قال: ''وأصل الشرك وقاعدته التي يرجع إليها هو التعطيل, وهو ثلاثة أقسام: القسم الأول: تعطيل المصنوع عن صانعه وخالقه'' أي تعطيل الخلق عن الخالق كما في قوله تعالى: ((أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ))[الطور:35] واعجباً لمن يرى المخلوقات أمام عينيه ثم يقول: لا خالق لها!! فهذا وأمثاله عَطَّلُوُهَا عن خالقها, أي عن الله تبارك وتعالى.
لذلك فالذين يشركون بالله من الشيوعيين أو الملحدين أو الغربيين لابد أن يجعلوا خالقاً غير الله في الحقيقة، وفي ظاهر اللفظ يقولون: هذه لا تحتاج إلى خالق، والذي جعلهم يهربون من افتراض وجود خالق أنهم إذا قالوا الله أو الرب فالمقصود به عندهم هو المكون من ثلاثة أقانيم، الذي تجسد في شكل إنسان, وصلب على الصليب, ثم صعد إلى السماء.. وغير ذلك مما يحكونه, فلا يمكن أن يكون هذا الذي خلق السماوات والأرض، فما كان لهم حلٌ إلا أن يقولوا: ليس للسماوات والأرض خالق!! وخاصة إذا كان هذا الخالق هو الرب الذي تذكره الأناجيل المحرَّفة, ويدعيه البابا وأتباعه, والذي يقترن الإيمان به بالعنف وبالقوة وبالسيطرة, فإذا خالف أحدهم أي شيء من كلام رجال الدين, قالوا عنه: كافر وزنديق، حلال الدم والمال, فكان الإلحاد لهم أسهل، فعطلوا الخلق عن الخالق ثم افترضوا الطبيعة، ولكن الطبيعة هي المخلوقات، فبعضهم يثبت للخلق خالقاً واحداً، وينفي عنه ما يقوله الكنيسة في ربهم (كالربوبيين أو المؤلهين) وبعضهم قال: لا أدري، وهم (اللاأدريون)، واليوم لا تجد عالماً في الطبيعة إلا ويؤمن بخالق لكن إيمانه ليس مثل إيماننا فهم (الربوبيون ).
ثم قال: ''والثاني: تعطيل الصانع'' أو الخالق، وورد الصانع في حديث: {الله صانع كل صانع وصنعته} وفي قوله تعالى: ((صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ)) [النمل:88] فيطلق لفظ الصانع على الله, والأفضل أن يقال: الخالق.
قال: ''وتعطيل الصانع سبحانه عن كماله المقدس بتعطيل أسمائه وأوصافه وأفعاله'' هذا النوع الثاني من أنواع التعطيل، فهؤلاء لا ينكرون وجوده ولا أنه هو الخالق، لكن ينكرون أسماءه وصفاته ويعطلونه منها, كما يقول أهل الكلام في وصف الله سبحانه وتعالى: لا داخل العالم ولا خارجه... ولا يغضب ولا يرضى، ولا ينـزل.. يقولون: حتى لا نقع في التشبيه! فينفون صفات الله ويعطلونها, ويثبتون شيئاً شبيهاً بالعدم أو هو العدم.
''وقال: وتعطيل معاملته عما يجب على العبد من حقيقة التوحيد'' وذلك يكون بالشرك الكلي أو الجزئي.
والكلي: كأن يعبد غير الله سجوداً وصلاةً وصياماً وغير ذلك، والجزئي أن يقع في الرياء مثلاً أو في صرف بعض أنواع العبادة لغير الله دائماً أو في بعض الأحيان.
فهذه ثلاثة أقسام من أقسام التعطيل، الأول: إ نكاره، والثاني: إنكار أسمائه وصفاته، والثالث: إنكار عبادته وحقوقه.
قال: ''ومن هذا شرك طائفة أهل وحدة الوجود الذين يقولون: ما ثم خالق ومخلوق، ولا ها هنا شيئان؛ بل الحق المنزه هو عين الخلق المشبه...'' كمثل جماعة محمود محمد طه وأمثاله، وهم من غلاة الصوفية الذين يقولون: ما ثم خالق ولا مخلوق، والخالق عين المخلوق والمخلوق عين الخالق -والعياذ بالله- وهؤلاء بلغوا من الكفر إلى حدٍ تمجه العقول، وقد قابلني أحدهم لكن ليس هنا، بل في بلاد الحرية -كما يزعمون- وكان المسجد مليئاً بالناس، فجاء يقول: إنه هو الله -تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً- قلت: كيف تقول هذا؟! ألست مسلماً؟!
قال: بلى أنا مسلم، وهذا هو حقيقة التوحيد، فالنصارى كفرت لأنها جعلت الآلهة ثلاثة؛ لكن نحن نقول: كل شيء هو الله -وهذا كما لقنهم شيخهم المخدوع الهالك- وفرعون كفر لأنه قال: ((أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى))[النازعات:24] وكان عليه أن يقول أنه هو وشعبه كلهم رب!! نعوذ بالله من هذا الكفر.
وهذا الكفر هو شر وأقبح أنواع الكفر عند جميع أهل الملل.
كل من يعبد الله ويعرف الله ولو معرفة منقوصة كاليهود يعتبرهم كفاراً, على أنه يوجد في اليهود بعض الحلولية والاتحادية, والنصارى عندهم الذي يزيد على الثلاثة كافر, والبوذيون والهندوس يعدون هذه النحلة كفراً، ومع ذلك يدعي هؤلاء الغلاة الاتحادية والحلولية أنهم هم أهل التوحيد.
والجهمية الذين عطلوا صفات الله وأسماءه يتدرجون ضمن هذا النوع الأول الذي هو شرك التعطيل.