المادة كاملة    
تمر الأمة الإسلامية في هذه الفترة بمرحلة عصيبة، وظروف شديدة، من قبل أهل الكتاب والمشركين، يراد منها القضاء على عقيدتها وطمس هويتها.. ولكن الرجوع إلى الله والإنابة والاستكانة، والضراعة والمحافظة على العقيدة الصحيحة، والاجتماع صفاً واحداً، ودعم المجاهدين مادياً ومعنوياً، والإعداد الكامل والشامل مع مراعاة المصالح والمفاسد، ومقاطعة العدو داخلياً وخارجياً.. كل ذلك بإذن الله تعالى سيكون سبباً لدحر العدو ورد كيده في نحره.
  1. تذكير الأمة بعظمة الباري سبحانه وتعالى

    إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين.
    أما بعد:
    أيها الإخوة الكرام: فأسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن ينفعني وإياكم بما نسمع وما نقول، وأن يتقبل منا ومنكم عملنا وسعينا وعبادتنا، وأن يجعلها كلها خالصة لوجهه الكريم إنه على كل شيء قدير.
    إننا نحمده تبارك وتعالى -وهو أهل الحمد والثناء والمجد- على أن جمعنا في هذه الليلة الطيبة المباركة ليلة عاشوراء؛ في هذا الشهر المحرم الحرام المفضل لنتذاكر ونتباحث في الأمر هذا العظيم والخطب الجلل الذي يحيط بهذه الأمة المباركة، فأقول:
    إن ما يحدث إنما هو وفق سنن ربانية ذكرها الله تبارك وتعالى في كتابه وبينها لنا في أخبار الأمم الغابرة، ومن أخبار هذه الأمة أيضاً.
    فأول ما يجب في كل حادثة أن يعلم المؤمن أنه لا إله إلا الله حقاً .. يعيد من جديد الشهادة بأنه لا إله إلا الله سبحانه وتعالى. نجدد إيماننا بالله، ونعلم أنه تبارك وتعالى له صفات الكمال والجلال، وله الأسماء الحسنى وكل اسم أو صفة فلها مقتضياتها في الواقع الدنيوي الذي نعيشه.
    لا تجعلوا -أيها الإخوة الكرام- العقيدة بعيدة عن هذا الواقع، عقيدتنا في الله وإيماننا بالله وبأسمائه وصفاته ننـزلها على هذا الواقع لنرى أن الصورة بعد ذلك تختلف جداً، وأن الحلول تكثر جداً، وأن العدو الذي ربما تكون له في النفوس هيبة أو مكانة يصبح أحقر وأضأل ما يكون.
    إذا استحضرنا في أذهاننا وآمنا دائماً وأبداً بأن الله تعالى هو الحق، وأنه الذي بيده الملك، يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، وبيده الخير، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير .. الذي أحاط بكل شيء علماً .. الذي يبدّل الأمر في السماء والأرض .. الذي هو وحده القاهر فوق عباده .. الذي ما من دابة إلا هو آخذٌ بناصيتها .. الذي لا يعلم جنوده إلا هو .. الذي: ((أَهْلَكَ عَاداً الأُولَى * وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى * وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى * وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى))[النجم:50-53].
    الذي أخبرنا بما يدل البشر على أنه قادر على الإهلاك، وعلى التدمير، انظروا! كيف أهلك أعداءه بأمور قد لا تخطر على بال، بالماء أغرق قوم نوحٍ، وبالماء أغرق فرعون وجنوده ومن معه، وكذلك أهلك أمة سبأ العظيمة التي كانت في اليمن، وبالريح أهلك الله تبارك وتعالى عاداً، ونصر محمداً صلى الله عليه وسلم لما اجتمعت عليه الأحزاب؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: {نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور}((وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ))[المدثر:31].
    لا تخفى عليه خافية، فهو يعلم كل شيء سبحانه وتعالى، وهو الذي بيده كل نفس في هذا الوجود، وهو الذي: ((مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ))[الحديد:22] قد كتب الله تبارك وتعالى مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وعرشه على الماء.
    هذا هو الملك العزيز .. الجبار المتكبر .. المتصرف في هذا الكون .. الذي يدبره كما يشاء .. والذي اقتضت حكمته أن يبتلي بعض خلقه ببعض: ((ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ))[محمد:4] أي: من الكافرين.
    فلو أن الأمر أمر قوة أو جبروت لما وقف أحد من أهل الكفر، ولما استطاع أن يصنع شيئاً، ولا أن يحرك مثقال ذرة في هذا الوجود، ولكن الله عز وجل يملي لهم، ويمهلهم، ويمكن لهم ظاهراً ثم يستدرجهم من حيث لا يعلمون، ويأخذهم أخذ عزيز مقتدر.
    فهذه -أيها الإخوة الكرام- وأمثالها من الأمثلة هي أول ما يجب أن نبعثه في نفوسنا وفي نفوس هذه الأمة المبتلاة الممتحنة التي يحيط بها أعداؤها من كل جهة.
    فإذا عرفت الأمة الله وعظمته، وعرفت قدرته وعلمت قوته وهيمنته وقهره وغلبته، وأن هؤلاء جميعاً لا يساوون شيئاً في ملكه، وأيقنت بذلك كما أيقن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإنها تنطلق بإذن الله تبارك وتعالى ولا تبالي بهذا العدو، وتعلم وتثق بأن النصر من عند الله عز وجل: ((وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ))[آل عمران:126] .. ((وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ))[الحج:40].. ((إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ))[غافر:51]، وتعي جيداً قول ربها تبارك وتعالى: ((وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ))[آل عمران:139].
  2. استمرار المعركة بين أهل الحق وأهل الباطل

    إن البعض كثيراً ما تأتي منهم الأسئلة أمام هذا الحدث يقولون: ماذا نفعل؟! ما الواجب؟
    وهنا أمور لا بد أن نُذكر بها، ومن أهم هذه الأمور فيما يتعلق بهذا الأمر العظيم الجلل من إحاطة الأعداء بهذه الأمة، أو إجلابهم وإرجافهم عليها، نقول: يا إخواني وفقكم الله! المعركة مستمرة أصلاً ولم يستجد شيء جديد، ولم يقع حادث جديد، ولم تأت قضية جديدة، فنقول: إنه ابتداءً منها كانت المعركة، أو ستكون الحرب، أو ستكون سيطرة أو تسلط أعداء الله علينا.
    الحقيقة أنه منذ أن بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم والمعركة قائمة، فالأصل أن المعركة قائمة بين الحق والباطل منذ أن أهبط الله تبارك وتعالى آدم إلى هذه الأرض، وأهبط أيضاً معه العدو اللدود إبليس، لكن منذ أن بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم ما طلعت شمس ولا قمر ولا مر يوم إلا ومؤامرة تحاك، أو جيش يدبر، أو مكر من المكر الذي تكاد تزول منه الجبال يخطط للقضاء على هذا الدين، إما من اليهود، وإما من النصارى، وإما من المشركين، وإما من أي عدو من أعداء الله تبارك وتعالى، ومنهم أيضاً: المنافقون، وهم أخبث الطوائف، وسيأتي لهذا تفصيل إن شاء الله تبارك وتعالى.
    إذاً.. المعركة دائمة، والمعركة مستمرة لم تتوقف ولم تهدأ، وليس هناك شيء حدث حتى يقول البعض: وماذا نعمل؟
    معنى ذلك أنه يجب أن نكون عاملين دائماً، وأن نكون مستيقظين دائماً، فلو فرضنا أن هذا الحدث مر بشكل من الأشكال فلا يعني ذلك أن الأمر قد انتهى، فالمعركة قبله وبعده وإلى أن تقوم الساعة، ولن تنتهي معركتنا مع أهل الكتاب حتى ينزل عيسى عليه السلام بنفسه في آخر الزمان، والله أعلم كم بيننا وبينه.
    فهو حينئذ يقاتلهم حتى يكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ولا يقبل إلا الإسلام، وقبل ذلك والحمد لله كما تعلمون فتح روما، ودخول الإسلام إلى أوروبا ليعتنقه من بني إسحاق أمة عظيمة يقاتلون مع إخوانهم المسلمين العرب لفتح روما، التي هي مقر الكاثوليكية والكفر العالمي، وغير ذلك من المبشرات التي لعل بعضها يأتي في ثنايا الحديث، إنما المقصود أن المعركة مستمرة ودائمة.
    ومن هنا يجب أن نكون جنوداً مجندة، جاهزين في كل وقت للتفاعل والتعاطي مع هذه المعركة بما تستحق، ويكمِّل هذا أن نعلم أن المعركة عامة.. فهي دائمة مستمرة، وفي نفس الوقت عامة شاملة، فلا يظن البعض أن المعركة أن يحتل بلد، أو أن يُهاجم قطر من الأقطار أو مصر من الأمصار، الواقع أن الحرب على كل الميادين، وفي كل الجبهات، وفي جميع المجالات، لم تتوقف ولن تتوقف أبداً.
  3. أهداف الحرب على أهل الإسلام

    الحرب غرضها أمر واحد، وهي بكل أشكالها تؤدي إليه: ((وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنْ اسْتَطَاعُوا))[البقرة:217] هذا هو الأصل في كل معاركهم التي يريدون، ما غاظ أهل الكتاب شيء كبعثة محمد صلى الله عليه وسلم، ونزول القرآن، واختيار الله تبارك وتعالى لهذه الأمة -من فرع إسماعيل عليه السلام- العرب الذين قال الله تعالى فيهم وجعلهم أمة وسطاً: ((ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا))[فاطر:32] فاصطفاهم الله تبارك وتعالى، ((وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً))[البقرة:143].
    فالله تعالى جعل هذه الأمة قائمة يوم القيامة بالشهادة للأنبياء على أممهم، وفي هذه الدنيا هذه الأمة بعلمائها ودعاتها يقومون مقام أنبياء بني إسرائيل كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم من قبلنا من الأمم، ولا سيما هذه الأمة العظيمة، بنو إسرائيل كانت تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي، والله تبارك وتعالى من كرامة هذه الأمة عليه حفظ كتابها وصانها، وجعل من علمائها وأهل الخير فيها من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، فيقوم بذلك المقام: ((كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ))[آل عمران:110].
    هي أمة محسودة على كل شيء، ولا أشد من الحسد تحريكاً لمشاعر العداء والبغضاء والكراهية، وإلا لماذا يكرهنا الغرب؟ لماذا يكرهنا الأمريكان وأمثالهم؟! ولا نعني كل أحد، ولكن نقول: هؤلاء الذين يعلمون قيمة هذه الأمة، ومنزلتها عند الله، لماذا يبغضوننا؟ الحسد من أعظم الأدواء وأخطرها، كما قال الله تبارك وتعالى: ((حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ الْحَقُّ))[البقرة:109].
    حسدونا على هذا القرآن، وعلى هذا الإيمان، وعلى هذا الرسول صلى الله عليه وسلم، وعلى هذه الكعبة، وعلى هذه القبلة، ثم تأتي الأحداث وسبحان الله العظيم! عندما يستبدون ويسيطرون في ظنهم على كل الموارد البشرية ويتحكمون في الحضارة البشرية، إذ يفتح الله تبارك وتعالى لهذه الأمة، وتكون مادة الحضارة التي لا تقوم إلا بها وهو النفط يأتي من هذه الأرض أيضاً، ثم الممرات العالمية الخطيرة والمهمة في هذا العالم هي في يد هذه الأمة ولله الحمد.
    الاتساع الجغرافي الكبير.. التنوع والتعدد الثقافي والعرقي الهائل، ومع ذلك كتاب واحد، وقبلة واحدة، ورسول واحد، شيء عجيب جداً!
    انظروا إلى الأمم النصرانية: ألمانيا .. بريطانيا .. فرنسا .. إيطاليا ..! في الأصل دين واحد وجنس واحد ولكن اللغات متباعدة، والمذاهب متنافرة، والسياسات مختلفة، شيء عجيب! الحروب الطاحنة بينهم باستمرار، وهذه الأمة تتآلف وتتآخى، حتى يأتي هذا الرجل الذي من الفلبين فيمر على أخيه في الهند ثم على أخيه العربي، ثم إلى أخيه في أفريقيا، ثم إلى أخيه في أمريكا وكأنهم أبناء رجل واحد.
    هذا شيء عجيب نحن لا ندركه، لكنهم يغبطوننا عليه، بل يحسدوننا عليه حسداً شديداً، وعلى كثرة ما خططوا وأرجفوا وأوقعوا، كم مرة اجتمعت أوروبا على هذه الأمة؟
    الحروب الصليبية.. كم مرة؟ وكم حملة؟ آخرها الاستعمار، ثم جاءت هذه الحملات التي نشهدها اليوم، فما تركوا وسيلة إلا وفعلوها.
    بل إن هجمة التتار كانت مؤامرة، فهجوم التتار الأول كان مؤامرة قصتها معروفة بين البابوية في أوروبا وبين المغول التتار، وقد اجتاحوا شرق العالم الإسلامي كله كما يعلم الجميع، وكانت تلك المآسي والمذابح، ومع ذلك انتصر هذا الدين رغم كل شيء ولله الحمد.
    فهي أمة تحسد؛ لأن الله تبارك وتعالى اختارها وميزها وأعطاها، وهذا لا يعني أن نتواكل! لا، بل لا بد أن نثق بالله سبحانه وتعالى من ناحية، وأن نؤدي واجب الشكر، وأن نقوم بالواجب ما دمنا واثقين من نصر الله سبحانه وتعالى، ومن اختيار الله لنا، ومن أنه لا بد أن يظهر هذا الدين على الدين كله ولو كره المشركون، ولو اجتمعت الدنيا كلها.
  4. المستقبل للإسلام

    المبشرات في هذا المجال -ولله الحمد- كثيرة جداً، وربما يرد بعضها في ثنايا الحديث، وإنما نشير الآن إلى ما يتعلق بواقعنا الذي نشهده الآن، نشير إلى نصرٍ منّ الله تبارك وتعالى به على هذه الأمة وهي لا تزال في أول طريق الصحوة والتوبة، فكيف إذا رجعنا إلى الله أكثر وأكثر؟!
    1. الرأي العام العالمي يقف مع المسلمين ضد أمريكا

