المادة كاملة    
الأخوة الإسلامية نعمة عظيمة حافظ عليها الإسلام ورتب على أساسها كثيراً من الأحكام وقد عاش الصحابة هذه الأخوة واقعاً حياً، فكانت سيرتهم دليلاً واضحاً إلى العالم المثالي لهذه الأخوة. جاء ذلك في هذه المادة الموجهة إلى الشباب، إسهاماً في حل مشكلاتهم على ضوء الهدي النبوي، وحثهم على أساليب متنوعة في التعامل مع الناس بمختلف مستوياتهم.
  1. نعمة الأخوة الإسلامية

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا وإمامنا محمد بن عبد الله، عليه وعلى جميع أنبياء الله أفضل الصلاة وأتم التسليم، في هذه الأمسية المباركة مساء الإثنين وليلة الثلاثاء، السابع من الشهر الخامس لعام (1424هـ) الذي يشهد نمواً وإقبالاً من شباب هذا البلد على المراكز الصيفية التي تقيمها مشكورة وزارة التربية والتعليم، نلتقي مع أستاذ العقيدة والمذاهب المعاصرة بجامعة أم القرى سابقاً الدكتور/ سفر بن عبد الرحمن الحوالي في محاضرة تربوية بعنوان: (يا شباب) ليكون رباناً لسفينتنا في هذا المساء المبارك، ويبحر بنا في رحاب الإيمان، نسأل الله عز وجل أن يكتب خطاه وخطاكم، وأن يسدد قوله وأن ينفعنا به، فليتفضل مشكوراً مأجوراً.
    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، فعلمنا ما ينفعنا، إنك أنت العليم الحكيم.
    أما بعد:
    أيها الإخوة الكرام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأحمد الله تبارك وتعالى الذي جمعنا بكم في هذه الليلة الطيبة المباركة، وأشكره تبارك وتعالى وأشكر بعده الإخوة القائمين على هذا المركز الذي جمع الوجوه الخيرة النيرة بإذن الله.
    وحقيقة الأمر أنه لا محاضرة الليلة، وإنما هو لقاء أو موعظة، أو سموه ما شئتم، القضية هي فرحة أريد أن أفرحها حقيقة يوم أن أجلس معكم وأراكم وأسلم عليكم وأرى هذه الأنشطة الطيبة، وهذه المحاضن التربوية التي يمثلها هذا المركز، وهي تربي أبناء الإسلام وشبابه على هدي النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته، وما كان عليه السلف الصالح من بعده.
    ولذلك أطلب منكم أيها الأحباب أن تكون الفائدة من هذا الوقت بقدر الإمكان لضيقه علينا جميعاً، وأنا أتقدم لكم بموعظة أرجو أن ينفعني الله وإياكم بها، ثم أدع بقية الوقت لكم، لتساؤلاتكم، ولو شئتم كتبتموها من الآن، ثم نمر عليها على عجل بقدر ما يسمح الوقت، ثم قبيل الأذان أو مع أوله لا أملك إلا أن أنصرف وأنا أحب أن أبقى معكم أكثر وأكثر، ولكن هذا هو الجدول.
    إخواني في الله تبارك وتعالى: هناك أمر عظيم أنتم تشعرون به وتعيشونه وتتمتعون بنعيمه، وغيركم يفتقده وأنتم وأنا والكل بحاجة إلى التذكير به وهو: نعمة الأخوة في الله.
    انظروا وفقكم الله! لو أن كل واحد منكم التفت يمنة أو يسرة فلم يجد إلا حبيباً له في الله، ربما لم يره من قبل ولا يعرفه، لكن ما أروع وما أجمل أن نجد هذه المحبة في الله تبارك وتعالى، ولو أن الأمة جعلت هذه المحبة شعارها ودثارها وتمسكت بها، وجعلت الأخوة الإيمانية هي الرابطة التي تجمعها، وجعلت النصيحة فيما بينها فيما ترى أن فيه اختلافاً أو وجهات نظر؛ لتغير حالها تغيراً عظيماً.
    1. حث الإسلام على الأخوة ومراعاته لها

