أمر هذه الدعوة مهم لتقويم اعوجاج هذه الأمة، فمع تطور أساليب الهدم والانحراف تتطور وسائل التقويم والبناء، وهذا ما نلحظه في المرحلة الحالية لهذه الدعوة، والتوجيه والمشاورة مطلوب؛ لكي نصل إلى الأهداف المحددة والمرجوة لتلك الدعوة والنهوض بالمجتمعات الإسلامية إلى المستوى المطلوب، كما يجب علينا مراجعة وتقييم سير هذه الدعوة بين حين وآخر؛ لكي نقوِّم أي خلل أو تقصير في حينه؛ حتى لا يستفحل أمره ويصعب قلعه.
  1. تجدد نهوض الدعوة


    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد الأمين وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين.
    أما بعــد:
    فنحمد الله تبارك وتعالى ونشكره على نعمه العظيمة، وعلى هذا التوفيق الذي وفق الله تبارك وتعالى الدعاة إليه، فكان هذا الخير والبركة التي نسأله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يزيدها نماءً وقوةً وزكاءً، وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم، إنه على كل شيء قدير.
    الحقيقة أن الله تبارك وتعالى فتح علينا بفتح عظيم، وهذا من فضل الله تعالى وكرمه، ثم بجهود وبدعاء وبإخلاص الإخوة القائمين على هذه الأعمال، التي طرأ عليها تحول كبير جداً عما كانت عليه في الأعوام السابقة، وهذه الدعوة في بدايتها، ونسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن تكون النهاية خيراً، وأن تستمر، وتتطور، وتتقدم أكثر فأكثر إلى ما فيه الخير والنفع العام، حيث كان هذا ثمرة إخوة اجتهدوا في تأسيس المكتب التعاوني، الذي من خلاله تم التنسيق للعمل الدعوي على مدار العام كاملاً، وذلك بالتنسيق مع الدعاة بأن يشارك كل منهم بقدر ما يستطيع؛ لتستمر الدعوة حية مغتنمة كل حسن، واستغلال كل فرصة مواتية؛ لأن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جعل الأيام دولاً: ((وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ)) [آل عمران:140].
    فقد تأتي فترة من زمان أو سنة أو أكثر تكون الدعوة مبتلاة وضعيفة، أو تكون خطواتها ثقيلة أو متباطئة، ولكن يعقب ذلك انطلاقة جديدة، ويعقب ذلك قيام ونهضة، وإحياء للإيمان في القلوب، وحركة تجدد ما ضعف أو ما اندرس في المرحلة التي قبلها.
    فنحن الآن على باب مرحلة جديدة من النشاط والنهضة الدعوية، وانتشار الوعي والخير والبركة، والحجة قد قامت علينا الآن، فمن كان يريد الإسهام في هذا الخير والبذل والعمل والمشاركة فلا عذر له، وإن كان لأحد عذر فيما مضى فلا عذر لأحد فيما بقي، فإن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قد هَّيأ وسائل الخير للدعوة التي هي الآن على باب من أبواب العزة والفتوحات والانتصارات، وأصبح القاصي والداني والصغير والكبير على ثقة ويقين أنها على ثبات، وأنها منتصرة بإذن الله سبحانه تعالى، وهذه النعمة ما كنا نتوقعها أن تكون بهذه السرعة، ولذلك نريد التأسيس لنهضة قوية وعامة وكاملة بإذن الله.
  2. حاجاتنا في الدعوة

    إننا نحتاج إلى أن نقوي إيماننا بالله، ونحتاج إلى ما وصّى الله تبارك وتعالى به نبيه يحيى عليه السلام: ((يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ))[مريم:12] فنحتاج إلى القوة في أخذ هذا الحق، والقوة تشمل قوة اليقين بالله تبارك وتعالى، وقوة الثقة بأن ما نحن عليه هو الحق، وقوة القيام بأمر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فلا يرى الله فينا ضعفاً في تحمل هذه المهمة التي أوكلت إلينا.
    ونحتاج إلى الإخلاص لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ((وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ))[البينة:5] فالإخلاص هو أساس كل عمل، لقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى} وبتجديد الإيمان في القلوب، وبتجديد الإخلاص لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نكون قد أسسنا قاعدة قوية، وغرسنا بإذن الله شجرة طيبة مباركة أصلها ثابت وفرعها في السماء.
    فإن الإخلاص لله يُزكِّي ويُقوي ويحمي الأعمال وليس مجرد الكثرة أو القلة بذاتها، كما نحتاج إلى ما أوصى الله تبارك وتعالى في قوله: ((وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ))[الشورى:38] فذكرها الله تعالى في معرض المدح والثناء على المؤمنين، وهذا يدل على الحث على الشورى فيما بيننا، وليس معنى ذلك انفتاح المجال في الدعوة والانطلاق بها كيف شاء من خلال تصوراته أو إيراداته أو رغبات له، فقد يكون فيها شيء مما يخالف المصلحة العامة.
    بل يجب أن نقدم آراءنا جميعاً ونضعها أمام أنظار الإخوة الذين لهم الأمر والشأن في هذا، فهم الذين أمر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن نردها إليهم: ((وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ)) [النساء:83] فلكل قضية من يعلمها ومن يستنبطها من ذوي الخبرة، أو المنصب، أو الموقع الدعوي الذين يمكن أن يرد إليهم الأمر ويتشاورون ثم يقررون ما يرون، وهذا مما ينبغي على الإخوة جميعاً أن يتفهموه.
    والأمر الآخر -أيضاً- مقتضى قول الله تبارك وتعالى: ((وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)) [المائدة:2] وكما أن من مقتضى وجوب إيجاد الطائفة المنصورة التي تدعو إلى الله، وتقيم الحجة على خلق الله، وترث الأنبياء في الدعوة إليه؛ أن تكون كما قال الله تعالى: ((وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)) [آل عمران:104] فأمر الله تبارك وتعالى أن يكون من أمة الإسلام أمة خاصة، وكلمة أمة في اللغة تعني: الطائفة المجتمعة، وهكذا يجب أن تكون الطائفة مجتمعة متعاونة على الحق، وأن تكون هي القدوة والإمامة، وهي كذلك؛ لأنها بدعوتها إلى الله وأمرها بالمعروف ونهيها عن المنكر هي قدوة وهي إمام للمتقين ولبقية أفراد المجتمع.
    فلا بد أن نكون مجتمعين وأن نكون يداً واحدة، وأن تكون القلوب دائماً متصافية نقية، خالية من شوائب الرياء، أو الضغينة أو الحقد أو الغيرة أو الحسد، أو غير ذلك مما لا يضمن أحدٌ منا قلبه فيه، لأن الشيطان حريص، وقد يئس أن يُعبد في هذه الجزيرة ولكن رضي بالتحريش، أي: لو لم يكن له إلا التحريش لكفاه، ولا شك أن أي عمل خيّر ونافع ومثمر.
    فلابد أن يكون فيه بعض الاختلافات، وبعض الآراء، بخلاف ما لم يكن هناك عمل، فلن يكون هناك اختلافات لعدم وجود العمل، لكن أن يكون هناك عمل فهو عرضة لأن يكون هناك اجتهادات في الآراء، وأن يكون هناك تنافس أو غيرة أو حسد، لكن نسأل الله سبحانه أن يصلح قلوبنا وأنفسنا وأحوالنا جميعاً، إنه على كل شيء قدير.
  3. تنوع وتطور وسائل الدعوة

    كما نحمده سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى على هذه النقلة المرحلية التي لا يدركها إلا من عايش المرحلة السابقة، فهذه المرحلة تقوم على التخطيط والتعاون وعلى نشر الخير، وبذل الجهد وإيصال الحق والدعوة إلى كل بيت وبوسائل متعددة، أما في المرحلة السابقة قبل عشرين سنة أو أكثر فكانت الدعوة بالموعظة فقط.
    فهذا الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله، مرت به فترة في تلك السنوات وبشهادة الإخوان الذين في مكتبه، أنه كان يأتي ليلقي الدرس في المدينة فيجتمع حوله حلقة صغيرة وكلهم من طلاب الجامعة.
    أما إذا سافر من المدينة إلى الرياض وألقى الموعظة فمرة -بل مرات-لم يكن عدد الحاضرين أكثر من خمسة أشخاص، وهذا الشيخ محمد الموسى حفظه الله يعلم ذلك.
    ثم انتقلت الدعوة وتطورت وتوسعت، وأصبحت الموعظة جزءاً بسيطاً جداً من مجالات الدعوة، فعندنا المحاضرات والندوات المشتركة، ثم الكتيبات والنشرات والأشرطة، والمسابقات والمجلات والانتشار الإعلامي مما جعل الدعوة -ولله الحمد- من العمق والتجذر في المجتمع بحيث لا تقوى أي ريح على اقتلاعها بفضل الله.
    ولذلك نحن الآن في مرحلة اطمئنان على الدعوة، ولا يمكن أن تعود إلى الوراء أبداً بإذن الله، لكن -أيضاً- المصاعب، والمتاعب، والمشاكل التي تحيط بالأمة عظيمة جداً هذه الأيام، وفتحت أبواب من الشر لم تكن موجودة، وجاءت تيارات عارمة ما كان أحد يتوقعها، أشبه ما تكون بالفيضانات التي لا تبقي ولا تذر، ومن هنا يجب علينا أن نقاوم هذا بهذا، وأن نطور أعمالنا -أيضاً- أكثر فأكثر، فلا ندع مجالاً للدعوة إلا سلكاناه وسخرناه.
    كما أن العلاقة العامة والمحبة، والتهادي، وبث الأخوة ونشرها بين أفراد المجتمع، من أفضل وسائل الدعوة الممهدة لها، ثم بعد التمهيد ينطلق كلُّ منا في ميدانه، فيجب على كل واحد منا أن ينشر من الحق بقدر ما يستطيع، في بيته وأهله وعمله وفي السوق.
    فمثلاً: الحث على الصلاة، ليست وظيفة خاصة بالهيئة فقط؛ بل كل واحد منا يجب عليه إذا مر بالسوق أن ينكر وأن ينصح ويذكّر، وأن يحث أهل السوق وكل من يجد في الطريق على الصلاة، فإذا قام كل واحد منا بهذا؛ تغير سلوك الإنسان، وينبغي لكل واحد منا في إدارته الحكومية التي يعمل فيها، أو في مجاله الذي يعمل فيه أن يظهر من الدين ما استطاع، من فتوى يعلقها على جدار، أو نصيحة يدعو إليها، أو موعظة يلقيها، فإن رأى منكراً يذهب إلى المدير أو إلى أي مسئول ويقول: هذا لا يجوز ويكون باللطف، فإن أصررتم نشكو، ونقدم ونطالب، وهكذا لو ظهر أي منكر، حتى لو وصل الحد أن يرسل كل واحد منا برقية أو فاكساً، ونفعل ذلك بكل حكمة، وأناة، وبكل أسلوب ممكن.
    المهم أن المرحلة مرحلة انطلاق، وليست مرحلة وقوف ولا تأخر ولا تقهقر، انطلاقة مدروسة ومحكمة، كما قلنا: بضوابط الشورى، والتناصح وباتباع الدليل؛ لأنها قائمة أصلاً على: ((قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ)) [يوسف:108].
    فهي قائمة على العلم الشرعي وقائمة على الدليل، فلو كان الأمر مجرد اختلاف آراء واجتهادات، فنحن نعلم -جميعاً- أن الاجتهادات والآراء تتنوع ولا حرج في ذلك، لكن الكلام هو في مخالفة أمر الله وشرع الله، فلا يحق لأحد منا أن يتعلل بالعلل الواهية التي قد يأتي بها الشيطان، أو أن نتخاذل ونتواكل وكل واحد منا يقول: الإخوان يكفون، أو فيهم بركة، أو لعلهم يفعلون كذا وكذا، بل على كل واحد منا أن يُؤدي دوره، وأن يستشعر كل منا أنه على ثغر، فالله الله أن يؤتى هذا الدين وأن تؤتى هذه الدعوة من ثغرته.
    فأرجو من كل واحد منا ومن الدعاة أن يفكروا، وأن يدبروا جيداً أمر هذه الدعوة، وما هيأ الله تبارك وتعالى لها في هذه المرحلة، وما يتوقع لها من خير، وأن ننظر دائماً من عين التفاؤل، والأمل، والثقة بالله -تبارك وتعالى- والتوكل عليه، وأنه لن يأتي الخذلان إلا من أنفسنا، كما قال تبارك وتعالى للصحابة الكرام أصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ)) [آل عمران:165]، ولكن لنتأمل؛ ولنتدبر حالنا، ولنعد النظر في أمورنا الدعوية، وفي علاقاتنا، ومدى تعميم وتوسيع ونشر الخير في المجتمع، ونعيد النظر في قضية هل نحن فعلاً نخاطب كل إنسان؟
    وهل خطابنا له بما يعقله ويفهمه وعلى قدر حاله؟
    أم أننا نخاطب خطاباً عاماً لكل أحد؟
    وهذا فيه خير لكن لا يؤدي الثمرة المطلوبة.
    كل منا يجدد فينظر ويستعين بإخوانه؛ فإن المؤمن مرآة أخيه، ونسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى آخراً كما سألناه أولاً أن يبارك هذه الجهود الطيبة النافعة، وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم، وأن يجعل هذا الكفاح وهذا التقدم بادرة خير لما بعده، وأن يجعله نصراً عظيماً لهذه الدعوة، ونهوضاً وقياماً لها، إنه على كل شيء قدير، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده محمد.
  4. الأسئلة

    1. الإنترت واستخداماته الدعوية ومحاذيره

      السؤال: كثر في الآونة الأخيرة انتشار مواقع الإنترنت، فهل تنصحوننا في الانخراط والاضطلاع فيها، علماً أن هناك مواقع تسعى لهدم الدين؟
      الجواب: علينا أن نُحدد قضايانا في المواضيع الأكثر خصوصية في الواجب الدعوي القائم عليها، أما قضية الإنترنت فإن كلاً منا يختلف عن الآخر في هذا الشأن، فبعضنا لا يعرف الإنترنت، وبعضنا ليس عنده نية ليتعلمه، وبعضنا ليس عنده خبرة فيه، وبعضنا يطلع عليه اطلاعاً معيناً، وبعضنا قد يكون لديه الخبرة العميقة فيه.. وهكذا؛ لأن هذه أموراً تخص كل إنسان في شأنه بحسب حاله، ووضعه، فلو كنت أنا خبيراً في الإنترنت فلا ينبغي لي أن أفرض خبرتي على الآخرين، وأقول: على كل واحد أن يدخله ويستفيد منه ويدعو إليه لأنني أنا نجحت في ذلك! كما لا ينبغي لأحد الإخوة المعرض عن هذا الشيء، أو الذي لا يجيده أن يفرض عليَّ ألا أعرف وأن أجهل كل شيء.
      بل ينبغي لكل واحد منا أن يقوم بواجبه الدعوي من خلال أي جهاز يستطيعه، فقد يأتيك بعض الإخوان ويقول: أنا أستطيع أن أُحول هذا الجهاز إلى مجال للدعوة لا نظير له، وقد جلست مع بعضهم، ورأيت كيف يتخاطبون، ولاشك أن كل واحد منكم لو رأى ذلك لابد أن يعجب به ويدعو له بالتوفيق والبركة، ولا يغركم أن يقال فيه وفيه وفيه، نعم كل شيء فيه، لكن أنت يمكن ألا ترى، ولا تكتب ولا تسمع إلا الحق والخير.
      ومن المعلوم أنك حين تفتح القناة الفضائية ومضطر أن ترى ما فيها، لكن أنت الذي تحرك وتفتح ما تشاء.
      وهناك شركة أرادت أن تأخذ مقاولة، ولا أدري هل نجحت أم لا، فقد كنت على علم أن هناك تفاوضاً، وتريد أن تجعل نوعاً من التنظيف أو التصفية لما يأتي إلى هذه البلاد بالذات، حيث عرفت أن هناك من يريد الخير، فوجدت أن بإمكانها أن تضع ثلاثمائة ألف موقع، ليس فيها شيء من التنصير ولا الإلحاد، ولا من الأشياء الإباحية، أو الغناء أو الموسيقى أو غيرها.
      والموقع الواحد قد يكون لجهة أو مؤسسة ضخمة جداً؛ بحيث أنك تدخل على جامعة بأكملها أو مكتبة فيها ملايين الكتب، وتسمى موقعاً واحداً من هذه الثلاثمائة ألف.
      فلتكن ثلاثين ألفاً، فإن عندك مجالات لا تكاد تتخيل مدى عمقها ومدى تأثيرها، لكن لا يعني ذلك أن نقول: إن على كل واحد من الشباب أن يدخل الإنترنت، فإن ذلك قد يجلب لبعضهم مشاكل ومتاهات، ثم يقول: إن المشايخ ينصحون بذلك، فالإنترنت ليست شيئاً واحداً، وليست مجرد الجهاز الذي أستخدمه في بيتي، فإذا كان جهازاً واحداً فإن الشبكة نفسها ليست شيئاً واحداً، بل هي عبارة عن ملايين من أجهزة الحاسوب، وكل منها بإمكانه أن يدخل على الآخر، فإذا ضربت هذا في هذا وهذا في هذا؛ تصبح عندك الأرقام مضاعفة إلى أعداد هائلة جداً بإمكانك أن تدخل عليها.
      وبالتالي فأنت يمكن أن تدخل وتُفيد وتستفيد، وبإمكانك -والعياذ بالله- أن تدخل فلا ترى إلا الكفر والإلحاد والإباحية والانحلال.
      إذاً: ينبغي أن ننظر إلى الموضوع نظرة متأنية هادئة وموضوعية، ونتدبر من المؤهل لهذا، فإذا كان هناك من هو مؤهل للقيام باستغلال هذا العمل فجزاه الله خيراً، ويمكن أن يتطور الأمر من مجرد أن يفتح ويرى إلى أن يضع مواقع، وأن ينشر، وأن يجابه، وأن يجاهد، فهذا نوع من جهاد الحق وبيان الكلمة، والأخ الذي نخشى عليه أن يكون مجرد متأثر أو مستقبل فنمنعه من ذلك، وليس لها كلمة واحدة عامة بحيث يستطيع أن نقول: إنها حلال أو حرام، ولكن نقول: إنها بحسب جهد كل إنسان وطاقته ومعرفته وعلمه وخبرته في هذا، ومدى إفادته من الدعوة إلى الله تبارك وتعالى، والله تبارك وتعالى جعل حساب كل إنسان عليه: ((وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ))[الإسراء:13] فما تراه وما تسمعه فأنت مسئول عنه يوم القيامة: ((إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً))[الإسراء:36] فأنت المسئول عما ترى وتسمع، ولا تقل: إن فلاناً عنده فأنا عندي، وأرى كما يرى، لا؛ فقد يرى أشياء، ويتكلم بشيء من الموضوعات، ويناقش في أمور لا ينبغي للآخر أن يناقش، أو يجادل فيها، مع الرافضة أو مع النصارى أو غيرهم، فلا ينبغي ذلك للجاهل.
      والحقيقة أن الإنسان يتألم جداً حين يرى نقاشات بعض الناس عن جهل، ويخوض في جهل، فيجعل أهل البدع يستطيلون ويتبجحون على أهل السنة، فكيف باليهود والنصارى وغيرهم عندما تكون الإجابة ضعيفة، أو يكون الكلام اعتراضاً لا قيمة له، أو كلام تافهاً غير مجد ولا خير فيه، فيحذر كل إنسان منا وهو مسئول عما يكتب وعما يقول.
    2. عن عودة بعض المشائخ إلى دروسهم

      السؤال: حول المشايخ وعودة دروسهم؟
      الجواب: الحمد لله على الموافقة التي تمت من خلال التفاهم والتقابل بين الإخوة الدعاة وبين المسئولين، والشيخ سلمان في الأسبوع الأخير -أي: قبل الإجازة بأسبوع- سيبدأ إن شاء الله تبارك وتعالى، وكذلك الشيخ ناصر أيضاً وصلت الموافقة، وكتب من الوزارة إلى الأوقاف ليبدأ دروساً علمية في العقيدة وغيرها في المسجد الذي كان يدرس فيه، وربما أنا -أيضاً- قد وصلت الموافقة، ولكن بحكم أني هنا فقد يكون كتب لمنطقة مكة المكرمة وليس عندي علم عنه إلى الآن، لكن الذي عندي علم فيه أن الموافقة قد جاءت، وأن البداية قد تكون بالتدريج لكن في النهاية سيرجع الحال إن شاء الله إلى ما كان عليه بإذن الله تعالى، ونسأل الله لنا ولكم التوفيق والإخلاص.
      وكما قلت لكم: إن الحجة قامت الآن، وربما يكون الإنسان في عذر وفي فسحة من أمره، ما لم يقل له: افعل أو قم. فتقوم الحجة عليه، ولا يعذر أبداً في القيام بما كنا جميعاً نرجوه أو نطالب به، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم جميعاً، أما الشيخ عائض والشيخ سعيد فليس عندي علم عنهم.
    3. نشاط الدعوة مطلوب في كل وقت وفي أي مكان

      السؤال: نشاهد في هذه المنطقة نشاطاً ملحوظاً وخاصة في فترة الصيف والإجازة، ثم فتوراً ملحوظاً في بقية العام، ما هي نصيحتكم للإخوة المقيمين بصفة خاصة وبقية الإخوة بصفة عامة؟ الجواب: الحمد لله، الذي رأيته هذه السنة أن الإخوة وفقهم الله تنبهوا إلى هذا، حيث أنهم وضعوا برامج على مستوى العام، لكن لابد أن نراعي المكان والزمان، فالمسجد الكبير العدد، والمساحة ليس مثل المسجد القليل العدد والمساحة، والبلدة الكبيرة تختلف عن الأخرى التي أقل منها، وكذلك أيضاً الفترة الزمنية التي يكون العدد فيها أكثر تختلف عن التي يكون العدد فيها أقل. على أية حال ينبغي ألا ينقطع الخير في أي وقت وفي أي مكان، وهذا ما تنبه له الإخوة كما علمت ورأيت، ونسأل الله أن يبارك جهودهم، وكل واحد منا عليه واجب لابد أن يقوم به ولا ينتظر، وحتى لو رآهم لم يتنبهوا إلى موضوع معين، فعليه أن يبادر إما بنفسه أو يطالب غيره، والله تبارك وتعالى يبارك الجهود لنا جميعاً، إنه على كل شيء قدير.
    4. حاجة المناطق الكبيرة والواسعة إلى جهد وعمل مشترك

      السؤال: المنطقة كبيرة وواسعة وتحتاج إلى جهود متكاتفة، والبعض فيه الخير، ويكتفي بالرغبة الداخلية في العمل الدعوي دون مشاركة، فهل من نصيحة في ذلك؟
      الجواب: أما سعة المنطقة وكثرة العدد فيها والمجال الرحب فهذا أمر مشهود، وينبغي ألاَّ يغيب عن البال أن تهامة تابعة لهذه المنطقة، وأن البادية هي تابعة أيضاً، فنحن كثيراً ما نتحدث ونقول الباحة، وبلجرشي وغيرها، ونرى التقصير حاصلاً فيما نرى الآن في هذه القرى والمدن التي حولنا، والحقيقة أن هناك فضاء أوسع مجالاً، فأقول: إن منطقة تهامة تمتد إلى البحر تقريباً ثم الشرق، والبادية إلى قريب من الطائف، ثم إلى جهات بيشة وما حولها، كل هذه يشملها اسم المنطقة، وعندما يكون مركز دعوي أو مكتب تعاوني فينبغي أن يغطي هذه المساحة وكل من فيها، ولا شك أن هذا عبء كبير.
      أما الاكتفاء بالرغبة الداخلية، فالرغبة منفردة لا تحقق شيئاً، فلو كانت الرغبة في الطعام تكفي لاشتهى الواحد منا أن يأكل ولا يشبع، أو إذا عطش يرغب أن يحلم أو يتمنى أن يشرب، ولكن لن يذهب العطش ولن يرتوي، وكذلك إذا رغب أن يبني بيتاً، فلو تمنى -حتى الموت- فلن تأتي طوبة وتضع نفسها فوق الأخرى إلا أن يبني بيديه، هذه سنة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ولم يجعل الله تعالى النعيم الذي يأتي بمجرد الرغبة والاشتهاء إلا في الجنة فقط.
      لكن منذ أن أخطأ أبونا آدم عليه السلام، وكان ما كان بقدر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ونزلنا إلى هذه الأرض فلابد أن نكدح فيها، فهي دار كدح وعمل ودأب، لا يتأتى لك أي شيء إلا بتعب، ولو أردت أن تأخذ شهادة فلن تنالها إلا بتعب، ولو أردت أن تبني غرفة فلن تقوم إلا بتعب، ولو أردت أن تشتري سيارة فيلزم أن يكون معك مبلغٌ من المال... وهكذا، فلابد من بذل الأسباب، فكيف بأمر الله؟! وكيف بشراء الجنة وهي السلعة الغالية العظمى؟!
      فمن أراد أن يسير على منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله وتقفي أثر الرسل الكرام في ذلك؛ فعليه أن يعلم أن هذا الأمر محتاج إلى رجال، وهم كما وصفهم ربهم بذلك، فقال: ((فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ)) [النور:36-37] وكلمة رجال كلمة عظيمة تدل على أنهم ليسوا مجرد ذكور غير إناث، وإنما المقصود أنهم الذين تحققت فيهم الرجولة، والرجولة معروفة شروطها عند العرب وعند غيرهم من الأمم.
      فنحتاج إلى رجال أقوياء، ونحتاج إلى من يحمل هذه الدعوة، ويأخذ الكتاب بقوة، ويقوم لله تبارك وتعالى في كل مقام يريده الله بما يرضي الله، وبما يدحض شبهات أعداء الله تبارك وتعالى، ويقيم المنارة لهذا الدين العظيم، فلابد من ذلك.
      ولا تكفي الرغبة أو حب الخير في العمل، فالنية الحسنة وحب الخير لاشك أنها الأساس، لكن الاكتفاء بها وحدها مع إمكان العمل لا يكفي، أما الاكتفاء بها فهو عند حالة العذر، كأن تعذر العمل تماماً وما بقي لديك إلا النية فالحمد لله.
      لكن نحن الآن نتكلم عن مرحلة انفتاح، وعن مرحلة إقبال على هذا الدين ولا إدبار، فتجد الشاب الضال اليوم وتجده غداً وهو مهتدياً، تجده من كبار المجرمين والأشرار والفساق والممثلين، أو غير ذلك.
      تجده بالأمس وهو في غيه يعمه، وإذا به اليوم قد تاب إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وأصبح داعية، فنحن الآن في مرحلة إقبال، وهذا يحتم علينا أن ننتهز هذه الفرصة وأن نزداد عملاً، وأن نحول هذه الرغبة في الخير إلى العمل بطرقه الشرعية المعروفة.
    5. موقف المسلمين من القضية الفلسطينية