      انظروا! كيف جمع الله تبارك وتعالى قلوب أهل الخير والحق والعدل في العالم كله ليقفوا معنا ونحن لم نطلب منهم ذلك، ولا دعوناهم، بل إن أكثرنا ممن يملك الرأي والكلام والتأثير تجده مع العدو والعياذ بالله، لكن يريد الله سبحانه وتعالى أن يرينا أنه يريد بنا خيراً، وأن هذه الأمة إلى خير، فيجتمع الرأي العام العالمي من شرق الدنيا وغربها، ومن داخل أمريكا وبريطانيا نفسها ليرفض هذا العدوان وهذه الحرب، ويقولون: ما ذنب المسلمين؟ ماذا فعل بنا المسلمون؟ لماذا الإقدام على هذا العدوان؟ ولماذا الكيل بمكاييل ومعايير مزدوجة؟ ولماذا الانتقاء في الأعداء؟ تتركون أعداء مكشوفين يتحدوننا ويخرقون القوانين الدولية وتبحثون عن أي شيء لدى أي مسلم وعن أي علة وتجعلونها قضية كبرى؟!
      هكذا يقول الآن أهل الحق وأهل العدل، وأنا أعتبر هذا -وإن شاء الله أذكركم به فيما بعد- من الممهدات والمبشرات لينتشر الإسلام في الأرض، وليعي الناس الحقيقة، ويقولون: لم هذا الحقد؟ لم هذا الحسد؟ لم هذا الطغيان والغطرسة والكبر على أمة لم تؤذهم بشيء؟ وإنما هي المظلومة والمهاجمة والمعتدى عليها في التاريخ الحاضر بالذات وفي التاريخ القديم كله.
      فهذه مبشرات ولله الحمد ما كنا نتوقعها، حتى قال بعض الإخوة: تأملت فوجدت أن الانهيار السياسي والمعنوي في المواقف الصليبية الصهيونية بدأ يتضح جداً ابتداءً من يوم عرفة، من ليلة عرفة وهم في انحدار ونزول وتمزق وتشتت، وأعداؤهم يتكاثرون عليهم حتى من داخل بلادهم، وهذا من فضل الله ومن فضل الدعاء.. دعاء الصالحين في هذا المقام العظيم، تلك الدموع لا تذهب هدراً، تلك المناجاة والضراعات إلى الله تبارك وتعالى لا يضيعها الله تبارك وتعالى.
      فما علينا إلا أن نفرح بنصر الله، ونثق بوعد الله، ونبث هذا في الأمة دائماً.
      لا يجوز أن يتطرق اليأس إلى قلوبنا، ولا أن يهيمن أو يسيطر علينا أعداؤنا نفسياً؛ فننهزم قبل أن يأتوا إلينا وقبل أن يغلبونا في أي ميدان من الميادين.
      أضرب مثالاً آخر ولا أطيل فالأمثلة كثيرة جداً: كنا نعتقد ويعتقد العالم أن هذه الدول الكبرى المتغطرسة لديها من الأجهزة الدقيقة والتصوير والاستخبارات شيء يفوق الخيال، حتى كان الناس يظنون أنه من الممكن أن يسجلوك أو يصوروك في أي مكان، حتى في الإعلام عندنا يكتب ويقال: إنهم يعرفون رقم سيارة أي شخص، ورقم فنيلة أي شخص!! والكثير يصدقون هذا الكلام، فعندما اشتدت الأزمة في مجلس الأمن وقال الأمريكان: لدينا أدلة مثل الجبال -وتذكرون هذه العبارة- قالوا: عندنا جبل من البراهين، وجبل من الأدلة، فماذا قدموا ولديهم المليارات والأجهزة وكل شيء؟ قدموا بحثاً صغيراً، ويكتشف أن هذا البحث كتبه طالب في العراق قبل أكثر من عشر سنوات، وتصبح مسخرة وأضحوكة أمام العالم كله، وهذا الطالب أتوا به في عدة مقابلات في عدة محطات عالمية يقول: حتى الأخطاء المطبعية أتوا بها، وهم أمريكان وبريطانيون، فأين الدراسات؟ وأين المراكز؟ أين الاستخبارات؟ أين البراهين والإثباتات؟
      يريد الله تعالى أن يرينا -وما أكثر ما يفتح الله بهذه الأمور- حتى نستيقظ ونعي، ونرى كيف أن هؤلاء أحقر وأذل على الله تبارك وتعالى من أمثالهم من حشرات الأرض، لو كنا أمة حقاً على الجهاد وعلى التقوى وعلى الإيمان والدعوة إلى الله تبارك وتعالى على منهاج النبوة، والله لرأينا العجب العجاب.
    2. كثرة الدخول في الإسلام من القساوسة والمتقين والعوام

      كيف يفتح الله تبارك وتعالى في مثل هذه الظروف الصعبة، ويدخل في الإسلام من لم يكن يتوقع أن يدخل فيه، والحقيقة أن الأخبار كثيرة جداً والحمد لله، ويومياً -أؤكد لكم- تأتينا أخبار عن دخول كثير في الإسلام ممن لم نكن نتوقع منه ذلك! ولعل عندكم خبر إسلام كبار القساوسة في مختلف الكنائس في السودان، من الكنيسة المعمدانية والكاثوليكية والمشيخية والإنجيلية، القساوسة الكبار يسلمون في هذا البلد الفقير الذي ما قدم لهم أي شيء، بل العكس ضغطوا على الحكومة السودانية حتى تفتح لهم الكنائس وحتى تفتح لهم المجال، ومع ذلك الله تبارك وتعالى يأتيهم من حيث لا يحتسبون، وينزعج البابا وينزعج كارتر، وينزعج كل من يمثله أحد من هؤلاء، كيف يسلمون؟ وكيف يتركون هذه الدنيا والمناصب، ويذهبون إلى الخرطوم ويعيشون مع الفقراء المساكين البسطاء الدعاة!
      وكذلك في جمهورية أفريقيا الوسطى، كبير القساوسة لديه إذاعة يومية يبثها على الدولة كلها وفي ذات يوم يفتح الإذاعة ويقول: لدي كلام هام هام جداً! وبدلاً من أن يدعوهم -كما يقول كل يوم- ادخلوا في دين المسيح يقول لهم: ادخلوا في الإسلام، أسلموا فإني قد أسلمت وشهدت أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، حتى كاد أن يجن رئيس الدولة، والناس يستمعون ويقولون: من هذا؟ هذا هو القسيس نفسه الذي كل يوم نسمعه ماذا حصل له؟ كيف أسلم بهذه الطريقة؟
      وهكذا إخوانكم في الحبشة والكاميرون وتشاد قبائل تسلم ولله الحمد، وفي نيجيريا أيضاً قبائل تسلم، وعندهم إقبال على تطبيق الشريعة لم يشهد له أي نظير في أي وقت من الأوقات، وفي الفلبين وأندونيسيا.
      وفي العالم الغربي آخر ما بلغنا من إحصاءات أن عدد الذين دخلوا في الإسلام في أمريكا بعد الأحداث هناك ثلاثون ألفاً ولله الحمد، كل شخص من الإخوة يأتينا من أمريكا يقول: ما بقي عندنا كتاب عن الإسلام أو محاضرة أو شريط إلا وأُخذ وطُلب، بل يطلب يومياً ليقرأ الأمريكان عن الإسلام، وفي بعض الحالات عندما حُوكم بعض المسلمين في أمريكا أو اتُهم اجتمع الأمريكان متظاهرين -ومن هؤلاء أيضاً قساوسة أحياناً- مطالبين بالعدل معه ويتهمون الحكومة بالظلم في تعاملها مع المسلمين.
    3. تقدم الإسلاميين في نتائج الانتخابات بعد الأحداث

      الله سبحانه وتعالى علم ضعفنا ويعطينا مثل هذه الآيات والبراهين حتى لا نيئس ولا نجزع ولا نقنط، ولا نظن أن هذا الكفر بيده أن يفعل ما يشاء، لا والله! بل هم أحقر وأذل من ذلك بإذن الله تبارك وتعالى.
      ومن هنا، فإنه يجب علينا أن نقدر هذه النعمة، وأن نزداد نشاطاً في مجال الدعوة إلى الله تبارك وتعالى، وفي نشر هذه الصحوة المباركة التي أبشركم بأنها تشهد نجاحاً كبيراً جداً في كل بلد من بلاد العالم، فبعدما حدث في أمريكا ثم أفغانستان وبعد أن بلغت الهيمنة الأمريكية ذروتها حدثت انتخابات في كثير من بلاد العالم الإسلامي وإذا بالمسلمين يتقدمون فيها تقدماً كبيراً جداً.
      حدث هذا في باكستان وتركيا والبحرين والمغرب وفي دول أخرى، وفي بعض الدول حدث من الصحوة ما لم يكن في الحسبان، مثل: أندونيسيا ما كان أحد يظن أن هذا البلد إلا كما قال البابا من قبل وأمثاله: إن في عام (2000م) تكون أندونيسيا دولة نصرانية والعياذ بالله، وإذا بها تستيقظ يقظة عظيمة جداً فينتشر فيها تعليم اللغة العربية، والدعوة إلى الجهاد، ومقاطعة البضائع الغربية، والشعور بالأخوة الإسلامية، كذلك في الفلبين، كذلك في دول أخرى مثل: دول جنوب شرق آسيا.
      وفي تايلاند وفي كوريا الجنوبية وفي كمبوديا وحتى في فيتنام ثم في أمريكا الوسطى وأمريكا اللاتينية لم يكن للإسلام فيها إلا ذكر ضئيل بسيط، وفي هذه الأيام أصبح هناك إقبال هائل جداً على الدخول في الإسلام وعلى تعلمه، والبحث عنه.
      وفي أستراليا -ولله الحمد- أصبح لإخوانكم هناك إذاعة وصحافة، ولهم نشاط ملموس جداً يراه كل إنسان.
      إن هذه الصحوة المباركة التي دخلت -ولله الحمد- كل القطاعات، وبدأت تنتشر في منافذ لم تكن تعرف من قبل، هذه كلها إحدى المبشرات العظمى بأن هذه الأمة يراد لها الخير، ولذلك يجب -وأقول: يجب؛ لأننا قد نغفل عن هذه القضية- يجب ألا نستعجل، فالصحوة قائمة وقادمة ومنتشرة بإذن الله، فلنحذر أن نعرض هذه الصحوة لأخطار لا تطيقها ولا تحتملها في هذه المرحلة، ولنحذر أن نعرض هذه الصحوة المباركة للاختلافات والفتن والتشتت، التي هي الحالقة كما قال صلى الله عليه وسلم، الحالقة التي تحلق الدين والتي تفرق الأمة عن هدفها العظيم الذي قامت وتقوم هذه الصحوة المباركة من أجله وهو تجديد الدين، وإعادة الناس إلى العبودية الحقة لرب العالمين، على منهاج خاتم الأنبياء والمرسلين وأصحابه صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين.
  5. الانتفاضة المباركة.. والمعلم التاريخي

    إن المعلم التاريخي الواضح الذي سوف يكتب التاريخ ابتداءً منه في هذه المرحلة، في هذه المعركة العظيمة جداً بيننا وبين أهل الكتاب هو قيام الانتفاضة المباركة على الأرض المباركة، أرض الرباط في فلسطين، كانت هناك أمور لا أستطيع الآن أن أفصلها إنما هي -كما تذكرون- كنا نجتمع ونجلس فكان السؤال دائماً والكلام والحديث دائماً عن العولمة، وكيف تجتاح العالم وكيف ستغير وجه العالم .. هكذا كانوا يخططون، كانوا يريدون أن يدخلوا إلى كل بيت، وأن يستغلوا الأسواق، ويأخذوا المعادن، وأن يأخذوا كل ما يستطيعون ونهباً، حتى إن الدول والحكومات بدأت تتنازل عن سياداتها، وبدأت تتنازل عن أشياء كثيرة إلا ما لا يجوز تخصيصه فقط، وما عدا ذلك يخصص وتأتي الشركات الغربية لتأخذه، وكانت دولة اليهود تظن أنها سوف تصبح سيدة المنطقة كلها وتتحكم في المنطقة كلها.
    هكذا كانوا يخططون وكأن الأمة قد ماتت، وظنوا أن ما عملوه في أوسلو وما قبلها وما بعدها قد قضى على هذه الأمة وعلى هذا الدين: ((وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ))[الأنفال:30].. ((إِنْ الْكَافِرُونَ إِلاَّ فِي غُرُورٍ))[الملك:20] فلما قامت هذه الانتفاضة المباركة وتفاعلت معها الأمة هذا التفاعل العظيم، وكشف الله تبارك وتعالى عداوة هؤلاء بهذا الشكل غيرت وجه المعركة، بل نقول: تغيرت الأحداث العالمية حقيقة، وتغيرت المواقف الدولية، وتغيرت أمور كثيرة جداً بناء على ما حدث في تلك الأرض المباركة.
    ومن هنا نعلم أن هذه الانتفاضة وهذا الجهاد المبارك يجب أن يدعم بكل طريقة وبكل وسيلة من الدعم العلمي والدعوي والمادي، وبكل طريقة من الطرق، وهذا ليس وقت تفصيلها، وإنما المقصود هو أن العدو الذي تحرك وجاء من هناك لم يأت إلا لهدف مباشر وهو: إنقاذ وإيجاد هذه الدولة المجرمة الخبيثة؛ لكي يصبح اليهود والنصارى شيئاً واحداً.
    بمعنى آخر: اتحد المشروعان: المشروع الصليبي والمشروع الصهيوني، فأصبحا مشروعاً واحداً، وأصبحتا جبهة واحدة، الأربعة الصهاينة الذين يتحكمون الآن في البيت الأبيض تفوقوا حتى على تجار السلاح، وهم الذين يديرون المعركة ولا يبالون أياً كانت النتيجة، ولذلك تجدون التناقض والغباء، فالآن كثير من الزعماء والمفكرين والكتاب والصحافة لم يعودوا يترددون في وصف الإدارة الأمريكية بالغباء، وبالغطرسة، وبالتناقض واللامبالاة وعدم الإنسانية؛ لأن الذي يتحكم فيها هم هؤلاء الذين لا دين لهم ولا أخلاق، وليس همهم إلا شيء واحد وهو محاربة هذه الأمة، وكيف يغلبون هذه الأمة، وكيف ينصرون إخوانهم اليهود الذين احتلوا الأرض المباركة فلسطين.
    فكأن الهدف كله اجتمع في هذا المحور وحده، وتأتي بقية الأمور والأهداف تبعاً لهذا، فالتنبه لهذا مهم؛ لأن الأمة واحدة، والعدو أصبح واحداً، والآن الجبهة قائمة على تلك الأرض المباركة، فيجب ألا ننساهم، وأن نجتهد بكل وسيلة وطريقة ممكنة من أجل أن يبقوا بإذن الله صامدين صابرين مجاهدين.
    وفي المحاضرة التي سمعتم وسوف تطلعون عليها مكتوبة تفاصيل -ولله الحمد- لهذه الأمور من نفس الإعلام الصهيوني، من اعترافات المحللين والمفكرين هناك عن الحالة التي تريد الانتفاضة أن توصل إليها هذه الدولة، وبالتالي كل دوائر الكفر العالمي استيقظت وهرعت وذهلت من هذه النتائج السريعة والمريعة في أشهر معدودة، وبدأ الكل يتكالب ويتألب علينا، وهذا بإذن الله تبارك وتعالى مما يمهد للنصر، فنحن -كما قلت- لدينا المبشرات والإمكانيات التي تؤهلنا للبقاء والانتصار، ولعلها تأتي بإذن الله تبارك وتعالى في ثنايا الفقرات أو الوقفات التالية.
  6. واجبنا تجاه العدو