      إن النعمة التي تعيشونها هي امتثال لأمر عظيم صريح جلي في كتاب الله تبارك وتعالى، في آيٍ كثيرة، وكذلك في أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل إنه هديه الدائم في حياته صلى الله عليه وسلم كلها، فالله تبارك وتعالى يقول: ((وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا))[آل عمران:103] ويقول: ((إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ))[الحجرات:10] هذه الآية العظيمة التي تؤكد على أن المؤمنين إخوة، وقد جاءت في سياق ليس سياق الجهاد، فتكون الأخوة مقابل الكفر مثلاً، أو الأخوة مقابل عمل من الأعمال التي تجتمع عليها الأمة، بل هذه الحقيقة جاءت في سياق: ((وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا))[الحجرات:9].
      لاحظ! نسبهما إلى الإيمان مع وجود ووقوع الاقتتال بينهما، وهذه هي عقيدة أهل السنة والجماعة أن الذنوب لا تخرج أحداً عن الإسلام، وإن كانت الكبائر بلا شك هي خطر على فاعلها، وهو داخل تحت الوعيد، وإن لم يتب أو يغفر له الله تبارك وتعالى فإنه يدخل بذلك الوعيد النار، إلى أن يشاء الله تبارك وتعالى؛ لأنه لا يخلد في النار أحد من أهل القبلة، فالمقصود ليس التهوين من شأن الكبائر أو الذنوب، ومن أعظمها: الاقتتال بين المسلمين، كما قال صلى الله عليه وسلم: {سباب المسلم فسوق وقتاله كفر} ومع ذلك: ((وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا))[الحجرات:9].
      ثم يقول: ((إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ))[الحجرات:10] لاحظوا عمق الأخوة الإيمانية وتجذرها، وثباتها ورسوخها، بحيث لا يمكن التغاضي أو التنازل عنها حتى في أشد حالات العداوة أو الاقتتال، أو التعامل مع المقتتلين الذين يرتكبون أكبر ما يمكن أن يعد من الاعتداء على حقوق الأمة والأخوة الإيمانية.
      والأحاديث في هذا كثيرة وكثيرة جداً في الأخوة الإيمانية، والمحبة التي يجب أن تكون بين المسلمين، والتعامل الذي يجب أن يكون بينهم، لا أريد أن أذكرها. أقول: لكل واحد منكم أن يستذكرها فالكل يحفظها ويعرفها.
      ولكن أريد أن أنبهكم إلى شيء مهم فيها، الأحاديث التي جاءت في بيان الحقوق الواجبة بين المسلمين تعبر عن هذا الأخ الذي تتعامل معه أنت بلفظ الإسلام، وهي تعطيه وصف الإسلام، فلماذا لا يكون الإيمان؟ وأيهما أعلى مرتبة؟ الإيمان أعلى طبعاً، فالمسلمون كل أهل القبلة، وكلهم مسلمون، لكنّ المؤمنين هم خيار أهل القبلة، فهم الذين يتبعون هديه صلى الله عليه وسلم، والممتثلون لأمر الله ورسوله، التاركون لما نهى عنه، أي: هم بين السابق وبين المقتصد: ((ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ))[فاطر:32] فالمؤمنون درجة أعلى.
  2. حقوق الأخوة الإسلامية

    إن الحقوق التي بين الإخوة وبين المسلمين .. حقوق التعامل بين المجتمع المسلم تأتي باسم الإسلام، لماذا؟ لأن المؤمن حقه وشأنه أوكد من أنك تحتاج إلى أن تذكر بأخوته؛ لأنه مؤمن مطيع لله ورسوله .. مؤمن مستقيم .. ممتثل للأوامر، مجتنب للنواهي .. إذاً: لا يجوز أن يكون بينك وبينه أي شيء، بل تكون المحبة بينك وبينه في أفضل أحوالها. لكن ليس هذا هو المطلوب فقط، المطلوب هنا أن تكون مؤدياً لحق المسلم الذي هو من أهل القبلة، من يصلي صلاتنا، ويستقبل قبلتنا وإن لم يكن بدرجة الإيمان، ولكن يكفيه أن يكون مسلماً. لو قلنا: شخص خارج عن الإسلام، من كفر أخاه أو أخرجه عن الإسلام وهو غير ذلك، فهذه كارثة ومصيبة أخرى سنتكلم عنها، لكن نتكلم عن الذي يقول: هو مسلم، لكنه لا يقوم بحق من حقوقه التي جاءت في الشرع مرتبطة باسم الإسلام.
    1. حرمة دم المسلم وماله وعرضه

      يقول صلى الله عليه وسلم: {كل المسلم -ولم يقل: كل المؤمن- على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه} فالمؤمن له حق عليك أن تنصره، وأن تقوم بواجبات إيجابية، لكن المسلم أدنى شيء كما جاء في الحديث الآخر: {المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده} لاحظ هنا: سلامة، وهناك: حرام، أوصاف سلب تقريباً، لكن لماذا؟ لأن هذه هي القاعدة، أي: الحد الذي لا يعفى عنه أي مسلم، ولا يمكن أن يتحقق اسم الإسلام إلا به أن يسلم المسلمون من لسانه ويده، وأن يعلم أن أخاه المسلم وليس المؤمن أو المحسن أنه حرام عليه دمه وماله وعرضه.
      ثم يبنى على هذا: الأخوة، وعمق العلاقة والحقوق التي تؤدى، فمثلاً: حق السلام، إذا لقيته فسلّم عليه: {حق المسلم على المسلم خمس أو ست: إذا لقيته فسلم عليه} كل مسلم له هذا الحق، وليس المؤمن فقط أو الأخ الملتزم الطيب، الذي إذا مررنا من عنده سلمنا عليه، وإذا مررنا من عند شخص لا يظهر عليه كذا لكنه مسلم لا نسلم عليه، فهذا لا يجوز.
      وكذلك بقية الحقوق، وستأتي الحقوق معلقة على أن يكون مسلماً.
      إذاً.. نحن يجب علينا كإخوة في الله وفي محضن تربوي أن نعيش التربية، وأن نحولها من آراء واعتقادات ونظريات إلى أعمال، وأن نقتفي هدي النبي صلى الله عليه وسلم أو من خلال كلام الله تبارك وتعالى بشأن واحد ثم نعمل به.
      مثلاً: أنا أقترح عليكم كأخ لكم في الله، أن نجعل شعارنا في هذا المركز في هذه السنة من أول ما نبدأ إلى أن ننتهي قضية واحدة: أداء حق بعضنا على بعض (حق الإسلام) ونبدأ نفكر: هل أنا أديت حق أخي عليّ؟
      لو راجعنا هذا يا إخوان والله نخرج بثمرة تربوية مفيدة جداً للجميع، ونحن نقول: الحمد لله على الإسلام، مسلمون مؤمنون، وإن شاء الله لا نترك آية ولا حديثاً، لكن دعنا نجرب فعلاً في الواقع، أنظر إلى الإخوة هؤلاء عندما أقابلهم في المسجد أو في الشارع أو في أي مكان: هل أنا فعلاً أديت حق أخي؟
      ولنبدأ من قضية أنه حرام عليّ دمه وماله وعرضه، قبل أن أفتح فمي بأي كلمة تُشعر باحتقاره، وقد جاء في أول هذا الحديث: {لا يحقره ولا يظلمه ولا يخذله} أتوقف قبل أن أفتح فمي بأي كلمة تجرح شعور أخي المسلم أو يشم منها طعناً أو تحقيراً له.
      فلأجعل شعاري هذه المرة عملاً أعمله أتقرب به إلى الله، وآخذ فيه بهدي النبي صلى الله عليه وسلم، ألا أغتاب أخاً لي في الله، وألا أشتمه، وألا أتحدث عنه بأي شيء يُشعر بازدرائه واحتقاره، وأجعلها قضية عملية، من خلال المركز، ومن خلال الذهاب إلى المسجد والعودة منه، وفي أي لقاء وفي أي مكان، وأبدأ أقولها لوالدي وإخواني ومن أعاشر وأخالط: إياكم إياكم أن تذكروا مسلماً عندي إلا بخير، فالقضية خطيرة، فإذا تنور قلبي بهديه صلى الله عليه وسلم وأيقنت حقيقة أن هذا جانب عظيم نحن نغفل عنه في حياتنا الاجتماعية نبدأ به.
      كيف تتوقعون النتائج؟ بل وأعلى من هذا أحب له ما أحب لنفسي: {لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه} أن أذب عن عرضه وأدافع عنه، وأن يؤلمني ما يؤلمه، وأن يفرحني ما يفرحه، هو أخي المسلم في أي مكان كان من هذه الأرض، ولا سيما الجار أو من كان له حق آخر.
    2. الهدي النبوي علاج لمشكلات الشباب

