المادة كاملة    
للتناصح أهمية كبرى من أجل التخلص من العيوب. ومن الجوانب المهمة التي يجب أن يهتم بها الداعية المسلم: ضرورة اتباعنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم في كل شيء، ومن ذلك طريقة الدعوة، مع التركيز على شمولية الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في جانبي القوة واللين.
  1. الرسول هو القدوة على طريق الدعوة

     المرفق    
    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ أرسله الله بالهدى ودين الحق وأثنى عليه ووصفه بالخلق العظيم، وجعل رسالته رسالة أخلاقية، وبعثه ليتمم به مكارم الأخلاق، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله، ورضي عن أصحابه الكرام، والتابعين لهم بإحسان، الذين اقتفوا منهجه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن، فدخل الناس في دين الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- لِما رأوه من أخلاقهم!! ولِما لمسوه من القرآن الذي يتحرك حياً!! متمثلاً في المعاملة التي لم تشهد البشرية لها نظيراً لدى أي فاتح من الفاتحين!! فدخل في دين الله -نتيجة ذلك- أمم لا تحصى، ما كانت لتدخل لولا هذا الخلق الكريم، وهذا التعامل الرباني العظيم، أما بعد:
    إنه لجدير بنا أن نتبصر وأن نتذاكر، وأن يعظ بعضنا بعضاً فيما يتعلق بشئون دعوتنا والقيام بها، وجميعنا في زحمة المشاغل والعمل قد ينسى عيوبه أو بعض أخطائه، وقد يفوته الوقت لتدارك نقائصه، وكل بني آدم خطَّاء، ونحن لا نخلو من النقائص والعيوب أبداً، فجدير بنا أن نتحادث وأن نتذاكر فيما يقربنا إلى الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- ونحتسب عند الله عز وجل ما نقضيه من الأوقات ونحن نعظ أنفسنا وإخواننا، ونرقق قلوبنا لنعرف في أي طريق نسير، وما هي المعالم التي يجب أن نسلكها، وما هي الأخطاء التي يجب أن نتجنبها.
    نحن ننتمي إلى الإسلام، وهذا الانتماء هو الذي شرفنا الله تبارك وتعالى به وسمانا به. ورسولنا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو إمام الدعاة، وهو القدوة والداعية المعلم الذي أمر الله تبارك وتعالى باقتفاء نهجه، وأن نتأسى به في دعوتنا وخلقنا ومعاملاتنا وعباداتنا وكل حال من أحوالنا، أنزل الله تبارك وتعالى عليه ((قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ))[يوسف:108].
    كان الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المثل الحي لأصحابه، كان كما وصفته أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: {كان خلقه القرآن} ما كان في القرآن من خلق فهو في النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
    وكانت حياته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ترجمة واقعية حية لما ينزله عليه الروح الأمين من عند ربه -تعالى- من الآيات البينات في التوحيد، والإخلاص، واليقين، والتوكل، والصبر، والجهاد، والمصابرة في الدعوة، والمثابرة في العلم، وفي المعاملة، والمعاشرة، والرفق، والحلم؛ كما أثنى عليه تبارك وتعالى في قوله: ((وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ))[القلم:4].
    فالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يخلق ما يشاء ويختار، وقد اصطفى واختار هذا النبي العظيم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ ليكون معلماً للبشرية في كل مكان وفي كل ميدان.
    وما من دعوة سواء كانت هذه الدعوة حقاً أم باطلاً إلا وهي تحاول أن تدعي الطابع الأخلاقي والصفة الأخلاقية؛ لكي تنتشر ولكي تروج، وما من داعية أياً كانت دعوته وإلى أي شيء يدعو، إلا والأخلاق سمة بارزة في دعوته أو يحاول أن يكون كذلك، فكيف بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟! وكيف بالصحابة الكرام؟! وكيف بهذه الأمة التي أمرها الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أن تكون ربانية، ورباها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى كانت كذلك؟! فمن اتبع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهو بمقتضى هذه الآية لا بد أن يتخلق بخلقه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الدعوة إلى الله.
    1. الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في أخلاقه

      وحين نتكلم عن أخلاق الداعية لا يعني ذلك أن تهمل الصفات الأساسية التي لا بد منها للداعية كالعلم؛ فقد تضمنته هذه الآية، فإن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يقول: (( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ ))[يوسف:108] ولا بصيرة بغير علم أبداً! فالعلم هو الذي ينير للإنسان الطريق، ويجعله يعبد الله على بصيرة، ويدعو إلى الله تبارك وتعالى على بصيرة.
      ولما أثنى الله تبارك وتعالى على أئمة الهدى من بني إسرائيل، الذين أُورِثْنا الكتاب من بعدهم قال: ((وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ))[السجدة:24] فوصفهم الله تعالى بصفتين عظيمتين لا بد منهما لكل داعية.
      أولاهما: الصبر بكل ما تحتمله هذه الكلمة من معنى، فلا داعية بلا صبر، ولا دعوة بلا صبر، فطلب العلم يحتاج إلى صبر، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والمعاملة مع الخلق، كل ذلك لا بد فيه من الصبر، وكل حياة الداعية بل حياة كل مسلم لا بد فيها من الصبر، بل كل حيٍ لا بد أن يصبر وإلا لن يعيش! وكلما اتصف الإنسان بهذا الخلق كلما حقق ما يريد، وإن كان عرضاً من أعراض هذه الدنيا الفانية الزائلة؛ فبالصبر يحقق الإنسان ما يريد، فكيف بالداعية الذي يسعى إلى أسما غاية وأشرف مقصد؟!
      ثانيهما: اليقين، هذه الخلة الكريمة لا تكون إلا في عباد الله المخلصين المتقين العالمين العاملين، الذين عرفوا ربهم -عز وجل- حق معرفته، وقدروه حق قدره، وآمنوا بكتابه، وبرسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأصبح عالم الغيب الذي يقرءونه في كتاب الله وفي سنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كأنه عالم شهادة بين أيديهم!! هذا هو اليقين، ويتفاوت الناس في اليقين؛ وبتفاوتهم في اليقين والصبر، يكون تفاوتهم في الدعوة إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
      وحسن الخُلق لا بد منه لكل مسلم، وأي مسلم ينتسب إلى الإسلام وإلى نبي الإسلام صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لابد أن يكون متحلياً بأخلاق الإسلام، فإذا كان المسلم -أياً كان- لا بد أن يكون كذلك، فكيف بالداعية الذي يمثل خلاصة هذه الأمة، والذي يرث ميراث النبوة، ويقوم بمقام النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويبلغ دعوته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويحيي سنته ويرد الناس إليها؟!
      هذا لا بد أن يجتمع فيه من كمال الخلق ما لا يجتمع في غيره، وما لا يكون في من هو دونه في ذلك؛ ولذلك كان أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قمة الأخلاق في هذه الأمة كما كان نبيهم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لأنهم تأسوا به.
      وكلما كان الداعية مقتدياً ومتأسياً بهم، كانت دعوته أنجح، وكان نجاحه أرجى وأقرب، وكان تعلق المدعوين واستجابتهم له أرجى وأقرب.
    2. الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في سيرته

      إن سيرة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هي الصفحة الجلية التي نتعلم منها ونرى فيها هذه الأخلاق النبوية الكريمة، والصحابة الكرام عايشوا هذه السيرة معايشة عملية، ونحن نستطيع أن نعايشها بأرواحنا وقلوبنا إذا اطلعنا وقرأنا سيرة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ووجدنا كيف كانت معاملته وأخلاقه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع الكفار، والمنافقين، والعصاة، ومع المتقين، والمحسنين؛ فسيرته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -من أولها إلى آخرها- هي مثالٌ حيٌ للأخلاق التي يجب أن يكون عليها من يدعو إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
    3. ما يؤدي إليه جهل الداعية بالسيرة

      إن جهل الدعاة بسيرة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يجعلهم يدعون على غير بصيرة، ويتخلقون بغير خلقه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وما نراه اليوم بين الدعاة إلى الإسلام من تفرق، ومن عدم اجتماع كلمتهم على منهج واضح محدد، إنما سببه النقص في قراءة سيرته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والتأسي بها وتطبيقها قولاً وعملاً، هذا أكبر ما يبين لنا هذا الواقع التي تعيشه الدعوة الإسلامية اليوم. ونحن كدعاة إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قد نحيل -وهذا مما يصوره الشيطان دائماً- ضعفنا أو فشلنا أو إخفاقنا في الدعوة إلى العوامل الخارجية: إلى الفساد، أو إلى آخر الزمان، أو إلى أن الناس لا يريدون الحق، أو إلى أي عامل خارجي، ولا نتذكر -إلا قليلاً- أن السبب الأساس هو في قلوبنا نحن، وفي أخلاقنا وتعاملنا مع الناس. بمعنى آخر: إذا كان لي جار أو قريب أو زميل، وهو مستمر على معصيته، ومستمر في بعده عن سنة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إما في الاعتقاد وإما في الأعمال والسلوك والأخلاق، فلا بد أن أسأل نفسي: هل أنا داعية على منهج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مع أنه يجاورني هذا الجار أو هذا القريب أو الزميل، وعلى الإسلام، وهو مثلي حريص على أن يقتدي بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أو يتظاهر بذلك على الأقل، ومع ذلك بيني وبينه هذه الفجوة العميقة، ومع ذلك لا أرى أنني حاولت أن أحسِّن من وضعه، فمن أتهم؟! نعم هناك قلوب طبع الله عليها، وهناك أقوام لن يصلحوا، كتب الله عليهم الشقاوة؛ لكن قبل أن أحكم -لأن هذا من أمر الغيب- بأن هذا لن يجدي معه شيئاً، أتهم نفسي أولاً، وأتهم أخلاقي، وطريقتي معه في الدعوة إلى الله، فلو نظرنا إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإلى الصحابة الكرام؛ لوجدنا أمراً عجيباً في الخلق الحسن والتعامل الذي يجذب الناس ويجبرهم على أن يدخلوا في دين الله أفواجاً.
    4. شمولية الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم

      وقبل أن نوضح هذه القضية ونجليها، لا بد أن نشير إلى موضوع مهم، وإلى تنبيه قد يخفى على كثير من الناس، وهو أنهم يظنون أننا عندما ندعو إلى: أخلاق النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أو نأمر بمنهج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أو يسمعون من يعظ بذلك، يظنون أنه يراد بذلك كله اللين، الرفق، الحلم، العفو فقط، ولا شك أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو أحلم الناس وأرفق الناس، وأن الرفق ما دخل في شيء إلا زانه، وأن بالرفق ينال الإنسان ما لا ينال بالقسر والقهر، وفي سيرته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نماذج عجيبة للحلم والرفق والعفو والصفح؛ لكن ليس هذا وحده هو الذي ينبغي أن نعلم أنه منهج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهذا يضعنا على مفرق الطريق، وعلى سبب من أسباب الاختلاف في مناهج الدعوة إلى الله في هذا الزمان.
      إن هذا الدين أنزله الله -تبارك وتعالى- منهجاً متكاملاً أكمله الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وسيرة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سيرةٌ متكاملة بجميع جوانبها، فإذا أُخذ منها جانب واحد فقط وإن كان حقاً لأنه من الدين ولأنه من أخلاقه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لكن إذا أضيع الآخر أو أهمل بالكلية، فإن هذا يؤدي أولاً إلى الخلاف والشقاق بين المسلمين، والتنازع في أمور الدين، وهذا هو سبب إساءة كثير من الدعاة لمعنى الحكمة، ولمفهوم الحكمة التي أمر الله بها حين قال: ((ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ))[النحل:125] فلا يفقهون من الحكمة إلا الرفق واللين، والرفق واللين نصف الحكمة الذي لا ينبغي أن يترك، لكن لها نصف آخر لابد منه، يوضحه منهج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وواقعه، ولا حكمة عند أحد بعد حكمته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
    5. الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في كيفية عرض الحق

      كان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا خطب الناس كأنه منذر جيش يقول: صبحكم ومساكم، فهو عندما يخطب ويعرض الحق يعرضه بقوة، وبانفعال، وبحماس، وهكذا يجب أن يكون الداعية إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في المواقف التي وقفها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بهذه القوة، وبهذا الانفعال والتفاعل مع من يعرض، يكون هذا شأنه وهذا دأبه.
      النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم ينتقم لنفسه قط، لكن إذا انتهكت محارم الله -عز وجل- فإنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يثور ويغضب، ويظهر أثر ذلك على وجهه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى يقرؤه الصحابة وكل من يراه، ولكن لابد أن يتكامل الأمر حتى لا نقع فيما وقع فيه الذين من قبلنا، الذين قال الله -تبارك وتعالى- فيهم: ((فَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ)) [المائدة:14] ويكون التنازع بسبب ذلك.
      لو فرضنا أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خطب يحذر الناس من الزنا، سوف يخطب بهذا الانفعال وبهذه القوة، وكيف لا وهو يحذر من هذه الفاحشة النكراء، التي نهى الله عنها وحذر منها، ولا يفعلها مؤمن حق الإيمان إلا ويرتفع الإيمان منه في تلك اللحظة حتى يكون كالظلة؟!
      لكن كيف كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعامل من يأتيه فيقر أمامه بالزنى؟ أو من يأتيه يسأله أن يُحِل له الزنا؟
      الحق يعرف بالقوة ((خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ))[مريم:12] ((فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا))[الأعراف:145] هذه القوة في أخذ الحق وفي عرض الحق لا بد منها، وهي من الحكمة.
    6. الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في التعامل مع المذنبين

      في التعامل نجد للأمر صورة أخرى، ولا تناقض بين الصورتين، ففي التعامل يأتيه ماعز، أو تأتيه الغامدية يقران بالزنا، ولكن يقول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لعلكِ لعلكِ، ارجعي، ومرة بعد مرة، حتى يقام الحدّ، وما كاد يفعل صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ!!
      يأتيه الرجل يريد أن يبيح له الزنا! فيقول له: أترضاه لأمك؟! أترضاه لأختك؟! يردعه ويزجره ولكن بأسلوب هادئ، بألطف أسلوب يدخل إلى القلوب، فيرجع الإنسان وقد لام نفسه هو وعاتبها على أنَّ نَازِع الشهوة ودَافِع المعصية وجد فيها، لما يرى وما يبهره من حسن أخلاق هذا الداعية العظيم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
    7. الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في في التعامل مع الجاهلين

      كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحب الطهارة ويأمر بها، ويكره النجاسة وينهى عنها، ولمَّا مر على صاحبي القبرين، ذكر أن أحدهما كان لا يستبرئ من البول، وأعظم ما كان يقدسه المسلمون ويعظمونه بيوت الله عز وجل على ترتيبها في الفضل، ومسجده صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معروفة منزلته في الفضل، ومع هذا يدخل مسجده صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك الرجل الأعرابي ويبول في ناحية منه، وهنا تبرز طبيعة التعامل بين الداعية والمدعوين، والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُعث ميسراً وبُعث معلماً، ولم يبعث منفراً، بل أمر أصحابه بذلك، ويقول: {يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا} وذلك عندما بعث معاذاً وأبا موسى إلى اليمن.
      الرجل فعل هذه الفعلة! وفي هذا المكان الطاهر!! فثار أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليه، لماذا؟
      ثاروا لله -عز وجل- لأن هذا العمل لا يقره إنسان في هذا المكان، ولكن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لحسن خلقه وتعامله الكريم، وحلمه وصفحه ينهاهم أن يقطعوه، ويأمرهم أن ينتظروا حتى ينتهي؛ فلما انتهى الرجل، أمرَ بماء فصُب عليه، ثم جاء هذا الرجل وأقبل إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حتى أنه لما صلى قال: {اللهم ارحمني ومحمداً، ولا ترحم معنا أحداً} سبحان الله! لا يريد أن يرحم الله إلا هو والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لأنهم ثاروا عليه وهم أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
      فهو قليل العلم والإيمان لما يدخل في قلبه، ولكن تأثره بالموقف جعله يدعو لمن أحسن في معاملته، ولمن جعله يقضي حاجته، رغم أنها فعلة شنيعة في ذلك المكان، ولكن نظرته إلى الصحابة الكرام كانت غير ذلك، ولهذا قال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لقد تحجرت واسعاً} ضيق رحمة الله الواسعة، ولم يقره على ذلك، لكن الغرض قد حصل وهو أن هذا الرجل أقبل إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ولو أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أقر الصحابة على تنفيره أو فعل مثلهم -وحاشاه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يعمل عملاً غير حكيم- لذهب الرجل ولفر الرجل في المسجد ونجس بقعاً كثيرة، ويلقي النجاسة على ثيابه أيضاً، ولا يقبل على الدعوة ولا يصلي، وقد يرتد عن الإسلام بالكلية أي أن هناك مفاسد كبيرة.
      هذا القاعدة يجب أن نضعها في أذهاننا: أن نجذب الناس، وأن نحرص على أن نجذبهم إلى الخير، ولا يعني ذلك أن نتغاضى عن الحق، النجاسة لابد أن تزال، ولكن الرجل لا يُجرم ولا يُطْرَد ولا يُنَفَّر، فالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعطينا نموذجاً في التعامل مع القلوب الحديثة العهد بالإيمان، وما يجب أن يكون عليه الداعية في تعامله معها.
      موقف آخر من مواقفه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو: موقفه مع معاوية بن الحكم السلمي والقصة مشهورة، يدخل ولم يعلم أن الله تبارك وتعالى قد أنزل: ((وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ))[البقرة:238] ويظن أن الكلام في الصلاة مباح يقول: {بينا أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم فقلت يرحمك الله فرماني القوم بأبصارهم فقلت واثكل أمياه ما شأنكم تنظرون إلي فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم فلما رأيتهم يصمتونني لكني سكت فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبأبي هو وأمي ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه فوالله ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني قال إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن} علمه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بهذه الطريقة، فيقول: ما رأيت قبله ولا بعده معلماً مثله في هذا الرفق وهذا التعليم.
    8. الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في عدم المداهنة في الدين