    هناك أمر -أيها الإخوة- مهم جداً في هذه المعركة، وهو أن العدو في الحقيقة قد أعلن أهدافه، أعلنها وإن كنا لا نحتاج أن يعلنها؛ لأنه تبارك وتعالى أخبرنا عنها، أنهم يقاتلوننا: ((وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنْ اسْتَطَاعُوا))[البقرة:217] وأنهم يريدون أن نتخلى -والعياذ بالله- عن ديننا، حتى نصبح جزءاً منهم، حتى يعاملوننا معاملة من دخل في أذيالهم من أمم أفريقيا وآسيا، ((وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ))[البقرة:120].
    العدو أعلن أهدافه، ومن سمع مبادرة باول التي يعلم الجميع عنها، فقد حددت ذلك أو كثيراً منه، إنهم يريدون تغيير عقيدتنا، وتغيير مناهجنا، وإبعادنا عن شريعتنا، وإبعاد نسائنا عن الفضيلة والعفة، وإفساد مجتمعاتنا، هذا أمر أعلنوه وصرحوا به، وأي غطاء باسم الديمقراطية أو الحرية أو حقوق الإنسان أو ما إلى ذلك.
    يجب أن نعلم جميعاً أن العدو عندما يكشف هذا فإنه ما كشف شيئاً كان مخفياً عنا أو غائباً عنا، بل يجب أن يكون حاضراً لدينا دائماً وأبداً.
    1. الوقوف صفاً واحداً

      فما دام أن العدو يستهدف عقيدتنا وإيماننا ومنهاجنا ودعوتنا فأعداؤه بالدرجة الأولى هم الدعاة الذين يدعون إلى الله ويريدون تثبيت الأمة على دينها وإيمانها، وتجديد هذا الدين وإحياء الجهاد في سبيل الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فما دام هذا هو هدفه، وما دام هؤلاء هم أعداؤه، فإن من الواجب علينا أن ندرك ونعي كيف نقاومه، ولا تتشتت الأمة ولا تتشتت جهودنا. كل عامل من هذه الأمة يعمل في الدعوة إلى الله تبارك وتعالى، ويعمل لبناء شعبة من شعب الإيمان -ولو قلّت- فهو في صميم المعركة، وهو يقف ضد هؤلاء القوم، وهو على ثغرة لا نريده أن يتخلى عنه، لا يظن البعض أنه شيء معين، كما قلنا: المعركة دائمة ومستمرة، وأهدافها المعلنة دائماً تؤكد ذلك، فلا يجوز لأحد منا أن يتوانى أو يتخلى عن موقعه أبداً، كل شخص منا على ثغرة: الأب الذي يحفظ بيته من الفساد ويدرأ عنه الشر، هو على ثغرة وقد حفظ هذا البيت، ثم يحفظ مجتمعه وما حوله، والإمام الذي يحيط جماعته بالدعوة إلى الله والإيمان بالله، ويحفظ جماعة المسجد من أخطار البدع والضلالات والانحرافات والفساد هو على ثغرة وعلى جبهة، وهو عدو لهؤلاء القوم، ولن يخترقوا بإذن الله جماعته ومسجده ما دام قائماً بذلك. وكذلك مندوب الحي، في كل منطقة، وفي كل الدولة، إلى أن تتسع الدائرة لتشمل العالم الإسلامي كله، كل واحد منا قائم على ثغرة من هذا الدين، ويجب أن يصبر ويثبت ويرابط، فإن كنت في حلقة تحفيظ فاجتهد في ذلك أيها الأخ الكريم، إن كنت خطيباً فاجتهد أن تخطب بكل ما يقوي إيمان هذه الأمة، وإن كنت داعية .. واعظاً.. أباً .. مربياً .. موجهاً .. فاعلم أن الواجب الآن يتأكد عليك أكثر فأكثر، وليس الواجب فقط هو شأن واحد. حتى الجهاد.. المقاومة العسكرية على أهميتها، نعم هي مهمة ولا بد من الإعداد لها، ولا يمكن أن نتخلى عنها على الإطلاق أبداً، لكن ما دامت المعركة عامة، وما دامت دائمة، وما دامت أهدافها المعلنة هي تغيير عقيدتنا، فإذاً: نحن أصلاً من أجل هذه العقيدة نجاهدهم.
    2. المحافظة على العقيدة الإسلامية

      ويجب علينا أن نحافظ على هذه العقيدة في القلوب، ومن جاهد فإنما يجاهد من أجل المحافظة على هذه العقيدة، ومن دعا فإنه يدعو إلى هذه العقيدة، ومن يعلِّم فإنه يعلِّم هذه العقيدة، ومن يربي فإنه يربى على هذه العقيدة.
      إذاً: فالأمة كلها يجب أن تتحرك حركة هذه العقيدة، وهذا الإيمان والتوجه، ومن هنا لا يجد العدو ثغرة يدخل علينا منها.
      كيف دخل هذا العدو المجرم إلى أفغانستان؟
      لو لم يجد ثغرة وجنداً يحاربون معه ويحملونه ويمشي وراءهم لما استطاع أن يفعل شيئاً في أفغانستان، والآن يبحث عنهم في العراق وقد وجد، ونحن في هذه البلاد لن يجد بإذن الله إن نحن أغلقنا كل الثغرات وسددنا عليه كل المنافذ فمن أين يدخل؟ فليملأ البحار ما شاء بالأساطيل، أو يرجف أو يخوف بما يشاء، إذا لم يجد ثغرة عقدية يدخل منها من خلالنا .. الفرق الضالة القديمة .. أو من العلمانيين المجرمين الذين يريدون إفساد هذه الأمة، فلا يمكن أبداً أن يخترق بلادنا بإذن الله عز وجل، هذا شيء واضح وأمامنا الشواهد الموجودة.
      لذلك لا نستهين أبداً بما نحن فيه من أمر الخير والدعوة والدين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونشر العلم، بل يجب أن نوسع ذلك، وأن نترقى في الوسائل والخطط والأساليب، ونطور وننوع حتى تدخل الدعوة كل بيت، ويصبح كل واحد منا حاملاً هذه العقيدة وهذا الإيمان الحق، ويحمل هم نشرها ودعوة الناس إليها، وهذا وحده انتصار عظيم جداً، لا يعدل الدنيا كلها، لو احتللنا الدنيا كلها وجمعنا أموال الدنيا كلها ونحن فاقدون للعقيدة فوالله لا خير فينا، لكن إذا قمنا بهذا الإيمان وبهذا الدين وبهذه العقيدة فهذا هو النصر العظيم المبين.
      وهذا الذي عندما رجع إليه إخواننا في فلسطين حصل ما حصل والحمد لله، ولما آمن به إخواننا في أفغانستان حصل ما حصل ولله الحمد، وفي الفلبين وفي كل مكان، بهذا الإيمان يقف إخواننا على الثغور في كل البلاد، الوقفة التي نسمع عنها جميعاً والحمد لله، والتي نسأل الله تعالى أن يزيدهم فيها ثباتاً وإيماناً، ويثبت أقدامهم وينصرهم على عدوهم إنه على كل شيء قدير.
      إذاً: نقصد بهذا أن كل واحد على ثغرة.
      بعض الناس يستخفون بهذه الأحداث فيترك ثغرته التي هو فيها ويبدأ يفكر أين يذهب! وماذا يفعل! أنت على ثغرتك، احفظ الثغر الذي أنت فيه واجتهد فيه، وثق تماماً أنك تقوم بواجبك إن شاء الله تبارك وتعالى في نصرة هذا الدين.
    3. الإعداد الكامل والشامل

      وبهذا ننتقل إلى الفقرة الأخرى وهي: أن الأمة لا يواجهها إلا أمة، أمة الكفر لا يواجهها إلا أمة الإسلام على الحقيقة، أمم تحشد لنا آلاف أو عشرات الآلاف من الأساطيل، تحشد لنا هذه الآلاف من الفضائيات والقنوات والإذاعات التنصيرية التي تعد بالمئات بل بالألوف .. تحشد لنا هذه الثورة الهائلة من المعلومات ومواقع الإنترنت .. تحشد لنا كل وسائل التأثير التي تؤثر على عقيدتنا وتهزم نفسيتنا، وتريد أن تمتص أيضاً خيراتنا وثرواتنا، هذه الأمم بهذه الضخامة ونحن بماذا نواجهها؟ بأفراد متسلحين قليلين لا يواجهون .. بدعاة قليلين لا يواجهون .. بأفراد مفكرين قليلين لا يواجهون .. إذاعة صغيرة لا تواجه، كتيبات وأشرطة لا تواجه، هذه الأمة العظيمة يواجهها أمة عظيمة.
      ومن هنا تأتي ضرورة حشد الأمة جميعاً بكل طاقاتها لكي تواجه هذا العدو، فعلى كل واحد منا أن ينظر إلى أخيه المسلم وزميله وجاره في العلم أو في الدعوة، وينظر على أي شيء يكون الاتفاق، فهو الكثير والحمد لله، وفي أي شيء نختلف؟ في بعض الاجتهادات، أو في التخصصات؟ فلا حرج في التنوع، هذا على ثغرة وهذا على أخرى، هذا في مجال الإعلام، وهذا في الاقتصاد، والآخر في الأدب، وهذا في التاريخ، وهذا مفسر وهذا محدث، وهذا لغوي، وهذا مترجم، وهذا يطبع، وهذا يكتب، وهذا يصنع السهم وهذا يمد به، وهذا يرمي به، كل شيء بأجره.
      إذاً.. لابد أن تتحرك الأمة كلها، وانظر إلى نفسك إذا أراد عدو أن يغزو قبيلتك أو بلدك فأخذت سلاحك وخرجت، هل هذا مثلما لو أنك استنفرت أهل القبيلة جميعاً، أو المحافظة جميعاً، ثم وضعتم خطة، ثم قابلتم العدو.
      إذاً.. لابد ومن الأهمية أن نتأنى وألا نستعجل في المواجهة، وأن نجعلها عامة شاملة في كل مكان، أن يعي الصغير والكبير والذكر والأنثى، والعامل والاقتصادي والمفكر والإعلامي أنكم جميعاً جنود، وأن هذه ثغرة، وأنكم يجب أن تواجهوا العدو، والأمثلة في هذا كثيرة، فالنبي صلى الله عليه وسلم عندما أراد أن يخرج لقتال الروم لم يخبر أحداً، فخرجت الأمة معه صلى الله عليه وسلم، حتى من الأعراب ومن ضعفاء الإيمان، بل كان فيهم من المنافقين، لكن المهم أن يرى هرقل ويرى أعداء الله أن هناك عدداً، وأنها أمة، ولم يأخذ فقط أهل الشجرة، بل أخذ الجميع، وكان منهم من أخبر الله تعالى عنه في سورة التوبة بما فيه من نفاق وغير ذلك، حتى التتار لما جاءوا لم يقل شيخ الإسلام رحمة الله عليه: أين أهل السنة؟ أو أين الأخيار من أصحابنا؟ أو أين الذين يحاربون البدع؟
      في الحقيقة ليس هذا وقت مثل هذا، لماذا؟
      لأنك عندما تواجه العدو واجه بأمة، وهذه الأمة حتى من كان فيه بدعة، أو أخطاء أو معاصٍ أو ذنوب إذا واجه العدو فقد عمل خيراً ربما يكفر الله به عنه، وربما يخفف الله تعالى عنه الإثم والعقوبة، وربما يستفيد أيضاً ويتربى على السنة والعبادة بخروجه مع النبي صلى الله عليه وسلم، أو بخروجه مع المجاهدين المسلمين أو الأمة المسلمة، ولكن لو فتحت المجالات بأن هذا ضدنا أو هذا يخالفنا في كل شيء فلن نقاوم أبداً أمة بأمة.
      وتعلمون شيخ الإسلام رحمه الله رجل عجيب جداً! يستنفر السلطان من مصر، ويستنفر نوابه في بلاد الشام، ويكتب إلى الآخرين، وذهبوا معه حتى أشد أعدائه الذين آذوه في مسألة العقيدة من المتكلمين والمتعصبين المذهبيين ومن غيرهم، كل هؤلاء ذهبوا وتعاونوا، وكلهم كتبوا -وسبحان الله حين تقرأ في التاريخ تتعجب- كل من كتب من أهل السنة، أو من هؤلاء الذين كانوا من أعداء الشيخ ولهم مع أهل السنة مجادلات وفتن وبلاء، الكل يثني على هذا الموقف العظيم الذي فعله الشيخ، وعلى موقف الأمة واجتماعها، وكيف دفع الله تبارك وتعالى الشر العظيم عن هذه الأمة، وكيف انهزم العدو بإذن الله تبارك وتعالى لما اجتمعت على أمر واضح، لم تجتمع على بدع والحمد لله.
      اجتمعت على أمر هو الوقوف في وجه أعداء الله، وهذا الذي ندعو الناس إليه، نقول: نجتمع على ما هو مشروع، نجتمع على درء الفساد، نجتمع جميعاً على المحافظة على عفة المرأة وطهارتها، فلنفرض أن كلاً له رأي أو اجتهاد في مسائل معينة حتى في بعض قضايا العقيدة، لكن أليس عندنا إجماع على أن المرأة لا بد أن تحفظ نفسها مثلاً، وأنه لا بد أن ندرأ عنها الخطر، فليكن ذلك.
      حفْظُ أبنائنا وتحفيظهم لكتاب الله تبارك وتعالى .. مقاومة العدو مقاومة جهادية، أو نصرة إخواننا هناك بالمال .. كل منا يدفع، فليدفع حتى أهل البدع، أو حتى أهل الفسق، بمعنى آخر: أن نوظف كل إيجابية في الأمة للمواجهة، ثم فيما بينها يجب أن تتناصح وتتواصى على أن تكون على السنة المحضة، وعلى الاتباع الخالص، لا تنازل عن هذا بأي شكل من الأشكال، لكن كيف تستطيع أن تجمع الأمة جميعاً، وفي الوقت نفسه أنت تحثها جميعاً أن تكون على السنة والاتباع، لكن لا تنتظرها حتى تلتزم جميعاً ثم تذهب تواجه.
      هنا أيضاً لا بد أن يكون لدينا الحكمة في المواجهة والتعامل مع هذه الأحداث وأمثالها.
      إذاً.. الأمة تحتاج إلى منهج جهادي شامل، وهذا الجهاد يحتاج إلى إعداد، والإعداد له مراحله وله وسائله وأدواته، فكل واحد منا عليه أن يعد نفسه في هذا: ((وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ))[الأنفال:60] وانظر إلى الحكمة، قال: ((وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ))[الأنفال:60] فأي شيء يرهب العدو فهو يخدم هذه المصلحة، وليس هناك شيء يرهب العدو مثلما نكون مجتمعين ونكون يداً واحدة وعلى كلمة واحدة، وهذا أمر مفروغ منه، ولله الحمد.
      هذه الأمة تستطيع أن تفعل الشيء الكثير جداً، وفي هذه الظروف التي نحن نراها الآن، فلا نقول: إنه مضيق علينا، لكن هل فكرنا؟
      لعله يأتي إن شاء الله تعالى بقية حول ما يجب أن نعمل، وماذا بإمكاننا أن نعمل في هذا الشأن بإذن الله تبارك وتعالى.
    4. مراعاة المصالح والمفاسد