      أقول: إن هذا الدين العظيم وهذا الهدي النبوي الكريم الشامل الجامع الذي جمع كل خير ومنع كل شر لو أخذنا منه بقاعدة ثم التزمنا بها لرأينا النتائج الإيجابية الكثيرة دائماً وأبداً في حياتنا، ولذهب كثير جداً من العلل والأدواء التي أتوقع لو أننا أعطينا كل واحد منكم الآن قلماً وورقة وقلنا له: نريد أن تحدثنا عن مشكلة من مشكلات الشباب أو مشكلة من مشاكل الأمة، فلا أظن إلا أن كل شخص منكم سيكتب مجموعة من المشكلات؛ لأننا نعيشها يومياً. لكن لو التزمنا بهدي النبي صلى الله عليه وسلم وامتثلنا أمره في هذه القضية الواحدة، فيما يتعلق بحقي عليك وحقك علي، وطبقنا ذلك وعضضنا عليه بالنواجذ؛ لوجدنا أن كثيراً جداً من هذه المشكلات تحل. إذاً.. الحل ليس التنظير النظري، ليس كتابة بحوث عن هذا الموضوع، ليس محاولة تجنب بعض المشكلات أو ندافع عن بعض القضايا أو ندخل في متاهات، وكل منا يأخذ طرفاً من الأدلة. الحل يا إخوتي وفقني الله وإياكم: أن كل واحد منا ينظر إلى نفسه، ويبدأ بها ويلزمها هو أبداً بحق المسلم على المسلم، ربما قد قلت وأعيد لكم القول هنا: إنني لا أحب بعض الألفاظ والمصطلحات التي عادة نستخدمها بيننا: هذا أخ ملتزم وهذا غير ملتزم، وهذا كذا.. وهذا كذا.. التعريف لا مانع منه، يمكن أن تعرِّف فلاناً بصفة فيه بأنه كما قال العلماء: إذا قلت مثلاً: الأعمش أو الطويل أو كذا، لا يدخل في الغيبة؛ لأن المقصود هو التعريف، حيث إنه يعرف بأنه فلان، لكن نحن الحقيقة جعلناها تواصلاً، فلان ملتزم فهو له علي حقوق معينة، وفلان غير ملتزم فكأنه لا يربطني به رابطة، حتى لو صلى بجانبي في المسجد نظرت إليه شزراً. هذا ليس من الدين، وهذا مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم، فعلينا أن نعيد نظرتنا إلى أنفسنا أولاً ثم إلى الآخرين بمنظار النبي صلى الله عليه وسلم وهديه، لا بما تعودناه نحن أو ما اصطلحنا عليه.
  3. عدم تعلق الاستقامة بالرسميات والمظاهر

    تذكرون عبارات ابن القيم رحمه الله في أثر الأوضاع والرسوم وخطرها على هذا الدين والتعامل، وعلى الإيمان، بل حتى على الاعتقاد، الرسوم وهي الرسميات كما نسميها والأوضاع المعتبرة أحياناً.
    فمثلاً: القاضي لا يأمر بمعروف ولا ينهى عن منكر .. القاضي يخرج بخشوع .. التزام ولا يتكلم ولا يلتفت يميناً ولا شمالاً ثم يذهب إلى مجلس القضاء ثم كذا.. هذا شيء تقرر في الحياة الإسلامية المتأخرة، بينما كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يخالطون العامة، وتأخذ بيده العجوز والجارية ويقضي حاجتها ويحدث هذا ويخاطب هذا، ويذهب إلى السوق ويضع يده في الطعام ويقول: {ما هذا يا صاحب الطعام؟ من غشنا فليس منا} ما كانت هناك هذه الرسوم، وإذا تكلمنا قلنا: الداعية كذا، والشاب الملتزم كذا، ونحن في كل مرة نضع رسوماً فباعدت بيننا.
    1. صور لمظاهر طالحة تخفي سرائر صالحة

