق المصدوق وأخبرنا أنه يحب الله ورسوله، مع أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حديث آخر لما جاء سعد بن مالك يزكي رجلاً قال: {يا رسول الله، إن علمناه لمؤمناً، فقال الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أو مسلماً، فيكررها: إن علمناه لمؤمناً، فيقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أو مسلماً} فهو يزكيه والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقلل من ذلك ولا يجعله في درجة المؤمنين بل في درجة المسلمين وهي أقل، فالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يطلعه الله أن هذا ليس بمؤمن بل مسلم، وأطلعه على أن هذا وإن شرب الخمر فإنه يحب الله ورسوله.
    فنقف عندما أخبرنا به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهذه خصوصية له، ونحن لا نعلم القلوب ولا نعلم الغيوب، ولكن نحن نرى الظاهر، فظاهر من عصى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدل على أن قلبه خال من محبته الكاملة أو من محبته بالكلية -عافانا الله وإياكم من ذلك- هذا بالإضافة إلى ما قيل أن هذا الرجل كان بدرياً، وأصحاب بدر تعلمون حالهم وشأنهم، فإذاً القاعدة على عمومها، كل من عصى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وخالف أمره فلا بد أن ذلك نقصاً في محبته له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإن ادعى من المحبة ما ادعى.
  16. إطلاق لفظ سيدنا على الرسول صلى الله عليه وسلم

     المرفق    
    السؤال: ما رأيكم فيمن يقول: سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
    الجواب: الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، صح عنه في حديث الشفاعة أنه قال: {أنا سيد ولد آدم يوم القيامة} ولا شك عندنا في أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو سيد ولد آدم كما أخبر، وسيد الأولين والآخرين، وهو سيدنا نعم.
    لكن الخلاف بيننا وبين أهل البدع ليس في أننا لا نقول: سيدنا، وهم يقولون: سيدنا، لا الخلاف بين أهل السنة والجماعة وبين أهل الضلالة والشرك أن أهل السنة والجماعة يقولون: عبد الله ورسوله، ويثبتون له السيادة دون أن يدخلوها في الصلاة أو في الأذان ولكنها ثابتة له، وأما أولئك فإنهم يؤلهونه.
    فحقيقة الخلاف هي في: هل هو إله أم بشر؟
    لا بكونه سيداً أو غير سيد، يريدوننا أن نقول إنه إله، لكن لا والله لا نقول: ذلك، وإن غضبوا مهما غضبوا، وإن اتهمونا بأننا نكرهه -والعياذ بالله-، لا والله لا نقول بأنه إله، وإنما أمرنا أن نعبد الله وحده فقط، وأمرنا كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له} هو بُعث لذلك صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهذا الذي دعا إليه ونحن ندعو إليه مع قوله: {وكتب الذل والصغار على من خالف أمري} فنحن نؤمن بذلك ونقول: كل من خالف أمر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو اتنقص قدره فهو الأذل، وهو الصاغر وهو الأبتر: ((إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ))[الكوثر:3] وكل من أبغض النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا نصيب له في الإسلام أبداً، ولكن لا نقول إنه إله، حاشا والله.
    فهذه الكلمة نقولها ونستخدمها، ولكن هل نقول في صلاتنا ونحن في التشهد: اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، لا نقول ذلك، فإن قيل: لماذا تكرهون الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، -عياذاً بالله-؟
    فنقول: إن هذا لم يرد، وما علّم الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصحابه الصلاة عليه بهذه اللفظة، بل كان يعلمهم ذلك كما يعلمهم السورة من القرآن، فهل علمهم فيها (سيدنا)؟
    لا، لم يعلمهم، إذاً فلا نقولها، فإذا كنت أنا أتكلم وأخطب في مكان وقلت: وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله، أو مثلاً: هذا ما قاله سيدنا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهذا لا شيء فيه، فهذا الكلام خارج مواضع القيد والمواضع التي يجب علينا أن نتعبد فيها.
