المادة كاملة    
لقد سيطر الكفار على العالم إعلامياً؛ فشوهوا المسلمين والإسلام، وجعلوا منبع العنف هو العمل الإسلامي، وقد جاء في هذه المقابلة التلفزيونية توضيح لمدى التلاعب بمصطلح العنف وإسقاطه على جهات مقصورة بحكم مسبق، كما بُيّن من خلالها حقيقة العنف من جهة الحكومات العلمانية والأحزاب الشمولية، مع التنبيه على أن بعض المتدينين ينتج عنفه عن اضطرار واضطهاد.
  1. موقف الإسلام من العنف

     المرفق    
    الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على النبي المصطفى، وعلى آله وصحبه ومن لآثارهم اقتفى.
    أيها الإخوة المشاهدون في مشارق الأرض ومغاربها، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
    عندما تضعف الأمم تظل تكابر عن الاعتراف بالضعف إلى أن تجثو تحت مطارق الهزيمة، وحينئذٍ تحار العقول، ويستبد اليأس، فلا يبقى إلا نزر يسير من العقلاء يتعاملون مع النتائج وينظرون إلى الواقع كما هو، وليس كما يشتهون، ويلتفتون إلى الأسباب كما يجب، وليس كما يريد رعاع الناس في محاضن التخبط والإحباط والجهل والبعد عن العلماء. وفي عقلية الظلم والاستبداد يولد العنف، العنف لا يعرف وطناً ولا ينحصر في طائفة، ولا يستقر على قاع، ولا يحده سطح، فلماذا يتهم المسلمون وحدهم دون غيرهم بالعنف؟!
    عليك الأدهى والأمر، أيجد العنف تأصيلاً وتبريراً؟
    أيجد البغي تصحيحاً وتيسيراً؟
    صحيح أن فريقاً منا يريدون أن يولد الفجر قبل انقضاء الليل، وأن يولد الجنين قبل تمام الحمل ولو ولد ميتاً مشوهاً، فلا يجدون بداً من تجاوز السنن التي لم ولن تجامل أحداً: ((فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً))[فاطر:43].
    هل بات الصبر والحلم عقيماً والعنف ولوداً؟
    وهل أصبح العلم والفقه قاصراً والجهل قادراً؟
    ألا نتفق أن العنف يشترك فيه كل فاعل له، وداعٍ إليه، ومفتِ به، ومصرّ على تكريس أسبابه وفتح أبوابه، ((وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ))[يونس:99].
    أحبتي: أهلاً وسهلاً بكم في هذا اللقاء (المسلمون والعنف بين التهمة والحقيقة)، يسر قناة اقرأ الفضائية أن تستضيف في هذه الليلة الشيخ الدكتور العلامة/ سفر بن عبد الرحمن الحوالي، الأمين العام للحملة العالمية لمقاومة العدوان، باسمكم جميعاً -أيها الأحبة- أرحب بفضيلته أجمل ترحيب، فأهلاً وسهلاً بكم في قناة اقرأ الفضائية وفي برنامج البينة.
    1. التلاعب بالمصطلحات

      المذيع: فضيلة الشيخ! الإسلام على رأس الرسالات والأديان السماوية التي حاربت العنف، واتخذت منه موقفاً واضحاً لا غبش فيه، إلا أن هناك من يسعى متعمداً الخلط بين موقف الإسلام والممارسات الإرهابية؛ ليوحي إلى الناس بالطعن والتشكيك أن الإسلام يحث ويملي على تابعيه استخدام العنف وقتل الأبرياء للوصول إلى أهداف معينة، فماذا يقول الشيخ الدكتور سفر الحوالي في هذا الموضوع؟
      الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه أجمعين، محمد وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين وبعد:
      الحقيقة إن هذا الموضوع لا بد له من مدخل أو مقدمة، إن لم نستوعب هذه المقدمة فلن ننتهي إلى شيء في هذه القضية، فهناك مقدمة ضرورية ولعلي لا أطيل فيها بقدر الإمكان، لكن لو لم يكن من نتيجة هذا اللقاء المبارك إلا أن يستوعب ويفهم الإخوة المشاهدون هذه القضية، فهي بذاتها نكون قد خرجنا بشيء.
      هذه القضية هي أن المشكلة التي يعاني منها الفكر العالمي عموماً، ويعاني منها الفكر أو التفكير الإسلامي أيضاً، المشكلة التي لو ضبطت لما اختلف أكثر المختلفين هي: ما مفهوم العنف؟ وما مفهوم الإرهاب؟
      بمعنى أعم: الفكر العالمي يعاني من مشكلة المصطلح .. مَنْ وضعه؟
      ومن يحدده؟
      ومن يروج له؟
      وكيف يفهم في بيئة دون بيئة، وفي سياق دون آخر؟
      هذه المشكلة مهمة جداً، لا يوجد في عالم المنطق البشري ولا لدى الفلاسفة والمنظرين ما يمكن أن يضبط هذه القضية، وقد شكا منها أئمتنا الكرام، شكا منها حتى الإمام أحمد بن حنبل رضي الله تعالى عنه، حيث ذكر أن أكثر ما يختلف فيه الناس هو بسبب التأويل، أي: ما معنى هذه الكلمة؟ وكيف نفهمها؟
      هذه القضية هي مشكلة فكرية عادية إذا ضممت إليها وربطتها بواقع عالمي ضخم، واقع يستخدم الكلمة الموجهة، ويصنعها أو يستصنعها ثم يوظفها كما يشاء، ويروجها كما يشاء، ويراوغ بها كما يشاء على أمم مستضعفة لا تملك أن تقاومه.
      فهي حرب نفسية عنيفة جداً تشن من قبل القوى الطاغية المستكبرة على الأمم الضعيفة، ولا سيما هذه الأمة التي تمثل الحضارة الند في مقابل تلك الحضارة الأخرى المعادية.
      إذاً: ينبغي أن نحدد بالضبط الموقف من العنف أو من الإرهاب، هل هو موقف الفيلسوف النظري المجرد الذي يتكلم الكلام العادي؟ أم هو موقف السياسي الذي يتعامل مع كمٍّ ممكن من الحقائق والواقع؟ أم هو موقف العالم المفتي الذي يتكلم ويخاطب القلوب بالإيمان وبالمواعظ الإيمانية والقرآنية والنبوية، ولكن العالم في وادٍ آخر أحياناً؟
      المذيع: لكن هل هذه المواقف إذا اجتمعت تخرج بتعريف للعنف والإرهاب؟
      الشيخ: لا يمكن. لا يمكن أن يجتمع الناس، وسيظلون مختلفين؛ لأن هذه المصطلحات كل منهم يعبر بها من خلال عقيدته وإيمانه وخلفيته، وهذا طبيعي! فكيف -كما قلت- إذا كان هدفاً متعمداً، وأصلاً متعمداً لقوى طاغية متجبرة في الأرض، تريد أن توظف ذلك، وهذا لا جديد فيه؟!
      عندما كان النبي صلى الله عليه وسلم مستضعفاً في مكة كانت قريش توظف المعلومة والمصطلح في عكاظ ومجنة، وفي داخل مكة: مجنون .. كذاب .. ساحر ... إلخ؛ حتى إن أكثر العرب أو كثيراً من العرب خدعوا بهذا، فإذا قيل: المجنون أو الصابئ أو كذا.. فإنه مباشرة ينطلق إلى مَنْ؟ إلى أفضل الخلق وأطهرهم وأزكاهم محمد صلى الله عليه وسلم.
      المشكلة ليست في موقف الإسلام، أو في حقيقة العنف عندما أتكلم عنه أنا أو أنت أو أخ مسلم، أو شيخ أو داعية أو عالم، المشكلة أكبر من ذلك، المشكلة: أين التفكير العالمي والمنطق السليم الذي يمكن أن يستوعب حقيقة أن كل واحد يوظف العبارة كما يريد ضد الآخر؟
    2. العنف المذموم والقوة المشروعة