      هناك -أيها الإخوة الكرام- أمور مهمة تتعلق بحال المواجهة والمقاومة لهذا العدو الخبيث الماكر، المتسلط المتكبر المتكالب المتألب علينا من كل مكان، إنه لا بد في مواجهة الأعداء -كما أنه لابد منه في الدعوة إلى الله في كل أمرٍ من أمورنا- لا بد من مراعاة المصالح والمفاسد، ولا نعني بها الهوى أو مصلحة الإنسان الدنيوية والمادية، إنما نعني المصلحة الدينية الشرعية، لابد من اعتبار المصالح والمفاسد حتى نعرف متى نتقدم ومتى نتأخر، وماذا نفعل وماذا لا نفعل، لا سيما وأننا في وقت حرج وعصيب، فلو أن فئة من الفئات افتاتت أو عملت أمراً من الأمور، ربما كان أثره أسوأ ما يكون على الأمة كلها .
      والأدلة على هذا لا تخفى على مثلكم، وأنا أشير إشارات عجلة في هذا: فمثلاً: عندما نعلم أن الله تبارك وتعالى يقول: ((وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ))[الأنعام:108] فمن ديننا وعقيدتنا البراءة من الأصنام وسب الأصنام والأشياء التي تعبد من دون الله، وهذا أمر عادي جداً من بديهيات الدين، ومع ذلك إذا كان هذا يؤدي إلى أن المشركين يسبون الله عز وجل فإننا لا نفعل، هذا أصل عظيم في هذا الباب، وكذلك فعله صلى الله عليه وسلم عندما قال: {لولا أن قومك حديثو عهد بكفر لهدمت الكعبة ولجعلت لها بابين} هناك مصلحة عظيمة واضحة أن تعاد الكعبة؛ لأن قريشاً قصرت في البناء حين قَصُرت بهم النفقة، فأن تعاد على بناء إبراهيم عليه السلام، وهي بنيت على هذه الملة هذا أمر عظيم ومصلحة واضحة، لكن لماذا تركت؟
      لأن الناس سوف يقولون: نقض محمد .. غيَّر محمد .. حداثة عهدهم بالجاهلية، فقد لا يفهم البعض حقيقة ذلك، ويجد المرجفون مجالاً للإرجاف والإفساد.
      هكذا، حتى الجهاد في سبيل الله: ما الذي حدث أثناء صلح الحديبية؟
      أنزل الله سبحانه وتعالى آيات عظيمة: ((إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً))[الفتح:1] وذكر فيها من العبر والحكم والأسرار الشيء العجيب جداً، الذي ما كان الصحابة رضوان الله عليهم يفطنون إليه عندما قالوا: { كيف نرضى الدنية في ديننا يا رسول الله؟ }.
      ومن ذلك: أنه سبحانه وتعالى أجَّل دخول المسلمين واقتحامهم المشركين عليها لحكمة عظيمة: ((وَلَوْلا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً))[الفتح:25] سبحان الله! كم عدد هؤلاء الذين لولاهم لاقتحم المسلمون، ولكان العذاب نزل بالمشركين، جاء في بعض الروايات أنهم أقل من عشرة، وفي رواية أخرى: أكثر من العشرة بقليل، وأكثرهم من النساء، فسبحان الله، حكمة من الله سبحانه وتعالى.
      إذاً.. هناك أمور لله سبحانه وتعالى حكمة فيها، فعندما نكون حتى في حال الجهاد قد لا يهاجم البلد، أو قد لا يدخل أو قد لا يحارب الكافر والمقدرة موجودة، والتحرك والتشوق موجود لوجود مصلحة (عدم التزيل) وجود أناس من المؤمنين بينهم، وهذا معناه أنه في كل خطوة نخطوها يجب أن نفكر ونزن الأمور، وليست فقط أننا في الدعوة فلنقل ما نشاء، وإن كنا في الجهاد فلنرمي كما نشاء، وفي كل أمر نندفع كما نشاء، لا يصلح الاندفاع أبداً لا في الأمر بالمعروف ولا في الدعوة ولا في التعليم، ولا في الجهاد، ولا في أي باب من أبواب الدين، لا يصلح إلا الحكمة والتعقل والاتزان، وأخذ الأمور من أبوابها كما علمنا الله، وكما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
      هذه من الأمور المهمة جداً، ولذلك فإننا عندما نركز ونكرر المعنى العظيم، وهو: أن العقيدة عندنا هي الأهم .. هي قبل الأرض .. هي قبل القتل .. هي كل شيء، لماذا؟
      لأن كل عملنا هو من أجلها، فنحن ندعو إلى الله لكي يؤمن هؤلاء الناس، من أجل أن نبلغ رسالة الله على منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم.
      الجهاد: ((وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ))[الأنفال:39] فالجهاد هو من أجل الدين، ومن أجل هذه العقيدة.
      كذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو للقضاء على أكبر منكر وهو الشرك، وإقامة أهم معروف وهو التوحيد.
      إذاً.. العقيدة عندنا تقدم على كل شيء؛ ولذلك حتى في المعركة عندما يأتي الرجل ويشهد أن لا إله إلا الله والسيف فوق رأسه نقبل منه، والنبي صلى الله عليه وسلم أنكر إنكاراً شديداً على الصحابي، قال: {أقتلته بعد أن قال: لا إله إلا الله؟! أقتلته بعد أن قال: لا إله إلا الله؟! فماذا تفعل بلا إله إلا الله يوم القيامة}.
      نحن هدفنا الدعوة، حتى لو قالها تعوذاً، مثل هذا الحديث ظاهر الأمر فيه أنه قالها تعوذاً من السيف، ومع ذلك نحن هدفنا الإيمان وليس الانتقام أو التشفي، أن يسلم الإنسان.. أن يؤمن، لو أسلم اليهود والنصارى رضينا، لو أسلم شارون .. لو أسلم بوش لقلنا: حياك الله، وادخل في دين الله، والإسلام يجب ما قبله، والتوبة تجب ما قبلها.
      نحن لسنا أصحاب هوى .. لسنا أصحاب عنصرية، ولا مصالح مادية .. نحن حملة عقيدة وإيمان، وهدفنا أن يهتدي هؤلاء، وخير لنا وأحب إلى قلوبنا أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
      ولذلك لما جاء جورجى في معركة اليرموك، فقال: أين خالد ؟ فلما قابله قال: من أنت؟ قال: جورجى! فأسلم وصلى به خالد في أثناء المعركة، وأصبح من المسلمين، وفرح المسلمون بذلك فرحاً شديداً، وهو من قادة الروم الكبار، هذا الذي يهمنا، ولكان يمكن أن يقال: قتل، كما قتل رستم وماهان وغيرهم قادة كثير قتلوا وأسروا، لكن أحب إلينا أن يهتدي هؤلاء ويسلموا.
      وما هو الذي يتبع هذا إذا كان هذا هدفنا؟ هل ينفع جهاد بغير علم؟
      هل ينفع جهاد من أناس لا يعرفون الدعوة الصحيحة، ولا يدرون كيف يُعلم الناس الإسلام؟
      لا يصلح!
      إذاً.. أهمية العلم للجهاد وأهمية العلم للدعوة، كما هو مهم للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو مهم لكل شيء.
      فلا بد إذاً من تأسيس العلم الصحيح بهذا الدين، وأن يكون الهدف واضحاً في كل أمر نعمله، وهو أن يهتدي هؤلاء الناس وأن ندعوهم إلى الله تبارك وتعالى، نحن لا ننتصر عليهم إلا بالإيمان، ولا نريد منهم إلا الإيمان بالله سبحانه وتعالى، وما عدا ذلك مما يورثنا الله من أرضهم وأموالهم وما يعطينا فإنه تبع، والله سبحانه وتعالى يورث الأرض من يشاء؛ لأنه كتب ذلك: ((وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِي الصَّالِحُونَ))[الأنبياء:105] فهذا من فضله تبارك وتعالى، ولا شك أن فتح مكة كان نصراً عظيماً جداً، لكن أيضاً لا شك أنه صلى الله عليه وسلم خرج منها ليبحث عن دار هجرة، فلما وجد دار هجرة خرج وتركها وهي أحب أرض الله إليه.
      إذاً.. القضية ليست قضية الأرض، ولا الوطن ولا البلد، لا بغداد ولا غير بغداد ولا أي مكان، القضية قضية الدعوة، حيثما قامت الدعوة، وحيثما نجحت الدعوة فهذا هو الذي نحرص عليه.
      ربما -ونسأل الله أن يجعل الأمور خيراً- لو قضي على هذا النظام الذي في العراق مثلاً وانتهت الأمور كما يريد هؤلاء، ولكن نجحت الدعوة ودخلت إلى هذه الأرض، وهي أرض دعوة وأرض علم، لكان ذلك خيراً عظيماً جداً.
      ولا ندري ما الخير فيه أبداً، وها هي أرض العراق أرض دعوة.
      سبحان الله! منذ أن خرج العلم والنور من بلاد الحرمين لم يكن أقوى منه في أي بلد من العراق أبداً، لم يشهد أي بلد من بلدان العالم الإسلامي بعد الحرمين أقوى في العلم والدين والجهاد من العراق، انظروا إلى روايات أهل البصرة وحدهم، أو روايات أهل الكوفة وحدهم أكثر من مجموع رواية أهل الشام، وربما لو جمعت الشام ومصر وغيرها لم تجد مثل الكوفة وحدها في العلم، والأدباء والمؤرخين والشعراء والأئمة والعباد والزهاد، فضلاً عن كل الجيوش التي فتحت شرق العالم الإسلامي وشماله انطلقت أصلاً من العراق، فهو موقع عظيم جداً، ونسأل الله أن يعود كذلك.
      لكن المقصود أن في كل حركتنا وأمرنا أن نبحث عن الدعوة.. انتصار الدعوة.. تحقيق الإيمان.. دخول الناس في هذا الدين.
      فالله يقلب ويغير هذه الأوضاع كما يشاء، ونحن لا نريد إلا أن يسيطر الإسلام، ولا نريد إلا أن ينتصر إخواننا المسلمون، ولا نريد لهؤلاء عياذاً بالله أن يغلبوا، لكن سنقول: لو قدر الله ولم تكن النتيجة إلا كذلك، وفتح البلد للدعوة، فهذا فتح سوف يعوض ذلك، أو قد ينسي ألم ما حدث من قتل أو تدمير أو هزيمة، إذا كانت عقيدته دخول الدين وانتشار الدعوة فهذا نصر عظيم، ونرجو أن نهيئ أنفسنا لذلك بإذن الله.
      ونحن نستطيع أن نقدم الشيء الكثير بإذن الله، المقصود هو أن يكون لدينا سعة الأفق والاستعداد لهذا بحول الله تبارك وتعالى وقوته.
    5. مراعاة قضايا الخلاف فيما بيننا