      السؤال: نسمع في هذه الأيام عما يدور من مفاوضات بين المسلمين واليهود، فما هي النظرة الإسلامية للوضع في فلسطين الحاضرة والمستقبلة؟
      الجواب: ينبغي ألاّ تشغلنا قضية عن قضية، فالإسلام يحارب الآن في كل مكان، ولو ذهبنا إلى أقصى الشرق -مثلاً- إلى الفلبين ثم إلى إندونيسيا ثم إلى جنوب شرق آسيا إلى كشمير أو إلى الشيشان أو غيرها؛ لوجدنا أن الإسلام يحارب في كل مكان.
      لكن القضية الأولى التي يجب أن تقدم على كل القضايا الآن، من جهة محاربة أعداء الله وجهادهم، ليكفوا شرهم وليُدحروا عن أرض الإسلام التي احتلوها ظلماً وجوراً وعدواناً، تلك القضية الأولى هي قضية فلسطين، ولا ينبغي أن تشغلنا أي قضية أخرى عنها، لابد أن نشتغل بالقضايا جميعاً لكن نرتبها.
      والآن المرحلة تتأزم أكثر فأكثر، وإخواننا هناك في الأرض المحتلة لم يبق لهم ملجأ ولا ملاذ إلا إلى الله تبارك وتعالى، ثم ما يأتيهم من إخوانهم المسلمين، فقد تقطعت بهم السبل والحيل، مقابل قوة إسرائيل، وهي الدولة الصهيونية المجرمة التي وراءها الغرب كله، وأكثر الشرق، بل حتى المداهنين ممن يدعون الانتساب لهذا الدين، كل هؤلاء في صف والفئة المؤمنة القليلة هناك وحدها ليس معها إلا الله تبارك وتعالى، فينبغي أن نؤيدهم وننصرهم بكل ما نستطيع، ونعلم جميعاً أنه لا مستقبل لا في فلسطين ولا في غيرها من بلاد المسلمين المحتلة إلا بالجهاد، لابد من الجهاد في سبيل الله، وكل ما دون ذلك من مفاوضات، أو مباحثات، أو مجلس أمن، أو قرارات، فهذه كلها ونحن على ثقة مطلقة أنها غير مجدية ولا خير فيها.
      ولذا نجد أن أكثر العاملين في الدعوة أو الجهاد هناك نافضين أيديهم من هذا، وإنما تمرغ في أوحالها العلمانيون وأمثالهم، لكن إخوانكم هناك يحتاجون منكم المدد بالدعاء، وبإحياء القضية والحديث عنها باستمرار، ويحتاجون منكم دعماً عظيماً جداً لما لديهم من أنشطة دعوية.
      وأنا أبشركم أنني إلى آخر أيامي في مكة وأنا على صلة ببعض من جاء للعمرة، والله أن هناك من الأنشطة ما يفرح القلب ولله الحمد، فحلقات التحفيظ بالمئات داخل الأرض المحتلة، والقائمون عليها من الإخوة الدعاة المعروفين الذين تخرجوا من الجامعات في هذه البلاد وغيرها، والحجاب والتمسك به منتشر، وهناك نهضة دعوية كبيرة لكن تحتاج منا إلى دعم، وإلى تأييد بالكتاب وبالشريط وبالدعاء وبالمال، وبكل ما يتاح لنا وما أمكن، والوقت الآن يضيق عن ذكر تفاصيل ذلك.
      لكن نقول لكم: نحن على ثقة أنه لن ينجح أي حل ولا أي مفاوضات، ولن يكون بيننا وبين هؤلاء القوم إلا ما أخبر عنه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخر الزمان؛ وهو أننا سوف نقاتلهم، والله تبارك وتعالى معنا بنصره وتأييده {حتى يقول الحجر والشجر: يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي، تعال فاقتله} وهذا من عون الله تبارك وتعالى.
      فما دون ذلك فإنما هو حلول كاذبة أو مؤقتة أو تسكيتية أو ترضية لن تدوم أبداً، ولن يقبلها اليهود أنفسهم فضلاً عن المسلمين، لكن نحن ما يجب أن نقدمه هو العون المستمر والدعم والتأييد.
      والحمد لله، يوجد لهم هنا من هم معنا ونعرفهم، ولا توجد قرية تقريباً أو بلدة إلا وفيها من يعمل هنا في أي قطاع من القطاعات يمكن التعرف عليه.
      ومن ضمن لجان الندوة العالمية للشباب الإسلامي، لجنة فلسطين ولهم جهود طيبة مشكورة، وعن طريقهم يمكن أن نقدم ما نستطيع إن شاء الله، وتوجد طرق شخصية، فيجب على كل إنسان أن يبرئ ذمته ويقدم لإخوانه ما يستطيع، وجزاكم الله خيراً.
    6. الجهاد التزام لا الزام

      السؤال: ما حكم الجهاد؟
      وهل هو فرض عين أم فرض كفاية؟
      وما رأيكم في الجهاد في الشيشان وأفغانستان؟
      الجواب: هذه القضية أرجو ألاَّ نكرر ونتعب أنفسنا فيها، من أراد واستطاع أن يتطوع للجهاد في سبيل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فليفعل، وإذا ذهبت للجهاد وتطوعت وهو تطوع ليس بفرض فهو خير من أن تذهب وهو فرض عين عليك، وأنا أتعجب حقيقة من حرص بعض الشباب على أن يقول: إنه فرض، فإن كان المقصود به إلزام الآخرين فلن تلزمهم فتواي ولا فتواك، وإن كان المقصود أنه التزام منك فباب الخير مفتوح، وإذا كان في جيبك ألف ريال، فلا يحتاج أن تقول: أعطوني فتوى أنه يجب على الواحد أن ينفق ألف ريال، تصدق بالألف ريال دون أن يعرف أحد أنك تصدقت.
      فخير لك أن تذهب متطوعاً من أن تذهب وهو واجب، لأن المتطوع أمير نفسه، فإذا ذهبت ووجدت الأوضاع صعبة رجعت، وليس عليك إثم، ولو رأيت أنك لا تذهب وتكتفي بالجهاد بالمال فليس عليك إثم، وهذا أفضل.
      لكن الإلحاح على مسألة الفرضية؛ هو غير منطقي من النظرة العقلية، أي: لو تأمل الإنسان حقيقة الأمر، وتدبَّر ما في القرآن والسنة وواقع دعوة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وحالنا نحن الآن، لعرف أنه لا يمكن أن يكون الجهاد فرض عين على كل مسلم، وإلا لانتقلنا إلى مكانهم هناك، وما كنت تحتاج أن تسألني أو أحداً غيري وهو هنا لم يذهب للجهاد.
      وأنا دائماً أقول: لو أني سأقول لك: إن الجهاد فرض عين لما قلته وأنا هنا، بل سأذهب إلى هناك، ثم أقول لك: إن الجهاد فرض عين فالحق بي، كيف أقول لك فرض عين وأنا هنا؟
      أيعقل هذا الكلام؟!
      إنه غير معقول على الإطلاق.
      لكن الكثير دخلوا نفقاً لا يجدون فيه إلا فرض عين وإلا فلا شيء عليه، وهذا غير صحيح، فهناك الفرض الذي فرضه الله، وهناك الندب، والمندوب ما حث الله عليه، من دون إيجاب، وهناك ما يلتزم به العبد التزاماً من تلقاء نفسه.
      والحقيقة أن كل من ذهب إلى هناك فقد التزم وألزم نفسه، وعاهد الله على الجهاد في سبيله من تلقاء نفسه، وما فرض أحد عليه شيئاً، ولو بقي هنا ما سأل عنه أحد وما درى عنه، والله سبحانه ما فرض على كل واحد منا أن يذهب، ولكنه رأى أن يذهب، ولو كانت المسألة مسألة وجوب لكان غيره أولى، لأن غيره قد يكون متدرباً، وقد لا يحتاج إلى إذن من والديه، وقد يكون وقد يكون... لكن هذا الأخ ذهب متطوعاً، ونشكره على تطوعه، ونسأل الله أن يتقبل منه، وإن مات أن يتقبل شهادته، وإن عاش أن يتقبل جهاده.
      ونقول له: راعِ الظروف، وقدّر رض الوالدين، وألاَّ يعود ذهابك بمشاكل أمنية عليك، ثم إذا ذهبت هل تثبت أم لا.
      والإنسان قد يتمنى لقاء العدو ولا يكون ذلك خيراً له، والله تعالى ذكر لنا أمة من الأمم، فقال: ((أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً)) [النساء:77]، فما يدريك؟!
      فقد تكون أنت الآن في راحة وعافية، مكتفياً بالتبرع بالمال، أو شيئاً من هذا، لكن إذا ذهبت هناك ورأيت النار والصواريخ فقد تندم، وقد يموت المرء وهو مدبر غير مقبل -والعياذ بالله- وهو نادم غير راغب -نسأل الله العافية- فما يدري أحدنا ماذا تكون العاقبة.
      فعلى الواحد منا ألا يُحمِّل نفسه من البلاء مالا يطيق، ولكن يجب أن يقدم نفسه للطاعة ويسأل الله التسديد، وأرجو ألاَّ تشغلوا أنفسكم بهذه القضية فرض عين أولا، وهذا يقدم أدلة وهذا يقدم أدلة، فالقضية ليست هكذا، القضية قضية التزام وليست إلزاماً، الالتزام هذا يعود إليك، وإذا أردت أن تذهب فاذهب، ولا تحاول أن تقنع غيرك بأنه واجب، ويمكن أن تقنع غيرك بأن الجهاد عمل صالح وفضله عظيم... وهكذا، فيوافق، ويذهب معك، لكن لو أردت أن تفرض عليه لابد أن يأتي من يقول: ليس بفرض لا عليك ولا عليه، وبالتالي تقول: فلماذا أذهب؟
      فأرجو أن تتنبهوا إلى هذا الموضوع... وفقكم الله.
    7. مشاركة النصارى في حفلاتهم