      المذيع: إذاً دعني أنطلق وآخذ منكم هذه المعلومة: ما هو مفهوم العنف بعبارتكم، ومن منطلق مفهوم الفكر الإسلامي؟
      الشيخ: في الفكر الإسلامي وفي عقيدتنا وإيماننا أن الله تعالى أنزل إلينا هذا الكتاب مفصلاً، فلدينا كل شيء مفصل، لا إهمال في هذه القضايا على الإطلاق، يفرق القرآن وهو الفرقان بين الخير وبين الشر بوضوح، يفرق النبي صلى الله عليه وسلم بين هذا وبين هذا بوضوح، يفرق بين القوة العادلة المشروعة وهي مطلوبة ولا بد منها: ((وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ))[الأنفال:60] ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: {المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف}.
      يُفرق بينها وبين العنف، العنف ليس من ديننا، فالعنف مذموم، لكن القوة المشروعة مطلوبة، من أين يأتي الإشكال؟ من الفهم، ويأتي الخلل في التطبيق، فالآن لدينا من لا يفرق بين الكذب وبين المعايير....
      المذيع: فضيلة الشيخ! لغزارة علمكم أريد أن ألاحق العبارات واحدة تلو الأخرى: أنت قلت: إن هناك فرقاً في التطبيق، ماذا قصدت؟
      الشيخ: الإشكال يأتي في التطبيق، وهذه لا بد أن نوضحها إن شاء الله، المهم عندما نتكلم عن ديننا الذي هو ما أنزله الله من وحي، فإننا نتكلم عن كمالات مطلقة لا شر فيها، لكن عندما نتكلم عن تطبيقي وتطبيقك له وواقع الحضارة الإسلامية، وواقع الدول الإسلامية يأتي فيها عنف، يكون فيها ظلم، ويكون فيها من الأخطاء التي لا يجوز أن تحسب على المبدأ والعقيدة والدين، إنما تحسب علي وعليك وعلى من فعلها.
      المفهوم في الإسلام واضح ومحدد، الإسلام عندما يحدد العدل فهو عدل لنا وعلينا، لنا ولغيرنا، عندما يحدد العنف يحذر منا ومن غيرنا، وهذا لا يوجد في أي حضارة أخرى إلا في الحضارة الإسلامية التي كانت سيرة النبي صلى الله عليه وسلم والخلافة الراشدة الأساس القوي التي قامت عليه.
      المذيع: إذاً أنا أستنتج مما تقول: أن تطبيق هذا المفهوم يختلف، ومنه ينتج العنف؟
      الشيخ: لا. مفهوم العنف نفسه يختلف، ما تراه أنت عنفاً ..
      المذيع: أنا لا أتكلم ما بين الأمة الإسلامية والأمم الأخرى، بل أتكلم بين الأمة الإسلامية نفسها؟
      الشيخ: الأمة الإسلامية نفسها يحصل بينها العنف، والجور.
      المذيع: ما سبب عدم تطبيق المفهوم الصحيح للإسلام؟
      الشيخ: إن أي مشكلة نعاني منها فهي بسبب ذلك، وهي أننا لم نفهم ديننا، ولم نعمل به كما أمر الله تبارك وتعالى، ومن هنا وجد في الإسلام طواغيت تستخدم العنف ضد الشعوب، ووجد في الإسلام أيضاً من المفكرين أحياناً أو من الأدباء، أو من بعض العلماء من كان في أسلوبه عنيفاً جداً مع العلماء الآخرين، ووجد أيضاً من العامة، ووجدت فرق منهجها الداعي هو العنف، كـالخوارج مثلاً.
      نحن لا نزكي أنفسنا باعتبارنا بشراً وباعتبار حضارتنا جهداً بشرياً ..
  2. العنف بين الجماعات الإسلامية والحكومات العلمانية