      وفي الجانب الآخر مواقف كثيرة لا تحصى.
      تسرق امرأة مخزومية من بني مخزوم، من ذروة قريش، ومن الأسر العريقة ذات المجد في الجاهلية وفي الإسلام، والحد أن تقطع يدها، هذا الذي شرعه الله، يأتي الصحابة ويتفكرون من الذي يجرؤ على أن يكلم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيها؟
      فيقولون: حِبَّه وابنُ حِبِّه أسامة بن زيد -رضي الله عنه- هذا الذي يمكن بقرابته، وبمحبته عند الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يخاطبه في شأنها، فيذهب ويقول له: يا رسول الله! هذه امرأة من أشراف قريش من بني مخزوم، وقد أهم القوم أمرها -يشفع فيها- فهل نقول: لا بد من الحلم، الخلق الطيب، العفو الصفح؟! المسألة هنا تختلف عن هنالك! هنا موقف لابد له من جانب آخر هو الكمال، الحكمة، وهو الموقف الذي يجب أن يتخذ.
      النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يكتف بأن خاطب أسامة، بل رقى المنبر وجمع الناس، وخطب فيهم بقوة فقال: {أيها الناس إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وإن سرق فيهم الشريف تركوه، وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها}.
      قوة في الحق وزجر للشفاعة في حد من حدود الله، وتربية للأمة ألا تفعل مثل هذا، وحتى يسمع كل المسلمين أن هذا الأمر لا يجوز أن يقر من أي فرد يسمع به، ألا وهو الشفاعة في حد من حدود الله عز وجل، لماذا لا يكون حليماً، أو رقيقاً مع المرأة أو مع أسامة؟ لأن المسألة وصلت إلى حد المجاملة في دين الله، وفي حق من حقوق الله، وهذا ما لا يمكن أن يكون من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا يكون من أي داعية يدعو إلى الله على بصيرة وبحكمة، ولماذا نقول: السيرة، السيرة؟ لأن السيرة كلها عبر.
  2. نماذج من اقتداء السلف

     المرفق    
    وقد يقول قائل: إن علماء الإسلام الذين دعوا إلى الله، الذين كانوا على بصيرة في الأمر، أليس في سيرهم أيضاً نماذج؟ نقول: السيرة عظيمة وفيها كل خير، لكن لنأخذ أيضاً نماذج مما فعله أئمة الهدى -الدعاة إلى الله- الذين جعلهم الله أعلاماً على طريق الدعوة إلى الله في كل زمان وفي كل مكان؛ لنرى أيضاً كيف ساروا على نفس الخط، وأنهم فقهوا نفس الفقه وفهموه.
    1. الإمام أحمد بن حنبل

      الإمام أحمد رضي الله عنه ذلك الإمام العظيم الذي جمع الله -تبارك وتعالى- له صفات الإمامة، كما عبر عن ذلك الإمام الشافعي رحمه الله في قوله ''أحمد إمام في ثمانية من طرائق الخير".
    2. شيخ الإسلام ابن تيمية

      شَيْخ الإِسْلامِ ابن تيمية -رحمه الله تعالى- وشى به علماء السوء، علماء السلاطين، علماء الدنيا وشوا به إلى السلاطين، فيخرج من سجن إلى سجن، ويطارد، ويؤذى، ويعذب.
      كان علماء السوء يكتبون فيرد عليهم وهو في السجن، ويبين الحق دون أي مجاملة، يحضر إلى السلطان ويقول كلمة الحق دون أي مجاملة في دين الله -عز وجل- ولا مداهنة، يقول الحق أمام السلطان وفي غيابه، في السجن وخارج السجن؛ لأن هذا دين مؤتمن عليه، فلا بد أن يقوله ((وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ))[آل عمران:187] فلا يمكن أن يكتموه ((الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ))[الأحزاب:39] لا يمكن أن تكون هناك مداهنة في دين الله عز وجل، فكان هذا حاله.
      لما تبين للسلطان أن علماء السوء كاذبون، وأنهم ظلموه وافتروا عليه بما لم يقل وتقولوا عليه زوراً، حكَّمَه فيهم، قال له السلطان: ماذا تريد أن أفعل بهم؟ قال: لا شيء، قد عفوت عنهم، وقد صفحت ولا أؤاخذهم بأي شيء!
      سبحان الله! الناس ينتظرون هذه الفرصة!! الذين ظلوا طول الدهر وهم وراءك بالباطل، وبالإفك، والزور، وبالأباطيل، وهذه الفرصة قد جاءتك، وهذا حق لك، ليس هناك أي حرام فيه، بل هذا حق لك أن تأخذه، ولكنه يريد أن يقتدي برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبالصحابة الكرام، يهدر حق النفس من أجل إعلاء كلمة الله، ومن أجل حق الله عز وجل.
      ولهذا أقر منهم من أقر واعترف منهم من اعترف بفضله وإمامته وحسن خلقه -رضي الله عنه- لأنهم رأوا أن الرجل لا يريد إلا الحق، لا ينتقم، ولو كان يريد الانتقام لاستغل هذه الفرصة، وقال: افعل بهم كذا وكذا.
  3. الخلل في الشمولية من أعظم أسباب التنازع بين الدعاة

     المرفق    
    هناك نماذج كثيرة تدل على أن الداعية المسلم لابد أن يتخلق بالخلق الكريم الصحيح المستقيم، الذي يجمع بين القوة في الحق، وبين الكرم والعفو والصفح وحسن الخلق في التعامل مع الناس فنقول: إن حال أهل الكتاب قد وقعت فيه هذه الأمة، ووقع فيه دعاتها، فقد أخذ بعض الناس حظاً مما ذكروا به ونسوا حظاً مما ذكروا به؛ فتجده أخذ العلم فقط، وأي إنسان يقلل من قيمة العلم؟! وهل عُبِد الله عز وجل إلا بالعلم؟! وهل دُعي إلى الله إلا بالعلم؟! يأتي داعية من الدعاة، فيأخذ العلم، والعلمَ وحده! وما عداه لا شيء، فيكون الهم والشأن في كل موقف: علم، حكم هذا حلال، هذا حرام، هذا ضعيف، هذا ثقة، هذا كذا؛ علم لا يشك فيه أحد، ولا يقلل من شأنه أحد، لكن تتجرد هذه الميزة العظيمة مع الزمن، ومع الاحتكاك، والممارسة، عن ميزة أخرى، وعن حظ آخر لهذا الدين فيُنسَى، فيكون الإنسان مفرطاً في ذلك وإن كان قد حفظ جانباً عظيماً من جوانب الدعوة. يأتي آخر فيقول: الدعوة، الجهد، بذل الجهد، الجهاد، الأمر بالمعروف، النهي عن المنكر، ويبذل الجهد وراء الجهد، وهذا حق، وأي مؤمن ينكر بذل الجهد والمجاهدة والدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟! لا ينكر ذلك مؤمن، بل هي من الدين وحظ عظيم من هذا الدين! ولكن يأخذها وحدها! وينسى جانب العلم! ويقول: ما الذي استفدنا من العلم والعلماء؟! الأول -الذي اشتغل بالعلم وحده- يقول: أي دعوة تصح أو تنجح بغير علم؟ ولكن لا يدعو، فكثير من الناس تعلم، وله شهادات، وتحقيق، ومؤلفات، ولكن أين أثره في المجتمع؟ أين دعوته؟ إذاً: لا خير في العلم ولا في أهله؟! فتكون الجفوة، وما سبب الجفوة؟ هل العلم ليس من الدين؟ هل العلم ليس من خلق الدعاة؟ وهل الدعوة ليست من صفات الداعية؟ الحقيقة أن التفرق والتنازع قد يقع، وقد وقع لما أن فُرِّق بين أمرين هما جانبان أو جزءان لحقيقة واحدة وأمر واحد، فكما أن القوة في الحق معها العفو والصفح والرفق، فكذلك العلم معه الدعوة، والدعوة معها العلم، فلا بد أن يتكاملا، فلا يصح أن يؤخذ نصيب أو حظ من الدين ويترك الحظ الآخر.
    1. تعامل الدعاة مع بعضهم

      ويؤسفني أن أقول: إن تعامل الدعاة مع بعضهم بعضا هو أسوأ من تعامل الدعاة مع المدعوين! بمعنى آخر: أن بعض الدعاة يعامل المدعوين بمعاملة حسنة ليجذبهم إلى دعوته، والآخر يفعل نفس الفعل ليجذبهم إلى دعوته؛ فإذا نظرت إلى خلق هذا الداعية مع ذلك الداعية، لوجدت العجب!
      ليس هناك من سبيل إلى اللين أو الرفق! ولماذا نقول: اللين والرفق؟! نقول: العدل، لأنه قد يفقد العدل بين الدعاة! وهذه حقيقة مؤلمة، ونحن نقولها لأننا في منبر دعوة ومع أناس يدعون إلى الله؛ فكلنا دعاة، وكلنا مدعوون لنكون أفضل أناس في الدعوة.
      أقول: من الوصايا العشر التي أنزلها الله تعالى على كل نبي، وهي في كل ملة ودين ((وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى))[الأنعام:152] نحن الآن نطالب الدعاة بالحلم، وبالصفح، وبالتجاوز، والواقع أن العدل قد يكون مفقوداً! الدرجة التي ليس وراءها إلا الظلم ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ))[المائدة:8] ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ)) [النساء:135] لا نجد القسط ولا العدل في تعاملنا نحن الدعاة مع بعضنا إذا نزغ الشيطان فيما بيننا بأي نازغ من النوازغ.
    2. قواعد لدرء التنازع بين الدعاة

      إن هذه النقطة وأهميتها تجعلني أقول: لا بد أن يراعي الدعاة أمرين؛ ولعل ذلك يعيننا على أن تكون أخلاقنا هي أخلاق الدعاة إلى الله، وأن تزول هذه الحالة السيئة التي هي واقعة بين الدعاة.
      الأمر الأول: أنه إذا كان كل منا على شعبة من الحق ومن الخير، فلا يجوز للآخر أن يغمط تلك الشعبة، لأنه على شعبة أخرى وعلى حظ آخر كما أشرنا، فلنعلم أن الدعاة إلى الإسلام الذين يدعون إلى الله على عقيدة صحيحة وعلى منهج سليم، لا يدخل في ذلك أهل البدع، ولا يدخل في ذلك أهل المناهج المنحرفة؛ ولكن نعني كل من يدعو إلى -الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- ويرفع راية التوحيد، ويعتقد عقيدة السلف الصالح، ويتبع أهل السنة والجماعة؛ ولكن يقع بينه وبين أمثاله من التنازع أو الاختلاف في مناهج الدعوة ما يقع، فنقول: اعلم أنك على شعبة من الحق، وأن أخاك على شعبة أخرى، فلا تغمطْه حقه، ولا تغمط تلك الشعبة حقها؛ إن كنت على علم فهو على جهاد أو دعوة، وإن كنت أنت على جهاد فهو على علم.
      إن كنت على أمر من أمور الوعظ أو الحث على التقوى والتعلق بالآخرة وترك الدنيا، فهو على جانب بيان الأحكام من حلال وحرام وكلاكما على حق، وكلاكما تتكاملان، وما أحسنكما لو تتكاملان، فما أجمل ذلك! ولكن:
      ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها             كفى المرء نبلاً أن تعد معايبه
      من الذي يضمن أن تكون له كل صفات الداعية الناجح؟! فنحن نسعى إلى ذلك، ونجتهد لكي نكون كذلك؛ لكن الواقع لابد من وجود هذه الفجوات؛ فإذا قدر الإنسان أنه على جانب من الحق، وأن أخاه على جانب آخر من الحق، وأن المنهج واحد، وأننا ندعو جميعاً إلى أمر واحد، فإن هذا يزيل كثيراً من الجفوة بين الدعاة، أو سوء الظن الواقع بينهم.
      الأمر الثاني: أن يعلم أن جانب الأسلوب في الدعوة أمر اجتهادي، وما اجتهاد أحد بمقدم على اجتهاد الآخر، وهذه قاعدة معروفة؛ فالإنسان حتى في صلاته لو اجتهد أن القبلة هاهنا، واجتهد الآخر أن القبلة هاهنا، لما جاز لأحد منهما أن يقلد الآخر، فليصل كل واحد حسب اجتهاده، وتقبل صلاته وتصح، ويؤجر عليها بحسب اجتهاده، ولكن إذا كان اجتهاده بأن القبلة هاهنا، وقلد الآخر مجرد تقليد، فإنه يكون قد صلى إلى غير القبلة.
      إذاً الأمر اجتهادي، ومعنى الأمر الاجتهادي أنني لا أجعل بيني وبينه الخصومة أو العداوة، بل أعذره ويعذرني؛ لأن الأمر فيه سعة، فإذا جئنا عند الدليل وعند النص، فلا كلام لأحد مع قول الله ومع قول رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا اجتهاد لأحد كائناً من كان مع صحة النص ومع قطعية دلالته.
      هكذا يجب أن نكون؛ لنرتقي بعد ذلك إلى الواجب الكمالي وهو أن نكون إخوة متحابين، متآلفين، متآخين؛ وإن كان كل منا يغلب عليه جانب معين نتيجة ما فطره الله عليه من الطبع، نتيجة ما يسره الله تبارك وتعالى في أمر دينه ودنياه، وكل ميسر لما خلق له، هذا من أهل الخطابة، وهذا من أهل التأليف، وهذا من أهل العبادة، وهذا من أهل الجهاد، وهذا من أهل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا من أهل العلم، وهذا من أهل الصبر، وهذا من أهل الزهد، وهكذا، وكلها أمور عظيمة، وكلها من أمور الدين، ولكن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ييسر كل إنسان لما يشاء من سبل الخير وطرائقه.
      ويجب أن يعرف كل إنسان من الطرفين أن هذا هو ما خلقه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عليه، وأن الإعذار فيما بيننا ضروري؛ لكي نكون أمةً واحدةً في مواجهة أهل البدعة، والشر والباطل.
    3. التعامل مع داعية فيه بدعة

      السؤال: كيف نتعامل نحن الدعاة مع داعية يدعو إلى الله، ولكن فيه بدعة أو فيه ضلالة أو من المصرين على البدعة، معاند، مكابر، ولا يريد الحق ولا يريد السنة ولا يريد المنهج الصحيح، هل نترك العدل أيضاً حتى في هذه الحالة؟
      الجواب: لا، نحن أمة لا تترك العدل على الإطلاق في أي موقف من المواقف! ومقتضى أمر الله ورسوله في هذه الحالة أن هذا الإنسان يعامل المعاملة الشرعية من الهجر، والزجر، والنهي عن مجالسته، إلى آخر ما يفصل في أحكام أهل الابتداع، لكن كيف يقع الخلل؟
      يقع عندما تطبق هذه الأحكام بغض النظر عن الواقع العام التي تعيشه الدعوة ككل!! كيف يكون هذا؟
      علينا أن نقدر بدعة هذا المبتدع وخطرها وضررها على الدين بالقدر الصحيح، ونقدر الأعداء الآخرين أيضاً كل بقدر بدعته، وبقدر خطره على الإسلام وعلى الدين، ونتعامل معهم بحسب تأثيرهم، وعلى قدر ضررهم بالإسلام تكون العداوة، أو نقول بالعكس: بحسب قربه من المنهج الصحيح أو من السنة، يكون القرب منه في الصفح، وفي العفو، وفي التعامل، وفي المودة، التي لا تعني بأي حال من الأحوال أن أجامله وأداهنه في الحق، هذه قاعدة ومعيار دقيق؛ فلا أجامل ولا أداهن في ديني فأكرم أهل البدع: [[ من وقر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام ]] هكذا علمنا السلف الصالح؛ ولكن نقدر بدعته بضررها.
      مثلاً: بدعة الخوارج بدعة خطيرة شنيعة، والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر بقتالهم، وقَتَلَهم الصحابة، لكن لما ظهرت بدعة الرافضة -غلاة الشيعة- حكموا بأن بدعة الرافضة أشد، وكذلك بدعة الجهمية أشد من بدعة المعتزلة.
      فيجب أن يكون حكمي على كل شيء بحسب خطره وبحسب ضرره، ونظرتي إليه لا بد أن تكون عادلة منصفة، فأضعه من العداوة في موضعه الصحيح بحسب قربه أو بعده، فأعداء الله الذين يحاربون الإسلام ليلَ نهار هم بلا شك أبعد مني وأبعد عن منهج السنة من داعية يدعو إلى الله، ولكن في دعوته بدعة من البدع، وصاحب البدعة هو أقرب ممن يدعو إلى الشرك الصريح -والعياذ بالله- هذا الذي لا لقاء معه أبداً؛ لكن مع ذلك كله لا مجاملة فيما نص عليه الشرع من معاملاتهم ولا تهاون فيه، ولكن في موضعها الصحيح الذي يجب أن تكون فيه، وكما كانت سيرة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه.
      فلو كان الدعاة كذلك لانتفى ما نعانيه اليوم من اختلاف وتنازع؛ مرجعه في بعض الأحيان -إن لم يكن في أكثر الأحيان- إلى اختلاف وجهات النظر، وإلى اختلاف التربية، وإلى اختلاف الطباع، وإلى أمور ليست بالضرورة أن تكون سبباً لهذا الاختلاف، ولا سيما بين من يدعون إلى الكتاب والسنة بالجملة!! وإن كان فيهم من يكون قد قصر في علمها، أو فقهها، أو ما أشبه ذلك.
      وأيضاً نجد أن التهاون في أمر الله عز وجل وفي تطبيق سنة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه في معاملة أهل البدع والضلال، وأعداء الدين من المنافقين أو الكافرين أن ذلك -أيضاً- مما يؤدي إلى الاختلاف؛ فبعضهم يضع اللين مع من يوجب الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أن يعامل بالقوة، وبعضهم يضع القوة مع من تكون الحكمة أن يعامل بالرفق وباللين، ولا بد أن نفرق بين الداعية إلى البدعة وهو رأس من رءوس الضلالة، وبين التابع الأعمى الذي لا يفقه شيئاً، فلابد أن نضع كل ذلك في حسباننا وأن نضعها في اعتبارنا، وأن تكون أخلاقنا مبنية ومؤسسة عليها.
    4. لا ننزل عن رتبة العدل