      السؤال: ما حكم عمل حفل التوديع للنصارى العاملين معنا في العمل؟
      وإذا لم يشارك المرء فما حكم الأكل من الكيك أو من غيره؟
      الجواب: هؤلاء النصارى:
      أولاً: لا يجوز أن يدخلوا جزيرة العرب، فلا يجتمع فيها دينان كما أخبر النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو أمر، فقد يكون اللفظ خبراً ومقتضاه النهي، وقد أن يكون اللفظ نهياً صريحاً: {لا يجتمع في جزيرة العرب دينان }، {جزيرة العرب}، فلا يجوز أن يدخلوها في الأصل، ثم إن دخلوها بغير رغبة ولا إقرار منا بذلك، وإذا ابتليت فوجدتهم في عمل وأنت تعمل فيه، فأول ما تسعى إليه أن تخرجهم من البلد إن استطعت، إن كنت مديراً أو بيدك سلطة، أو يمكنك إقناع المدير، أو غير ذلك لإحلال مسلم مكانه فافعل.
      وإن لم تستطع ذلك فالدعوة واجبة، ثم إذا سلكت مجال الدعوة فلابد أن تلتزم بأخلاق الداعية وأن يرى فيك شيئاً من محبة الخير له، لأن الدعوة هي محبة الخير، فإذا رآك تحب له الخير وتحرص عليه، وتؤكد له بأي وسيلة عملية أو قولية أنك تريد له الخير، وأنك لا تريد له الشر، تريد له الخير الذي نريده له ولأنفسنا، وهو الإسلام؛ فإنه قد يسلم ويكون لك أجره، ولا يمكن أن نحقق له خيراً بدون الإسلام، فخير الدنيا تافه، ومتاعها قليل لا يؤبه له، لكن نريد له الخير بأن ينقذ نفسه وأهله من النار، وأن يكون الداعية حسن التعامل معهم، بأن يقدم لهم بعض الهدايا أو الطعام أو غير ذلك.
      لكن أن يتعدى ذلك إلى شيء من الاحتفاء والتكريم، وخاصة عند التوديع وهو ذاهب غير آيب، ولا يرجى أن يسلم إذا عاد إلى بلاده؛ فهذا لا يجوز، وهو من تعظيمهم.
      فالواجب علينا أن نُعظِّم ما عظم الله، وأن نحقر ما حقره الله، وتعظيم هؤلاء القوم فيه خلل، وهذا الخلل في عقيدة الولاء والبراء، فإن الله تعالى أمر بعداوتهم، وأمر ببغضهم كبغضهم لنا: ((قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ)) [آل عمران:118] ومن قال غير ذلك فقد كذب أو أخطأ، إلا ما ذكر الله عز وجل بأن يكون هناك نوع من المودة والصلة، كأن يكون إما خائفاًَ على نفسه، يريد أن يدخل الدين لكنه خائف على نفسه، أو من يجهل هذا الدين، كما قال الله عز وجل: ((فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ)) [التوبة:6].
      قد يكون لا يعلم كلام الله، ولا يعرف حدود الله، ولا يعلم حقيقة هذا الدين، أو قد يكون عرف الدين من خلال نماذج سيئة، ممن يذهبون إلى بلادهم بالفسق والتعري والخمور والغش والكذب أو غير ذلك.
      والمقصود: أن من وضحت له الحجة، واستبان له الحق ولم يجب؛ فهذا دليل على أن في قلبه كبراً وحسداً، كما قال تعالى: ((حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ))[البقرة:109] وأنه لا بد أنه يُكِّن الغيظ، والعداوة لأهل هذا الدين؛ لأنه من حزب الشيطان، وحزب الشيطان لابد أن يبغض حزب الرحمن.
      فالواجب على المؤمنين أن يبغضوهم ولا يحبوهم وألا يكونوا كما قال الله تعالى: ((هَا أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ)) [آل عمران:119].
      لكن مع الأسف هذا هو الواقع الآن، وكأن هذه الآية تنطبق علينا (100%) نعظمهم، ونعظم أحوالهم وأمورهم، وهم لا يقيمون لنا أدنى وزن، وهذا من العقوبة، نتيجة لأننا لم نقم حقيقة الولاء والبراء وملة إبراهيم عليه السلام حيث أعلنها صريحة: ((إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ)) [الممتحنة:4]، ((وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ)) [البقرة:120].
      والآن والله إن العربي إذا دخل في دينهم فإنه محتقر، لأنه كان عربياً، ومسلماً فهو محتقر، فما بالك بمن لم يدخل في دينهم كيف يكون احتقاره؟
      نسأل الله أن يصلح أحوالنا وأحوال إخواننا المسلمين.
      فلا تشارك في هذه الحفلة التي يودع فيها النصارى، ولا تأكل من طعامها ولا تشرب من شرابها.
    8. إمكانية بلوغ الشخص منزلة أصحاب القرون المفضلة