     المرفق    
    المذيع: إذاً دعنا ننطلق إلى السؤال من أجل أن يكون سؤالاً واقعياً، الآن أنا أسأل سؤالين في سؤال واحد: هل ولماذا ارتبط العنف بالعمل الإسلامي وحده؟ ولماذا انخرطت جماعات إسلامية في سلك العنف؟
    الشيخ: الذي ربطه هو أن عدونا يشن هذه الهجمة وهذه الحرب النفسية، ونحن ما بين مستضعف لا يملك الجواب والحجة ولا يملك أن يوصلها، وبين منافق يداهن ذلك العدو، أنت الآن إذا قرأت كلاماً عن العنف في إعلامنا العربي في هذه الأيام أكثر ما تجد الحديث عنه في العالم الغربي الذي قامت حضارته على العنف، والذي يصدر لنا العنف بطريقة أو بأخرى، والجديد أن ينزل مفهوم العنف أو الإرهاب ليلبس علينا ويجعل قضايانا قضايا غير عادلة، ويجعل موقفه هو الموقف الـمُبرر والـمُسوغ أخلاقياً وعمليا وفلسفياً.. ومن هنا تأتي المشكلة.
    المذيع: أعطيتني جزءاً من السؤال، أنا أسأل: (لماذا) وأنت أجبت على (لماذا) لكن: هل ارتبط العنف بالعمل الإسلامي؟
    الشيخ: العمل الإسلامي فيه عنف، عندنا قاعدة تحدد لك هذه القضية.
    المذيع: العنف بمفهوم المصطلح الإسلامي؟
    الشيخ: عندما أتكلم فأنا أتكلم عن العنف المظلوم أي: المفهوم الإسلامي موجود نحن لا ننكره، قلت لك: نحن لا ننكر لا في العمل الإسلامي ولا في تاريخنا كله، حتى في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فقد حدث من قائده خالد بن الوليد إن تجاوز في إحدى المعارك، وهي قصة مشهورة معروفة، لكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقرها.
    هذا أمر؛ وأمر آخر أن تجمل القضية، وأن يلبس على الأمة، وأن يُراد منها أن تتخلى عن كل مصادر قوتها، وأن يستبد بأمرها، وأن تظلم وتقهر تحت وطأة هذا العدوان الغاشم، وهذه القوى الطاغية الباغية المستبدة ومن يواليها في أرض الإسلام، تلك قضية أخرى.
    المذيع: إذاً أنت -يا فضيلة الشيخ- اعترفت بأن هناك عنفاً فيما بيننا؟
    الشيخ: نعم.
    المذيع: إذاً لماذا تُختار لهذا العنف الشرائح المتدينة لتنفيذه؟
    الشيخ: هو هذا أيضاً مشكلة، فالتعميم الذي يقع في المصطلح يقع حتى في الفاعلين، من قال: إن العنف خاص بالشرائح المتدينة؟ نحن نعلم ونشاهد ورأينا أن الذين قدموا أكبر التضحيات، الذين كانوا الضحايا الأكثر للعنف في العالم الإسلامي هم الدعاة.
    قد لا نحتاج أن نسمي، لكن خذ الدول يميناً وشمالاً، أكثر من ذهب ضحية بالعنف والاستبداد والدكتاتورية والإفراط في استخدام القوة هم الإسلاميون، هم الدعاة، لم تمتلئ السجون في يوم من الأيام في أي بلد بأكثر مما امتلأت من الدعاة، لم يعاقب مجموعة وجماعة بكليتها كما عوقب دعاة الإسلام في بلدان العالم الإسلامي.
    المذيع: كن صريحاً قليلاً .. تقصد من الحكومات الإسلامية؟
    الشيخ: بالضبط، من الحكومات الإسلامية والأحزاب العلمانية .. وبتأييد من المفكرين ..
    المذيع: ولكن من بدأ العنف: الحكومات أم الجماعات الإسلامية؟
    الشيخ: ليس هناك أي شك، وأعتقد أن التاريخ واضح في هذا: أن الذي بدأ العنف هي الحكومات المستبدة .. هي الأحزاب الشمولية .. هم الأفراد الطواغيت الذين نصبوا أنفسهم ليفرضوا ما يشاءون وعلى الأمة فقط أن تسكت، هذه حقبة عشناها جميعاً أيام الناصرية وما بعدها، وهي أمر معروف، لا مجال للمكابرة فيه، وأعود وأقول: لا أزكي أو لا أنفي أن في الطرف الآخر أخطاء، لكن إذا كانت القضية قضية من الذي فعل، فنحن من خلال حضارتنا الإسلامية عندما كانت الأمة تحكم بالإسلام ولو على ضعف وانحراف لم تكن هذه المظاهر موجودة.
    الشمولية المطلقة في الاستبداد إنما جاءتنا من الحضارة الغربية؛ لأنها استطاعت أن تجمع بين المذهب الجماعي الشمولي المتسلط وبين قوة ضاغطة ومسيطرة. أما في ظل الحضارة الإسلامية فلم تكن هناك أي قوى مسيطرة، مهما كان الخليفة قوياً لا يستطيع أن يضبط الأمة؛ لأن الأمة مفتوحة، الهجرة والدخول والخروج، لم يكن مثل الآن، متابعة الناس ماذا يفكرون لم يكن مثل الآن.
    يمكن أن يترصد لعائلة أو لبيت معين منافس في الحكم، يمكن أن يكون هناك ملاحظات على العاصمة وما حولها، لكن على مستوى الأمة لم يكن إلا بعد الثورة والتقنية الصناعية التي خدمت الاستبداد وخدمت الطواغيت، فأفرزت لنا الفاشية والنازية والشيوعية والاشتراكية، كل هذه المذاهب الشمولية، ثم جاءت هذه المذاهب إلى العالم الإسلامي واستوردت، فوجدنا ما كان يطبق في ألمانيا يطبق في بلاد عربية معروفة.
  3. المسلمون ومقاومة الاستعمار الغربي

     المرفق    
    المذيع: أنا أعرف -فضيلة الشيخ- أنك لا تبرر العنف، ولكنك الآن أخذت -جل الحديث- تتكلم عن أن الذي بدأ العنف في بلاد المسلمين هم الحكومات المستبدة -كما ذكرت- مع التحفظ على المصطلح أو كلمة (المستبدة) لكن بعد ما اتضح أنك تقول: إن الذي بدأ الحكومات الإسلامية، فأريد أن أسألك: ما الفرق بين عنف الحكومات الإسلامية ضد الجماعات الإسلامية، وعنف بعض الجماعات الإسلامية ضد الدولة؟ مع تحفظي على مصطلح الحكومات المستبدة، لكم تعليقكم ولكم رأيكم، ولكني أختلف معك بأنه ليس هناك حكومة باسم (مستبدة) وهذا اختلافي لك أن ترده أو تقبله، ولكن ما هو الفرق الذي وجد بين عنف الدول الإسلامية عموماً وعنف الجماعات الإسلامية الموجودة في الدول الإسلامية، مع طلبي أيضاً بأن تسرد لماذا عللت بأن الذي بدأ العنف هي الحكومات الإسلامية؟
    1. الجماعات الإسلامية هي التي قاومت الاستعمار وليس الأحزاب العلمانية

