ويعجب المتأمل إذ كيف يكون الخوارج على عقيدة المعتزلة، حتى أعداؤهم المقابلون لهم وهم الرافضة والشيعة نجدهم على عقيدة المعتزلة نفسها، فإن أشد أعداء الرافضة هم الخوارج ؛ لأن الرافضة يعظمون علياً إلى حد أنهم جعلوه الإله، وقالوا فيه ما قالوا من الغلو، والخوارج تقول: هو كافر، ومع ذلك إذا نظرنا إلى عقائدهم نجدها واحدة فيما يتعلق بصفات الباري تعالى، والقدر، وخلق القرآن، ونفي الرؤية، عجباً!! كيف حصل هذا؟
نقول هنا -حتى لا تتعارض الأمور في أذهاننا-: إذا أخذنا الأمور بالنظرية الصحيحة وحللناها تحليلاً دقيقاً جداً نجد أنه لا إشكال في هذا أبداً، فالفترة التي اتحدت فيها الفرق؛ كانت في القرن الرابع الهجري تقريباً بعد قوة أهل السنة والجماعة، عندما انتصر الإمام أحمد رضي الله تعالى عنه وأهل السنة في أيام المتوكل، وعاد الخلفاء إلى السنة، وعُممت على البلاد المنشورات، كما حدث من القادر بالله حيث نشر المنشور القادري الذي عُمم على جميع أنحاء الدولة من أطراف الصين إلى أطراف المغرب : أن العقيدة التي عليها الدولة والأمة هي عقيدة أهل السنة والجماعة، أما المعتزلة فقد ثار ضدهم العامة وعلماء وقضاة السنة؛ لأن أهل السنة كانوا مكبوتين أيام المعتزلة، فقد كانوا يرغمونهم على القول بأن القرآن مخلوق، ويعذبونهم ويؤذونهم ويقطعون وظائفهم، ولا يولون أمرهم ولا قضاءهم إلا من يقول: إن القرآن مخلوق؛ فلما أزاح الله هذا الشر قامت العامة، وهاجت على أهل البدع، فكبت أهل البدع عامة والمعتزلة خاصة وذلوا، فتقارب أهل البدع ليكوّنوا جبهة واحدة ضد أهل السنة، فتحول الروافض -في الاعتقاد- في باب الصفات من التمثيل إلى النفي، فالتمثيل الذي كانوا عليه على مذهب هشام بن الحكم الرافضي وداود الجواربي تركوه وأصبحوا يردون الصفات كما هو مذهب المعتزلة، وصار كل أهل البدع يتعاطفون ويتكتلون مع المعتزلة لما نبذوا، وظهرت البدع -تقريباً- في بوتقة واحدة وهي بوتقة الاعتزال وعلم الكلام الذي شهره المعتزلة، فـالروافض -كما تجد شيخهم ابن المطهر يتكلم في نفي الصفات وفي القدر- على مذهب المعتزلة، وتجد الخارجي في أي كتاب من كتب الخوارج يؤيد وينتصر لمذهب المعتزلة، وكذلك الزيدي ينتصر ويؤيد مذهب المعتزلة، رغم الخلافات الموجودة بين الزيدية وبقية الروافض، وبين الشيعة في عموم المسائل، وهكذا وحَّدتهم العداوة لـأهل السنة، وهذا ابتداءً من القرن الرابع، أما قبل ذلك فكانت الخلافات بينهم مشهورة، و شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يأتي بنظرة عميقة جداً، ذكرها في أكثر من كتاب له ومنها الرسالة التسعينية يقول: "إن الذين كان الإمام أحمد يناظرهم لم يكونوا جميعاً من المعتزلة "، الشائع والمشهور لدى الكثيرين أن الخصم هو ابن أبي دؤاد والمعتزلة، ولكن كان ثمة فرق أخرى، إلا أنها لم تكن بذاك الوجود والظهور والقوة التي كانت عليها المعتزلة، يقول رحمه الله تعالى: "بل كان ممن ناظرهم: النجارية والبكرية والضرارية "، وثمة فرق أخرى تأخذ من الاعتزال بعض الشيء وتخالف في البعض الآخر.
هذا وأصل الضلالة الذي تجتمع عليه كل الفرق المخالفة لـأهل السنة والجماعة في الإيمان -سواء من خالفها غلواً وإفراطاً، أو خالفها إرجاءً وتفريطاً- هو: أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص.