قال: "وأيضاً فإن
السلف أخطأ كثير منهم في كثير من هذه المسائل" فهو هنا يستدل على وقوع الخطأ من
السلف على عدم التكفير، فلو أن قائلاً قال قولاً بدعياً وهو كفر، فإننا نتأكد في حقه من وجود الشروط وانتفاء الموانع، أما الذي يخطئ فيوافقه دون أن يقصد ذلك، فهذا أقل درجة منه ولا شك.
و
شيخ الإسلام رحمه الله يستدل على عدم إطلاق التكفير أو التعجل في إطلاقه بأن كثيراً من
السلف أخطئوا في بعض المسائل، قال: "واتفقوا على عدم التكفير بذلك" ومن القضايا التي خاض فيها الصحابة موضوع المعراج يقظة، ورؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه في ليلة الإسراء، والكلام في الخلافة.
يقول: "وكذلك لبعضهم في قتال بعض، ولعن بعض، وإطلاق تكفير بعض أقوال معروفة" ويذكر بعض الأمثلة على ذلك فيقول: "وكان
القاضي شريح ينكر قراءة من قرأ: (بل عجبتُ) ويقول: إن الله لا يعجب، فبلغ ذلك
إبراهيم النخعي فقال: إنما
شريح شاعر يعجبه علمه.. كان
عبد الله أفقه منه" يعني
ابن مسعود، وهو شيخ الاثنين "كان عبد الله أفقه منه، فكان يقول: (بل عجبتُ).. فهذا قد أنكر قراءة ثابتة، وأنكر صفة دل عليها الكتاب والسنة".
حين أنكر
شريح (بل عجبتُ) فإنه قد ترتب على ذلك أمران:
أولاً: أنه أنكر أولاً قراءة ثابتة. ثانياً: أنه أنكر صفة من صفات الله الثابتة والتي دل عليها الكتاب والسنة، وهي صفة التعجب أو العجب، ومع ذلك يقول: "واتفقت الأمة على أنه إمام من الأئمة" ولم يكفروه لأنه لم ينكرها على سبيل الرد والجحود؛ كما فعلت
الجهمية.
قال: "وكذلك أنكر بعض
السلف بعض حروف القرآن مثل إنكار بعضهم قوله: ((
أَفَلَمْ يَيْئَسِ الَّذِينَ آمَنُوا))[الرعد:31]، وقال: إنما هي: أولم يتبين الذين آمنوا - وإنكار الآخر قراءة قوله: ((
وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ))[الإسراء:23] وقال: إنما هي: ووصى ربك"، وقد تقدم معنا ذلك بالتفصيل في موضوع الخلاف في القراءات.
قال: "وأيضاً فإن الكتاب والسنة قد دلا على أن الله لا يعذب أحداً إلا بعد إبلاغ الرسالة، فمن لم تبلغه جملة" يعني: لم يبلغه شيء من الدين جملة "لم يعذبه رأساً" أي: لا يعذب أيضاً جملة.
"ومن بلغته جملة دون بعض التفصيل لم يعذبه إلا على إنكار ما قامت عليه الحجة الرسالية"، فيحاسب على الجملة التي بلغته، لكن لا يعذب ولا يحاسب على التفصيل الذي لم يبلغه، وهذا من عدل الله سبحانه وتعالى، وذكر رحمه الله بعد ذلك الأدلة على ذلك.