      الشيخ: أنا لا أدري لماذا تصر على أن نعود..؟
      لكن على كل حال لنرجع إلى القضية، إذا أردت أن تعرف حقيقة أي مشكلة فخذها من أولها، قبل أن توجد هذه الأنظمة الشمولية والأحزاب الديكتاتورية، والحكومات التي تصر على أنها مستبدة، بل نحَّت شريعة الله ولحقت بركب الطاغوت الغربي حضارة وثقافة وتطبيقاً وممارسة.
      أنا قلت: قبل ذلك كانت حقبة واضحة في تاريخنا الإسلامي؛ واضحة مكشوفة، وهي حقبة الاستعمار، عندما كان الاستعمار جاثماً على أكثر بلاد العالم الإسلامي كانت القوة -ولا نقول: العنف- كانت القوة والجهاد والمقاومة المشروعة موجهة ضده، هذا الاستعمار لم يستطع أن يسيطر على الأمة التي قامت بمقاومته باسم الإسلام وباسم الدعوة، ووجدت حركات وجماعات إسلامية في كل بلاد العالم الإسلامي قاومته، لم يقاومه في الحقيقة أي تنظيم أو حزب آخر إلا شعارات تكون أحياناً محدودة.
      فمثلاً: خذ المغرب حركة إسلامية، الجزائر حركة إسلامية يقودها عبد الحميد بن باديس، ثم انتقل إلى عمر المختار في ليبيا، ثم انتقل إلى حركة الإخوان في مصر، وكل هذه البلاد حتى في الصومال .. الدعوة الإسلامية وعلماء المسلمين على اختلاف الحركات وتنوعها هم الذين جاهدوا وقاوموا فاستخدموا العنف المشروع -إن صح التعبير- أي: المقاومة المشروعة، والجهاد ضد هذا المستعمر.
      إذا انتقلت عشر سنوات بعد الاستعمار تجد من بقي منهم حياً في السجن، أو تجد أنهم محاصرون، وجاءت فئة علمانية وبتأييد من المستعمر تريد أن تصادر مكتسباتهم، وتفرض على الأمة عقيدة لم يجاهد من أجلها، لم يجاهد في الجزائر، ولا في المغرب، ولا في ليبيا، ولا في مصر من أجل الاشتراكية أبداً، هم قاتلوا لإخراج المستعمر، وإذا بالبلاد تحكم بنظام غريب على دينها وعلى عقيدتها، وإذا بأولئك المجاهدين يقبعون في السجون، وإذا وصلوا إلى السجن من هنا تبدأ الأفكار، ويبدأ الغلو والتطرف وتبدأ مشكلات لا حصر لها.
    2. الإسلاميون أخرجوا الاستعمار ولكن جوزوا بالسجن والنكال

      المذيع: ذاك حسب مفهومي يا دكتور سفر كان استعماراً واحتلالاً، لا نتكلم عن حكام من بني جلدتنا، ويأتي عنف من بني جلدتنا ضد حكامنا... أنت ذكرت عمر المختار وابن باديس، وهؤلاء الأفذاذ كانوا يحملون مقاومة لإخراج المستعمر من بلادهم...
      الشيخ: أوضح لك أكثر: الذين حاربوا الاستعمار في داخل أوروبا، من يقاوم الألمان فهو جدير بأن تكرمه الأمة وتعظمه وأن يقودها، من قاوم الزحف الروسي مثلاً.. من قاوم نابليون ... كل عدوان وقع داخل أوروبا فمن قاومه فهو أجدر الناس بأن يقود الأمة وأن تلتف حوله الأمة، إلا في العالم الإسلامي، فمن قاومه فهو الذي يعاقب، ويضطهد، وتكون نهايته النكال، حتى لو كان عن طريق الديمقراطية مثلاً كما حدث في الجزائر، فتصادر إرادة الشعب والأمة، ويصادر ذلك من أجل أنه قائم على الدين، وتصرح كثير من دول العالم الإسلامي بأنه لا مكان للدين في السياسة ولن نسمح بقيام حزبٍ ديني.
      فعندما يكون الاضطهاد والقهر إلى هذه الدرجة، وتكون هذه هي النتيجة، فعليك أن تتوقع أن يندفع الطرف الآخر وتكون هناك مشكلات لا يقرها العمل الإسلامي الذي ينتهجه أهل السنة والجماعة.
      في الجملة التبرير واضح، نحن لا نقر ما يحدث من غلو، حتى ولو لم يستخدموا العنف، نحن نرفض الغلو وإن كان في الاعتقاد أو في العبارة، وإن كان في إصدار الأحكام كتابياً، نحن نرفضه في منهج أهل السنة والجماعة، لكن كلامنا هو: لماذا جاء؟
      إذاً: لابد أن تكون القضية واضحة، وأن نتعامل فعلاً بواقعية وبعدل من أجل هذه المشكلة الداخلية، والقضية الكبرى لم تعد هذا، فهذه المرحلة حقبة لعلها انتهت، وأصبحنا الآن في مواجهة الحضارتين: في مواجهة الغرب بقواه وحضارته وعنفه، وبإرهابه وتسلطه الذي لا نجد له نظيراً على الإطلاق في واقعنا الإسلامي.
  4. الخلط الفكري بين التكفير والعنف

     المرفق    
    المذيع: اتصال هاتفي: الأخ وليد أبو خالد .. السلام عليكم ورحمة الله.
    المتصل: وعليكم السلام، السلام عليكم فضيلة الشيخ! أسعد الله مساءكم، فضيلة الشيخ سفر: سمعنا عن التكفير، وفي الحقيقة ما كنا نصدق بوجوده حتى سمعنا ورأينا تفجيرات الرياض، وانكشفت كثير من الأمور المحيرة والغامضة، ولكن بقي سؤال محير، وهو أن ابن لادن؛ لماذا لا يتحدث العلماء بصراحة عن فكره ومنهجه وتوجهه؟ وما رأيك فضيلة الشيخ سفر في منهج ابن لادن وفكره؟
    وهل منهجه هذا في مصلحة الدعوة والمسلمين أم لا؟
    إن كان صحيحاً فليبينوا وإن كان غير صحيح فليحذروا منه، وأرجو السماع منكم فضيلة الشيخ سفر ؟
    المذيع: جزاك الله خيراً، السؤال واضح يا شيخ سمعته جيداً، يعني هذا السائل يقول: فكر التكفير، ويذكر ابن لادن بالاسم، هذا الفكر إذا كان سليماً فلم لا يدعوا العلماء والدعاة إليه، وإذا كان باطلاً لماذا العلماء والدعاة لا يحذرون منه؟
    1. علاقة التكفير بالقتال