      السؤال: ما الجمع بين قوله: صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم}، وبين قوله: {أمتي كالغيث لا يدرى أوله خير أم آخره
      الجواب: { خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم } هذا من حيث الطبقة العامة لا من حيث كل فرد بذاته، ولا شك أن أفراد الصحابة جيل متميز لن يبلغ مثله أحد، أي: الطبقة العامة من الصحابة رضوان الله تعالى عليهم فهم أفضل الأمة جميعها، والطبقة التي تليهم وهم التابعون هم أفضل وخير من الطبقة التي بعدهم من هذه الأمة، ولكنك تجد أن في التابعين من هو خير وأكثر إيماناً ممن له مجرد صحبة، لأن الصحابة رضوان الله تعالى عليهم كما دل عليه حديث: {لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه} يدل على أن الصحابة كانوا طبقتين أيضاً، لأن المخاطب كان من الصحابة، وممن لهم صحبة، فالصحابة بمعنى أخص وهم السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار هؤلاء درجة، ومن أسلم وجاهد من بعد الفتح أيضاً درجة.
      فنقول: إن بعض أفراد التابعين، أي: كبار التابعين المجاهدين هم خير من آخر الطبقة الثانية، وهذا لا شك فيه، كما أن أفراداً من جيل تابعي التابعين من هو خير من أفراد التابعين... وهكذا، فهذا كطبقات.
      أما الأمة في مجموعها فإن الخير فيها إلى قيام الساعة، وإذا كانت الطائفة المنصورة كما أخبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا تزال ظاهرة على الحق إلى قيام الساعة، فإنها قد تأتي مرحلة من المراحل فيها من الاستضعاف ومن الشر والظلم والكفر وما يكون عمل الواحد كخمسين، كما أخبر بذلك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديث الآخر، فيكون حالها أعظم ممن كان في الأجيال أو القرون الثلاثة؛ بسبب ما حف به من المحن والبلاء وقلة المعين والنصير، لا أن هؤلاء في ذواتهم أو كأفراد فيهم من هو أفضل، لكن أيضاً بحسب الأحوال، فالخير في هذه الأمة باقٍ إلى قيام الساعة، والطائفة المنصورة لا تزال قائمة، وإن ضعفت في بلد فهي قوية في بلد آخر، فمن هنا ينبغي أن نعتقد أمرين:
      أولاً: أن نعتقد أفضلية الثلاثة القرون الأولى على غيرها.
      ثانياً: أن نعتقد أن هذه الأمة أمة مباركة خيرة، وأن الخير لا ينقطع فيها، وأن علينا أن نجاهد لكي نكون إن شاء الله ممن ينال شرف صحبة هؤلاء الكرام في الجنة، فيلحق بهم وإن لم يكن منهم، وإن لم يدركهم.
    9. قبول الأشياء مربوط بالعمل لا برغبات النفس

      السؤال: في بعض الأحيان يكون لدى الشخص ميل إلى بعض الأعمال، ويحس أنه يفعل بعض تلك الأشياء لمجرد الميلان القلبي، والإحساس بالتأثر القلبي، فهل هذا من الصفات الباطلة؟ وهل له تأثير بالعقيدة؟
      الجواب: إن مجرد الميل القلبي ليس هو العبرة، بل لا ينبغي للمؤمن أن يكون الدافع له لكي يُرجّح قولاً على قول، أو عملاً على عمل هو الرغبة أو الميل النفسي؛ لأن الله تبارك وتعالى يقول: ((فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً)) [النساء:65] أي: التسليم المطلق، بحيث لا ينبغي لأي شخص آخر إلا الموافقة والمطابقة لما جاء به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ))[الأحزاب:36]، فلا اختيار إلا ما اختاره الله ورسوله، ولذلك قال العلماء حتى ما جاء في القرآن من الحدود والأحكام، وحتى ما كان ظاهرة التخيير فإنه تخيير مصلحة لا تخيير شهوة: ((إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ)) [المائدة:33].
      يقول العلماء: هذا التخيير تخيير مصلحة وليس تخيير شهوة، كأن يقول أحد: ما دام هذا من قرابتي وبيني وبينه محبة فإذاً أنفيه ولا أقتله، أو إن كان ليس بيني وبينه محبة ولا قرابة فأصلبه، فلابد أن ينظر إلى المصلحة العامة، وهذه الآية فيها كلام طويل للفقهاء.
      إذاً: ينبغي للمؤمن أن يكون هدفه وقلبه تابعاً لما جاء به رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهذا معنى أشهد أن محمداً رسول الله، وهو معنى الحديث على ما في سنده: { لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به} فلا يكون هواه هو قائده، ((أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ)) [الجاثية:23] هذا حال من حال الكفار، أما المؤمن فإنه يتخذ ما جاء عن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قائداً ودليلاً له.
      أما إذا كان في الأمر تخيير من الله للعبد، في بعض القضايا التشريعية التي يكون التخيير فيها فضلاً من الله تبارك وتعالى ورحمة بعباده، فإن اختار الأيسر فقد شابه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في فعله، كما صح في الحديث { أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً }.
      فمثلاً: أن تحرم بأي نوع من أنواع النسك الثلاثة، أو أن توتر بأي نوع من أنواع الكيفيات الثابتة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو أن تقرأ بأي نوع من القراءات الثابتة فليس فيها حرج، فهنا يكون للنفس ورغبتها اعتبار، أما في غير ذلك فكما تقدم.
    10. أحوال المجاهدين في الشيشان

      السؤال: نريد أن نعرف أحوال إخواننا في الشيشان وهل صحيح ما سمعنا عن سقوط الشيشان جميعها؟
      الجواب: الحقيقة أنني لم أسمع بهذا، وخاصة أني انقطعت في الفترة الأخيرة عن الأخبار، وأرجو ألاَّ يكون صحيحاً، أما هم فينبغي أن نعلم أن الجهاد طويل الأمد، وهذا ما كنا نقوله لمعرفتنا بوضع إخواننا المجاهدين هناك، فالمجاهدون هناك لا يذهبون إلى هيئة الأمم المتحدة ولا يشتكون إلى مجلس الأمن، ومن هنا لا بد أن يأخذوا حقهم بأيديهم، وهذه عملية طويلة.
      ثم إن أعداء الله هناك لن يكلوا، ولن يملوا، والشرق والغرب متعاونون عليهم، فهي معركة مستمرة (كر وفر ومد وجزر) حتى يظهر الله تعالى دينه ظهوراً نهائياً بإذنه تعالى.
    11. اقتصار طالب العلم على علم الجرح والتعديل فقط