      كثير منا أبوه يصلي والحمد لله، بل الكثير يصلي في جماعة، لكن ترى الواحد منا متحرجاً، فلا يأخذ إخوانه في الله إلى عند والده!!
      لماذا؟
      الوالد ليس ملتزماً يا شيخ.
      كل واحد منا بذنبه، حتى أبوك صنفته إلى ملتزم أو غير ملتزم، حقيقة لا بد أن تعيد النظر، أنا لا أقول: أطلب منك أن تقر منكراً أعد النظر أنت في مفهومك عن الالتزام ما هو؟ إذا كان هذا الأب يصلي الفجر جماعة فهو ملتزم وخير من أخ أقول عنه أنا أو أنت ملتزم ولا يصليها إلا ما شاء الله، يسهر إلى آخر الليل ثم ينام إلى أوقات متأخرة، وهذا موجود مع الأسف الشديد من بعض من يقول: أنا ملتزم، وقس على ذلك.
      بعض الشباب الذين نراهم نحن في الظاهر وفي الشكل لاعب كرة، وشكله لا يعجبكم أو كذا.. والله لو جلست إليه لوجدت أن فيه من الخير الكثير ما لا يحتاج منك إلا خطوة أو خطوتين أو ثلاثاً ويفتح الله عليه.
      فلا تجعل حائلاً ولا خندقاً ولا هوة بينك وبينه، والمراكز الصيفية لها فضل، وأنا أشكرها حقيقة لهذه النظرة، ذهبوا كمثال إلى مدينة جدة إلى الشاطئ ورأوا هذا الشباب الذي يقال عنه: إنه كذا وكذا.. وأعطوهم أوراقاً وجلسوا معهم فوجدوا عندهم تعاطفاً جميلاً جداً مع الشباب الطيبين، يقول: يا ليتني مع هؤلاء الإخوة، لكن لا أحد يمر علي، وبعضهم عنده مشكلة عائلية خطيرة جداً يريد أن يتخلص منها فيلبس هذا اللباس ويذهب يفعل هذه الحركات ليس مقتنعاً بها، لكن بسبب المشاكل العائلية، وقضايا كان يجب أن تحل.
      البعض منهم -وأستغفر الله من كلمة البعض، ليس هناك بعض في هذا الموضوع- عندما نكلمه عن موضوع الانتفاضة وعن فلسطين لا يوجد هناك أحد إلا ويقول: يا ليتني أستطيع أن أقدم لهم أي شيء، هل هذا الذي يشعر بهذا الشعور ملتزم أم لا؟ هذا والله ملتزم، لكن نحن يجب علينا بعض التحسينات نقدمها له، وينخرط بإذن الله تبارك وتعالى في صف العاملين لهذا الدين.
    2. أهمية سلامة القلب

      أرجو -يا إخواني الكرام- أن أكون قد وضحتُ هذه القضية، وأرجو أن تكون الأسئلة حولها، وأن نعمل بها، وأنا أول من أوصي نفسي بها وأوصي إخواني.
      وهذا الدين -يا إخوان- يسير على من يسره الله له، ولكنه شاق وصعب، لا تقولوا: هذه قضية .. هذه... والله لو عانيت أن تلتزم بها فعلاً أنت وإخوانك وفي أي مجلس، أن تحفظ حق أخيك المسلم أياً كان، لتحقق بذلك درجة عظيمة جداً، وهي شاقة على كثير من الخلق، لكن الله سبحانه وتعالى ييسرها لمن يريد له التوفيق، وحسبكم وبه أختم الرجل الذي دخل من باب المسجد ولحيته تقطر، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: {يدخل عليكم رجل من أهل الجنة} وتعلمون لماذا كان هذا الرجل من أهل الجنة؛ لأنه ينام أو يبيت وليس في قلبه حقد أو غل على أي مسلم.
      فهذه درجة عظيمة جداً، والله بإمكاننا أن نفعلها، وأنا أوصي الإخوة المربين والشباب أن يجعلوا من هذه المحاضن التربوية، محاضن فعلاً ومراكز فعلاً لتعليمنا وتعويدنا وتربيتنا على هذه الأمور لنكون إخوة متحابين في الله، { وكونوا عباد الله إخواناً } كما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحمد لله رب العالمين.
  4. الأسئلة

    1. مشكلة الفراغ في حياة المسلم

      السؤال: فضيلة الشيخ! يشتكي كثير من الشباب من الفراغ القاتل، فبماذا تنصحون الشباب؟
      الجواب: حقيقة شكوى الشباب من الفراغ وتهويلنا كلنا حقيقة، والفراغ.. والفراغ..- يدل على خلل كبير أكبر من قضية أن هناك فراغاً، كيف يكون عندنا فراغ؟
      أقول: يا أحبابي! أنا أعجب لمن يقول: هناك فراغ، أنا لا أقول: إنه غير موجود، فهو موجود في الحقيقة، لكن أنا أعجب لوجود المشكلة، كيف يكون عند المؤمن فراغ، وأنت تعلم أن هذا العمر هبة، وأن نعمتين مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ، فاغتنم هذا العمر، اغتنم ما يقال: إنه فراغ، أو ما هو عند الآخرين فراغ، اغتنم ذلك يا أخي الكريم، هذا العمر محسوب معدود وبإمكانك أن تغتنمه فيما ينفعك، وما أكثر الواجبات وما أضيق الأوقات عنها، اجتنب هذه الشعارات، وانظر بعمق في حقيقة أمرك، كم من الجهود تحتاج إليها، كم لك من رحم تحتاج أن تصلها، كم عليك من واجبات يجب أن تؤديها، انظر إلى الشباب وإلى حال الناس مع الموت، كم من رجل مات وهو يتمنى لو أنه تاب، أو أدركه المرض أو الهرم ويتمنى لو أنه استغل الوقت قبل المرض والهرم فيما ينفعه، بل حتى التخرج، يا ليتني حفظت القرآن قبل التخرج، أو يا ليتني قمت بالدعوة قبل أن أتخرج أو قبل أن أتزوج، أو قبل.. أو قبل... أو قبل...
      إذاً -وفقكم الله- على كل واحد منا أن يحاسب نفسه، وليعلم أن هذا العمر معدود محسوب، وعليك أن تتقي الله وأن تقوم بواجب الوقت، ففي كل وقت لله تعالى عليك عبودية ليست في الوقت الآخر، ولا أطيل عليكم، ولكن أضرب لكم مثلاً من الأئمة العظام الذين كانوا أعظم مثل بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الشأن:
      لما حضرت الوفاة أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وعهد بالخلافة إلى عمر، ماذا تتوقعون أن يعظ عمر أو ينصح عمر؟ قال: يا عمر ! [[إن لله حقاً بالنهار لا يؤدى بالليل، وحقاً بالليل لا يؤدى بالنهار]] فإذا أديت حق النهار بالنهار وحق الليل بالليل، وكل يوم أعطيته حقه فلن يكون هناك فراغ، ويكفي مثل هذه الموعظة العظيمة البليغة في أهمية استغلال العمر والوقت، وكما فعل عمر رضي الله تعالى عنه قام بهذه الحقوق فكان غاية في العلم والجهاد والدعوة وفي تدبير شئون المملكة، وبالعدل الذي لا نظير له إلا عدل الأنبياء.
      فانظروا كيف استوعب الموعظة وامتثلها، وكذلك نحن يجب أن نغتنم أوقاتنا جميعاً، نسأل الله أن ينفعنا وإياكم فيها بما هو خير.
    2. الأخوة الحقة في مجتمع الصحابة

      السؤال: هلا ذكرت لنا مواقف عن الأخوة من الصحابة والتابعين؟
      الجواب: المواقف كثيرة جداً ولا تخفى عليكم، لكن نأتي بالمثال الواضح الذي يذكره كتاب الله تبارك وتعالى في سياق واحد، وهو: المهاجرون والأنصار، كيف كانت الأخوة بين المهاجرين والأنصار؟ يأتي المهاجر ويترك ماله وكل ما يملك في مكة، ويدعه لله، ويشري نفسه ابتغاء مرضات الله، ويأتي إلى المدينة فيجد أخاه هناك يستقبله بكل محبة، ويريد أن يشركه في كل شيء، البيت والمزرعة وكل شيء إلى حد أن يقول: ولديّ زوجتان فاختر إحداهما أطلقها ثم تزوجها، فهذا شيء خيالي.
      الاشتراكية قتلت ثمانين مليوناً من البشر من أجل إقامة أنظمة اجتماعية تحقق العدالة والأخوة، ولكنها سقطت، ولم تنجح، ولكن هذا الإسلام العظيم وتربية النبي صلى الله عليه وسلم جعلت هؤلاء جميعاً يعيشون هذه الأخوة، والنبي صلى الله عليه وسلم بعد فتح مكة عبر عن هذا كناحية قانونية إلزامية إجبارية حين قال: {المسلمون يد على من سواهم ويسعى بذمتهم أدناهم} أدنى واحد من المسلمين لو أجار أكبر واحد من الكافرين قبل جواره.
      ليس عندنا قاعدة: والله لا يجير الزعماء إلا الزعماء، عندنا تعميق عظيم عجيب لمفهوم الأخوة، حتى الذين دخلوا من الأعراب أخيراً أصبح يشعر بأنه مثل أبي بكر وعمر في أمر خطير جداً وهو الإجارة، ومعروف أن الذمة والإجارة عند العرب لها أهميتها، خاصة أن المعارك لا تزال مستمرة.
      الأمثلة كثيرة جداً .. كانوا هكذا، بين الزوجين.. بين الأخوين.. بين الجارين.. مع الأحبة، وليس معنى هذا أنهم لم يختلفوا! لا، يمكن أن يختلفوا، ويتنازعوا، لكن الضابط الجامع لهم أنهم لا يخرجون عن حدود الله تبارك وتعالى، وسرعان ما يفيئون إلى أمر الله كلما اقتضى الأمر ذلك.
    3. حرمة التطاول على أعراض المسلمين