      هناك قضية لا بد أن ننبه إليها وهي: أن الأمة الآن تعيش نهضة وصحوة عظيمة، ومن غير الطبيعي أن نتوقع أنها تجمع على رأي شخص واحد، أو جماعة واحدة أو فئة واحدة.
      أنا أتعجب من بعض الإخوة عندما يضخم جانب الاختلاف، ويقول: الدعوة اختلفت وتشتت!!
      يا أخي الكريم: عندما يكثر العدد دائماً وتتسع المجالات تكثر الاجتهادات وتتنوع الآراء أيضاً، فلماذا لا نتقبل هذا بصدر رحب؟ لماذا لا نفرح ونقول: الحمد لله على هذه الصحوة وعلى انتشارها؟ أما الاتفاق فليس شرطاً أن نتفق في كل شيء، ولكن نحمد الله أننا متفقون على الأمور المهمة جداً جداً.
      وأنا أضرب أمثلة بالجهاد؛ لأنه أخف الأعمال في هذا الشأن، ولأن البعض يظن أنه لا يقبل الاختلاف، نقول: الاختلاف حتى في التعامل مع العدو، يمكن أن يكون سائغاً ومقبولاً ولا حرج فيه، والشواهد في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم على هذا كثيرة.
      مثال: عندما نصر الله تبارك وتعالى محمداً صلى الله عليه وسلم وأصحابه يوم بدر يوم الفرقان، وجيء بزعماء الشرك مصفدين أمام النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه يستشيرهم: {ماذا نفعل في هؤلاء؟} القضية حاسمة ولكن تخيلوا أول مرة بعد الأذى وما حصل في مكة، وبعد الهجرة والإخراج وغير ذلك، وهؤلاء الآن أمام أعين الصحابة رضي الله تعالى عنهم، فالذي حدث كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد والحاكم وغيرهما، أن خرجت ثلاثة آراء في وقت واحد، قال أبو بكر: { يا رسول الله، أهلك وقومك وعشيرتك ولعل الله أن يهديهم فيسلموا ويتوبوا }.
      وقال عمر رضي الله تعالى عنه: { أخرجوك وآذوك وكذا .. فمرني فلأضرب أعناقهم }.
      وقال عبد الله بن رواحة الأنصاري رضي الله تعالى عنه: { يا رسول الله! ما أكثر الحطب في هذا الوادي فمرنا فلنشعله ناراً فلنحرقهم جميعاً }.
      ثلاثة آراء، كل واحد أتى برأي، ليكن النبي صلى الله عليه وسلم ذكرهم، ولكن الشيء العظيم الذي قد لا نتفطن له: {إن الله تبارك وتعالى يلين قلوب قوم حتى تكون ألين من اللبن، وإن الله ليشدد قلوب قوم حتى تكون أشد من الحجارة} كل هذه قاعدة، الله تبارك وتعالى هكذا يشدد ويلين كما يشاء، وبعضكم يشدد وبعضكم يلين، ثم قال: {مثلك يا أبا بكر ومثلك يا عمر ...} الشاهد هو أن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أنه آخر الأنبياء وخاتم الأنبياء، وأنه من أولي العزم من الرسل، وهو أفضلهم صلى الله عليه وسلم -أولو العزم من الرسل غير النبي صلى الله عليه وسلم هم أربعة: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى- انظروا كيف يأتي هذا الموقف، يأتي وإذا بنا نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم واقف أمامهم، كل من الصحابيين الكريمين أبي بكر وعمر له أسوة برسولين من أولي العزم، ليس أي نبيين، وإنما من أولي العزم أنفسهم، وهذا معناه أن المسألة مهما اختلفت فإنها ناشئة عن عزم ليس عن تراخ في الدين ولا تهاون فيه ولا ضعف.
      فأما أبو بكر رضي الله تعالى عنه فقد مثل له النبي صلى الله عليه وسلم بإبراهيم عليه السلام: ((ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنْ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً))[النحل:123] .. { مثلك يا أبا بكر مثل إبراهيم عليه السلام: ((فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ))[إبراهيم:36] } هكذا نظر وقال: ولعل الله يهديهم يا رسول الله! ولعلهم يتوبون، وكذلك عيسى عليه السلام: ((إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ))[المائدة:118].
      إذاً.. الله سبحانه وتعالى جعل قدوة للصديق في إبراهيم عليه السلام، ثم { مثلك يا عمر ...} ويأتي أيضاً مثال من أولي العزم من الرسل مثل نوح عليه السلام، ومثل موسى عليه السلام، كل منهما أراد استئصال قومه، قال نوح عليه السلام: ((وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنْ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً))[نوح:26]، وقال موسى عليه السلام: ((رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوْا الْعَذَابَ الأَلِيمَ))[يونس:88] سبحان الله! ويخرج الجميع كلهم برضا، ثم يختار النبي صلى الله عليه وسلم رأي أبي بكر، ولم يحصل أي تهمة، ولا أنت مقصر، ولا أنت خائن، ولا أنت تهاونت، ولا قال لهذا: أنت متشدد أو إرهابي، سبحان الله!
      هكذا تتعدد الآراء وتتنوع، واختلف الشيخان في شأن أهل الردة ثم اتفقوا والحمد لله، ثم بعدما حصل لهم ما حصل اختلفوا كيف يعاقبون، حتى إن عمر رضي الله تعالى عنه غير ورد السبي بعد وفاة أبي بكر رضي الله تعالى عنه، وهو أمر مشهور في فقه عمر رضي الله تعالى عنه واجتهاده، واختلفوا حتى في القسمة، فجعلها أبو بكر رضي الله تعالى عنه لكل المسلمين على سواء، وعمر رضي الله تعالى عنه قال: [[والله لا أجعل من قاتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كمن قاتله]] فقدم المهاجرين والسابقين وزوجات النبي صلى الله عليه وسلم وأخر آخرين، وهكذا حسب الفضل.
      هذا، وهما أفضل رجلين في الأمة، ولا يعاب على هذا ولا على هذا، والقصص كثيرة في هذا: لما ذهب خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه لجهينة وهم حي من العرب -والحديث في الصحيح- قالوا: صبأنا صبأنا ولم يحسنوا أن يقولوا: أسلمنا، فقتلهم خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: {اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد} ودفع الديات وتبرأ مما فعل خالد، لكن لم يتبرأ من خالد، ولم يعزل خالداً، ولم يتهم خالداً، بل بقي هو سيف الله.
      انظروا! المشكلة نعالجها والخطأ نتداركه؛ لكن من غير اتهام ولا طعن ولا نبذ، بل بالعكس: الإسلام يحتاج هؤلاء، يحتاج كل داعية وكل خطيب، ولو رأينا أنه أخطأ أو لان أو داهن أو تشدد أو فرط .. لا تدري قد تكون في يومٍ من الأيام أحوج إليه، فلماذا لا يكون بيننا إعذار بعضنا لبعض والتآخي فيما بيننا، وحمل مواقف بعضنا على أن الأصل فيها إن شاء الله هو الخير وإرادة الخير لهذا الدين، والأمثلة إن شاء الله كثيرة.
    6. مقاطعة مصالح العدو داخل البلاد الإسلامية

      هناك قضية -أيها الإخوة- مهمة جداً يجب أن نتنبه إليها، وقد تكون الحرب قريباً ولا يعلمها إلا الله ولا يقيمها إلا هو، ولو شاء ربك ما اقتتلوا أبداً، ولكنه إذا شاء اقتتلوا متى شاء: الأمر هذا هو أن مجتمعنا هذا ابتلي بلاءً عظيماً، فقد ابتلي بهذه العمالة المجرمة الفاسدة المشركة، التي خالفنا فيها مخالفة صريحة قول النبي صلى الله عليه وسلم: {لا يجتمع في جزيرة العرب دينان} .. {أخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب} العمالة الحاقدة من هندوس مجرمين متعصبين .. من نصارى حاقدين كالفلبينيين مثلاً عندهم من الحقد على هذا الدين شيء عجيب جداً، ومع ذلك البلاد ممتلئة بهم، المدن مثل جدة النسبة لا تقل عن (60%) بل قد تكون (70%) من هؤلاء.
      إن من أهم ضروريات الحياة: الأمن، ضع الماء والهواء والغذاء والرابع يجب أن يكون الأمن في هذه الحياة، فلا يمكن أن تقوم الدعوة إلا به، ولا تستطيع أن تدعو إلى الله ولا أن تبلغ دين الله إلا إذا كان هناك جو آمن، أمنت فيه على نفسك وأهلك ومالك، وأمن هذه البلاد خصوصاً بلاد الحرمين ضرورة لكل داعية ولو كان في أبعد أقطار الدنيا، فما بالك بنا نحن هنا؟ أمن الحاج وأمن المعتمر والزائر والعاكف والباد عند هذا البيت الحرام، وأمن نشر العلم.. الأمن نحن نحتاجه دائماً وأبداً.
      أقول: يجب أن يعلم الجميع وأن ننبه الناس إلى هذا: أن أمن هذه البلاد هو أمننا جميعاً، هو أمن للإيمان والإسلام والدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويجب أن نحافظ عليه بكل وسيلة، ومن ذلك: أن نفكر فيما لو حصل حرب لا قدر الله أن يكون لدينا الوعي والإحساس والشعور بأن يجب أن نكون جاهزين، ونتعاون مع المكلفين بالأمن من الشرطة والهيئة وغيرهم، كلنا يجب أن نكون محافظين على أمن هذه البلاد، قد يكون بشكل عمل دوريات، أو بشكل تنظيم معين يرتب له في الأحياء أو شيء من هذا.
      المقصود أن نكون واعين حذرين جميعاً فيما لو نشبت أو قامت هذه الحرب، وخاصة عندما يجد هؤلاء الكفار أن المسلمين يقتنون ويدعون ويتفاعلون مع أحداثها بغيرة وحماس، وهذا لا بد أن يقع إن شاء الله تبارك وتعالى، فربما أيضاً الآخرون -قاتلهم الله- يفكرون في أن يعبروا أيضاً عن شيء من هذا فينبه إلى ذلك، سواء كان سرقات أو نهباً أو قطع طريق، أو أي شيء يجب أن نكون حذرين وواعين ومتنبهين إلى مثل هذا الأمر، وأن نحافظ بقدر ما نستطيع، وننفذ بقدر ما نستطيع، وأكثر من ذلك.
    7. ضرورة الإحسان إلى الناس

      القضية الثانية التي أريد أن أنبه عليها هي: ضرورة الإحسان إلى الناس، أن نكون حاضرين في كل موقع، وتتفاعل المساجد وتتحرك، ويصبح المسجد مثل الخلية لدرء أي خطر لا قدر الله، افرض -مثلاً- لو حصل نقص في الغذاء أو احتاج بعض الناس إلى دواء، أنتم وفقكم الله من مساجدكم ومواقعكم الدعوية تكونون خير من يجتمع الناس عليهم، ومن يدعون الناس إلى أن يأتوا ويتصدقوا على المحتاج، وأن يرأفوا بهذا، وأن يحموا هذا المكان، أو يحرسوا هذه القضية، أو أي شكل من أشكال الخير والإحسان والخدمة لهذا المجتمع المسلم الطيب ولله الحمد.
      فبذلك نجد أننا نغيظ العدو ولله الحمد، وتجتمع قلوبنا وتتعاون على الخير، وبذلك يأتي النصر؛ لأن أم المؤمنين خديجة رضي الله تعالى عنها لما بشرت النبي صلى الله عليه وسلم قالت: [[كلا! والله لا يخزيك الله أبداً]] لماذا؟ لأن من يغيث الملهوف، ويعين على نوائب الحق، لا يخزيه الله أبداً، فمواقف الأزمات هذه تكثر الحاجة والدواعي إليها.
      وربما بعض الناس ضرب على قلبه بالشح فلا يتصدق، وربما بعض الناس يظن أن الأمور فيها شيء أخطر مما يتوقع، فيستأثر عن إخوانه المسلمين وعن جيرانه.
      فيجب أن يرى الناس من الدعاة ومن الأئمة والخطباء وأهل الخير الإيثار والتضحية والحرص على أمن الناس وإطعامهم وإيوائهم وعلاجهم أيضاً لمن يستطيع.
  7. وعد الله بنصر هذه الأمة

    هذه من الأمور التي أحببت أن أنبه الإخوة عليها، ونختم بأمر وهو تبشير الإخوة مرة أخرى، نبشرهم ونبشر الأمة بنصر الله، فإن الله سبحانه وتعالى كما جاء في الحديث جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: {بشر هذه الأمة بالسناء والرفعة والتمكين} الله تبارك وتعالى جعل النصر والفوز والعاقبة للمتقين، ولهذه الأمة بالذات، أمة محمد صلى الله عليه وسلم مهما طال الزمن.
    الحمد لله فالإجماع العالمي على نبذ العدوان، وما يحصل من أمريكا وغيرها إنما هو غطرسة وغباء وحماقة، الكل بدأ يعبر بعبارات نحن لا نستخدمها، ولكن من أنفسهم يستخدمونها، هذه إحدى المبشرات والحمد لله.
    ثم الوعي الذي يحصل لهذه الأمة، فهذا الوعي عندما نجد أنه انتشر وينتشر في كل مكان والحمد لله، في الفلبين وأندونيسيا وجنوب شرق آسيا، ثم شبه القارة الهندية بتعددها، ثم في العالم العربي، ثم في أفريقيا، هذه كلها تدل على أن هذه المعركة هي بداية خير بإذن الله تبارك وتعالى.
    وأقول للإخوة دائماً: لعل الله سبحانه وتعالى أن يحفظنا وإياكم إلى مثل هذا اليوم، وفي العام القادم نقول للإخوة: الحمد لله الذي حقق أملنا، والحمد لله الذي خيب أعداءنا، وهزمهم بإذنه تبارك وتعالى.
    هناك نقل واحد فقط أقوله لكم كتبه أحد الأمريكان المتخصصين في الفكر في هذا الشأن، مما يبشر هذه الأمة إن شاء الله، يقول: إنني درست وتتبعت تدخلات أمريكا في كل دول العالم فوجدتها دائماً تنتهي بأهداف خائبة، ولم تحقق في يوم من الأيام هدفاً واحداً.
    ثم قال: انظروا الحرب الصينية عام (1945م) بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، ثم الحرب الكورية، ثم الحرب الفيتنامية في جنوب شرق آسيا، ثم الحرب في الكنغو، ثم تشيلي، ثم في جواتيمالا، ثم في أمريكا اللاتينية، ثم في بنما، وآخر شيء في أفغانستان، كلها لم تحقق أمريكا في أي تدخل من تدخلاتها أهدافها التي أعلنتها أبداً، ولم تحقق الديمقراطية التي تدعيها، بل كل هذه الشعوب التي تقول: إنها ما تدخلت إلا من أجلها أو أصدرت حكومات من أجلها، كلها تلعنها وتسبها وتعاديها.
    سبحان الله! على اختلاف الأديان والملل، انظروا إلى كوريا الآن، أكبر حرب شنتها أمريكا قبل فيتنام الحرب الكورية، فما الذي أنجزته؟ الآن كوريا الشمالية شوكة تقف لها .. كوبا عبارة عن جزيرة صغيرة لا تنتج إلا السكر لكنها في خاصرة أمريكا، لم تستطع أمريكا أن تسقطها، وتتمنى أن تسقط كاسترو في أي لحظة لكن لم تستطع.
    هذه أمريكا التي يعطيها العالم الهيلمان! أيضاً تشيلي، السلفادور الهندي، بالنسبة لذلك اليوم لما كان المعسكرين الاشتراكيين، يعتبر من أشهر الزعماء المشهورين في العالم؛ لأنه عن طريق الانتخابات وصل إلى الحكم الحزب الاشتراكي، وفي أمريكا الجنوبية، فكانت مشكلة .
    الآن لا يوجد أحد في تشيلي إلا ويلعن الأمريكان، ولا يستطيع أي أمريكي تقريباً أن يعيش في تشيلي وهو آمن، ثم مضى على هذا سنوات من عام (1973م) .
    أيضاً الكنغو أيام الزعيم المشهور لوميمبا وربما سمعتم عنه أيام عبد الناصر وتيتو وهذه المجموعة كلها، كل هؤلاء لا يوجد الآن لـأمريكا موضع قدم في بلد من هذه البلاد رغم أنها تدخلت وخسرت خسائر هائلة، في الحرب الكورية القتلى سبعة ملايين، حرب هائلة جداً، انتهت الحرب الكورية والآن كوريا الشمالية أقوى ما تكون في أي مرحلة من مراحلها، لا يوجد فائدة.
    كل تدخلاتها سافلة وخائبة ومهزومة؛ لأنها لا تريد وجه الله، إنما الذي يدفعهم صناع السلاح والتجارة، فإذا باع كل ما عنده جمع أوراقه وأخذ شيكاته وذهب وترك الحكومة، ثم يسقط الرئيس ويأتي رئيس آخر، ويأتي حزب آخر، أو تتورط الدولة فلا يتدخل.
    ومن العجائب التي تكلم بها قال: التدخل في الصومال، فمع الفقر والجوع والشتات لم يستطع الجيش الأمريكي أن يقبض على حسين عيديد ولم يستطع أن يسيطر على مقديشو فخرج وهو يجر أذيال الهزيمة من الصومال.
    أما في أفغانستان فبفضل الله سبحانه وتعالى ولعلكم سمعتم بالأمس القريب فقط اضطروا إلى إرسال تعزيزات قوية في شرق أفغانستان ؛ لأن العمليات هناك أقلقتهم وأزعجتهم ليل نهار، ولا يستطيع الأمريكان في أفغانستان أن يخرجوا خارج المعسكرات التي حاصروا فيها أنفسهم في أسوار وراءها أسوار، ومن يحرسهم يتعرض دائماً للضرب، وكثير من الدول تريد أن تنسحب نهائياً، مثل: ألمانيا وأستراليا، ولم يتحقق هدف من أهدافهم، لا السيطرة على البلد، ولا مد أنابيب النفط، ولا القبض على أسامة بن لادن ولا الملا عمر، كلها ولله الحمد فشلت وخابت.
    فنحن نقول هذا للطمأنينة إن شاء الله، ونجدد ثقتنا في الله، وثقة إخواننا جميعاً، ونقول: يا إخوان! فلندع إلى الله، ولنجتهد في هذه الدعوة، ولننشر هذا الدين، كما أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولنصبر على التضحية في سبيل ذلك، ولا نشك لحظة واحدة في أي أمرٍ بأن العاقبة لهذا الدين، وأن النصر بإذن الله سبحانه وتعالى، وأنه سيكون من نصيب هذه الأمة، وعلينا أن نعمل جميعاً على أن نجعلها صفاً واحداً، ويداً واحدة تجاهد في سبيل الله، وتدعو إلى الله، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، لتحصل على ما وعدها الله تبارك وتعالى من الخيرية والنصر: ((كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ))[آل عمران:110].
  8. الأسئلة