      الشيخ: في الحقيقة القضية فيها خلط من عدة جهات، والقضية الأولى هي أنه لا ارتباط بين التكفير وأي عمل يقع، فقد يفعله وهو لا يعتقد تكفير المجتمع، وإنما يعتقد تكفير من استهدفهم، وهذا لا خلاف عندنا أنهم كفار، يمكن أن يقع العنف المذموم شرعاً على يد من لا يعتقد التكفير، القضية الفقهية عندنا واضحة، وهي أن البغاة إذا خرجوا على الإمام العدل بتأويل أو بغير تأويل؛ فهذه المسألة موجودة، أي: لا هو كافر ولا هم كفار، هذا نوع معروف في الفقه الإسلامي لا علاقة له بقضية التكفير.
      المذيع: ما هو هذا النوع؟
      الشيخ: النوع هو قتال البغاة، القتال في الإسلام له عدة صور: منها قتال الردة، ومنها الجهاد وهو قتال الكفار الصرحاء، ومنها قتال البغاة، ومنها قتال الفتنة بين المسلمين على الملك أو على الدنيا، وكلها مفصلة في ديننا، فلا ارتباط بين الغلو في التكفير وبين فعلهم.
      مثلاً: هناك طوائف تعيش بيننا تكفرنا جميعاً من أبي بكر وعمر إلى أن تكفرني وتكفرك، ولكنها قد لا تفعل عنفاً، وقد تفعل فيكون التكفير بعنف، وقد يأتي من يعتقد بأني وأنك مسلمان ويعمل فيكون عنف بلا تكفير، وهذا الخلط الأول.
    2. الحكم المسبق يؤدي إلى الخلط الفظيع

      الخلط الثاني: أننا عندما يقع أي حادث نفترض نحن مسبقاً الفاعل، ثم نبدأ نعلق عليه، ثم في النهاية قد لا تتضح الحقيقة، يعني: أنا قلت في لقاء سابق في الإذاعة لم يثبت حتى الآن جهة واحدة، فعلينا أن نبحث عن الأسباب وأن نتحدث في العموم حتى تتبين لنا القضية، وبعد ذلك بيومين كان كلام ولي العهد حيث قال: ليس لدينا جهة معينة......
      المذيع: لكن البارحة اعتقلوا المسببين لهذا العمل؟
      الشيخ: نحن لا نتكلم عن المسببين وإنما نتكلم عن ابن لادن بالذات، فلذلك نحن نقول: فليكن الفاعل من كان، هذا شيء يجب أن يرفض وينكر.
    3. الخلط في قضية الشعب الأفغاني وقضية ابن لادن

      هناك خلط ثالث أيضاً: هناك من يخلط بين قضية الشعب الأفغاني كقضية شعب سطا عليه واعتدى العدوان الأمريكي، وقتل منه عشرات الألوف، وفعل ما فعل، ودمرهم، وبين وجود فئة قليلة لا تعد إلا بالعشرات تعيش في ذلك الشعب، فالإعلام الغربي أخذ يضخم ويفتعل، أنا شخصياً لا أدري هل يوجد شيء اسمه تنظيم القاعدة أو لا، لا أستطيع أن أثبته، لكن الإعلام الغربي افترض هذا التنظيم وضخمه ليغطي على جريمة العدوان.
      المذيع: يعني أنت تنكر أن هناك تنظيماً اسمه: تنظيم القاعدة؟
      الشيخ: أنا لا أعرف وليس عندي دليل على هذا..
      المذيع: وإذا كنت لا تعرف وثبت بأن هناك تنظيم قاعدة هو سبب التفجيرات والقتل وهذا ... فما هو الحكم؟
      الشيخ: أياً كان سبب هذه التفجيرات أو قتل الإبرياء، أو يستخدم هذا استخداماً غير مشروع فأنا ضده والمسلمون، وأنا أتكلم عن قضية أكبر من ذلك: وهي قضية إغفال قضية الشعب الأفغاني وإهدارها مقابل أن هناك فئة عدوة لي، افتعلته الإدارة الأمريكية بيمينها المتطرف؛ لتضرب هاهنا وهاهنا في أرض الله، ولا أقول فقط: في أرض الإسلام.
      القضية الأفغانية لو كنا صرحاء ودرسناها بوضوح شديد جداً -وهي تحتاج إلى حلقات ولقاءات- فإننا نجد من الشباب الذين يُدعون: الأفغان، من يكفر الشيخ أسامة بن لادن تكفيراً ويعمل ضده، وقد يعملون أعمالاً وهم لا ينتمون إليه، وقد يوجد أيضاً غير ذلك.
      المذيع: لماذا تسميه الشيخ أسامة بن لادن؟
      الشيخ: نحن بطبيعتنا أي طالب علم، وأي أخ لنا في الإسلام، وأي شخصٍ كان له سابقة وفضل نسميه باسمه، ويظل بريئاً حتى تثبت إدانته..
      المذيع: حتى لو قتل وفجر وأهلك المسلمين؟
      الشيخ: لا. لا نتكلم عن أنه قتل فهو يظل بريئاً حتى تثبت إدانته، ومن فجر ومن قتل فله علينا حق الإسلام، فلا نكفره لأنه فجر، هذه يجب أن تُفهم، يعني إذا افترضنا ما قاله الفقهاء: أن فئة باغية خرجت على إمام عدل وفعلت ما فعلت فهم مسلمون لا يقتلون ...
      المذيع: ولكن يا فضيلة الشيخ! ما خرج إلا من منهج التكفير؟
      الشيخ: أنا أبين لك الحكم الشرعي ثم بعد ذلك قد نختلف في الواقع، هؤلاء لا يجهز على جريحهم ولا يُأسرون ولا يتابعون إذا هربوا، هذه أحكام مفصلة في الشريعة، حتى لو ثبت أن هذا إمام عدل وأن هؤلاء بغاة، شريعتنا شريعة العدل والحكمة، ولا نحتاج معها إلى غير ذلك..
      إذا حاربنا الغلو بالغلو فتحنا مشكلة كبيرة جداً، إذا أقررت أن الذي فعل هذا كفر، أو ألزمته بالتكفير فهذا يؤدي إلى ....
  5. العنف بين الحوار العلمي وملاحقة قوات الأمن