    ثم نعود للقضية من جانب آخر، وإن كانت قد لا تستحق، لكن لأنها تدلكم على أصل الموضوع بين أهل السنة وبين أهل البدعة، وهي وصفه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالسيادة، فهل فيه توقير وتعزير له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورفع لشأنه أكثر من وصفه بالعبودية والرسالة؟
    انظروا إلى حال العرب في الجاهلية، كيف كانت منـزلة أبي جهل في قريش؟
    تقول: كان سيد قريش، وكيف كانت منزلة فرعون في قومه؟
    كان سيد قومه، وهتلر سيد النازية، وفلان سيد الشيوعية، فكلمة سيد بذاتها لا تقتضي مدحاً ولا ذماً، ولهذا نقول -مثلاً- إن سعد بن معاذ كان سيد قومه، وهو من أفضلهم ومن أبرهم ومن أتقاهم، ونقول: عيينة بن حصن سيد غطفان كان سيد قومه وهو شرهم قبل أن يسلم، فالمسألة أن السيادة في ذاتها لا تقتضي مزيد اختصاص ومدح، ولهذا الذين يقولون هذه اللفظة ويجادلون فيها يقولون: سيدنا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وسيدنا أبو بكر وسيدنا عمر وسيدنا عثمان، وسيدنا علي، وهذا لفظ يشترك معه فيه الصحابة وغيرهم، كما يقولون أيضاً سيدنا الشافعي، وسيدنا أبو حنيفة، فهم الآن جاءوا بألفاظ يشترك فيها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وغيره معه، ونحن إذا قلنا: عبده ورسوله، جئنا بوصف لا يشاركه فيه أحد، إذاً أي الطائفتين أحق بمدحه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبتوقيره وبإنزاله منـزلته؟
    بلا شك أن الجواب واضح.
  17. حكم لفظة (والنبي..)

     المرفق    
    السؤال: ما رأيك في قول: والنبي، ليس بنية الحلف، وإنما معناها عند قائلها لو سمحت، كما تقول: والنبي أعطني القلم؟
    الجواب: الحلف بغير الله عز وجل شرك، كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك} فالحلف بغير الله لو أتى على لسانك بغير قصد، نقول: كفرِّها كما كان أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يكفرون، فعندما أسلم أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكانوا في جاهليتهم يحلفون باللات والعزى وكان يسبق أحياناً على لسان أحدهم أن يقول: واللات والعزى، لأنهم بشر وحديثو عهد بإسلام، والقلوب تحتاج إلى تنقية وجهاد، فعلمهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا فعلوا ذلك أن يقولوا: أشهد أن لا إله إلا الله، فقل: لا إله إلا الله، ووحد الله لتتخلص من شائبة الشرك التي وقعت فيها حينما حلفت بغير الله، وأرغم نفسك وجاهدها على ألا تقع في الشرك، ولو كان ذلك في شرك الألفاظ، نسأل الله أن يوفقنا وإياكم لاجتناب الشرك دقيقه وجليله.
  18. حكم انتقاص أهل العلم

     المرفق    
    السؤال: ما حكم من يسب أحد رجال العلم وأئمة الإسلام وشيوخه ويدعي أنهم كاذبون، وكيف يعامل مثله؟
    الجواب: هؤلاء الذين يسبون علماء المسلمين المشهود لهم بالخير والفضل والمكانة، والذين لم ترتفع كلمتهم عند الأمة إلا لتعظيمهم لأمر الله ورسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ألم تسمعوا ما ذكرناه من حال الذين أنزل الله تبارك وتعالى فيهم: ((قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ))[التوبة:65] فهم استهزءوا بالقراء، فالذين يستهزئون بعلماء الإسلام الأجلاء المجمع على فضلهم ومكانتهم واتباعهم لسنة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحرصهم على ذلك، ويحتقرونهم، وينتقصونهم، إن كان ذلك منهم احتقاراً لما هم عليه من التوحيد ومناقضة البدعة، فهذا عين ما وقع فيه المنافقون، فيقال لهم ما قاله الله تعالى لأصحابهم -نسأل الله العفو والعافية-.
    وإن كان لصفة شخصية أو عيب في الخلقة، أي: لا لدينه ولا لعلمه ولا لدعوته إلى السنة، فإن هذا يعد كبيرة، لأن الاستهزاء بالمسلم كبيرة، أيُّ مسلم: {بحسب امرئٍ من الشر أن يحقر أخاه المسلم} فإذا كان أخاك المسلم: أخاك، أو جارك، أو زميلك تحقره فهذه كبيرة، فكيف إذا احتقرت علماء الإسلام واستهزأت بهم؟!