      أخلاق الداعية المسلم إن لم تكن على الكمال الذي هو كمال الحكمة، والذي هو القوة في موضعها، والعطف والحلم والصفح في المقابل الآخر، إن لم تكن كذلك فهي لا تنـزل عن درجة العدل، والعدل أن الإنسان لا يفعل الظلم بأن يضع أمراً أو حكماً في غير موضعه، ولا أن يدور على أي أحد من الناس كائناً من كان، بل يكون مثاله هو العدل؛ وفي ذلك امتحان للنفس الإنسانية، هل تعدل أم لا تعدل؟ فكما تبتلى بالواجبات أتؤديها أم لا؟ وفي صدقك في الدعوة، أتثبت أم لا؟ فأنت تمتحن بهذه المواقف ليرى أتعدل أم تجور وتحيد؟ واعلم أن الأمة التي لا يعدل بعضها مع بعض لن تعدل مع العالم، وأن الأمة التي لا تعدل مع العالم لن يستخلفها الله -تبارك وتعالى- في الأرض على هذا العالم أبداً؛ ولهذا نحن في مرحلة الاستضعاف إلى الآن؛ ومازلنا نفتقد العدل، فمن الحلم أن نعلم أننا سوف نصل إلى مرحلة الاستخلاف! والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد.
  4. الأسئلة

     المرفق    
    1. منهج الأشاعرة في العقيدة

       منهج الأشاعرة في العقيدة    
      السؤال: يقول: إنك ذكرت في رسالتك "هل الأشاعرة من أهل السنة" قولكم: [هذه مقدمات وسيظهر الرد المتكامل إن شاء الله] يقول: إن هذه الكلمة شوقت الكثيرين إلى أن يعرفوا متى هذا الرد المتكامل؟
      الجواب: الحمد لله رب العالمين، الرسالة كان عنوانها منهج الأشاعرة في العقيدة وذكرت أن ما نشر هو -في الأصل- مذكرة رفعت لمدير الجامعة من اللجنة باعتباري عضواً في اللجنة التي كلفها مدير الجامعة بالتحقيق في الموضوع، فكتبت مذكرة صغيرة موجزة لكي يطلع مدير الجامعة على الموضوع، وقلت: إنه سيكون إن شاء الله بحث متكامل عن منهج هذه الفرقة، والوعد إن شاء الله تعالى يتحقق قريباً بإذن الله فأكثره مكتوب، وما بقي منه إلا بعض أمور، حال دون إكماله قصر هذه الأيام أو بالأصح أن البركة قد نزعت والمشاغل قد كثرت.
    2. حكم ضرب تارك الصلاة

       حكم ضرب تارك الصلاة    
      السؤال: هل يجوز لي أن أضرب من لا يصلي لكي يصلي؟
      الجواب: ترك الصلاة إن كان تركاً كلياً فهو كفر يخرج من الملة، كما أجمع على ذلك أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإن كان تأخيراً لها عن وقتها، وإعراضاً عن الجماعة، فهذه كبيرة وصاحبها مستحق للعقوبة وللتعزير والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: {لو لا ما في البيوت من النساء والذرية لحرقت عليهم بيوتهم} أي بيوت الذين يتخلفون عن صلاة الجماعة، وليس بيوت الذين لا يصلون أبداً؛ لكن هل تضربه أنت؟
      لا بد من تفصيل: إن كان ممن لك عليه ولاية، كابنك مثلاً أو ابن أخيك أو ما أشبه ذلك ممن لك عليه ولاية أو نوع ولاية، ولا يرتدع إلا بالضرب فنعم، وأما إن كان رجلاً من العامة فلا تباشره أنت بيدك، ولكن عليك أن تعظه وتنصحه وتشدد معه وتهدده أن تبلغ عنه الجهات المسئولة؛ فإن لم يرتدع وجب عليك أن تبلغ عنه الجهة المسئولة التي بيدها الضرب والتعزير.
    3. حكم الرضاع بعد الحولين

       حكم الرضاع بعد الحولين    
      السؤال: هل يكون الرضاع بعد الحولين مُحرماً كما في قصة سالم؟
      الجواب: الراجح في هذه المسألة والأصح أن ما بعد الحولين لا يأخذ ذلك الحكم، وأن ما حدث لـسالم خاص به ولا يتعدى الحكم إلى غيره، والله تعالى أعلم.
    4. ما يرمى من الكتب والمؤلفين بالبدعة، والكتب المؤلفة في الدعوة

       ما يرمى من الكتب والمؤلفين بالبدعة، والكتب المؤلفة في الدعوة    
      السؤال: هل يجوز قراءة الكتب التي يقال عن صاحبها إنه مبتدع خاصة إذا كانت من كتب الدعوة؟ الجواب: لا بد أن تسمع عن المؤلفين، ولكن طالب العلم لا بد أن يميز، ليس كل ما يقال عن كتاب ما أو مؤلف ما حقاً، بل مع الأسف تنتشر الغيبة والإشاعة بين المسلمين، حتى أنها تمس العلماء والمؤلفين، فعليك أن تزنها بالميزان الصحيح، وعلى طالب العلم أن يقرأ ويعرف، لكن إذا أخبرك إنسان موثوق أن هذا الكتاب فيه بدعة وانحراف وأنت تثق في علمه، فهذا ليس مجرد سماع ولكنك الآن قد استوثقت. أما الكتب المؤلفة في الدعوة فأنا أقول: ليس هناك أكثر مما تقدم، وهو أن سيرة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومنهج الأنبياء كما وضحه القرآن الكريم هو أجلى من أي كتاب؛ فإن وجدت كتاباً يعينك على فهم ذلك إعانة فقط فهذا هو المطلوب، وإلا ما في القرآن وما في سيرة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو الأساس، وهو الذي يكفي.
    5. حكم الزار

       حكم الزار    
      السؤال: هل الزار حقيقة؟
      الجواب: أما الزار وما يماثله فكونها حقيقة؛ فإن كان المقصود بأنها توجد وأن هناك أناساً يتعاملون مع الشياطين، ويكون بينهم وبينها مثل هذه الأمور المحرمة وأشباهها، فنعم هذا حقيقة، وهذا موجود، وهؤلاء يحشرهم الله عز وجل يوم القيامة جميعاً ويسألهم: ((وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْأِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْأِنْسِ)) [الأنعام:128] فيقول أولياؤهم من الإنس: ((رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ))[الأنعام:128].
      فيقول الله تبارك وتعالى: (( النَّارُ مَثْوَاكُمْ ))[الأنعام:128] فهذا نوع من الاستمتاع الحاصل بين الأولياء على السوء الظالمين، الذين بعضهم أولياء بعض، شياطين الإنس والجن وما يوحي بعضهم إلى بعض، وما يستمتع بعضهم ببعض، وإن كان المقصود هل هو حقيقي بمعنى أنه صحيح أو أن فعله جائز فلا، ولا يجوز، وهذا لا يخلو من الشرك، فالغالب أن مثل هذه الحالات لا تخلو من الشرك؛ لأن هذا التعامل لا يقدمه الجن للإنس إلا بناء على ما يقدمه الإنسي من الاستمتاع للجني، والاستمتاع من الإنسي يكون بالاستهزاء بكتاب الله! ويكون بترك الصلوات! ويكون بالبقاء على الحدث الأكبر! يكون بإهانة القرآن! يكون بأي أمر من الأمور التي حرمها الله التي قد تخرج صاحبها من الملة.
    6. التثاقل عن الصلاة

       التثاقل عن الصلاة    
      السؤال: ماذا عمن يتثاقل عن أداء الصلاة وخاصة صلاة الفجر؟
      الجواب: التثاقل عن الصلاة من صفات المنافقين الذين إذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلاً، وعلينا جميعاً أن نجاهد أنفسنا، وأن نبادر إلى الصلاة، وأن نعلم أن الشيطان يعرقل ويثبط، وأن النفس تتثاقل، وتهبط إلى الأرض، كلما أراد لها الإنسان أن ترتفع، وأن تقوم على أمر الله وتقوم بطاعة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فلا بد من المجاهدة على ذلك، ولا بد من جهاد هذه النفس، والإنسان إذا استعان بالله عز وجل وصبر وصابر وجاهد؛ فإن الله تعالى قد وعده بالهداية: ((وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا))[العنكبوت:69] فلا يجزعن إنسان إذا ألمّ به عارض من هذه العوارض، بل يقوم ويجتهد والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يعينه ويوفقه بإذنه.
    7. الفرق بين من جاء مقراً ومن شهد الشهود عليه

       الفرق بين من جاء مقراً ومن شهد الشهود عليه    
      السؤال: ما الفرق بين من جاء مقراً بالمعصية فتهاون في شأنه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقصة المخزومية التي لم يتهاون في شأنها أبداً؟
      الجواب: أما ماعز والغامدية فقد جاء كل منهما بنفسه مقراً إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يريد أن يطهره!! يريد أن يقيم عليه الحد!! ففي هذه الحالة الحكمة والأسلوب الصحيح الذي أرشد إليه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القضاة، ومن باب أولى في هذا أن يأمروا الإنسان أن يتوب وأن يستغفر وألا يعرض نفسه للحد والعقوبة؛ لأن من تاب فقد تاب الله -تبارك وتعالى- عليه: ((إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً)) [الفرقان:70].
      لكن الحال يختلف لو أن ماعزاً أو الغامدية قد أصابا هذه الجريمة النكراء وفعلا هذه الفاحشة، وشهد عليهما بذلك الشهود وثبت الحد؛ ثم يأتي أحد يشفع فيهما، وهذا ما حدث في قضية المخزومية فقد ثبت الحد، ويأتي شفعاء يشفعون في حد من حدود الله، فالأمر يختلف.
      ولهذا يجب أن نفرق بين حالة إقبال الإنسان تائباً وإن كان مرتكباً لحد من حدود الله، وبين ما إذا كان الإنسان قد ثبت عليه الحد ووجب، فيأتي من يشفع في حد من حدود الله.
      هذا بالإضافة إلى أن حق الله الخالص كما في الزنا يختلف أيضاً عن الحق الذي هو من شأن العباد كحال السرقة مثلاً، لكن هذه ليست الأساس، إنما المقصود عندما نتكلم عن التعامل أن نفرق بين الحالين، فبعض الناس يأتي في حد ثابت من حدود الله فيقول : يا أخي! أنت رجل طيب، يا أخي لا يجوز كذا، بينما تكون جهة رسمية محتسبة -أهل الحسبة أو مثل ذلك- ممن عملها وفعلها في المجتمع، القضاء على الاختلاط أو القضاء على الخلوة بالأجنبية، أو القضاء على الفواحش، فيقول هؤلاء: الستر أفضل والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعل مع ماعز وفعل، فهذا يبرر لأصحاب المعاصي بأن يرتكبوا مثل ذلك.
      فهذا شيء، والأمر الآخر وهو أن أمراً لم يثبت ولم يقع بجهد هذا الداعية أو صاحب الاختصاص، وإنما جاء المجرم بنفسه منيباً مقبلاً تائباً، فهذا ننصحه ونحثه على الستر؛ لأنه عضو صالح في المجتمع، نتمنى أن يكون العصاة من أمثاله، أما ذلك المصر الذي تعبنا وجهدنا حتى وصلنا إلى حقيقته واكتشفناه، فهذا عضو فاسد، لابد أن يقطع ويبتر من المجتمع المؤمن الصالح.
    8. النصيحة للأقارب إذا لم يستجيبوا

       النصيحة للأقارب إذا لم يستجيبوا    
      السؤال: لي أخ أصغر يفعل الكثير من المعاصي وأنصحه ولكن دون فائدة، حتى لقد يئست من كثرة ما أنصحه فما الحل؟
      الجواب: نعوذ بالله من الضلالة، قد تكون هنالك قلوب طبع عليها وبصائر طمست، ولكن أيضاً لا أنصح أحداً باليأس، بل عليه أن يبذل جهده في دعوته ونصحه من طريق غير مباشر، كأن يوصي به زميلاً طيباً، أو جاراً طيباً، أو أستاذاً داعية يدرسه أو قريباً من الأقرباء، يوصيهم به دون أن يشعر الأخ الأصغر أنه جاء عن طريق فلان أو بوصاية فلان، وربما يكون في أخلاق هذا الداعية الملل، ربما يكون عامل القرابة، وربما يكون أسباب أدت إلى أن هذا الأخ لا يقبل من أخيه الأكبر، لكن إذا جاءت من شخص آخر قد يفتح الله عليه والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يقول: ((إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)) [القصص:56].
    9. رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام

       رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام    
      السؤال: هل رؤية النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام صحيحة؟ الجواب: رؤية النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا تنكر، ولكن إثبات أن هذا الإنسان رأى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا بد أن يكون على يقين، لا يقول إلا بيقين، ولا نثبتها له أيضاً إلا إذا علمنا وعرفنا أن هذا الإنسان صالح وتقي، وأن ما رآه هو رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حقاً الموصوف بالصفات التي نعلمها من صفاته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الثابتة، أما مجرد الدعوى فيوجد من كذب على الله وادعى رؤية الله عز وجل في الدنيا؛ الأمر الذي لم يقع لموسى ولا لمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويوجد من يدعيه من أهل الضلال والزيغ والبدع، فلا بد أن نتنبه إلى هذا، ولا نقر كل من ادعى، علماً أن ذلك لا يعني أن من رأى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حقاً فإنه أعلى درجة في الولاية ممن لم يره بإطلاق، قد يكون بعض ممن لم يروه أفضل من بعض من رأوه، ولا يعني أن كلام كل من رأى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حق، وأنه ما دامت له هذه الكرامة، فله حق الاتباع أو الطاعة وإن خالف سنة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكل أمر يقدر بقدره وبحده الشرعي الصحيح.
    10. الرد على من زعم الاطلاع على اللوح المحفوظ، والقائلين بالعلم الباطن

        الرد على من زعم الاطلاع على اللوح المحفوظ، والقائلين بالعلم الباطن    
      السؤال: ما قولكم فيمن يقول: إنه اطلع على اللوح المحفوظ، وقرأ فيه، وأنه يعلم العلم الباطن؟
      الجواب: أما اللوح المحفوظ فهو عند الله تبارك وتعالى، ولو كان يطلع عليه هؤلاء الناس لما سمي محفوظاً، وأن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يقول: ((إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ))[يس:12] ففيه كل شيء، وهو يقول في الآية الأخرى : ((وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ))[الأنعام:59] فلو أن أحداً اطلع على اللوح لاطلع على علم الغيب الذي لم يطلع الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عليه إلا من ارتضى من رسول عن طريق الوحي، لا عن طريق الاطلاع على اللوح المحفوظ، والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سيد ولد آدم وأكرمهم على الله عز وجل لم يطلع على اللوح المحفوظ، وهذا مما يجب أن نعلمه، وإذا عرض لنا أحد هؤلاء الكذابين أو الدجالين، فلنعلم أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يقع له ذلك، فكيف يقع لأمثال هؤلاء! ولذلك لا يقول هذه العبارة ولا يتفوه بها إلا من مرق من هذا الدين، وافترى على رب العالمين؛ إلا أن يكون مخبولاً ممسوساً بمس من الجن لا يعي ما يقول، والشياطين قد ركبت رأسه، فأصبحت تهذي على لسانه فلا يعي ما يقول! أما من يعي ما يقول، ويقول: إنه قرأ أو اطلع على اللوح المحفوظ فإنه كذاب بلا شك، وهذا يستحق العقوبة الرادعة، ولو قتل فإن القتل جزاء شرعي له إلا إذا تاب.
      وبالنسبة للعلم الباطن ليس هنالك من علم يوصل إلى الله عز وجل إلا العلم الذي حواه الكتاب والسنة وعلمه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأصحابه، ونقلوه جيلاً بعد جيل، وليس هنالك من علم آخر على الإطلاق، ولكن يتفاوت الناس في فقه هذا العلم، وفي تدبره وفي فهمه، وادعاء أن هناك علماً آخر، فهذا مؤداه أن يكون النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يبلغ الدين، والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أمره فقال: ((يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ)) [المائدة:67] فلو أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتم شيئاً من الدين أو اختص به طائفة من الناس، فما بلغ رسالة الله، والله تعالى إنما أرسله إلى الناس: ((الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ))[إبراهيم:1] فكيف تكون رسالته رحمة للعالمين؟ وكيف يكون قد أرسله الله كافة للناس يخص ناساً من العلم دون أناس.
      وأعظم من اُتهم بذلك وُنسِب إليه العلم الباطن أو اختصاص النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له بالعلم الباطن هم آل بيته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجعلوه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كأهل الدنيا كأهل المال والسلطان في هذه الدنيا الذين يؤثرون أقرباءهم بما لديهم من سلطان أو مال أو متاع، ولما قيل ذلك وأشيع في زمن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وسئل كما في صحيح البخاري {هل خصكم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشيء من العلم؟ قال: لا والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة ما خصنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشيء من العلم إلا فهماً نفهمه في كتاب الله، أو هذه الصحيفة وفيها فكاك الأسير والعقل والديات والنهي عن الحدث في المدينة وإيواء المحدث فيها}، وأمثال ذلك من أحكام معلومة بأحاديث أخرى يعرفها عامة المسلمين، ولكن لأنها مكتوبة وموجودة في قراب سيفه يقول: هذه مكتوية عندي وليست مكتوبة عند غيري، لكن غيره حفظها ورواها أبو هريرة رضي الله عنه وغيره من الصحابة.
      وغرض هؤلاء هو هدم الدين وأكثر ما يستدلون به هو قصة الخضر مع موسى عليهما السلام، ونوجز كشف هذه الشبهة بالقول : بأن موسى عليه السلام نبي علمه الله تعالى علماً، والخضر نبي علمه الله تعالى علماً، ولكن موسى على علم لا يعلمه الخضر والخضر على علم لا يعلمه موسى كما جاء ذلك في نص الحديث قال: {أنت على علم علمك الله إياه لا أعلمه، وأنا على علم علمني الله إياه لا تعلمه} ولما قال الكلمة التي قالها أراد الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أن يطلعه على أن هنالك من هو أعلم منه، لا بإطلاق، ولكن أعلم منه بالعلم الذي لم يكن لدى موسى، وإلا فإن موسى أوتي التوراة ولم يؤتها الخضر.
      والأمر الآخر أن الخضر ليس في قصته التي ذكرها الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- في سورة الكهف خروج عن العلم الظاهر، ولا عن الشريعة أبداً؛ فإن الاعتراض الأول أنه خرق السفينة لماذا؟ أخرقتها لتغرق أهلها؟ ليس من جزاء المحسن أن تسيء إليه!!
      فأجابه الخضر: بأنني ما أسأت بل أحسنت إلى من أحسن إلي، لأن وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا. فأنا مع الشرع!
      وفي الحالة الثانية قتل الغلام، وهو لم يخالف الشرع؛ لأن الله أطلعه أن هذا الغلام قد طبع كافراً، وأن في قتله رحمة لوالديه ولا خير فيه، فإذا فعل الإنسان بأمر من الله كما قال: ((وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي))[الكهف:82] فليس مخالفاً للشرع الظاهر.
      فبإيجاز: موقف موسى عليه السلام مع الخضر عليه السلام في هذا الجانب مثل موقف الذي يعمل بعموم النص مع من يعارضه بنص معين، فتحريم قتل النفس نص عام: ((وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ))[الأنعام:151] فلو جاء رجل وقتل رجلاً نقول له: ((وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ))[الأنعام:151] تحتج عليه بعموم النص فيأتيك هو ويقول: إن هذا الرجل قد ارتد والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: {لا يحل دم امرأ مسلم إلا بإحدى ثلاث... ومنها النفس بالنفس}، ((وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ))[البقرة:179]، فأنت تستشهد بحق معين وبدليل معين، وهذا يبقى على عموم الأدلة عموم سلامة السفينة، عموم حرمة النفس وعموم امتناع العمل الذي لا مصلحة ظاهرة فيه، هذا موجز ذلك.
      والقضية ليست بشبهات خفيت عليهم، وإن كان لدى بعضهم شيء من ذلك.
      القضية أنهم أناس يريدون أن يهدموا هذا الدين، ويريدون أن يزخرفوا القول والشبهات؛ ليخرجوا المسلمين عن دينهم، وإلا فلِمَ يعمدون إلا أمثال هذه الوقائع، ويتركون النصوص الصريحة الجلية! يؤولون الصلاة! يؤولون الصيام! يدعون إلى ترك الأعمال الظاهرة المتواترة عن الأمة جيلاً بعد جيل! محتجين بأمثال هذه الشبهات التي لا تصلح ولا تنهض حتى عند من يحسبها شبهة، وما هي بشبهة؛ لكنها في الواقع أساليب ماكرة وضعها المجوس واليهود لهدم الإسلام من كل طريق، ولكن الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- رد كيدهم في نحورهم، وإنه لفاعل ذلك لمن بقي منهم.
    11. تلقي الأمة لحديث بالقبول لا يكون تصحيحاً لهذا الحديث

        تلقي الأمة لحديث بالقبول لا يكون تصحيحاً لهذا الحديث    
      السؤال: هل تلقي الأمة للحديث والعمل به يعتبر تصحيحاً له؟ الجواب: هذه ليست قاعدة عامة، ليس كل العلماء يقولون هذا، بل بعض العلماء يقولون ذلك وهذا من ضمن الاجتهادات العلمية التي جعلها الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مجالاً لمن فقهه في الدين ولمن رفعه في العلم درجات؛ فبعض العلماء يرى أن تلقي الأمة لهذا الحديث بالقبول يرفع درجته، وبعضهم لا يرى ذلك، والذي أرجحه أن الحديث إذا لم يصح فإن التلقي لا يكفي في ذلك، ولكن أقول: إن الذي يقول بالقول الآخر مجتهد، فإما أنه مخطئ وهذا الذي يظهر لي أنا شخصياً، ولو كان مصيباً فهو بين الأجر والأجرين، فلا يحملون ذلك على إساءة الظن بعالم، أما إذا كان رجلاً مقلداً متعصباً ويقول: هذا الحديث الذي عمل به إمامنا تلقاه بالقبول هو والأئمة الذين معه، أئمة المذهب كلهم تلقوه بالقبول أو ما أشبه ذلك، فهذه من الاستعمالات التي لا يقرها البحث العلمي النزيه الموثوق ولا يوافق عليها.
    12. كيف تختار المعهد الذي تدرس فيه؟

        كيف تختار المعهد الذي تدرس فيه؟    
      السؤال: أريد أن أسجل في معهد ولا أدري أيها الأنسب فدلني عليه؟ الجواب: قد يكون هذا عابر سبيل، لا يدري أين يسجل، وإن كان مقيماً هنا فيمكنه أن يعرف المعاهد من واقعها، وأنا أرشدك أن تطلع على المناهج وعلى المدرسين، فتختار الأفضل والأنسب منها، ولا أرجح لك معهداً دون معهد، إنما يمكن أن أعطيك المعيار الذي تزن به المعهد والمدرسة وهو المنهج السليم والمدرسين الذين تتوقع أن يكون على يدهم الخير.
    13. التدرج في الدعوة

        التدرج في الدعوة    
      السؤال: إنني أدعو إلى الله، ولكنني أتعجل، ولا أدري كيف أتدرج مع المدعوين؟
      الجواب: العجلة من بعد الإمكان ((خُلِقَ الْأِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ))[الأنبياء:37] وكانت هذه الخلة في الصحابة الكرام ولهذا قال لهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما جاءوه وهو متوسد في ظل الكعبة فتوسلوا إليه أن يدعو على قريش، فصار محمراً وجهه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأخبرهم بأن الله سوف يمكن لهذا الدين، وقال: {ولكنكم قوم تستعجلون} إذا كان الصحابة يستعجلون، فأنا وأنت الأولى والأحرى أن نكون الأعجل بلا شك، فيجب علينا أن نضبط هذه العجلة وأن نجعلها تؤول للأناة والتؤدة والحكمة، وأن نكون ربانيين والربانية كما فسرها السلف الصالح قالوا: [[أن تربي الناس بصغار العلم قبل كباره]] أن تأخذ الناس قليلاً قليلاً.
      أن تتدرج بهم، فإذا أردته أن يحافظ على الصلوات، وأن يترك أصحاب السوء، وأن يترك حلق اللحية، وسماع الغناء وكذا، وكذا دفعة واحدة، فهذا تكليف بما لا يطاق، وهذا الذي لا يمكن؛ بل هو المحال بعينه! لكن عليك أن تتدرج به وأن توجهه للأهم فالأهم، أول شيء توحيد الله -عز وجل- والإيمان به، المحافظة على الصلوات وهي التي بتركها يكون كافراً، ثم تجتهد معه قليلاً قليلاً، حتى يوفقك الله بإذنه إلى ما يسر الله لك؛ قد يصل الشخص إلى ما تريد، وقد يقف في الثلاثة أرباع، وقد يقف في النصف، والله تعالى يكتب الهداية كما يشاء، ويقسم رحمته على العباد بالهداية كما يقسم أرزاقهم بينهم، فهذا من حكمته سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وما عليك إلا أن تبذل الجهد بالحكمة والأناة والتروي.
    14. حكم ركعتي الاستغفار

        حكم ركعتي الاستغفار    
      السؤال: ما حكم ركعتي الاستغفار؟ الجواب: لا أعلم أنا عنها شيئاً، يوجد من يقول: إن هناك ركعتي استغفار، لكن لا أعلم أنها صحيحة، ومن عرف شيئاً غير ذلك فجزاه الله خيراً.
    15. الفرق بين المداهنة وحسن معاملة المدعوين

        الفرق بين المداهنة وحسن معاملة المدعوين    
      السؤال: ما هو الفرق بين المداهنة، وحسن معاملة المدعوين؟
      الجواب: فرق بين أخذ الحق وعرضه بقوة دون مداهنة في الدين: ((الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ))[الأحزاب:39] بين من يقتدي بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين أمره ربه وقال: ((فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ))[الحجر:94]، وبين حسن المعاملة مع المدعوين، والتدرج بهم، والرفق بهم، والرفق معهم، فلا نخلط بين الموضوعين.
      لكن الفظاظة، والغلظة، الله تعالى يقول فيها: ((وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)) [الأنفال:63] ويقول: ((وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)) [آل عمران: 159] هي في المؤمنين الذين أمرنا الله تعالى أن نكون أذلة عليهم، ولا نكون ذوي فظاظة وغلظة على المؤمنين وعلى المقبلين إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
      لكن عندما خاطبنا الله في حق الكفار قال: ((يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ)) [التوبة:73].
      هناك قال: ((وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)) [آل عمران:159] وهنا قال: ((وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ )) [التوبة:73]تلك الغلظة منهي عنها، وهنا غلظة مأمور بها! لماذا؟
      لأن هذه في موضع، وهذه في موضع، فلا بد أن نضع كل شيء في موضعه الصحيح؛ فإذا كانت لديك زوجه لا تصلي، فلا نقول: تقضي عمرك معها بالرفق واللين والوعود المعسولة؛ بل يجب أن تضربها، وكذلك ابنك يجب أن تضربه لأن حق الله أعظم! لو كنت معلماً، ولديك طالبٌ متجرئ في حد من حدود الله فاضربه وهذه هي الحكمة في هذا الموضع، لكن إذا دعوت أحداً من الناس، وتريد أن تؤلفه وهو مقبل يريد الحق فلا تعامله بالغلظة؛ فهذا مما ينفره يباعده.
    16. من أحوال المدعوين