      السؤال: فضيلة الشيخ! هناك من الشباب من يقع في أعراض العلماء وطلبة العلم، ويرون أنهم على حق ويبدعون بعض العلماء، فما نصيحتكم لهم هداهم الله؟ الجواب: أرجو من الإخوة عندما يفهمون أن حق المسلم عليك أن تحفظ دمه وماله وعرضه، فمعنى ذلك أن كل من كان أكبر منك سناً فالحق أكبر، أو علماً فالحق أكبر، وهكذا، إلى أن نصل إلى الصحابة رضوان الله عليهم، فمن نالهم أو جرحهم أو طعن فيهم فهو منافق، فإن تعدى ذلك إلى شيء من النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يصبح مرتداً لا إيمان له. فنحن نقول: نحن بحاجة إلى أن نتناصح، وكل منا في حاجة إلى أن ينظر إلى عيبه، لو أردت -مثلاً- أن أنظر إلى عيب العالم أو عيب الطالب مثلاً لوجدت ما أكتب وما أطيل الكتابة فيه، لكن إن نظرت إلى عيبي واشتغلت به لنفعني ذلك فيما بيني وبين ربي، وفيما بيني وبين الناس، ودعوا التأويلات. بعض الإخوة الذين يفعلون هذا غفر الله لهم وهداهم يأتون بالتأويلات، يقولون: غرضنا أن يقيموا الدين، لماذا لا ينصرون؟ لماذا لا يجاهدون؟ لماذا لا يفعلون كذا..؟ هذا تأويل، ما دام لم يفعل ما يرى هو أنه يجب أن يفعل، فهل عرضه حلال أو دمه أو ماله، نسأل الله العفو والعافية، وما قلت الآن: الدم والمال، لكن نقول: العرض، نقول: يا إخوتي الكرام! لا تترك آية صريحة ولا حديثاً صحيحاً صريحاً من أجل تأويل أو اجتهاد أنت رأيته أو أحد من الناس قاله لك، حتى لو كان في هذا العالم أو الداعية أو المربي أو المعلم أو الأب ما فيه من تقصير أو أخطاء، فإن ذلك لا يجعل عرضه مباحاً لك، فلنعف أنفسنا عن ذلك، وفقنا الله وإياكم جميعاً.
    4. خطورة الكبائر القلبية

      السؤال: فضيلة الشيخ! هل يحاسب المسلم على الخطرات القلبية مثل الاحتقار والحسد دون أن يتكلم بها؟
      الجواب: المشكلة أعمال القلوب، الخطر الكبير والكبائر التي من أعمال القلوب، هي أخطر بكثير، وقد يظن البعض أن المسألة بالعكس، لا يا أخي الكريم، اسمع مثالاً على ذلك:
      الرجل الذي أتي به إلى النبي صلى الله عليه وسلم وجلد مراراً فقال أحدهم: لعنه الله -أو كلمة نحوها- ما أكثر ما يجلد! ماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: {إنه يحب الله ورسوله} وبعد الخمر ماذا تتوقع من الذنوب؟ إذا شربها عافانا الله وإياكم ممكن أن يفعل كل الذنوب، فهي أم الخبائث في الدنيا، لكن لأن قلبه فيه محبة لله ورسوله وغير منطوٍ على كبيرة، فهذه الكبيرة أصبحت كأنها ليست بذات الخطورة التي يرتكبها من ينطوي قلبه على كبائره.
      القضية هي قضية القلوب .. الحسد، وحمل الغل على المسلمين هو أخطر من بعض الذنوب التي يراها الشباب ذنباً خطيراً، فمثلاً: أن يقتل نفساً أو يفعل الفاحشة يراها خطيرة جداً، وربما البعض لو فعلها يصاب بحالة من المرض والإحباط، والشيء الذي قد لا يتخيل، لكنه قد يغل ويحقد على أخيه وزميله أو شيخه ولا يرى ذلك خطراً، وهذا هو الخطر في الحقيقة.
      يجب أن نترك الكبائر: ((وَذَرُوا ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ))[الأنعام:120] يترك الظاهر والباطن من هذه الذنوب، ولـابن القيم رحمه الله كلام عظيم في هذا، وكذلك شيخ الإسلام وأئمة الهدى من قبل، وهذا أخذوه من كتاب الله ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهي أن الكبائر القلبية أخطر، ثم لاحظوا أن القلب إذا انطوى على شيء من هذا فلا بد أن يظهر أثره، يقول شخص: هذا في قلبي لا أظهره! لا، لا بد أن يظهر أثر ذلك على الجوارح واللسان، واليد في التعامل، لا بد أن يظهر، فلنجتهد على أن ننظف قلوبنا.
      وأود أن أذكركم بحديث الرجل الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: {رجل من أهل الجنة}.
    5. العلاقة بين الإيمان والإسلام