     المرفق    
    المذيع: سأعود إلى هذه النقطة، وهي تحتاج كما قلت إلى حلقات، ولكن نريد أن نستكمل مكالمة من الأخ ابن القيم:
    أخ ابن القيم! السلام عليكم.
    المتصل: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
    نشكر فضيلة الشيخ سفر أولاً على صراحته ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل هذا الكلام الطيب في ميزان حسناته، ويكرمنا بأكثر من أمثاله، أما وضوح سماحة الشيخ فيا أبا محمد يجب لك أن تساعده لا أن تحاوره في هذا المكان؛ لأن هذا المكان أو من هذا المنطلق الطيب يجب أن نخرج بنتيجة طيبة، وبعد هذه الأحداث التي حدثت لم يثبت أن هؤلاء من بني جلدتنا، وهم إذا كانوا كذلك كما تفضل ووضح الشيخ يجب أن نتعامل معهم بالأسلوب الذي يحكم بيننا وبينهم الشرع، ونحن ندين أي عمل حتى لو كان على كافر؛ لأني أعيش في أوروبا وأتمتع بحرية جميلة، وأطلب أي شيء لا أطلبه في البلاد العربية.
    أما عن الأمور التي تحدث في بلادنا وبلاد الإسلام فإننا نضخم المواضيع، يعني عندما تفتح التلفاز وتسمع عن هذا الشيء، وعندما تقفل التلفاز تسمع عن هذا الشيء، يجب أن يكون عندنا فلسفة في هذه الأمور.
    المذيع: طبعاً أنا أضم بعض الصوت إلى صوت الأخ ابن القيم، نحن عندما نحاوركم -فضيلة الشيخ- نريد أن نأخذ منكم ما يريد المشاهد.
    طرح كثير من العقلاء حلولاً لاستيعاب واستقطاب بعض الجماعات، وفي الحقيقة أنها فشلت ولم تنجح إلا الأمور الأمنية فقط، فلهذا هم في السجون بهدف أنهم لم يتقبلوا لا من حكام ولا من علماء، بل بعضهم كفر العلماء وأنت تعلم هذا، لماذا نجحت الظاهرة الأمنية ولم تنجح الظاهرة الحوارية؟
    1. نسبة نجاح الحوار في معالجة العنف

      الشيخ: الحقيقة أنا لا أوافق على هذا التعميم. الحوار نجح .. الاستمالة نجحت .. حب الدنيا نجح .. لكن مشكلتنا نحن في التعميم، فأنا أقول: القضية تحتاج إلى شيء من التفصيل، ولكن نضطر أن نوجزها، شباب نحن دفعنا بهم، أنا شخصياً كنت ضد ذهابهم إلى بعض البلاد، لكن دُفع بهم بشكل كبير إليها، بيئة فيها معترك من الأفكار والآراء والمتناقضات، وأمريكا كانت تؤيد الموقف؛ لأنه ضد الاتحاد السوفييتي، ومولت هؤلاء، فإن كانوا إرهابيين فهي أكبر ممول للإرهاب، وإن كانوا يقاتلون عن عدل فهذا يحسب لها إذا أرادت ذلك الخير.
      على أية حال .. كان العالم كله يتجه اتجاهاً واحداً، فبعد أن حدث ما حدث؛ لأن القتال أو المقاومة الأفغانية نفسها لم تكن مؤصلة تأصيلاً كما كنا نطالب ونريد، وحدثت المشكلات التي كانت في النهاية مؤدية إلى قتال فتنة بينهم، وعاد أولئك متهمين في بلادهم، وقد عادت ألوف منهم، والآن المتهم منهم بممارسة العنف عشرات، وهب أنهم مئات، منهم من عاد إلى عمله الطبيعي، ذهب ليقاتل في سبيل الله يريد الجنة ثم رجع إلى عمله العادي لا كفّر مسلماً ولا دخل في تنظيم، وإنما أراد الجنة ورجع، وبعضهم فتن بشيء من الدنيا ومال إليها، وبعضهم وجد فئات من أهل العنف فاستمالوه حتى أصبح يكفر إخوانه الذين هناك، والبعض جلس مع أهل العلم وناقش ونوقش واستقام حاله وعقيدته، وهذه حجة أحتج بها دائماً على نجاح الحوار والانفتاح.
      أنا أصارحك وأصارحهم وغيري من الإخوة، لكن أنا أتحدث عن نفسي، لا لأني فعلت كل شيء، لكن أقول عندما أتكلم عن نفسي: فأنا أتكلم عما أعرف، أنا أفتح له المجال حتى مجال تكفيري أنا، أقول له: يا أخي! تعال دلني لماذا أنا كافر؟ تناقش، إلى من نرجع؟ كيف نتفاهم؟ وفي الحقيقة هناك أعداد وكثير من العلماء يعرفونهم، بل حتى اللجنة الأمنية تعرف أن هناك فئة لا ينطبق عليها، وهذا دليل على نجاح الحوار.
      النجاحات الأمنية: أنا أعتقد أن المعالجة الأمنية وحدها لأي قضية من هذه القضايا لا تنجح في القبض على من يعمل، بل القبض أحياناً يقع على من لا يعمل ولا يجيد بعض العمل.
      لكن استئصال الفكر لا يكون إلا بالعقيدة الصحيحة، عقيدة أهل السنة والجماعة لا نبتدع فيها شيئاً.
    2. اضطرار الحكومات الإرهابية المتدينين إلى العنف