    1. موقف علماء الأزهر من ضرب العراق

      السؤال: ما رأيكم في إعلان الأزهر الجهاد في حال ضرب العراق؟ وماذا لو تبنى هذا الإعلان هيئة كبار العلماء في المملكة؟
      الجواب: الحمد لله! هذا من المبشرات، ربما كنا نظن يوماً من الأيام أن الأزهر لن يفعل شيئاً، أو أن علماء مصر لا خير فيهم، ولكن الحمد لله الأمة تحسنت، وصلح كثير من أحوالها، شعرنا بذلك أو لم نشعر، ومن ذلك هذا الشعور فعلاً عند علماء الأمة بالأهمية والواجب الذي عليهم، وبدعوتهم إلى ذلك، فالحمد لله على صدور مثل هذا البيان، ونسأل الله عز وجل أن يكون فاتحة خير في مواقف شيوخ الأزهر وعلمائه من العقيدة الصحيحة، والإيمان الصحيح، وإعادة الأمة إلى المنهج الحق في الدعوة إلى الله تبارك وتعالى والعلم النافع بإذن الله، ونرجو أن يستكمل رجال الأزهر وعلماؤه هذه المواقف أيضاً، فيبينوا تحريم الربا، ولا يسمحوا بإباحته، ويلغوا ما في مناهج الأزهر وغيره من بقايا علم الكلام أو الفلسفة أو تأويل الصفات وما أشبه ذلك، حتى تتحد الأمة وتتحد القلوب، ونرجو ذلك إن شاء الله وندعوهم إليه ونجتهد ونتعاون معهم في هذا بحول الله وقوته.
    2. مباشرة القتال في العراق ضد أمريكا

      جاء أكثر من سؤال عن قضية مباشرة القتال في العراق ضد الأمريكان، ونحن يجب أن نكون واقعيين وما نعرفه أو نستطيع أن نتحدث عنه نقوله، وما لا ندركه نتوقف ونتبين الأحداث حتى تتضح، وكما قلت: المعركة مستمرة وطويلة ودائمة، لا تعتبروا الآن أن معركة أفغانستان انتهت حتى نقول: معركة العراق تنتهي كما يظنون في يوم أو يومين.
      القضية أن عندنا غموضاً، هناك غموض في ماذا سيفعل العراقيون؟ لا نعلم بالضبط، هناك من يقول من المعارضة العراقية وغيرها، ولكن ليست المعارضة العراقية وحدها هي التي ستفرح بزوال هذا الطاغوت وهذا الاستبداد، ويستقبلون الأمريكان بالورود وكذا، لا نعلم.
      والآخرون يقولون: لا. ستكون مقاومة شديدة، ولكن أيضاً لا نضمنها دائماً.
      فالقضية ستبدأ حرباً جوية، كما يبدو من استشفاف الأحداث، والحرب الجوية قد تستمر فترة، وإذا طالت الحرب الأمريكية عن أسبوعين وخاصة أن أمريكا موقفها كل يوم يتدهور، فأعتقد أن أكثر من أسبوعين سيجعل الموقف الأمريكي يبدأ ينهار، أنا أعتقد أن الجندي الأمريكي والبريطاني سوف تكون معنوياته منهارة، وقد سمعنا عن رسائل كتبوها لأهليهم يتحدثون فيها عن الانهيار النفسي الذي يعيشونه، فهذا الطرف في هذه الحالة.
      لكن هل الطرف الآخر سيقاتل؟ لو صمدوا فترة فالنصر وهزيمة هؤلاء ليس صعباً، وحقيقة نقول: الفوضى التي قد تحدث لهم سياسياً وعسكرياً قد تكون خطيرة جداً، حتى إنها قد تقوض واقع الرئيس أو الحزب الجمهوري كله في أمريكا، وأنا أتوقع هذا إن شاء الله، لكن بصراحة لا نضمن ماذا سيفعل الطرف الآخر، هناك من يأتي يشتكي أنه يعاني من الجوع ومن المشاكل، وأنهم موعودون بأن يعطيهم الأمريكان الرفاهية والديمقراطية إلى آخر الكلام الذي تخدع به الشعوب أحياناً عندما تكون في حالة ضعف وجوع وقهر وكبت قد استمر سنوات طويلة.
      نقول: لا شك أن الواجب الشرعي أن يقاوموا، وحينئذٍ يجب على إخواننا المسلمين أن ينصروهم كل بما يستطيع، وأبشركم أنه لو حصلت مقاومة في العراق فلا شك أن الدائرة سوف تكون على الكفار بإذن الله، والشعوب الإسلامية سيكون فيها ما لا تتوقع، سيأتي منهم من لا يُتوقع، الشعب التركي عندما يقف ويتظاهر ويرفض أن تستخدم أراضيه هذا من أحد المبشرات.
      إن كثيراً من الناس لا يدرك مشكلة تركيا، الجيش التركي من يصلي فيه يطرد، فهو جيش صهيوني، والجيش الأمريكي نفسه يحق لك فيه أن تصلي، ولك شعائر تقيمها بحرية، لكن الجيش التركي من صلى فيه يطرد، فهم صهيونيون ويهود مرتدون أكثر من اليهود الذين في فلسطين، وحقيقة يراد أن تكون تركيا هي إسرائيل الثانية وأمريكا إسرائيل الأكبر الثالثة.
      فالحمد لله أن الذي حصل هو أن الشعب قام وضغط على البرلمان، والبرلمانيون فيهم إسلاميون، ولكن حتى الآن لم يوافقوا على فتح الجبهة، ولا شك أن هذا مما أضعف الموقف الأمريكي كثيراً في هذه الأيام، وهذا يدل على أنه من الممكن أن يقاتل الأتراك والأكراد وغيرهم الأمريكان، ثم الأمريكان متى كانوا أوفياء!! أنا أتعجب من المعارضة العراقية وبعض الدول العربية التي تقف هذا الموقف الضعيف المتخاذل، متى كانت أمريكا وفية مع أي حليف لها؟
      ما حالفها أحد إلا ندم، ولا صادقها أحد إلا ندم، وتتركه في أي موقف وفي أسوأ موقف تتخلى عنه وتتركه ولا تبالي بما قدم وما خدم، ماذا فعلت بالشاه؟ ماذا فعلت في أندونيسيا؟ ماذا فعلت في أمريكا الجنوبية؟ حتى في فيتنام قاتلوا معها سنوات طويلة جداً، وآخر شيء أرسلوا طائرة مروحية نزلت في السفارة وأخذت الأمريكان وتركتهم يقتلون، لا تبالي أمريكا أبداً، ولم تفِ عمرها مع أحد.
      فهذا كله يدل على أن العاقبة ستكون إن شاء الله فيها من الخير ما لا نتوقعه، لكن لا نتعجل، ننتظر ونرى، فلو فتح حتى مجال للدعوة إلى الله من جهة، ومجال للجهاد من جهة هل نعجز فلا نستطيع أن ننصر الدعوة والكتاب من جهة، وننصر المجاهدين من جهة؟
      لدينا العقول ولدينا التفكير، وبهذه المناسبة أقول: إن على كل المفكرين والدعاة من هذه الأمة، كل واحد منا يجب أن يفكر من الآن، لا نجد شخصاً واحداً يتفرد برأي، بل نفكر جميعاً، وإذا أتيح لنا أن نسمع من إخواننا في العراق ماذا يريدون وماذا يعملون سوف تتغير الصورة كلياً، لكنها الآن في موقع لا نستطيع إلا أن نقول: اصمدوا وجاهدوا وقاوموا وندعو لهم، أكثر من هذا لا نستطيع؛ لأن الوضع فيه غموض من هذا الجانب.
    3. حكم الجهاد في هذه المرحلة الراهنة