      السؤال: هل من خرج من الإيمان يخرج من الإسلام كقول النبي صلى الله عليه وسلم: {لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن
      الجواب: لا. إذا اجتمع الإسلام والإيمان في نص واحد كما اجتمعا في هذا الحديث، واجتمعا في الحديث العظيم الذي هو أعظم أحاديث الإسلام كلها وهو حديث جبريل عليه السلام، عندما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام ثم عن الإيمان، فالإسلام هو العمل الظاهر، الأركان الظاهرة، وهو الدرجة الأدنى، والإيمان هو الأعمال الباطنة وهو الدرجة الأعلى، فيخرج من دائرة الأعلى وهي الإيمان، ولا يخرج من دائر الإسلام.
      ومن ارتكب هذه الكبائر عافانا الله وإياكم، فلا شك أنه معرض للوعيد، وأنه لا يستحق اسم الإيمان أو لفظ الإيمان الذي يراد به المدح والثناء في كتاب الله تبارك وتعالى مثلاً، لكنه لا يخرج عن الإيمان الذي هو الإسلام، أو عن الإسلام الذي هو الدرجة الأدنى من الإيمان بمفهومه العام، فهو فاسق بكبيرته، لكنه مسلم أو مؤمن بإيمانه، لكنه لا يستحق الإيمان المطلق.
      مثلاً: شخص زنا، فلا نقل: هذا مؤمن، فهذا القول ليس بصحيح، متى نقول: هذا مؤمن؟ لو رأيت رجلاً بذل من ماله في سبيل الله أو عمل عملاً عظيماً من القربات فتقول: هذا مؤمن، ولا تثن على الزاني؛ لأن هذا في مقام الثناء، فأنت تثني على من فعل شيئاً زائداً عن مجرد الإسلام الذي يفعله أكثر الناس في صلاتهم وشهادتهم أن لا إله إلا الله وغير ذلك.
      لكن هذا جاء بأمر آخر فيستحق اسم الثناء، لكن اسم الثناء والمدح الذي جاء في كتاب الله للمؤمنين شيء، وثبوت الإيمان الذي هو مقابل الكفر شيء آخر، فهو لا يخرج منه، ومبلغ الخوارج في ذلك باطل كل البطلان، ويكفينا دليل واحد لبطلان مذهب الخوارج ومرتكب الكبيرة، وهو أن الشريعة جاءت بحدود على من فعل الكبائر، فجعلت للزاني الجلد، أو الرجم، والسارق تقطع يده، وشارب الخمر يجلد، ولو كان فاعل هذه الكبائر يكفر لكان حد الجميع واحداً، ولم يكن هناك داعٍ لهذه الآيات وهذه الأحاديث، ولا القضاة ولا الأحكام، وكل من فعل واحدة من هذه يقتل، ويكون مرتداً، وهذا مذهب لم يقل به أحد من أهل الهدى والخير والإيمان، إلا الخوارج ومن نهج نهجهم.
    6. إمكان الجمع بين طلب العلم والقيام بالدعوة

      السؤال: فضيلة الشيخ! كيف يمكن لطالب العلم أن يجمع بين طلب العلم والدعوة إلى الله؟ وأيهما يغلّب على الآخر؟
      الجواب: لا تعارض بينهما، لكن كل ميسر لما خلق له، فالله تبارك وتعالى هكذا نوع الخلق، كما كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، كذلك نحن يا إخوان فيما وهب الله من المواهب، البعض خلقه الله ليكون عالماً حافظاً، فعليه أن يحمد الله على هذه النعمة، وأن يحفظ كتاب الله، ويحفظ من السنة والعلم، ويقوم بهذا الواجب، والبعض لم يؤهل لذلك، لا يكاد يحفظ إلا شيئاً يؤدي به بعض العبادات، ولا يستطيع غير ذلك، لم يكلف به ولكن عليه الدعوة، الكل عليه أن يدعو إلى الله.
      وأنا أذكركم بأمر جامع نافع -إن شاء الله- مبسّط جداً في هذا الموضوع؛ لأن هذه الأسئلة هي دلالة على مشكلة في أذهان الشباب يفكرون فيها، وحلها سهل جداً: هل أكون داعية أو معلماً أو أشتغل بهذا دون هذا؟ أو أشتغل بالجهاد أو أشتغل بالعلم؟ أسئلة كثيرة، وأضرب لكم مثلاً واحداً:
      لو أن ما يعلم الجميع من المنكرات أُنكر وما يعلم الجميع -حتى العوام والعمال- من الواجبات أقيم، انحلت مشكلة الأمة الإسلامية، مشكلتنا ليست لأننا لا نعلم أن الربا حرام، أو أن الزنا حرام، وبعد ذلك نحتاج أن نتعلم ونعلم لكي نعرف أنه حرام، لا. أحكام الربا الفرعية فيها ما يشتبه، فيها ما يحتاج للعلماء والفقهاء.
      لكن لو أننا حرصنا على أن ندعو أنفسنا وإخواننا بالوعظ والتذكير وبالتأثير إلى ترك الربا .. إلى ترك الزنا .. إلى ترك الأمور التي لا إشكال فيها، ولا يجادلك فيها أحد، ماذا يحدث؟ يتغير وجه الأمة، يتغير حال الأمة، فتتحول من الفرقة إلى الاجتماع، ومن الهزيمة والذل إلى الانتصار والعزة والكرامة، بإذن الله تبارك وتعالى، لماذا؟ لأن المشكلة عندنا ليست الجهل ببعض الأحكام أو تفريعاتها، المشكلة عندنا الجواب عليها في كتاب الله، ولا أطيل عليكم، لكن هذه قضية منهجية جدير بي وبكم أن نفقهها.
      الذي جاء في كتاب الله من الأحكام، جاء النهي مثلاً: ((وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى))[الإسراء:32] نعم، والربا جاء فيه ما جاء من الوعيد، لكن الآيات التي تعد بالألوف جاءت في تثبيت وترسيخ الإيمان بالله واليوم الآخر، ومشاهد القيامة وأحوال الناس إذا لقوا الله تبارك وتعالى، وأحوال النفوس وعلاجها وكيف تزكو، وكيف تطهر، وكيف تعرف الله وكيف وكيف ... إذا قرأت سورة في القرآن تجد هذا هو الموضوع، فنحن الآن اختزلنا هذه الموضوعات في أننا ندعو، شخص يقول: مشكلة الإسبال، والآخر يقول: انتشار الزنا، وثالث يقول: عندنا قطيعة، وهذا الكلام كله صحيح، لكن العلاج هو لو أننا عدنا إلى القرآن وربينا أنفسنا والأمة على القرآن، وأكثرنا من ذكر الله وذكر الدار الآخرة وما جاء في القرآن عنها، لتغير حالنا هذا ولم نحتج إلى شيء بعده.
      أقول هذا حتى يبدأ كل منا بنفسه ويعيد كل حياته وفقاً للقرآن.
      ولاحظ أيضاً ما يحفظ الواحد منكم مثل بعض الشباب الذين أراهم لا يزالون في سن مبكرة، فهو أول ما يبدأ يحفظ يحفظ جزء (عم)، جزء عم ما موضوعه؟ ماذا فيه من أحكام؟ موضوعه الآية الواحدة والسورة الواحدة فيها العجب العجاب، لكن نحن لا نكاد نوليها اهتمامنا، إذا دخل المسجد كيف تحذر من كذا ومن كذا..
      إذا دخل المسجد تحذير من التبرج، وتحذير من الإسبال وتحذير من كذا ..، وهذا كلام طيب ولا نقول فيه شيئاً، لكنه عندما يقرأ القرآن يشعر أن هناك أشياء أخرى أكبر وأعظم، وهذه كلها فروع لها.
      لو قرأ فقط: ((أَلْهَاكُمْ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمْ الْمَقَابِرَ))[التكاثر:1-2] كم شخص منا يشرح لأبنائه هذه السورة؟ ((الْقَارِعَةُ))[القارعة:1] .. ((وَالْعَصْرِ))[العصر:1] .. ((وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ))[التين:1]، هذه المعاني العظيمة: ((أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ))[الماعون:1-3].
      لو علّمنا أبناءنا هذه فهي أولى وأهم من بعض الأمور الأخرى، وإن كانت كلها من الدين، وكلها حق، لكن أقول: لو ربينا أبناءنا على القرآن، وعلى عظمة الله تبارك وتعالى: ((وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ))[الفجر:1-2]، لأخذ كل منهم عبرة عظيمة، فكلما سمع عن فرعون أو رأى آثاراً تذكر أن من عصى الله عوقب، فإن ذلك يمنعه من ذنوب أنت لا تعلمها، ولا تدري أين يمارسها.
      ولذلك أوصي نفسي وإخواني أن نرجع إلى القرآن وأن نربي أنفسنا عليه، وأن نبدأ بما بدأ الله تعالى به، والأمور الأخرى تأتي تبعاً، بل لو فعلها وهو مؤمن حقيقة بهذه المعاني فسرعان ما يتوب، ومن فعلها وهو غافل وذكرته بالله فسرعان ما يتذكر، لكن تأتي إلى شخص وأنت تصلي معه وتقول له: أراك مسبلاً، فهو يرى أنك اعتديت على شخصيته، لماذا؟ الخواء الداخلي.
      لكن ابدأ بتذكيره بالله وعذاب القبر ونعيمه ثم كذا وكذا، ثم قل له هذا لاحقاً، ستجد أنه يستجيب.
    7. علاقة المسلم مع رفقائه السيئين