      المذيع: فضيلة الدكتور! بعد معترك نصف ساعة أرجو أن تأذن لي -كما عهدتك يا فضيلة الشيخ- في حدة الحوار، أريد الآن أن أنتقل إلى جهة أخرى من الموضوع:
      يرى بعض الذين يحللون هذه الأمور العنفية أن امتداد القنوات السياسية أمام بعض الجماعات الإسلامية في جميع الدول الإسلامية هو سبب للعنف، لا سيما أن القنوات الإسلامية في أمريكا وأوروبا مفتوحة للجميع، والكل ينتخب ويختار ويدلي برأيه إلا في الدول الإسلامية، فهل ذاك السبب صحيح؟
      الشيخ: بكل تأكيد مع الأسف، ولكي أوضح لك وللإخوة المشاهدين أقول: هناك كثير من الشباب ومن غير الشباب لا يريد إلا التدين، ولم يخطر بباله أن يكون معارضاً سياسياً، ولا أن ينخرط في أي حزب ولو كان إسلامياً، هو يريد أن يتدين، ويريد أن يدعو إلى الله على فهم قد يكون ضيقاً محدوداً، فما الذي يحدث؟ أن يحارب.
      وأضرب لك مثلاً: على سبيل المثال جماعة الدعوة والتبليغ ليس لها منهج سياسي، لا تتبنى قضايا سياسية، لم تستخدم العنف، ولا تفكر فيه .. إلى آخر ذلك، فعندما تمنع هذه الجماعة أو تكبت، فإن حديث العهد بالتدين الذي عرفه عن طريق هذه الجماعة، وكان يمكن إذا فتح له المجال أن ينخرط فيها حتى يصبح يجوب القرى والأرياف؛ ليذكر ببعض حقائق الدين المبسطة الواضحة، عندما يبدأ التدين ثم يجدها ممنوعة ومحاربة من قبل السلطات يمكن أن يندفع إلى أبعد مدى من العنف، ويكفيك هذا المثال.
      المذيع: للشفافية في البرنامج، هناك فاكس يقصدني أنا، يقول: أخي مقدم البرنامج! أنت تحاور الشيخ وأنت لديك حكم مسبق وكأنك طرف، والمطلوب أن تكون محايداً -عسى أن أكون محايداً، ومهمتي يا فضيلة الشيخ أن أعطيك الطرف الآخر، وأن أتكلم باسم الطرف الآخر لكي نأخذ الطرف الأصح- لماذا تريد أن تلزم الشيخ بما تريد؟ ويقول لي: بأني لست حكماً ولا محامياً ولا مدعياً.
      المذيع: ولكني يا أخي الكريم أريد أن أقول: بأني محاور، يقول: المشكلة في موضوع العنف هو أنه لا توجد مرجعية، فالذين يقومون بالعنف ينطلقون من منطلقات شرعية، وهذا السؤال لك يا فضيلة الشيخ، يقول: إن الذين يقومون بالعنف -لا أريد أن أؤول فأقول:- التفجيرات في الرياض وفي الدار البيضاء وفي نيويورك، وفي أي مكان، يقول: بأنهم ينطلقون من منطلقات شرعية، فلماذا لا يرد عليهم بطريقة شرعية من قبل علماء الإسلام، ومن المرجعية الصحيحة؟
      ويقول: إذا طالبنا الحكومات بالتحاكم إلى شرع الله، فإن العنف سيذوب، فما رأيك بهذا الكلام؟
      الشيخ: في الحقيقة يجب أن نتحدث ونعترف جميعاً بمسئوليتنا، لا ينبغي لأحد أن يتنصل، نحن في الحقيقة حتى لو كانت المجتمعات مفتوحة، ولو كانت الدعوة قائمة لا نستبعد ولا نستغرب من أن تكون هناك جذور للغلو، سواء استخدم العنف أم لم يستخدم، يعني مسئولية العلماء لا إشكال فيها، ومسئولية الحكومات يجب أن نعترف بها.
      المذيع: فضيلة الشيخ! هو يقول: إن العنف ينطلق من منطلقات شرعية؟
      الشيخ: أنا أريد أن أقدم أنه لا يفهم أننا نريد أن نتنصل من مسئوليتنا، لكن نقول: يا أخي الكريم! منطلقات العنف المذموم شرعاً في ديننا كثيرة جداً، وقد توجد في بيئة صالحة، فقد وجد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك في عهد الخلفاء الراشدين، لكن حصرها بأنها منطلقات شرعية لا يصح، لكن أن يكون العلاج شرعياً فنعم.
      ثم افتراض أن يأتي هؤلاء إلى العلماء أيضاً هذه مرحلة ثالثة، نحن لابد أن نتعامل معاملة بشر لسنا ملائكة، الإشكال عندنا هو عندما تتنصل جهة من مسئوليتها، وأشد من ذلك في نظري عندما تقدم فئة فتعطي المبررات، عندما تضع الوقود على النار، فقد يكون من العلماء -مثلاً- وقد يكون من الدعاة مَن يأتي فيشتط في أحكامه على هؤلاء أو يجور، ويحملهم أنهم يكفرون وهم لا يكفرون، أو ينسبهم إلى ضلالات ليست لديهم، قد يكون شخص منهم وهو يريد الإصلاح.
      المذيع: ولكن قد يوجد من العلماء من يؤيدهم مثلاً؟
      الشيخ: هذا كله وارد، بيئتنا هي هكذا، بالمعنى الآخر: نحن إذا كنا نريد أن نستوعب الشباب والحوار معهم، فلهم مرجعيتهم بالطبع، وكل فئة لديها مرجعيتها، لو كان الحوار متاحاً أيضاً والجدال بالتي هي أحسن، أنا لا أقول: يقضى على كل شيء، لكن أقول: يحد إلى حد كبير، بل أقول: إن حجم المشكلات في مجتمعنا كبير وخطير، وأحمد الله أنها تقتصر على حادث أو حادثين في بضع سنوات، أنا أنظر من جانب آخر، فأنا أعتقد أن عندنا مشكلات كبيرة وأن علاجها يجب أن يكون حازماً وحاسماً، وأنه لابد أن نعترف جميعاً بمسئوليتنا عما يحدث، وأن يبذل كل منا أقصى جهده ليقللها ما أمكن، وإلا فالمشكلات خطيرة.
  6. أمريكا وإثارة العنف في بلاد المسلمين