    وهذا يشعر الناس بأنه احتقار لما هم عليه من العلم والدين، فأمر هؤلاء الناس -نسأل الله أن يعافينا وإياكم من حالهم- دائر بين النفاق القلبي المحض وبين الوقوع في كبيرة من الكبائر، ونرجو الله سبحانه أن يعافي قلوبنا وقلوبهم وقلوب المسلمين من ذلك، وأن يقدر الإنسان حق قدره ولا نظلمه كائناً من كان، فإننا أمرنا: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ )) [المائدة:8] وفي آية أخرى: ((كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ))[النساء:135] فلو كان رجل من أهل البدع وله حسنات، وله باع في العلم وله باع في الجهاد، وله باع في إنكار المنكرات الظاهرة، ولكن مع ذلك فيه بدع، لما جاز لنا نحن أهل السنة أن نغمط قدره، ونجحد علمه، ونجحد إنكاره المنكر وجهاده، فهذا لا يجوز، فنحن أمرنا بالعدل ونحن أمة العدل، فإذا لم تعدل الأمة الإسلامية فمن يعدل؟!
    لكن هناك أناس أكل الحقد قلوبهم فأعماهم وأصمهم عن العدل، فتجدهم يجحدون كل فضائل الإنسان، لأنه يقول: قال الله وقال رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإذا قال ذلك وسمعه الناس ظنوا فيهم أنهم على بدعة وهم كذلك، فهذا لا يجوز منهم نسأل الله أن يهدينا وإياهم.
  19. إطلاق لفظة (عبقري) على النبي صلى الله عليه وسلم

     المرفق    
    السؤال: يقال إن محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عبقري فهل هذا الكلام صحيح؟
    أليس مقولتنا هذه تجعله مثل العباقرة الذين ظهروا في التاريخ؟
    الجواب: النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حسبه من الأوصاف والثناء ما أثنى به عليه ربه عز وجل، فإذا جاءنا أحد وقال هذا عبقري أو عبقرية محمد، أو كان محمد رجلاً محنكاً داهيةً سياسياً ذكياً، وصنع كذا، وحقيقة فإن هذا ما يكتب فيه المستشرقون، ويقع فيه بعض المؤرخين من المسلمين أو من يدعي الإسلام، فتجدون أن هذه الصفات تتجرد وتخلو عن وصفه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالرسالة وبالنبوة في الأعم الأغلب، هذا يقول: عبقرية محمد، وهذا يقول: بطل الأبطال، وهذا يقول: الرجولة عند محمد، وكل ذلك يقتضي ولو بالتلميح أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليس السر فيما حقق وأنجز هو الوحي الذي أوحاه الله إليه، واختصه به، واصطفاه به دون العالمين، إنما هو عبقري والعباقرة كثير، فلو ترجع لكلامهم تجدهم يقولون: حمورابي عبقري، حتى فرعون عندهم عبقري، وأديسون عبقري، وهتلر عبقري، وماركس ولينين، إذاً العبقرية وصف إنساني، وهو وصف عام مشترك، فهذا لا يجوز.
    فالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو رسول الله، والله سبحانه قد وهبه كمال العقل ووهبه كمال الخلق، ولكن أعظم وصف له، وسبب كل ما ناله من الله تعالى وأظهره على يديه من الخير؛ هو أنه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اصطفاه بذلك وأظهره على العالمين، وشريعته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليست نتاج عبقريته، فهو لم يشرع الحدود ويشرع كذا لأنه عبقري، لا، إنما هي وحي: ((قُلْ إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ))[الأنبياء:45] فهذا حكم الله وهذا أمر الله، وانظروا إلى سورة النور وفيها الحدود العديدة: حد الزنا، وحد القذف، وما أشبه ذلك، ماذا قال الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ((سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا))[النور:1] فالذي شرع هذه الحدود هو الله، وقال في الآية الأخرى: ((وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ))[المائدة:44] فالأمر فيها لله، والذي حكم بها وقضى فيها هو الله، وليس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وليس ذلك هو نتاج عبقريته.
  20. جهاد النفس في عمل الطاعات

     المرفق    
    السؤال: أخ يقول: أنا أحب الله عز وجل وأحب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكثر من كل شيء، ومصدق لكل ما جاء به، ولكني في بعض الأحيان لا أعمل بفضائل الأعمال لكسل مني فهل هذا يجرح في محبتي هذه؟
    الجواب: هنيئاً لهذا الأخ أنه يحب الله ويحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكثر من كل شيء، ونسأل الله سبحانه أن يثبته على ذلك، وأن يجعلني وإياكم ننال هذه الدرجة.