      السؤال: ألا ترون بأن من ينادون بقيام الجهاد الآن في ظل عدم التوازن للقوى التي أمرنا الله بإعدادها هو نوع من التهور الذي قد يهلك الحرث والنسل؟
      الجواب: في الحقيقة لابد من مقاومة، لكن ليس الإشكال أن يوجد فينا من يقاوم، بل ينبغي أن يوجد من يقاوم وينبغي أن يحصل على التأييد، والحمد لله الآن الجبهات الموجودة في فلسطين وأفغانستان والفلبين والشيشان قائمة، وجزاهم الله كل خير، والأمة معهم، لكن الإشكال عندما نظن أن من هذا المنفذ وحده وبهذه الطريقة وحدها نعمل، وما عدا ذلك نشطب عليه أو نلغيه، أو يأتي الطرف الآخر ويقول: لا. هذا ليس له أي صلة ونلغيه، ولعل أكثر كلامي نحو هذا.
      نحن نقول: كل على ثغرته، فلا شك أننا الآن لسنا في وادي استعداء القوى العالمية علينا، ونحن لسنا مستعدين لمواجهتها، لكن هل معنى ذلك أن نكون نحن وإياهم أصحاباً، وتأتي العولمة والسياحة والخصخصة ونكون عندهم عمالاً، ونفتح القنوات الفضائية في بلادنا؟! لا.
      نحن نقول: يجب أن تُعد الأمة إعداداً كاملاً بالإيمان بالله سبحانه وتعالى وبالترابط، وكما أشرت لا ندع ثغرة يدخل منها هذا العدو علينا، لا نستثيره ولكن نفرح بطول الزمن أو طول النفس الذي نكسبه نحن حتى نعد أنفسنا، لا نقول: للدفاع بل نقول: إن شاء الله لمهاجمته، نحن لدينا ثقة -ولله الحمد- أننا سنفتح أوروبا، فليس فقط ندافع فنحن الآن في موقف دفاع.
      فنحن لدينا إيمان صادق بإذن الله بأننا سوف نفتحها، ولكن كيف نفتحها؟ إذا هيأنا هذه الأمة لكي تنطلق وتصبح جميعاً في ميدان واحد، فنحن ينبغي ألا يكون لدينا انحراف، لا ذات اليمين ولا ذات الشمال.
      فلا ننكر أهمية الجهاد وفضله أو نقلل من شأنه كما يفعل البعض، بل ننصر إخواننا المجاهدين بأي سبيل، وفي نفس الوقت كل منا من موقعه، أنت في موقعك على ثغرة فاجتهد فيها واحم حوزة الدين من هذه الناحية، وأخوك هناك أيضاً يقاتل.
      أقول لكم يا إخوان وانقلوا هذا عني: لا يوجد الآن جبهة جهادية إسلامية في أي مكان طلبت منا الرجال، إنما يريدون المال والعلم والدعوة، يريدون الإعلام ونشر القضية، أما الرجال فهم موجودون، في الشيشان، الرجال أكثر من السلاح الموجود، وفي أفغانستان كثير جداً، وفي الفلبين أيضاً الحمد لله، وفي فلسطين كذلك.
      فالرجال موجودون والحمد لله، لذلك علينا أن نفكر، هل لا يريدون منا سوى النصر بالوسائل الأخرى؟
      إذاً.. ننصرهم بما نستطيع من هذه الوسائل، هم يحتاجونها ونحن نستطيعها دون أن تأثر على مواقعنا الدعوية في بلادنا، أو إثارة مشكلات كما قد يفعل بعض الشباب، يتعجل في أمور ثم تخرج مشكلات أحياناً تجنح إلى أن نخرج عياذاً بالله عن مفهوم الجهاد بالكلية.
      مثال: عندما يدعو الإنسان إلى الله سبحانه وتعالى كيف يكون حاله؟
      يصبر على الأذى، النبي صلى الله عليه وسلم علمنا ذلك في سيرته، وحكي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمسح الدم عن وجهه ويقول: {اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون} والأنبياء كلهم كذلك، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لقريش: {اذهبوا فأنتم الطلقاء} عندما دخل مكة لم يتشف منهم، وإذا انتصر وانتقم لا ينتقم ولا ينتصر لنفسه قط، ولكن لله، ومن أهدر دمه فلله، وهم قلة، انظروا إلى تعامله!
      وكذلك الدعاة إلى الله، مؤمن آل يس الذي ذكر الله تبارك وتعالى قصته، وقيل: إن قومه اجتمعوا عليه فرجموه وقتلوه ((قِيلَ ادْخُلْ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنْ الْمُكْرَمِينَ))[يس:26-27] سبحان الله! حريص عليهم حتى بعدما دخل الجنة.
      فأقول: انظروا إلى هذا وانظروا إلى حال بعض الشباب أصلحهم الله، يخرج مثلاً من السجن فتتحول القضية عنده إلى الانتقام من الشخص الذي ضربني أو عذبني أو فعل بي كذا وكذا ..، إذاً أين نصرة الدين، والجهاد، والكلام الذي كنا نقوله، أم أن القضية أصبحت قضية شخصية وانتقاماً شخصياً، وهذا مثل شخص في الشارع لقيني فضربني فأضربه، أو حاول أن يعتدي علي فاعتديت عليه، ليس هكذا يا إخوان!
      أقول هذا؛ لأن المسألة دعوة إلى الله، فيها إخلاص وتضحية، المسألة اتباع ومنهاج نبوة، ونحن مطالبون بأن نتبعه، والله لو أمرنا ألا نمد أيدينا حتى نقتل في أي وقت أو في أي لحظة فوالله لنطيعن أمر الله ورسوله مهما حصل، لو أمرنا الله ورسوله بأي أمر يجب أن نتخلص من أرواحنا وأنفسنا والله لنفعلن، لا يكون لذاتنا شيء، إنما يكون ذلك كما كان له صلى الله عليه وسلم، وباتباع الدليل.
      فالمقصود أن الأمة في هذا طرفان، ونسأل الله أن يصلح الجميع ويجمع كلمتهم على الحق.
      أيضاً المعاناة التي قد يعانيها بعض الإخوة في الدعوة إلى الله كما قال الأخ هذا من الإنترنت في أمريكا، نحن سواء ألصقت بنا التهمة الوهابية أو تهمة السلفية لا جديد في هذا، يا أخي! إذا كان قد قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: ساحر وشاعر وكاهن وكذاب، فماذا يزعجزنا إذا قيل: إننا وهابية أو سلفية أو غير ذلك، الحمد لله هذه كلها لا تؤثر عليكم، وبالصبر يا أخي الكريم في أمريكا وفي غيرها، واحتسبوا الدعوة إلى الله تبارك وتعالى، وهذا طريق الأنبياء كله بلاء، ولكن العاقبة لهم بإذن الله تبارك وتعالى.
      بالنسبة لكتاب هرمجدون وأمثاله فلا يستحق إلا أن أقول لك: ضعه في فرامة مباشرة ولا تناقش!! خرافات وكلام ليس له أساس من الصحة، فقد جمع أشياء ليس لها أصل، من مصادر غير صحيحة، وما ذُكر من أحاديث فهي ضعيفة، وفهمه لها خطأ، فضلاً عن الأشياء التي ليست من مصادر الدين، وتأويل في الأسماء والأحداث غريب جداً، فهذه الكتب كلها لا تستحق أن تناقشوها ولا تشغلوا أنفسكم بها وفقكم الله.
    4. دور الخطباء في التناصر والترابط وإنكار المنكر والصدع بالحق

      السؤال: بعض الخطباء يتشجع لإنكار منكر ويصدع بكلمة الحق، فيجد من إخوانه الخذلان والتخلي عنه، فيجب أن نكون بهذه المناسبة يداً واحدة في قول الحق؟
      الجواب: يجب أن نطالب الحكومة وأنا أقوله من هذا المكان، وسأقوله لهم أيضاً بغير هذه الوسيلة، يجب ألا يبقى في هذه الأيام أي خطيب ممنوع من الخطابة من الإخوة كلهم، يجب أن يرجعوا جميعاً للخطابة، فنحن الآن أحوج ما نكون إليهم، نحن الآن لا نحتاج والله للمنافقين والمطبلين والمزيفين، أو الذين يبتعدون عن قضايا الأمة، بل نحتاج هؤلاء الرجال الصادقين الذين يقولون كلمة الحق، يجب أن يعودوا إلى وظائفهم وأعمالهم، وأن يخطبوا ولو خارج المساجد، يجب أن تقال كلمة الحق، لكن ذكرنا بعض القواعد التي لا تغيب عن أذهانكم: أن تكون في حدود أن تكون الأمة يداً واحدة وصفاً واحداً على الباطل، وأن تحفظ عقيدتها وإيمانها وأمن بلدها، ونحن نريد أن تكون الأمة كذلك.
      أما دعاة العلمانية والفساد والانحراف الذين قد يستغلون الأحداث كما حدث في الأزمة الأولى: استغلوا الحدث بعمل مظاهرة نسائية من أجل قيادة المرأة للسيارة، وهذه المرة أنا لا أستبعد لو قامت حرب واشتدت الأمور أن يقوموا بمظاهرة ويعملون أشياء، ويتحركون بأي شكل، فهؤلاء هم الذين يجب أن نجتمع عليهم، ولا يجوز أن يُسكت أحد أو أن ينتقد، أما إذا أخطأ فنعم، يرد إلى الحق ويرجع إن شاء الله.
      فشكوى الأخ من أنه قد لا يجد المعين أنا أقول له: ليس الأمر كذلك إن شاء الله، لكن يجب أن نكون يداً واحدة في هذا المجال، ونتعاون على قول كلمة الحق كتابة وحديثاً ومداخلة في الإعلام إذا استطعنا، وفي الصحف والأشرطة، والحمد لله الوسائل كثيرة، لكن نتحرى الحق ومن أجل الحق.
      أشرنا إلى ما ينبغي على إمام المسجد وماذا يفعل، ومنها: تذكير الناس بالله سبحانه وتعالى، وتثبيت الإيمان في قلوبهم، ومنع تسرب الإشاعات الباطلة والوهن والضعف إليهم، هذا من واجبك يا أخي الكريم، تذكيرهم بالآيات والأحاديث والثقة بالله والتوكل عليه، وأن المستقبل لهذا الدين، وبشائر النصر والصحوة الطيبة والحمد لله، هذا في الخطاب، والقنوت والتضرع والدعاء خاصة عندما يكون إخواننا تحت الضرب، والعدو يعد حرباً خبيثة جداً، وربما يستخدم أسلحة لم تستخدم من قبل، وبإمكانه أن يدمر دماراً هائلاً، نسأل الله أن يخذلهم وأن يكف بأسهم إنه على كل شيء قدير.
      فمن أعظم دفع ذلك: الدعاء والضراعة إلى الله سبحانه وتعالى في النوازل، وهذه من أعظم النوازل، وهذه سنة النبي صلى الله عليه وسلم، والدعاء على الكافرين كما دعا صلى الله عليه وسلم على أعداء الدين.
      كذلك ما أشرنا إلى أن يكون المسجد مكاناً للتعاون على حفظ الأمن ومساعدة المحتاجين، والإيواء والإغاثة والنجدة، أو على أي باب من أبواب الخير، مجتمعنا في المسجد، ومكان لقائنا في المسجد، ومنه إن شاء الله نتشاور وننطلق لمصلحة الحي، ولمصلحة البلد ككل، فدور الأئمة لا شك أنه مهم في هذا.
    5. المجاهرة بالمنكرات وأثرها في الأزمة التي تمر بها الأمة

      السؤال: مع ما تمر به الأمة من أزمة ومحنة، فإن البلاد تعج بالمنكرات الظاهرة وتزداد يوماً بعد يوم؟ الجواب: هذه من أسباب ظهور الغلو عند بعض الشباب، إما في تكفير المجتمع أو تكفير الأعيان، وإما في استخدام وسائل لا تصلح ولا نقرهم عليها جميعاً، لا شك أن من أجل أن يقف الغلو يجب أولاً إيقاف الفساد، وإيقاف أسباب الغلو في هذا البلد وفي غير هذا البلد، ثم كيف نستجلب نصر الله تعالى ونحن نزداد في المعاصي والمنكرات. إن من أعظم ما يستجلب به نصر الله تعالى: التوبة والاستغفار والإنابة والرجوع إلى الله عز وجل، والضراعة والبكاء والندم على الذنوب، وتجديد العهد بالله والصلة به سبحانه وتعالى، والإنابة والإخبات، هذه من أعمال القلوب العظمى التي جاءت في كتاب الله سبحانه وتعالى، والتي عملها النبي صلى الله عليه وسلم والأنبياء من قبله، حتى ينصرنا الله عز وجل على أعدائنا هؤلاء وعلى غيرهم من الأعداء، وحتى تذهب الأمراض والآلام والهموم والغموم، فليست المشكلة فقط من العدو، بل ما من ذنب ولا شر في هذه الدنيا من نقص في الثمرات أو بلاء أو هم أو غم أو مرض إلا وأصله الذنوب والمعاصي، وترك طاعة الله تبارك وتعالى. فبقدر ما نستقيم على أمر الله يرزقنا الله تبارك وتعالى، ويمددنا بأموال وبنين، ونتوفق في اقتصادنا وحياتنا ويُبارك لنا فيما أعطانا، ويؤمنا في مجتمعنا، وينصرنا على أعدائنا، وكل خير يأتي نتيجة الاستقامة على دين الله، واتباع السنة والتزام الطاعة، وكل شر إنما يأتي من مخالفة هذه، ومهما زُين لبعض الناس أو أملي لهم أو استدرجوا من حيث لا يشعرون ببعض النعم، فوالله لا تكون عاقبة الترف والبذخ والانغماس في المعاصي إلا محق هذه النعمة وذهابها وزوالها والعياذ بالله.
    6. ضرورة الاستعداد الاقتصادي للمرحلة القادمة

      السؤال: ما دامت خطة العدو المستقبلية هي فرض الحصار علينا وعلى النفط وعلى غيره، فلماذا لا نستعد اقتصادياً بأن نجتهد بالاكتفاء الذاتي من الماء والغذاء والرجوع إلى نوع من الأساليب البدائية للحياة؟
      الجواب: الحقيقة هذا اختراع عظيم جداً، لكن المقصود فعلاً أن نخشوشن وأن نستعد، ومن ميزة الحياة قبل هذا الترف الذي جاء مع النفط، كانت الحياة متكاملة في ذاتها، يمكن القرية والقبيلة والمجتمع فيها كل الصناعات وكل ما تحتاج إليه، وما كان ينقصها شيء، وتذكرون الدواب مثلاً: الصوف يصنع الملابس، والجلود تصنع منها الأواني، حتى الخشب كذلك، حتى عظام الحيوان من الذبائح توضع في القربة أو كذا ..،لم يكن هناك ما يرمى، كانت الأمة تستفيد من كل طاقاتها، وتوفر رمي قمائم وتوفر كثيراً من المشاكل، وتكفي نفسها بنفسها بإذن الله تبارك وتعالى، لكن نأسف الآن أن الاعتماد أصبح على التصدير، وتزدحم الموانئ بالكماليات، ليس كل ما في الموانئ هي الضروريات، أكثرها كماليات لا داعي لها، اذهب إلى أحد الموانئ وسترى العجب العجاب من أشياء لا داعي لها أن تأتي أبداً ولا تستورد، وبهذه الطريقة أصبحنا عالة عليهم، وأصبحنا نخاف من أي حدث، بينما لو كان لدينا إمكانية الاكتفاء الذاتي، فهذا يؤسس القاعدة التي تقوم عليها المقاومة للعدو.
      وإذا كنا لا نقدر كبلد أن نكتفي ذاتياً فنحن نخاطب الأمة الإسلامية، لسنا بلداً واحداً، الأمة الإسلامية واحدة، فما في اليمن من زراعة وما في مصر من خير وما في السودان كذلك، إذا اجتمع ما في هذه الجزيرة فهذا يعطي هذا نفطاً وهذا يعطي هذا قمحاً وهذا كذا، نستطيع هذا، ونحن ولله الحمد الأمة الوحيدة التي يمكن لها أن تتكامل وتستغني عن العالم، لكن العالم لا يستطيع أن يعيش من دوننا.
    7. الخوف والهلع على الدنيا جراء الحرب على العراق

      السؤال: ما رأيكم فيمن دب الهلع في قلبه من غياب هذه الحضارة من جراء الحرب على العراق؟
      الجواب: لا تخف، ليست قضية الحضارة ولا شيء، بل كثير من الناس فعلاً لديه هلع من الخوف على الدنيا، يا أخي! ديننا وإيماننا أغلى من كل شيء، وبالعكس أنا أعتقد أنه بإذن الله تبارك وتعالى إذا صمدنا سوف نزداد عزاً بإذن الله عز وجل، وستفتح علينا الدنيا أكثر فأكثر نسأل الله ألا تفتنا، وهم -قاتَلَهم الله- يريدون هذا، يريدون أن يعطوا نوعاً من الانبساط في المنطقة أو الرخاء أو التحرك الاقتصادي ويقولون: تعالوا اشتغلوا في العراق فالأراضي رخيصة، وتحركون رأس المال، حتى يقول الناس: منذ جاءت أمريكا جاءنا الخير، منذ أن فعلت كذا جاءنا الخير، وهذا من الأهداف، لكن المهم عندنا ليس أن الدنيا قلت أو زادت، وهذا على أهميتها فلا نهملها، المهم هو زيادة الإيمان، أن نزداد إيماناً بالله تبارك وتعالى، وأن نعمل من أجل هذا.
    8. أهداف الدول الغربية التي وقفت ضد الحرب على العراق