     المرفق    
    المذيع: أعود وأنتقل إلى موضوع آخر: لا شك أن هناك من يرى بأن أسباب العنف في البلاد الإسلامية أسباب خارجية، بوضوح (أمريكية) وباستخدام الاستخبارات الأمريكية؛ لإثارة الشعوب ضد الحكومات وما إلى ذلك، واستغلال الفرص والتبرير للهجوم عليها أو التقليل من حجمها، فهل هذا صحيح؟ الشيخ: أنا لا أتفق مع هذا؛ لأسباب كثيرة قد لا أستطيع أن آتي عليها كلها.. المذيع: سبحان الله! أنا أعتقد أن هناك مفارقة بين ما قلت الآن وما قلت قبل قليل. الشيخ: سأوضح لك: أولاً بعض المسئولين سواء كانوا مسئولين باعتبار مركزهم الأمني والسياسي، أو باعتبار موقعهم العلمي، يحاولون أن يبرهنوا على أنهم قاموا بالواجب، وقاموا بكل شيء، لكن هذا لأنه جاء من الخارج فهو دخيل علينا لا نستطيع أن نسيطر عليه، وهذا نوع من الحيل النفسية. هناك أيضاً من يحاول أن يبرر ذلك بظن أنه يدافع عن الإسلام والمسلمين، وعن العقيدة، وعن مجتمعاتنا مجتمعات الطهر والصلاح والعقيدة الصحيحة، ولا يقع هذا فيه إلا بعدو خارجي، وهذا غير صحيح إذا كنا واقعيين. نحن لا تذهب بنا ما يسمى نظرية المؤامرة بعيداً، لكن في الواقع أن القاعدة التي يستخدمها الغرب عادة أو كثير من المحللين: إذا أردت أن تعرف من الذي فعل فانظر إلى المستفيد، وأنا أؤكد لك أن بعض الحوادث في البلاد العربية وقعت فعلاً بافتعال من القوى الظالمة الطاغية التي تريد فعلاً ذريعة للتدخل، هذا يوجد، لكن ليس كل شيء. وأعود فأقول: التعميم مشكلة من مشكلاتنا في تفكيرنا وفي طريقة معالجاتنا، نحن لسنا مجتمع ملائكة، حتى يأتي شيطان ويضع بيننا شياطين، فنحن فينا المنافقون، وفينا المستعدون للإجرام، وفينا من يدفع ذلك، وعدونا أيضاً يتربص وقد يدخل ذلك، وقد تجمع عدة حلقات، وقد ينقضي جيل أو أكثر، وينقضي التاريخ وتقوم الساعة ونحن لا نعلم بالضبط أو الفرق أو أيهما كان الأكثر: هل هو العامل الخارجي أم الداخلي؟
  7. استخدام الحكومات الإرهابية العنف في بلاد الإسلام

     المرفق    
    المذيع: إذاً أقول: هنا في البلاد والدول الإسلامية لا شك أنه أُبعد العلماء، وجففت المنابع في بعض البلاد، ولا شك أنه أغلق باب الحوار، فنتج عن ذلك أعمال سرية، فهل هذه الأعمال السرية مؤيدة من قبل علماء الإسلام للتغيير؟
    الشيخ: المشكلة ليست هذه الأعمال ما دامت سرية، المشكلة عندما تنظر إلى فتاة تضع على شعرها خماراً فتفاجأ بأن الشرطة تجره بالقوة، وبعض البلاد تدعي أنها عربية وإسلامية، ولها تاريخ عريق في الإسلام بلا شك، ومنها فاتحون، ولكن الآن يراقب الشاب الذي يصلي الفجر، يراقب الشاب الملتحي، تراقب الفتاة التي تريد أن تحفظ شيئاً من القرآن، فهو صراحة نوع من الاستبداد لا نظير له حتى في بعض الدول الشيوعية، ثم نأتي ونقول: هناك أعمال سرية.
    فإن كانت الأعمال السرية الصلاة وقراءة القرآن فنِعْم العمل ويجب أن يكون! لكن ما حجم إنكارنا نحن في إعلامنا العربي والإسلامي، وأنتم إعلاميون، وعليكم مسئولية في هذا مما وقع في مثل هذه البلاد، بلاد عربية وإسلامية ولنا فيها صلات، ولنا معها علاقات من كل البلاد العربية، ومع ذلك تمتهن فيها كرامة الإسلام والإيمان والدين إلى حد هذه الشعائر الظاهرة تحارب، ما موقع الإعلام هنا؟ متى يضج الإعلام؟ إذا وقع في هذه الدولة انفجار ومات ثلاثة من اليهود أو الألمان أو الفرنسيين، فالعالم يتحدث إلى ما لانهاية عن الإرهاب والعنف والإسلاميين والتطرف، ولا ينظر إلى ذلك الذي استخدم العنف ضده لكي لا يصلي الفجر، ولكي لا يحمل المصحف، ولكي لا يعفي لحيته، هذه حاربت الله ورسوله وحاصرت الدعوة إلى الله وضيقت على المؤمنين، وفتنتهم في دينهم، حتى إنك لو ذهبت وأنت ببطاقتك الإعلامية ورأوا بطاقتك الإعلامية انتقدوا لحيتك، بينما أنت تعلم العلاقات مع السواح مفتوحة إلى أبعد مدى، يعني أنت الغريب في بلد إسلامي، فهنا مشكلة خطيرة جداً.
    الإعلام الغربي وهو عدو على أية حال لا يلام، أنا ألوم الإعلام الإسلامي الذي يندفع معه ويصور القضية بأنها قضية بيئة متطرفة، بلاد يركز فيها على السياحة إلى حد الإباحية المطلقة، يقع فيها حادث مثل هذه الحوادث فيفسر على أنه غلو وتشدد ديني، فأين الحديث عن الغلو والتطرف، والإباحية والتعري والانحلال؟
    تشرب الخمور، وتقام نوادي العراة، ويسمح للسياح من كل فئة أن يقوموا بما يشاءون من موبقات، ولا ينكر مثل هذا العمل؟!
    العمل أنا أنكره وأنت تنكره لأسباب أخرى، لكن لا يعفينا ذلك من أن الجميع يجب أن ينكروا ما يقع في هذه البلاد وغيرها.
    المذيع: يعني لهذا السبب هل أنت تبرر أعمال العنف يا شيخ سفر؟
    الشيخ: أنا لا أبرر أي ظلم، بل أنا أقول لك أكثر من ذلك: عليّ أنا كداعية وعليك وعلى كل شاب وأسأل أن ينفعهم الله بهذا الكلام أن نكون على منهج الأنبياء الذين قالوا: ((وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا))[إبراهيم:12] لا أقول فقط: لا تكن عنيفاً، بل اصبر على الأذى، إيذاءً من حكومة أو قريب أو مدير من أي مكان، اصبر على الأذى في سبيل الدعوة إلى الله، ولا تنتقم، فالانتقام يجعلها لغير الله.
    المذيع: فضيلة الشيخ! طلب منا كثير من المشاهدين بأن تستمر هذه الحلقة حتى نشبع هذا الموضوع طرحاً وأجوبة من فضيلتكم، وأنا حقيقة أعجبني هذا الطرح الساخن، ولكنك عودتنا الصراحة والوضوح.
    المذيع: أيها الإخوة المشاهدون انتهى اللقاء إلى هنا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.