    ونقول لهذا الأخ: جهاد النفس لا بد منه، فـحنظلة وجد ذلك في نفسه، {فمر بـأبي بكر وهو يبكي فقال مالك يا حنظلة قال نافق حنظلة يا أبا بكر نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرنا بالنار والجنة كأنه رأي عين فإذا رجعنا إلى الأزواج والضيعة نسينا كثيرا قال فوالله إنا لكذلك، فذهبا إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ}.
    فالنفوس مثل الترمومتر ترتفع وتنخفض، فإذا حصل لك نقص وشعرت بشيء من هذا فحاول أن تقوي إيمانك وأن تحافظ عليه في الدرجة العليا، فلو أن الإيمان إذا وصل إلى درجة عالية يبقى على ذلك لكنا في غاية السعادة؛ لأنه ما من مؤمن ولا عبد لله عز وجل إلا ويمر به حالات يحس فيها بطعم الإيمان وبلذة الإيمان، لكن لا تدوم لنا، هذه هي المشكلة أو هذه هي المصيبة أنها لا تدوم لنا، فتسمع كلام الله عز وجل فيرق قلبك وتدمع عينك، وتتذكر الآخرة، وتنظر إلى ملكوت الله عز وجل، فتشعر بأنك في درجة من اليقين تتمنى ألا تذهب عنك، لكن ما الذي يحصل لك بعد فترة؟
    تسمع نفس الآيات ولا تشعر بذلك الشعور، وتنظر نفس النظر في الكون فلا تشعر بذلك الشعور، وتتأمل وتفكر وتجاهد نفسك وإذا بك تشعر أن إيمانك ليس بذلك، فهذا هو دور الجهاد، وهنا محل الجهاد ومحل السباق بين المؤمنين، فعلينا أيها الإخوة الكرام -أوصي نفسي بهذا أولاً وأوصي إخواني وأنصحهم لله عز وجل- أن نبذل جهدنا ما استطعنا بأن نرفع درجة إيماننا ومحبتنا لله ومحبتنا لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والله سبحانه يقول: ((وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا))[العنكبوت:69] فنرجو أن يحقق الله لنا ذلك بجهادنا له.
  21. شبهة القول بأن النبي صلى الله عليه وسلم خلق من نور وأنه أول المخلوقات

     المرفق    
    السؤال: ما مدى صحة قول بعض الناس: إن نور الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خلق قبل خلق الكون، أو أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أول المخلوقات وجزاكم الله خيراً؟
    الجواب: هذا من الغلو، فالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: {لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله} وهذا الغلو نقله أولئك الناس عن الأديان الباطلة، ومن المعلوم لمن قرأ دين المجوس أنهم هم الذين يعتقدون في أحد أنبيائهم أنه مخلوق من النور، وأن نوره من نور الله، وأنه خلق قبل المخلوقات، فاتبعنا في ذلك من كان قبلنا -والعياذ بالله- أما رسولنا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فما من عاقل من مسلم أو كافر إلا ويعلم أنه محمد بن عبد الله بن عبد المطلب إلى آخر النسب المعروف، وأن أمه فلانة، وأنه ولد في مكة، وإذا قلت له: أنه وجد قبل نوح، أو بين عيسى وموسى، يقول لك: لا إنما وجد بعد عيسى، فكيف يكون إذاً أول المخلوقات؟
    فهذا كلام كل العقلاء في العالم، لكن من شروط أصحاب الخرافة والغلو والضلالة عندهم حتى تكون خرافياً أن تلغي عقلك أولاً، فلو استخدمت العقل فلن تخرف أبداً، فأي واحد يستخدم عقله لا يخرف، فإذا قلت له: لماذا يحتفل بالمولد، ومولد من هو؟
    يقول لك: مولد الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولماذا؟
    لأنه ولد في هذا اليوم فنحن نحتفل بهذا اليوم، ومتى؟
    قال في عام الفيل. فنقول له: أثناء كلامك في الموالد أنت تقول إنه خلق قبل الكائنات، وأنت تحتفل في ذكرى ميلاده أنه في عام الفيل، أليس في هذا تناقض؟!