      السؤال: أمة الكفر واحدة ويتكالبون علينا، لكن نلاحظ أن فرنسا وغيرها ترفض الحرب، هل هذا ذر للرماد على العيون من فرنسا وغيرها، والله تعالى يقول: ((وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ))[البقرة:120]؟
      الجواب: الحقيقة أن هناك أمراً يجب أن ننتبه إليه: وهو أن كون الكفار يكرهوننا جميعاً، ولا يريدون لنا الخير جميعاً، ويحاربوننا حتى نتنازل عن ديننا، وكون فرنسا فعلت ما فعلت بـالجزائر وأفريقيا وغيرها من الحرب والتنصير، هذا لا يعني أن يكون الأمر تمثيلاً.
      القضية أن الله سبحانه وتعالى اقتضت حكمته أن يدفع الشر بالشر: ((وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتْ الأَرْضُ))[البقرة:251] حكمة الله ألا تتسلط قوة واحدة مهيمنة، لما سقط الاتحاد السوفييتي قال الناس: القوة العظمى الوحيدة والقطب الوحيد، وغير ذلك من الكلام الفاضي التي تفرح به أمريكا وتبثه في العالم، أراد الله أن تأتي هذه الأزمة، وإذا بـأمريكا ليست هي القطب الوحيد، فعندما تكون أمريكا وفرنسا وروسيا فهذا قطب مهم جداً يجب أن يعتبر، ومعها أكثر العالم في هذا الموقف.
      القضية صادقة، فرنسا وأوروبا كلها سوف تتضرر إذا سيطرت أمريكا، لا حباً فينا، ولا يزال موقفهم منا هو موقفهم، لكن القضية قضية أن مصالحهم سوف تتضرر، لا تريد أي قوة أن قوة أخرى تهيمن فتدعها وترميها وفي النهاية تفتك بها.
      إن مشكلة ألمانيا وفرنسا والاتحاد الأوروبي وهو قوي جداً اقتصادياً، مشكلته البترول في الدرجة الأولى والمواد الخام الأخرى، وإلا فهو قوة هائلة وبالأخص فرنسا وألمانيا، والذي حل المشكلة ضم روسيا؛ لأن روسيا لديها من البترول الخام شيء هائل جداً لم تستطع ولم تعلم كيف تستغله، وهذه الدول الثلاث عندما تكون -وإن كانوا أعداء في الماضي- جبهة واحدة وقطباً واحداً، معنى ذلك أنه يمكن التوازن مع أمريكا في هذا الجانب، الاقتصاد الأمريكي منهار لكن الاقتصاد الألماني قوي جداً.
      لكن أقول لكم: يحسدوننا على النفط والبترول، بينما أصغر دولة أوروبية مثل سويسرا أو هولندا أو بلجيكا أو الدنمارك التي تراها على الخارطة، دخلها أكثر من دخل السعودية من البترول، وبعض هذه الدول دخلها أربعة أو خمسة أضعاف دخل السعودية من البترول، أو دول الخليج، لكنهم لا يرون أنفسهم، ودخل هولندا من البقرة أكثر من دخلنا من النفط، هذا واقع وهذه حقيقة.
      فالاتحاد الأوروبي يشكل شيئاً كبيراً جداً، فمعدل دخل الفرد في الدول العشر الأولى ما عدا كندا وأمريكا من الاتحاد الأوروبي في ارتفاع دخل الفرد، فمتوسط دخل الفرد فيها يصل إلى حد (30) ألف دولار، الكاكاو الذي في أفريقيا مثل البترول عندنا هنا، العامل الأفريقي وهو يأتي بمائة عامل يشتغلون ليل نهار من أجل أن يحملوا شاحنة ثم يعطوهم فقط بقدر ما يأكلون، الشاحنة هذه يُعمل منها قطعة كاكاو صغيرة بدولار، حق العمال كلهم قطعة صغيرة، ثم يصدرونه إلى هناك.
      الخيرات في أمريكا الوسطى وأمريكا الجنوبية، وخيرات النفط التي هنا، كلها يمتصها الإنسان الأوروبي، يأخذون البترول منا خاماً، وعندما يكررونه يستخرجون منه أنواعاً لا حصر لها من الأغذية والملابس والعطورات وغيرها، ثم تذهب أنت تشتري شيئاً صغيراً فيه نقطة من البترول بثلاثمائة أو بأربعمائة ريال، وقس على ذلك.
      فالاتحاد الأوروبي يعيش هكذا، واقتصاده متقدم جداً، فهم لا يريدون أن أمريكا تسيطر على كل شيء، على البترول، وعلى المنافذ، وعلى ما في العراق، ثم أيضاً تحقق الصهيونية أهدافها.
      وهناك شيء مهم جداً، وهو أن أكثر شعب في العالم يعادي اليهود هم الروس، لا تظنوا أنهم العرب، بالعكس العرب قبل قيام دولة إسرائيل في القاهرة وفي دمشق وفي صنعاء وفي كل مكان،لم يكن هناك عداوة معهم، العداوة في أوروبا وخاصة الروس، لا يطيقون اليهود بأي شكل من الأشكال.
      فهناك عدم سيطرة الصهيونية الغربية والرأسمالية الغربية، وهذا موجود، وفي روسيا هذه معركة معلنة، لأن فيها طرفين: طرف يميل إلى الصهيونية واليهودية الأمريكية وطرف آخر مع الوطنية الروسية، وهكذا ... فالله تعالى يجعل دائماً صراعات، مثلما يوجد أيضاً داخل الحزب الواحد وداخل البلد الواحد.
      فهي ليست من أجلنا أو من أجل ديننا أو غير ذلك، ولكن من أجل مصالحهم، لكن ما دورنا؟
      ألسنا نحن أولى أن نذهب إلى الدول الأفريقية الصغيرة وغيرها ونطلب منها أن تصوت ضد الحرب، أم أن وزير خارجية فرنسا هو الذي يدور عليهم؟
      سبحان الله! الحرب علينا وندفع ثمنها، وضد عقيدتنا وبلادنا ثم نترك غيرنا يتكلم عنا أو ينوب عنا؛ لأنه يرى مصلحته في ذلك.
      هذا من الخذلان والعجز الذي ابتليت به الحكومات العربية والإسلامية نسأل الله العافية، بينما هذا وقتها لتتحرك، وترفض وتستنكر، أقل شيء تحرك العالم كله معنوياً، تحركه إعلامياً، ولذلك قام هؤلاء بذلك، ونحن نقول: حقيقة ينبغي أن يكافئوا.
      بمعنى آخر: ممكن ألا يتحول هذا إلى مشروع فيما بعد، ونحن نرى إذا صدقت هذه الدول في مواقفها مثلاً من الحرب فنحن لدينا هذه الحاجة البسيطة وهي المقاطعة، يمكن أن نقاطع البضائع الأمريكية، ونضع أي بضاعة أمريكية يشترى مقابلها بضاعة ألمانية أو فرنسية إذا بقيت فرنسا ضد أمريكا .
      ثم نطلب منها أن تقوم ضد إسرائيل وهذا ممكن جداً، أن يدفع الله هؤلاء بهؤلاء، حتى نتقوى ونستطيع أن ندفع عن أنفسنا الشر بإذن الله تبارك وتعالى.
      وبالنسبة للقنوت فهو لا شك فيه خاصة عندما تبدأ الحرب، نسأل الله أن يدفع شرها، فلا شك أنه مهم جداً وقد أشرنا إليه.
    9. كيفية الجمع بين الجهاد والتربية

      السؤال: كيف نجمع بين قولنا: إنه لا يزال ينقصنا قدر كاف من التربية، وبين أن المواجهة يجب أن تكون من جميع أصناف الأمة؟
      الجواب: أنا قلت: نجمع الأمة كلها للمواجهة، وأثناء ذلك نربيها، وهذا الجمع هو من التربية، لاحظ أنك لا تستطيع أن تجمع كل شخص لمعاداة اليهود والنصارى، لكن هذا الذي فيه الخير الذي يأتي إلى المسجد مثلاً، وعندما يكون معك في المعركة وفي المواجهة ولو في المقاطعة، فإنك تجد أن حاله قد تحسن، وهذا شيء مجرب، بعض الإخوان عندما بدأ يقاطع بعض البضائع وبعض الأشياء بدأ يحس أنه قد أصبح مع أهل الدين، وأصبح أولاده وأطفاله يقولون: الحمد لله نحن لا نشتري هذه البضائع.
      لاحظ خطوة واحدة عُملت أو خطوات فأصبحت تعبر عن ولاء وبراء واعتقاد، فلما دخل ضمن دائرة الولاء والبراء معنى أن هذا تحول جيداً، فنزيد أكثر وأكثر فنقول له: يا أخ! القرآن والدعوة والاستقامة والدين.
      النبي صلى الله عليه وسلم وهو رسول الله وأعظم المربين توفي والناس فيهم: أبو بكر وعمر والأعراب والمنافقون وضعاف الإيمان، فنحن لا نستطيع أن نجعل الأمة كلها على مستوى نريده، لكن علينا أن نرفع هذا المستوى بقدر الإمكان، وسيظل فيها ضعاف الإيمان، وسيظل فيها المقصرون، ولكن نحاول ألا نجعلهم مع العدو.
      وكما قلت وأعيد: إذا وجد العدو ثغرة وموضع قدم، دخل من قبل هؤلاء إلينا، لكن عندما يكونون معنا على ما فيهم من تقصير لا يجد العدو منفذاً، وهذا أمر مجرب ومشاهد في أفغانستان، فكان هناك التحالف الشمالي، وهناك المعارضة العراقية وغيرها لا قدر الله، وفي هذا البلد من العلمانيين والمفسدين أو الروافض أو أشكالهم.
    10. خرافة لجريدة عكاظ في خروج الدجال

      السؤال: نشروا في جريدة عكاظ أمس أن الدجال خرج وأن صورته في الجريدة ولديه عين واحدة؟
      الجواب: انظروا كيف -والعياذ بالله- إفساد العقائد وتدميرها، وإشاعة مثل هذه الإشاعات، وهذا كله من الخرافات التي يجب أن ترفض، ويجب أن يكلموا في هذا، ومن اطلع يجب أن ينكر، ولا يحتاج أن نقول لكم: ماذا تقولون لهم في مثل هذه الحالة.
    11. حال الأسرى في كوبا

      السؤال: ما حال الأسرى في كوبا ؟
      الجواب: أنا ليس عندي شيء جديد، وكل ما في الأمر أن من يرسل رسائل منهم يبشرون -ولله الحمد- بالثبات، ويستبشرون خيراً، ولعله من أجل كسب مشاعر المسلمين قد يطلق البعض منهم أو يسرح كثير منهم قبيل بداية الحرب أو معها.
    12. اقتراح للخطباء

      السؤال: أقترح على إخواني الخطباء بموافقتكم أن يكون عنوان الخطبة القادمة أو التي تليها: واجب الأمة عند نزول الغمة؟ الجواب: حسناً يمكن هذا، المقصود هو ما يدور حول هذا، فهو موضوع الساعة.
    13. حكم الدعاء على المعين

      السؤال: ما حكم الدعاء على أشخاص بعينهم كـشارون وبوش وأمريكا وبريطانيا وهكذا؟
      الجواب: سنة النبي صلى الله عليه وسلم أنه دعا على أقوام بعينهم، مثل: رعل وذكوان وعصية، فالدعاء على المعين ليس فيه مخالفة لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك ينبغي أن يقال: اللهم أهلك أعداءك، أو أهل الكتاب، كما علم عمر رضي الله تعالى عنه الصحابة، أو كفرة أهل الكتاب الذين حاربوا دينك وقاتلوا أولياءك، مثلاً، ويمكن أن يقال: أمريكا وبريطانيا .
      والحقيقة لم أفهم وجه من قال: لا يسمون أبداً، والنبي صلى الله عليه وسلم سمى، ومن لم يسم أو عمم جميع الأعداء فإن شاء الله ليس هناك أي حرج في هذا، والقدوة هو رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    14. حال المسلمين في إريتريا

      السؤال: قرأنا في الإنترنت أن النظام النصراني في إريتريا أعدم عدد مائة وخمسين رجلاً وهم أو غالبيتهم من الدعاة، وفيهم من خريجي جامعة المدينة المنورة، نرجو منكم الدعاء لهم في هذه الليلة المباركة؟
      الجواب: نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبل من قتل منهم شهيداً عنده، وأن ينصر الأحياء، وأن ينتقم من هذا النظام الخبيث وأمثاله من الأنظمة، وأن يسلط عليهم وأن يدمرهم، وشكر الله للأخ الذي دلنا على ذلك.
    15. واجبنا تجاه المجاهدين

      السؤال: أليس المجاهدون أولى بالإعذار عند الاختلاف معهم في طريقة التعامل مع الواقع، وهذا أولى من التهجم عليهم وتسفيه اجتهاداتهم، والانتصار لرأينا؟
      الجواب: نحن نقول: المجاهدون هم أولى الناس بأن يعتذر لهم، وأولى الناس أن يحبوا في الله وأن ينصروا وينصاحوا، إنما نحن نعرف أنه ليس هناك أحد معصوم، وأعود وأقول: إن المشكلة هي أن الشخص يقصي الآخر تماماً، ويعتبر أن هذا المجاهد وهذا مخذل أو مخذول، أما من قام بهذا الأمر العظيم وهو ذروة سنام الإسلام، فوالله إنا نحبهم ونشكرهم، ونقول: هم أولى بالإعذار، ومن حقهم علينا ومن محبتنا لهم يجب أن ننصحهم، وأن نبين لهم إذا أخطئوا في شيء، والمجاهدون الذين هم فعلاً على ثغرة يقاتلون أعداء الله، سواء في فلسطين أو في أفغانستان، أو في الفلبين أو الشيشان، أو في كشمير، أو في إريتريا أو في أي موقع، هؤلاء هم خلاصة الأمة وصفوتها ولله الحمد.
      لكن لا يُنكر أيضاً دور العالم ودور الداعية ودور المجاهد في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو المجاهد بقلمه، أو من يجاهد في مجال الاقتصاد أو مجال السياسة، أو حتى بنشر الدعوة عن طريق الإنترنت، أو في أي مجال، كدعوة الجاليات، ويصبر على الأذى وينشر السنة، وكل هذه أقول: كلها تمشي سوياً، والكل إخوة في الله، والكل كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر.
      وكما قلت لكم: هم لا يريدون منا الرجال وإنما يريدون منا الدعاء، والمال، والإعلام، والدعم، ومن أولويات ذلك أن نعذرهم وننصحهم إذا أخطئوا، ونسأل الله تعالى أن يتجاوز عن سيئاتهم، وندلهم على أبواب النصر التي يمكن أن يخفى بعضها عليهم، فهذا من واجب الأخوة.
      وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.