      السؤال: حول أسلوب وأخطاء بعض الدعاة في الجرح والتعديل؟
      الجواب: أحياناً يكون الخلل من الداعية، من حيث طريقته في الدعوة، فبعضهم -هداهم الله- يأتي بالشاب فيدعوه إلى الله تعالى من خلال الجدل والقيل والقال وفلان وفلان، والرأي الفلاني ضد الرأي الفلاني...، وهكذا.
      وبالتالي فلا تغضب من مسيرة أنت صغتها، فأنت ربيته على هذا المنهج، ولذلك تجد هذا النوع ممن تربى على هذا الشيء أول ما يبدأ بشيخه أو على بعض شيوخه، فهم الذين علَّموه الرد وسيتعلم أين سيرد عليهم: وهذا طبيعي.
      وأحياناً يكون الخلل في طالب العلم نفسه، فإن كان من النوع الذي يحب الجدل -وهذا مرض في القلوب والعياذ بالله- ويحب الكلام في الناس، فتجد أن هناك خللاً في التربية وهذه حالات معدودة، ولابد منها، لكن تظل محدودة، أما المنهج السليم والصحيح في الدعوة إلى الله فهو التربية على صغار العلم قبل كباره.
      فتجد بعض الشباب لو طلبت منه أن يقف ويبين للناس ما معنى: (قل أعوذ برب الفلق) ما استطاع أن يتكلم فيها بكلمة، ولو قلت له: تقدم لتؤم جماعة في قرية من عشرة مصلين ما استطاع أن يؤمهم، ولو قلت له اقرأ من رياض الصالحين وبين لهم لما فعل، لكنه مستعد أن يجادل في أبي حنيفة -مثلاً- وفي فلان وعلان، أتعب نفسه في أودية بعيدة لا تهمه ولا تنفعه، ولا يسأل عنها لو عاش حتى يموت.
      لكن بعض السلف لما قيل له: [ ألا تلعن يزيد بن معاوية؟ قال: لا أذكر أني في حياتي لعنت أحداً، فلماذا ألعن يزيد؟].
      فالمقصود أن هناك قضايا لا يكون لي رأي فيها، فليس هناك حاجة لأنه أرد على فلان، وفلان عنده أخطاء، ومن الذي يستلم من الأخطاء؟ ((قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ))[الشعراء:112-113] وأنا علي نفسي ومحاسب عنها، فعلي أخطائي، فهذه هي النظرة التي يعرفها من يشتغل بعيوبه عن عيوب الناس، ومن يعلم أن العمر محدود، وأنه يجب أن تكسب أكبر قدر في هذا العمر من الخير، والإيمان والتقرب إلى الله، ومحبة إخوانك المؤمنين، ودعوتهم، وجمعهم على الحق، وإلا ضيع الإنسان عمره في قضايا لا قيمة لها.
      والدليل على ذلك أنك لو أخذت واحداً من هؤلاء، وأخرجه عن الموضوع الذي يتكلم فيه إلى موضوع آخر، فإنه يجيبك، بخلاف الداعية الناجح، والشاب الناضج، فإنك تجده يمكن أن يتكلم في هذا الموضوع، وفي هذا وهذا، ويأخذ الأمور بأناة، ولا يأخذها بتعصب وتشنج، ولا بتبعية وعبودية للأشخاص.
      وهذا من أسوأ ما يمكن، فنحن نعبد الله تبارك وتعالى وقدوتنا محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وما عدا ذلك فكل إنسان يخطئ ويصيب، ومن كان ممن تُعد معائبه فكفاه فضلاً وشرفاً ونبلاً، وأما إن كان من أهل البدع المحضة فنرتب أهل البدع ونرتب أهل الشر، كما أن الواحد منا لو كان في بدنه داء لرتبه، وبدأ بالمرض الأخطر ثم الذي بعده ثم الذي بعده، فلو كان عندك أي أمر من الأمور تريد أن تعمل بها، كأن يكون عندك ألف ريال فلا تنفقه على شيء كمالي كزينة في الحوش وليس عندك إنارة داخل البيت، ولا ماء، هكذا العاقل يضع نفسه دائماً في موضع يليق به، ويضع كل شيء في موقعه وموضعه الصحيح.
      مع ذلك كله لا ننسى أننا في كل ركعة نقول: اهدنا الصراط المستقيم نحتاج أن يهدينا الله في كل أمر، ونحتاج أن يوفقنا في كل لحظة وفي كل عمل.
      فإصرار الإنسان على مواقف وآراء معينة، وإن كان يقول: اهدنا الصراط المستقيم. هذا دليل على أنه لا يريد ذلك وإن قالها بلسانه، أما الذي يريد الهداية فبإمكانه أن يراجع نفسه، ويسأل إخوانه ويستغفر الله ويتوب إليه، ويتأمل وينظر فقد يكون أخطأ وقد يكون أصاب، ويلقى الله وهو خائف وجل أن يكون ما عمل غير موافق ومقبول نسأل الله العفو والعافية.
      أما من تراه مصراً، معانداً، متشدداً على ما يقول، فالحقيقة أن هذا مما يدل على أنه قريب من الهلاك، أو في طريقه إلى الهلاك، نسأل الله أن يردنا إليه جميعاً رداً جميلاً، إنه على كل شيء قدير.
    12. موقفنا من العمليات الاستشهادية

      السؤال: قامت إحدى الأخوات بعملية استشهادية، فزعم أحد الإخوة أن هذا انتحار، وأن مصيرها إلى النار، فما القول الصحيح في ذلك؟ الجواب: أي مسلم يجتهد بعمل من الأعمال، وله فيه وجهة نظر أو دليل لإظهار الحق، فواجبنا أن نستغفر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى له وندعو له بالرحمة والقبول، بخلاف ما لو جاء يستفتينا أفعل أو لا أفعل؟ فوقتها نتكلم ونقول له: لا تفعل أو أن الأولى ألاَّ تفعل أو نراجع المسألة، أو نجتمع وندرس النصوص وننظر المصلحة. أمَّا ما قد وقع فموقفنا من أي مسلم أن ندعو له بالمغفرة، ولا يجوز أن يقال: فلان في النار -والعياذ بالله- ولا يجوز لأحد أن يتألَّى على الله، فيقال: لن يتقبل الله من فلان، فلا ندري هل هذه الأخت من باب الترف تذهب بنفسها، أو أن تكون ابتليت بنفسها أو بعرضها أو بمن تحب، فوجدت أنه لا حل أمام هؤلاء القوم إلا أن تفعل ما فعلت، فالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى رحمته واسعة، والعظة والعبرة بالقيام بمثل هذا العمل من ناحية النكاية في العدو واضحة، ومن حيث حث همم المسلمين -أيضاً- واضحة، فيجب على المسلمين أن ينصروا إخوانهم، ولا يدفعوا أخوات المجاهدين، أو أقرباءهم أن يفعلن ذلك. المقصود أن لها عبر ودلالات ينبغي أن نتأملها جميعاً بغض النظر عن الرأي الفقهي والراجح والمرجوح، لكن ما وقع، فنقول: نسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يتقبل من فاعله وأن يثيبه عليه بأفضل وأجزل الثواب، وأن يجعله نصرة للإسلام والمسلمين، وأن يجعل المسلمين يهبوا لنصرة إخوانهم فلا يضطروهم إلى مثل هذا العمل. والحمد لله رب العالمين.