    لو كانت هناك عقول تفكر. فالمسألة ليست داخلة تحت نطاق العقل، بل قد خرجت من نطاق العقل إلى نطاق الخرافة، والإنسان إذا ألغى عقله فإنه لا يحده حد من الاعتقادات الباطلة والخيالات الكاذبة.
  22. الجواب على من يقول: ليس كل بدعة ضلالة

     المرفق    
    السؤال: كيف نرد على الذين يقولون: ليس كل بدعة ضلالة؟
    الجواب: الردود كثيرة وليست رداً واحداً، وحسبك في كل بدعة أن تعلم من أوجدها، ومتى أسست؛ لتعرف هل فعل ذلك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أم لا، فأي دليل يريده هذا الذي يجادل ويخاصم والذين يكذبون النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قوله: {كل بدعة ضلالة} فـ(كل) لفظ كلي، فمن قال: إن بعض البدع حسنة فقد أخطأ، فإذا أتينا إلى الفصل -مثلاً- وقلنا: كل الطلاب حاضرون، ثم قال بعض الإخوان: لا، بعض الطلاب لم يحضروا، أليس هذا نقضاً للكلام الأول؟
    فإذا قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كل بدعة ضلالة، ثم يأتي من يقول لا هناك بدعة حسنة، ويستدل بأدلة قياساً أو إما استحساناً، فيلتمس وينتحل من الأدلة التي لا دلالة فيها لقوله ليعارض بذلك وليكذب الدليل الصريح القطعي الذي كان يكرره النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في خطبه، وهو: كل بدعة ضلالة، فهو يقر أن هذه عملت بعد وفاته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقرون لكنه يتحمل لها أدلة أخرى، وهذا هو حال أهل البدع، نسأل الله أن يعافينا وإياكم.
    واعلموا بأننا لم نكلف بأن يهتدي أهل البدع ولا أهل الشرك، ولا يقل أحدكم تعبت معهم فلم يهتدوا، وإنما أمرنا أن نقيم الحجة عليهم، وأن ندعو إلى الله وأن نبلغ الحق، وإلا فرسولنا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا أحد أبلغ منه ولا أحد أنقل للدعوة منه ولا أفضل من صفاته وأخلاقه، مع ذلك فقد كفر به من كفر، وكذبه من كذبه،حتى قاتلوه في بدر وفي الأحزاب وغير ذلك، فنحن ليس علينا إلا البلاغ، فإذا كان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليه البلاغ فقط، فنحن من باب أولى علينا ذلك، وليس علينا أن يقتنع أولئك، وشبهاتهم لن تنقضِ؛ لأن الدافع لهم ليس الدليل، وإنما مرض في القلب لن ينتهِ إلا إذا تابوا، فمرض القلب دائماً يبحث ويتنقل من دليل إلى دليل، ومن شبهة إلى شبهة حتى ولو لم يجد شيئاً، نسأل الله أن يعافينا وإياكم.
  23. كيفية دخول قبر النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد

     المرفق    
    السؤال: لقد نهى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمته عن اتخاذ القبور مساجد فكيف رضي السلف بأن يدخلوا قبره في مسجده، خصوصاً أن ذلك فتح باباً لم يسد إلى الآن؟
    الجواب: إدخال القبر في المسجد حدث في زمن قرب المائة أو بعد الثمانين من الهجرة، وهو لم يدخل في الحقيقة وإنما أدخلت حجرات أمهات المؤمنين، وبقي القبر محاذياً، ثم مع الزمن توسع المسجد وصار من حوله فراغات، ومع الزمن وضعت عليه قبة، وهكذا تدرج الأمر كحال غيره من الانحرافات التي وقعت فيها الأمة، فهذا لم يقره السلف الصالح، وإذا أردتم تفصيل ذلك فأقرءوا كتاب الجواب الباهر لشَيْخ الإِسْلامِ ابن تيمية، فإنه تحدث في هذا الموضوع وأفاد وأجاد رحمه الله.
    وعلى أية حال فإن كل تغيير حادث يتنافى مع ما أمر به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإن محبتنا له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإيماننا به صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوجب علينا أن نغير ذلك وألا نقره، لكن الأمر حدث بتدرج وحصل بملابسات، وإن فتح باباً لأهل الأهواء لكن الأمر لا يقتضي وقوع ذلك، ولكنهم يتلمسون أن يدخلوا من أي باب، وكتاب الجواب الباهر فيه الغنية.