      السؤال: إني أحبك في الله، ما هي الطرق المناسبة لمفارقة رفقاء السوء؟ وما هي طريقة التعامل معهم؟ جزاك الله خيراً.
      الجواب: عملين: كيف يفارقهم؟ وكيف يتعامل معهم؟ أما مفارقتهم فما أسهلها والحمد لله.
      وإن كنت قد أوحشتك الذنوب            فدعها متى شئت واستأنف
      يا أخي! الأنس مع الإخوان الطيبين .. مع هذه الوجوه الطيبة، الأنس موجود والحمد لله، البديل الآن موجود، دعهم واتِ إلى البديل وانتهى موضوع كيف أفارقهم.
      أما كيف يدعوهم؟ لا ينبغي لك إذا أنعم الله عليك بنعمة أن تنسى أنه تبارك وتعالى قال: ((كَذَلِكَ كُنتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ))[النساء:94] احرص واجتهد أن تدعوهم، وحاول بقدر الإمكان، أنا لا أرى لشخص اهتدى أن يهجر من كان معه من زملاء وأقارب هجراً كلياً، ولا سيما إن كان يربطه بهم علاقة العمل أو الدراسة، أو القرابة، بل اجعل هناك علاقة، وقل لهم: تعالوا يا إخوان... نحن والله نحب الهداية لليهود والنصارى، فكيف بإخواننا في بلد الإسلام، فاجتهد أن تدعو، وحاول إذا دخلت إلى محضن تربوي، أو إذا كانت لك علاقة بداعية أو بشيخ بحلقة علم، فخذ من هذا وأعط ذاك، الشريط والكتيب والنصيحة والهدية والزيارة، واعلم أنك أعرف الناس بهؤلاء الذين كنت معهم، كثير من الناس يأتيني فيقول: ما هو رأيك؟ فأقول له كلاماً عاماً، أنا عندي كلام عام فقط، لكنه يعرفهم جداً.
      وأذكر لكم مثالاً: شخص من الناس كان على منكر كبير جداً وواضح جداً -والآن اهتدى والحمد لله، ولكن أذكر لكم كيف- وقد وُعظ أو كُتب له، وذُكر ونُصح، لكن لم ينفع معه، كان لديه مشكلة بسيطة جداً لا يعرفها إلا أناس قلة، وهو أنه كان لديه الذي يسمونه خوف الطيران، فأول ما يركب الطائرة وتقلع يخاف، فشخص عرف أن عنده هذه المشكلة فذهب وقال له: الموت والخروج من الدنيا وكذا.. فذكره بالخوف الذي يأتيه في الطائرة، فكان مفتاحاً لهدايته وأصبح من الإخوة الطيبين والحمد لله.
      لكل شخص ثغرة، فلان تعرف عنه شيئاً، فحاول من خلال معرفتك به أن تدعوه إلى الله تبارك وتعالى.
      نسأل الله أن ينفعنا وإياكم بذلك، إنه على كل شيء قدير.