        من أحوال المدعوين    
      السؤال: لي صاحب يظهر لي الموافقة والهداية والتوبة، فكيف أتعامل معه، ومع المدعوين عموماً؟
      الجواب: هم يختلفون، فمنهم من يظهر العناد، ومنهم من يظهر الموافقة، ونفوس الخلائق عجيبة ومداخلها كثيرة ومعقدة، فالشيطان يتلاعب ببني آدم في أمور قد لا يتفطن لها الإنسان، لكن مثل هذا الذي يظهر لك الموافقة، خذه بظاهر حاله، وعامله كما لو كان هذا الظاهر هو الحق، شجعه على ذلك وقل: الحمد لله أنك تبت ورجعت واهتديت، عامله على أساس أن ما يظهر هو الصواب وهو الحق، لكن في نفسك يجب أن تعرف حقيقة ما هو عليه لتستمر في العلاج، فلا تظن أنه قد شفي وهو مريض، وبعد ذلك يجب أن تعلم أن الله تعالى يقول: ((إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ))[القصص:56].
      الدعوة ليست أموراً معينة مقننة تسلكها لتنجح، الدعوة تجربة وممارسة في حدود ما جاء وفي حدود الأسلوب الصحيح، لك ممارسة ولك تجربة مع الناس، الناس يختلفون، وأمورهم تختلف، ونفسياتهم تختلف، قد يهتدي الإنسان بكلمة وأنت ما ألقيت لها بالاً، ووعظته بمواعظ عظيمة وظننت أن يهتدي بهذه المواعظ، وهو لم يهتد بتلك المواعظ البليغة، ولكن بكلمة عابرة لم تأبه لها أنت، بما طبع الله عليه الناس من هذه المرونة في النفسيات.
    17. كروية الأرض ودورانها

        كروية الأرض ودورانها    
      السؤال: هل من يقول بدوران الأرض في عقيدته خلل أم لا؟
      الجواب: يجب ألا نحمِّل هذه المسائل فوق ما تحتمل، فهي قضايا تخضع للتجربة المشاهدة، فيجب ألا نضع هذه المسائل في غير موضعها الصحيح، بالنسبة لكون الأرض كروية أو بيضاوية أو غير ذلك، فشكلها أصبح يُرى ويشاهَد، والدلائل عليه من الحس مشاهدة، وتكلم علماء السلف في ذلك، كشَيْخ الإِسْلامِ ابن تيمية وحتى الغزالي ومن قبله، ذكروا هذا الشيء فليس هناك غرابة، أما كونها تدور فهذا حكم فلكي، وهذه قضية فلكية ترجع إلى رأي علماء الفلك المسلمين وهم قد قرروا ذلك، وليس هناك تعارض بين هذا وبين ما ذكره الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في كتابه عن الأرض وعن السماء، وهذه الآيات ليس في أي منها إشكال، فيمكن أن يعرفها الإنسان في أي كتاب من كتب التفسير سواء اعتقد أنها تدور أم لا تدور، وكون الله -عز وجل- قادراً أن يخسف بنا الأرض فإذا هي تمور، يمكن أن يقع ذلك وقد فهم الناس هذه العقوبة، وخافوا منها قبل أن يعلموا أنها تدور وأن هذا يجب أن يكون نتيجة اختلال في عملية الدوران، وبعد أن عرف الناس ذلك، فالوعيد وهو الغرض من الآية لم يتغير.
      فيجب أن نقف عند الآية وعند العظة وعند العبرة.
      أما مجرد العلم النظري العادي فيحال إلى أهله، ولا نتجادل فيه نحن، ولا نُقوِّم الناس بحسبه! فنقول: فلان مؤمن بأنها تدور، أو لا تدور!! ويصبح تقييم الناس بقضايا نظرية تجريدية بحتة، لا تمت إلى إيمان المؤمن، ولا علاقة لها بصحة عقيدته أو فسادها، يجب أن ننتبه إلى قضية اعبدوا الله تعالى عليها، واتقوا واستقيموا على أمره ولا يضركم بعدها أنها دارت أو وقفت.
    18. الاستماع للخطيب

        الاستماع للخطيب    
      السؤال: هل يجب الاستماع للخطيب يوم الجمعة أم لا؟ الجواب: يجب أن يستمعوا للإمام، ولا أرى أن نختلف في هذه المسألة مع احترامي لاجتهاد العلماء الآخرين.
    19. الحركة ومس الحصى أثناء الخطبة

        الحركة ومس الحصى أثناء الخطبة    
      السؤال: رجل يكثر التحرك فهل هو كمس الحصى؟ الجواب: لا؛ هذا أعظم من مس الحصى، فالحركة أعظم.
    20. حكم الأعراب في سورة التوبة

        حكم الأعراب في سورة التوبة    
      السؤال: في قول الله (( الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً )) هل هذا الحكم عام؟
      الجواب: الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في آخر سورة التوبة ذكر أصناف الناس وأحوالهم، فذكر السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، وذكر من حولهم من الأعراب والمنافقين والذين مردوا على النفاق من أهل المدينة، وذكر المرجفين لأمر الله، وذكر الثلاثة الذين خلفوا، وذكر أيضاً الأعراب.
      كل ذلك يتحدث عن المجتمع المدني وما يحيط به في ذلك الوقت، لأنها كما سماها ابن عباس -رضي الله عنهما- وغيره من الصحابة: الفاضحة أو الكاشفة أو المشقشقة لأنها شقشقت القلوب، وكشفت ما في القلوب وفضحت النوايا والنيات التي يضمرها الناس.
      فبينت أن هناك سابقين مقربين، وأن هناك من فيهم دخن ومن فيهم شيء من النفاق، وأن هنالك منافقين معلومين، وأن هناك منافقين مجهولين لا تعلمهم.
      وتطرقت إلى ذكر الأعراب وأنهم أشد كفراً ونفاقاً، فهل هذا الحكم عام؟
      ليس الحكم عاماً حتى في ذلك الوقت ((وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ))[التوبة:99] إذن حتى الأعراب في زمن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليس حكمهم سواء حتى الذين نزلت فيهم هذه الآية، ولكن العادة أن الأعرابي صاحب البادية عادة لا يخلو من جفاء، والإنسان يتأثر بالبيئة فلا يخلو من غلظة كما هو مشاهد، كحال أكثر من قدم على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أهل البادية، لكن ذلك لا يعني الحكم العام، فالله -عز وجل- حتى عندما حكم على أهل الكتاب بالخيانة وبأعمالهم السيئة لم يجعل الحكم عاماً بل قال: إلا قليلاً منهم أو ما أشبه ذلك.
    21. ليس كل ما ورد في السيرة صحيحاً

        ليس كل ما ورد في السيرة صحيحاً    
      السؤال: ما قولكم فيمن يقول: السيرة لا أصل لها وعامتها أحاديث ضعيفة أو موضوعة؟
      الجواب: هذه العبارة ليست صحيحة على إطلاقها، فقد روي في السيرة الضعيف والموضوع، كما روي في الأحكام والحلال والحرام الضعيف بل الموضوع أيضاً وكذا الصحيح الثابت، وهناك مثلاً ما ورد في الصحيحين هذا صحيح بلا شك.
      ومما يعينكم على ذلك ما شرح به الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في صحيح البخاري السيرة، فإنه يذكر الروايات ويحكم عليها، وهذا من أعظم الكتب في ذلك، وأيضاً ما حقق من كتب الشمائل، ومن كتب السير، فيستعان بالتحقيق الذي حققه العلماء أو طلبة العلم الثقات، وحبذا لو تحقق جميعاً بجهد جماعي متكامل، وهناك رسالة لا أدري هل خرجت أو ستخرج عن السيرة الصحيحة، فنرجو أن تسد فراغاً بإذن الله تعالى في هذا المجال.
    22. حكم من يقول: إنما أؤدي الصلاة كعادة أو كرياضة

        حكم من يقول: إنما أؤدي الصلاة كعادة أو كرياضة    
      السؤال: ما حكم من يقول: إنه يصلي عادة أو رياضة؟ الجواب: لا يجوز ذلك؛ بل هذا من الاستهزاء بآيات الله وبدين الله، ومن قال ذلك على هذا السبيل، فإنه حكمه كحكم المنافقين يكفر بذلك الاستهزاء، كما يقول ذلك بعض الشيوعيين والملاحدة: إنها حركات أو رياضات أو عادات، فهذا من الكفر الصريح، لكن إن قال أحد: " إن صلاة بعض عوام المسلمين تحولت إلى عادة" فهذا واقع وهذا حق، ولا نعني أن نَصِفَ أناساً معينين لكن يقول: إن بعض المسلمين يصلي؛ لأن الصلاة أصبحت شبه عادة له، وما أشبه ذلك، فهذا ورد في كلام بعض العلماء في غرض التنبيه إلى أن الأساس في الصلاة هو حضور القلب والإيمان بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى والخشوع، وليس مجرد الحركات الظاهرة.
    23. التدريب العملي للخطابة

        التدريب العملي للخطابة    
      السؤال: أريد أن أكون خطيباً، لكني أجد نفسي قاصرةً عن ذلك؟ الجواب: لا بد من العلم والقراءة والممارسة قليلاً، قليلاً، تمارس الخطابة أمام من يوجهك ومن ينصحك، والكلام الذي يخرج من القلب وإن قل، وإن كان في التعبير ضعف، فإنه يقويه الإخلاص والصدق.
    24. حكم طعام المآتم

        حكم طعام المآتم    
      السؤال: هل يجوز لي حضور المآتم، والأكل من طعامها؟ الجواب: هذا العمل بدعة وكل بدعة ضلالة، ولا يجوز أن تقرهم، ولا أن تشاركهم في هذا العمل، ولا أن تأكل معهم من ذلك الطعام، ولا بد أن نحرص على أن ندعوا هؤلاء الناس وأن نبين لهم الحق. والله الموفق،،،