  24. حكم تخصيص ليلة إسبوعية لدراسة السيرة

     المرفق    
    السؤال: هل هناك فرق بين تخصيص ليلة أسبوعية لقراءة ودراسة سيرة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبين عمل مولد كل أسبوع أو شهر، دون تقيد بزمان يعتقد فيه فضل معين له؟
    الجواب: عمل مولد، سواء جعلناه مرة في السنة أو مرة في الشهر أو مرة كل يوم، فهذه الكلمة في ذاتها تشعركم وتدلكم على أن الأمر بدعة، لأنه لم يأت هذا عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا عن الصحابة، لكن لو أردنا -مثلاً- درساً في الحديث أو درساً في السيرة، فهل الدروس وطلب العلم بدعة، أو تحديدها بيوم معين بدعة؟ هذا ليس فيه شيء، بل كان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه كما في صحيح البخاري يحدث كل خميس، وكان يقول: [[أكره أن أملكم فإن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يتخولنا بالموعظة]] فهذا لا يدخل في البدع، فإذا أردنا أن نعلم الناس في المسجد ونقرأ عليهم سيرة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونعرفهم بسننه وآدابه وشمائله الكريمة، فلا بأس سواء أكان يوماً أم يومين أو في أي وقت، بل كل ما استطعنا إلى ذلك، بل نقول: إن مما يجب على الأمة الإسلامية أن تجعل سيرة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مادة إجبارية في جميع مراحل التعليم ولا نقيد ذلك ونقول: حسب الإمكانيات! ويجب على كل المسلمين أن يتعلموا ما استطاعوا من سيرة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسنته وآدابه.
    وبهذه المناسبة يوجد أناس يقولون: لا بد أن نعلم أولادنا محبة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واقترحوا يوماً في السنة في المدارس الابتدائية لذكرى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولتعلم سيرة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وظنوا أنهم جاءوا بجديد وأنهم عظموا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -نعوذ بالله من الانتكاس- إذا انتكس عقل الإنسان وانتكس إيمانه، فأصبحت محبة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنده وغاية طلبه أن يجعل يوماً في السنة لذلك، مع ما في ذلك من مضاهاة لأهل البدع في المولد، والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يقول: {البخيل من ذكرت عنده ولم يصل علي} فبالله عليكم! أي بخل تصفون به من يقول نخصص للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوماً من السنة في المدارس؟ فهذا هو أبخل البخل، نحن نقول لو طالبت أو طالب أي إنسان أن تكون مادة السيرة يومياً لقلنا هذا موضوع قابل للدراسة، ونرجو من المدارس أن تحققه، ثم يجب أن نذكر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في صلاتنا ونصلي عليه، ونذكره إذا سمعنا الأذان، ونذكره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا دخلنا المسجد، نذكره في أوقات كثيرة غير ما ورد من ذكره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المطلق، بل يكون ذكره صلى الله عليه وسلم بالامتثال بسنته -فمثلاً- إذا رأيت شاباً مؤمناً يتمثل في مظهره سنة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإنك تذكر في ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا رأيت القرآن تذكرت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لأنه هو الذي جاءنا بهذا القرآن، فمتى يغفل المؤمن عن ذكرى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حتى نقول: يكون له يوم في السنة.
    فيجب علينا أن تكون محبته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تملك شغاف قلوبنا، وكل أمر من أمورنا نزنها بميزانه، ونطبقه على سنته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فيكون تذكرنا له في الحقيقة في كل وقت، وفي كل عمل، فإذا نظرت في الشارع إلى امرأة فأتذكر أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمرني أن أغض بصري فأغضه، وإذا سمعت صوتها فأتذكر أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن أن أسمع صوت النساء، وهكذا في كل أمر من الأمور أجد أنني ملزم باتباع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومقتدياً به فيه.
    وحسبنا الله ونعم الوكيل وإنا لله وإنا إليه راجعون، وأسأل الله أن يكتب لنا الأجر، ولعل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يتيح لنا فرصة أخرى فنجيب على بعض الأسئلة أو نتحدث عن هذا الموضوع، فإننا لم نوف محبة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حقها، مهما قلنا ومهما تحدثنا، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.