المادة    
قَالَ المُصنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى:
[والتعبير عن الحق بالألفاظ الشرعية النبوية الإلهية، هو سبيل أهْل السُّنّةِ وَالْجَمَاعَةِ. والمعطلة يعرضون عما قاله الشارع من الأسماء والصفات، ولا يتدبرون معانيها، ويجعلون ما ابتدعوه من المعاني والألفاظ هو المحكم الذي يجب اعتقاده واعتماده.
وأما أهل الحق والسنة والإيمان فيجعلون ما قاله الله ورسوله هو الحق الذي يجب اعتقاده واعتماده، والذي قاله هَؤُلاءِ إما أن يعرضوا عنه إعراضاً جملياً، أو يبينوا حاله تفصيلاً، ويحكم عليه بالكتاب والسنة، لا يحكم به عَلَى الكتاب والسنة. والمقصود: أن غالب عقائدهم السُلوب، ليس بكذا، ليس بكذا.
وأما الإثبات، فهو قليل، وهي أنه عالم قادرٌ حيٌ، وأكثر النفي المذكور ليس متلقى عن الكتاب والسنة ولاعن الطرق العقلية التي سلكها غيرهم من مثبتة الصفات، فإن الله تَعَالَى قَالَ: ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ))[الشورى:11] ففي هذا الإثبات ما يقرر معنى النفي، ففهم أن المراد انفراده سبحانه بصفات الكمال، فهو سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى موصوف بما وصف به نفسه، ووصفه به رسله، ليس كمثله شيء في صفاته ولا في أسمائه ولا في أفعاله، مما أخبرنا به من صفاته، وله صفات لم يطلع عليها أحد من خلقه، كما قال رسوله الصادق صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في دعاء الكرب: {اللهم إني أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو اسـتأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القُرْآن العظيم ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي وغمي}.
وسيأتي التنبيه عَلَى فساد طريقتهم في الصفات إن شاء الله تعالى.
وليس قول الشيخ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: [ولا شيء يعجزه] من النفي المذموم، فإن الله تَعَالَى قَالَ: ((وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً))[فاطر:44].
فنبه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في آخر الآية عَلَى دليل انتفاء العجز، وهو كمال العلم والقدرة، فإن العجز إنما ينشأ إما من الضعف عن القيام بما يريده الفاعل، وإما من عدم علمه به، والله تَعَالَى لا يعزب عنه مثقال ذرة، وهو عَلَى كل شيء قدير، وقد علم ببدائه العقول والفطر كمال قدرته وعلمه، فانتفى العجز، لما بينه وبين القدرة من التضاد؛ ولأن العاجز لا يصلح أن يكون إلهاً، تَعَالَى الله عن ذلك علواً كبيراً]اهـ.

الشرح:
قاعدة أهْل السُّنّةِ وَالْجَمَاعَةِ في الأسماء والصفات أنهم يثبتون ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إثباتاً مفصلاً، وينفون نفياً مجملاً، وأما طريقة أهل البدع فإنهم ينفون نفياً مفصلاً، ويثبتون إثباتاً مجملاً، والجهمية والباطنية الغلاة والمتفلسفة ينفون جميع الصفات ويوافقون في إثبات صفة واحدة وهي الوجود، وكلامهم خارج عن الكتاب والسنة؛ لأنه لم يرد فيهما الاقتصار عَلَى النفي فضلاً عن النفي بالسلب فقط، وكذلك هو خارج عن الطرق العقلية التي يتخذها بعض مثبتة الصفات -أي: الطرق العقلية التي سلكها الأشاعرة في إثبات الصفات السبع- بل بعضهم يقول: لا نقول موجود، بل نقول: ليس بمعدوم فقط، فهم لا ينفون إلا بالسلب.
وبعضهم يقول: موجود، ويسميه واجب الوجود.
فيُقَالُ لهم: إذا أثبتم وجوداً لا يشبه وجود غيره وهي صفة ثبوتية، فكذلك أثبتوا له استواءً لا يشبه استواء غيره، ويداً لا تشبه يد غيره، وهكذا في جميع الصفات.

وفي هذا الحديث دعاء عظيم فمن دعا بهذا الدعاء فكأنما دعا الله باسمه الأعظم؛ لأنه يقول: {اللهم إني أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحد من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك... إلخ} وفي الجملة الأخيرة يدخل الاسم الأعظم وإن كَانَ ورد أنه في آية الكرسي أو نحو ذلك، لكن حقيقة الاسم الأعظم، أو حقيقة أن لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى صفات وأسماء لا نعلمها، هذه ثابتة بنص هذا الحديث، ولذلك فإن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يثبت له ما أثبت لنفسه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وبعض صفاته التي لم يخبرنا بها، فاعتمادنا عَلَى ما ثبت به الدليل وليس للعقل أو غيره مجال في ذلك، ثُمَّ عاد المُصنِّفُ معقباً عَلَى قول الإمام الطّّحاويّ الذي هو جزء من الآية "لا يعجزه شيء" وهل يدخل في النفي المحض أم لا؟ ونحن نقول: لا يدخل في ذلك لأن هذا جزء من الآية، التي في آخر سورة فاطر ((وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً)) [فاطر:44] ويكون العجز من الإِنسَان بسبب الجهل وقد يكون عالماً بالشيء؛ لكنه لا يقدر عليه، أما الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فإنه نفى عن نفسه العجز، وأثبت العلم والقدرة، فمن كَانَ لديه كمال العلم وكمال القدرة -وهو الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- فإنه لا يعجزه شيء في السماوات ولا في الأرض سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.