أنواع الهجر في الشرع
فأجاب رحمه الله: "الهجر الشرعي نوعان: أحدهما: بمعنى الترك للمنكرات، والثاني: بمعنى العقوبة عليها".
أي الأول: أن تهجر أنت المنكر وتتركه، والآخر العقوبة، وهو أن تعاقب صاحب المنكر بهجره وقطيعته.
ومن الأدلة على النوع الأول وهو هجر الشيء بمعنى تركه والابتعاد عنه، مثل قوله تعالى: ((وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ))[المدثر:5] والرجز: الشرك، وعبادة الأصنام.
وقوله صلى الله عليه وسلم: {والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه}.
وهناك علاقة بين الهجر والهجرة في لغة العرب، وعادةً ما يكون اتفاق وتقارب في المعنى اللغوي والشرعي إذا تقارب اللفظان في المبنى.
وقد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله عدداً من الأدلة فقال: "فالأول هو المذكور في قوله تعالى: ((وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ))[الأنعام:68].
وقوله تعالى: ((وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ))[النساء:140]." فالشاهد في الآيتين وجود معنى الهجر، كما قال تعالى: ((فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ))[الأنعام:68].
قال: "فهذا يراد به أنه لا يشهد المنكرات لغير حاجة شرعية، مثل: قوم يشربون الخمر فلا يجلس عندهم، أو قوم دعوا إلى وليمة فيها خمر وزمْر لا يجيب دعوتهم، وأمثال ذلك، بخلاف من حضر عندهم للإنكار عليهم، أو حضر بغير اختياره" كأن يكون لا يعلم بذلك "ولهذا يقال: حاضر المنكر كفاعله... إلى أن قال رحمه الله: "وهذا الهجر من جنس هجر الإنسان نفسه عن فعل المنكرات كما قال صلى الله عليه وسلم: {المهاجر من هجر ما نهى الله عنه}، ومن هذا الباب: الهجرة من دار الكفر والفسوق إلى دار الإسلام والإيمان، فإنه هجر للمُقام بين الكافرين والمنافقين الذين لا يمكِّنونه من فعل ما أمر الله به، ومن هذا قوله تعالى: ((وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ))[المدثر:5]"، وهذا النوع واضح؛ لكن ذكره لداعي التقسيم.